مشاهدات
الكثير منا حريصات على أن تغرس في أبنائها الاهتمام بقضية فلسطين والتفاعل معها، بل إن مراهنة العدو الصهيوني على نجاحه ليست على هذا الجيل الحالي وإنما على الأجيال القادمة التي إما سترث فهم القضية ومعرفة عدوها أو تنسى القضية بمرور الوقت، لذا فإن الأطفال أو الجيل القادم هم من سيحملون على عاتقهم هذه القضية فيما بعد، هم من سيحملون معاني العزة والكرامة والفخر بالانتماء لهذا الدين أو معاني الهزيمة والانكسار والهزيمة النفسية واللاانتماء أمام العدو.
لذا من أهم ساحات الانتصار لهذه القضية هم أطفالنا الذين يعيشون بيننا، ولكن كيف؟؟
من مشاهداتي لكثير من الأمهات اللاتي حرصن على شرح القضية للأطفال فهن عادة ما يشرحنها من خلال عرض صور ما يحدث في فلسطين مثلا على الأطفال بهدف كسب تعاطف الطفل، ويحفظونهم الأغنيات التي تبكي ما يفعله الصهاينة بإخواننا، لكنني لاحظت في أكثر من مرة أننا نغرس الهزيمة والإحساس بالعجز في نفوس أطفالنا دون أن ندري ونروج لفكرة الجيش الذي لا يقهر في نفوسهم دون أن ندري وإليكم الأمثلة:
باسل: طفل في الرابعة أو الخامسة من عمره تحكي لي والدته أنها ركبت معه يوما إحدى المواصلات العامة وفي الطريق ركب شخص يرتدي ملابس الجيش في الحافلة التي يركبونها، تقول لي الأم: فوجئت بباسل يصاب بحالة من الذعر ويصرخ ويقول: "ماما يهودي".
محمد: طفل ثلاث سنوات كان يلعب مع الأطفال وأنا أرقبهم من بعد ثم حصل بينهم شجار فقال لهم سأضربكم جميعا فضحكوا منه وقالوا لن تستطيع، فقال لهم "سأذهب لليهود وأحضر مسدس من اليهود وأقتلكم ثم أعيد المسدس لليهود" فاليهود في ذهنه هم من يمتلكون القوة والقدرة على القتل.
عبد الرحمن: كنا مجموعة من الصديقات نجلس معا وأغلبهن أمهات وكان الأطفال يلعبون معا في الغرفة المجاورة، ثم فوجئنا بعبد الرحمن وهو في الصف الثاني من رياض الأطفال يدخل إلى الغرفة بانفعال ويسأل والدته بخوف: "ماما هل سنذهب إلى فلسطين؟" فقالت الأم ببساطة "لا" قال هل أنت متأكدة من ذلك، ألن تغيري رأيك أنت أو والدي؟ كنا نضحك من تلك الأسئلة لكنها لفتت انتباهي لنقطة مهمة، وحينما سألته الأم عن سبب هذه الأسئلة اتضح أن أخوته الأكبر منه كانوا يمثلون مشهدا مسرحيا شاهدوه حول شباب يذهبون لفلسطين ويموت أحدهم شهيدا ويقتل إخوة أحدهم وهكذا فشعر "الطفل" بالرعب الشديد.
حبيبة وعمر: كنا في رحلة ترفيهية في إحدى مناطق سيناء وحينما كنا في طريق العودة أعلن قائد الباص أننا سنمر بإحدى نقاط التفتيش وعلينا إبراز هوياتنا، فتعالت الدعابات من الرجال والنساء الموجودين في الباص حول الأمر، ثم توقفنا للتفتيش وصعد إلى الباص أحد الجنود مرتديا الزي العسكري فجعل الركاب يداعبونه بقولهم هذا الطفل هارب من حماس خذه معك، أو خذ زوجتي وسأهديك هدية كبيرة وما شابه، وما أن نزل الجندي وتحرك الباص حتى وجدت حبيبة الطالبة في الصف الثاني الابتدائي وعمر الطالب في المرحلة الثانية من رياض الأطفال وقد أصيبوا بحالة من الهلع ويبكون بشدة، وحينما قلت لها لماذا تبكين يا حبيبتي لا تخافي، قالت برعب: "هل ذهبنا إلى فلسطين"، قلت لها لا تخافي نحن في مصر، فلم تصدقني وقالت وهي تبكي فأين نحن الآن، قلت لها نحن في مصر يا حبيبتي لا تخافي لا ينفع أن نذهب لفلسطين بسهولة هكذا، لابد أن يكون هناك أوراق واستعدادات كثيرة وشغلانة (كنت أحاول طمأنتها) فوجدتها تقول ببراءة ولكننا يجب أن نتعب من أجل فلسطين، ولم أستطع أن أمنع نفسي من الابتسام.
طارق: طالب في الصف الرابع الابتدائي، يتميز بأنه طفل مرهف الحس ولديه شعور بالمسئولية، كانت لديه مشكلة تحكيها والدته فهو موزع بين قناعته العقلية بضرورة نصرة أهل فلسطين وكل المعاني التي حدثته عنها والدته وبين خوفه الشديد من فقد أحد والديه أو إخوته وكانت أمه تحاول طمأنته فتقول له: أعدك يا طارق أننا إن ذهبنا لفلسطين سنذهب جميعا ولن يذهب أحد وحده، فكنت أداعبها قائلة: أيوة يعني عاملين رحلة واخدين السندوتشات والعصير ورايحين تعملوا عملية استشهادية، وكان طارق يصحوا ليلا في هلع عندما يسمع صوتا عاليا بالخارج ويقول لأمه اليهود دخلوا مصر يا أمي وكان ذلك في فترة تكثفت فيها الأخبار عن المجازر الإسرائيلية في فلسطين.
نحن أنفسنا من كثرة مشاهدة تلك المشاهد المتكررة فقدنا الشعور بالأمر وملأ الكثيرين منا اليأس أو على الأقل الإحباط ولولا فهمنا لوعد الله في القرآن لما كان لدينا أي شعور بالأمل هذا ونحن نفهم معاني الغيب ونصر الله وغيره فكيف بالأطفال؟؟؟؟
كنت أجلس مع مجموعة من المراهقين من العائلة نشاهد التلفاز وجاءت نشرة الأخبار وكان ذلك قبل احتلال العراق بشهور، وكان المذيع يقرأ تصريحات بعض المسئولين الأمريكان بأنهم يهددون بدخول العراق فوجدت الشباب يقولون: "يوووه يوم يقولوا هيدخلوا العراق ويوم يقولوا مش هندخل يا يدخلوا يا ميدخلوش ويخلصونا بقى!!!!!" هل فهمتم خطورة الدور الإعلامي في قتل الكثير من المعاني في نفوس الشباب والأطفال بل والكبار وترويج لما يسمونه بموازين القوى من خلال الأخبار وحدها.
إنها الهزيمة النفسية بأقوى معانيها
وعندي بعض الاقتراحات حول كيفية معالجة هذه القضية بتوازن مع الأطفال
1. أولا علينا أن نعرف أن معالجة القضية مع كل مرحلة سنية تختلف عن الأخرى لذا لا يمكن استخدام نفس الأسلوب مع جميع الأعمار.
2. علينا أن نفهم أن هذه حرب طويلة المدى وعليه فلا نتوقع نصرا خلال يوم أو يومين لذا علينا ألا نفرض حالة طوارئ غير محددة الزمن على الأطفال كما فعلت إحدى الأمهات حينما وجدتها تقول لابنها في الصف الثاني الابتدائي، حبيبي كنت سأحضر لك هذه الحلوى لكنني وضعت ثمنها لأخيك في فلسطين، وفي اليوم الثاني قالت: كنت سأصحبك لهذه النزهة لكن ألغيتها تعاطفا مع أخيك في فلسطين وظلت تستخدم هذه اللغة بدون توازن عدة أيام وبشكل مكثف فقلت لها ضاحكة: يا عزيزتي أنا لو كنت مكان ابنك لكرهت أخي الفلسطيني من كل قلبي فهو المتسبب في عدم حصولي على أي شيء أحبه، ولابد أن نصل بالطفل إلى أن يكون العطاء منه وليس بشكل إجباري وسأضرب بعض الاقتراحات العملية لذلك في نهاية الموضوع.
3. يجب أن يكون الأم والأب محددين فيما يريدون توصيله للأطفال في هذا الموضوع مثلا:
- أن يستغل الحدث للحديث عن فلسطين وتاريخ فلسطين ولماذا نحب فلسطين، وقصة الإسراء والمعراج وقصة عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي بأسلوب شديد البساطة مع عرض صور للمسجد الأقصى وقبة الصخرة والحرم الإبراهيمي وخلافه ويمكن أن يحدث ذلك على شكل مسابقة بين الأطفال يكون فيها مجموعة من الهدايا الجذابة.
- أسلوب القصة شديد الأهمية وسبيلنا للحديث عن مشاعر القوة والشجاعة والعزة فيمكن مثلا أن نحكي عن أحمد الطفل الفلسطيني الذي يمتلئ بحب الله وحب الوطن وكيف يطيع والديه وكيف يساعد الجرحى ويذاكر بهمة ليكون فلسطينيا بارعا وكيف أنه وأصدقاءه من الأطفال يسخرون من ضعف الصهاينة، وعلى الأم أن تتفنن في شرح مشاعر القوة وحب الوطن وعدم التنازل عن القضية من خلال القصة وأذكر أني سمعت رواية عن مالك بن نبي أنه حكى كيف أنه كان طفلا حينما كانت بلاده محتلة من الجيش الفرنسي وكانت المدارس كلها فرنسية ويمنع تدريس اللغة العربية فيها فيقول "كانت والدتي توقظني عند الفجر وتظل تكرر وأنا أستعد للخروج أن تذكر يا بني أنك مسلم، الله ربك، والقرآن كتابك، ومحمد رسولك، والعربية لغتك، والجزائر بلادك، يقول كانت أمي ترددها علي كل يوم قبل أن أذهب للمدرسة الفرنسية" وهكذا أصبح مالك بن نبي.
4. متوقع أن يتعرض الطفل لمشاهدة بعض مشاهد القتل والدمار في فلسطين وعلى الوالدين أن يشرحا بلغة يملؤها الثقة ويملؤها التفاؤل والتأكد بأن النصر لنا مع عرض الصور التي تظهر مظاهر العزة ومظاهر القوة مثل صورة الطفل الذي يطارد الدبابة، أو صور الصهاينة وهم يبكون وهكذا وهو تأس بمنهج القران في غزوة بدر حيث قال تعالى "إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً...."(الأنفال:43) فإذا كان هذا الدعم النفسي مطلوب للرسول عليه السلام والصحابة فكيف بأطفالنا.
5. للأطفال الأكبر سنا يمكن تشجيعهم على التعبير عن القضية من خلال الرسومات أو كتابة بعض الموضوعات أو حفظ بعض الأشعار، أو أن تحضر الأم لهم مجموعة من الأقلام الملونة والأوراق ذات الشكل المميز وتجلس الأم مع أولادها يصنعون مجموعة من الكروت أو الخطابات التي يوجهها كل طفل لأخيه الفلسطيني، ويمكن عمل معرض من مجموعة من الجيران مثلا لعرض إبداعات الأطفال للتعبير عن القضية.
6. يمكن أن تعقد الأسرة جلسة عائلية (لطيفة) يتحدث كل شخص فيها بما فيهم الأب والأم حول مشاعره تجاه فلسطين وما يحدث فيها ثم يقترح كل فرد شيئا تقوم به الأسرة لدعمهم بحيث يترك فرصة للأطفال للاقتراح.
7. يمكن أن يصحب الوالدان الطفل للتبرع لفلسطين بشيء يختاره (مال، لعبة، وما شابه) لأخيه الفلسطيني بحيث يذهب الطفل بنفسه لمكان التبرع ويقوم بالتبرع بنفسه.
8. يمكن أن تصلي العائلة كلها ركعتين للدعاء لفلسطين ثم يقومون بالدعاء بحيث يدعو كل شخص جزءا من الدعاء بصوت عال بما فيهم الطفل.
9. الحكاية عن جبن الصهاينة وكيف أنهم يخافون من المسلم القوي ويخافون من الطفل الفلسطيني عن طريق حكايات تنسجها الأم.
10. نقطة مهمة بل هي في غاية الأهمية وهي غرس معاني التكافل والايجابية في الطفل فكيف نتوقع من الطفل أن يتعاطف مع الفلسطيني ويضحي من أجله وهو لم يتعود معنى التكافل مع من يحيطون به، فمثلا كثيرا ما نجد الأب والأم يقومان بواجبات عيادة المريض أو مساعدة المحتاج أو معاونة الغير بمعزل عن الأطفال، ومن المهم جدا غرس خلق التكافل والواجب تجاه الآخرين والإيجابية كخلق أصيل في الطفل وإلا سيكون هناك انفصام في الشخصية فهو ينشأ على التفكير في نفسه فقط ثم نحدثه عن التعاطف مع من هم خارج حدود بلاده.
لذا على الآباء أن يفكروا بصوت عال مع الأطفال، فمثلا إذا مرض أحد الأطفال في العائلة أو الجيران أو الأصدقاء على الوالدين الحديث مع الطفل حول أنهم يجب أن يذهبوا لعيادة ذلك المريض وكيف أن عليهم أن يفكروا في هدية مناسبة يأخذونها معهم وأنهم يجب أن يفكروا فيما يحبه ذلك المريض ليكون الهدية المناسبة له؛ وإذا أخبرك طفلك بتغيب أحد زملائه من المدرسة على الأم أن تطالبه بالاتصال والاطمئنان على ذلك الصديق.
إذا قام أحد الوالدين بمساعدة أحد عليه أن يحكي عن ذلك خلال جلسته مع الأطفال أو حتى عند تناول الطعام وكيف فكر الوالد في الأمر وكيف أن ذلك واجب أصيل من واجباته، فالأنانية وعدم العطاء أخلاق تتنافى وكل معاني نصرة فلسطين والهدف الأساسي من الحديث عن فلسطين مع الطفل هو غرس أساسيات القضية وخلقها في نفسه وتوريث روح صلاح الدين وعمر بن الخطاب في نفوس الأطفال.
11. يمكن أن نطالب الأطفال بكتابة رسائل بخط أيديهم للمسئولين والصحافة تطالبهم بنصرة القضية.
12. كلما كانت وسائل النصرة نابعة من اقتراحات الأطفال مع بعض التوجيهات من الوالدين كلما كان إحساس الطفل بالقضية أكبر.
13. الحديث عن أهمية الشهادة وسعادة الشهيد وأجره يراعى فيه المرحلة السنية مع مراعاة أن يكون ذلك في معرض حديث عن القوة والعزة والكرامة.
14. حينما يقوم الطفل بأي فعل ايجابي كأن يحصل على درجة جيدة في المدرسة أو يطيع والديه أو يرتب غرفته نرسخ فيه معنى أنه بذلك ينصر القضية ويغيظ الصهاينة مع مراعاة عدم المبالغة في ذلك لكيلا يفقد الأمر الهدف المرجو منه.
15. علاقة الوالدين بالطفل أساسية في توصيل القضية فإذا كانت العلاقة تملؤها العاطفة والحب والكثير من المشاركة واللعب والحكاية يكون التأثير قويا بعكس ما إذا كان الأمر مجرد أوامر وخلافه.
16. يمكن استعراض قصة حصار شعب أبي طالب وكيف نصر الله المسلمين رغم قلة العدد والعدة.
17. يمكن إجراء حوارات مع الأطفال حول أسباب بقاء فلسطين تحت الحصار.
18. نقطة أساسية ومهمة وهي أننا نتحدث مع أبنائنا عن العزة والكرامة والشجاعة لذا يجب أن تكون أساليبنا في تربيتهم ومعاملتهم تساعد على غرس مثل هذه المعاني فيهم، فالطفل الذي يتربى على تعود الإهانة مثلا أو الإذلال اليوم سيكون هو الرجل أو المرأة في المستقبل الذي ننتظر منه مواقف العزة ورفض الذل وهو أمر سنفصله في مقالات أخرى بإذن الله.
واقرأ أيضاً:
الآثار النفسية للحروب على الأطفال / هل تؤثر الحروب على الانتماء لدى الأطفال؟ / وصفة ذهبية للسعادة الزوجية