السر الكامن وراء هذا الامتياز أو الحصانة التي تتمتع بها (إسرائيل)؟
نُلاحظ في هذه الأيام توتراً في أجندة الشرق الأوسط بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للهجمات (الإسرائيلية) على غزة. وكما هو معلوم فقد لحقت بأهالي غزة أضرار فادحة في تلك الهجمات، وهم يسعون منذ عام إلى البقاء على قيد الحياة تحت الحصار (الإسرائيلي) المشدد، وعلى الرغم من كون العمليات (الإسرائيلية) تتنافى مع لوائح حقوق الإنسان والقانون الدولي، فإنه يتعذر على أي لاعب رسمي أو مدني وضع حد لأعمال (إسرائيل) التي تبدو وكأنها "مُعفاة من الالتزام بالقانون الدولي"؛ (فإسرائيل) ومنذ تأسيسها تتمتع بامتيازات وحصانات، وقد تعذر تطبيق أي من قرارات الأمم المتحدة المطالبة (لإسرائيل) بإنهاء احتلالها والكف عن سلوكها المنافي للقوانين. وعلى سبيل المثال هناك قراران لمجلس الأمن الدولي يُطالبان (إسرائيل) بإنهاء احتلالها لغزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان، بيد أن لا (إسرائيل) التزمت بهذين القرارين، ولا استطاع مجلس الأمن الدولي من إقناع (إسرائيل) بشأن الالتزام بهما.
حسناً ما هو السر الكامن وراء هذا الامتياز أو الحصانة التي تتمتع بها (إسرائيل)؟ ومن أين تستمد (إسرائيل) قوتها؟
عند مقارنة (إسرائيل) مع الشعوب المسلمة التي تُشكل الأغلبية في المنطقة؛ أي العرب والأتراك والإيرانيين، سنرى أن لها سكان ومساحة أراضي وجيش واقتصاد أصغر نسبياً. غير أن هذا الوضع لا يعني أن (إسرائيل) ضعيفة. وذلك لأن القوة هي ظاهرة تخص النوع وليـس الكم. فقوة (إسـرائيل) نابعـة من النوع أكثر من الكم. ومن المعلوم أن (إسرائيل) أكثر تقدماً من دول المنطقة في مجالات التقنية العسكرية والمعلوماتية وإستراتيجية السياسة الخارجية، كما أنها متطورة كثيراً في الميادين الصناعية والزراعية والأكاديمية والعلمية والميادين الأخرى. والمصدر الأهم لقوة (إسـرائيل) هذه هو شـتات اليهود المنتشـرين في أنحاء العالم. ومن المعروف أن اليهود القاطنين في جميع الدول المتقدمـة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكيـة وبريطانيا، ويُحولون إلى (إسـرائيل) كميات كبيرة من الأموال والمعلومات والتقنيات. بل أن كل يهودي من شـتات اليهود يُقدم دعماً مادياً (لإسـرائيل) وكأنـه يدفع لها الضرائب!
إن قوة هذا الشـتات هي قوة (لوبي)؛ أي أن الأشـخاص الموالين (لإسـرائيل) في الدول الغربيـة يقومون باسـتمرار بنشـاطات (لوبي) في سـبيل التأثير على السـياسـة الخارجيـة لتلك الدول التي يقطنون فيها والتأثير على قرارات حكومات وبرلمانات تلك الدول لتصب في صالح (إسـرائيل). وفي معظم الأحيان تتكلل هذه النشـاطات بتقديم الدعم (لإسـرائيل).
إن تقديم الدول الغربيـة الدعم إلى (إسـرائيل) ليـس نابع من تأثير (اللوبي) (الإسـرائيلي) فحسـب، بل إنـه نابع في ذات الوقت من انسجام هذا الدعم مع المصالح الذاتية لتلك الدول. وثمة مصلحتين وراء لجوء الحكومات الغربية إلى دعم (إسرائيل)؛ فأولاً يتم العمل على نيل دعم (اللوبي) (الإسرائيلي) في دول هذه الحكومات، ومن ثم يتم السعي لزيادة المصالح الاقتصادية والإستراتيجية والثقافية والعسكرية لهذه الدول في الشرق الأوسط عن طريق (إسرائيل). ولهذا السبب فإن (إسرائيل) تُعد "الطفل الذهبي" للدول الغربية في المنطقة.
غير أننا نخطئ لو قلنا أن (إسرائيل) تستمد قوتها تماماً من مساعيها الذاتية ومن دعم الدول الغربية لها فقط، وذلك لأن القوة في السياسة الدولية هي ظاهرة نسبية؛ أي أنه لا يمكن قياس قوة أو ضعف أي لاعب إلا من خلال مقارنته مع اللاعبين الآخرين. ومن هذا المنطلق يمكن القول "أن قوة أي لاعب هي ضعف للاعب آخر."
وضمن هذا الإطار يُمكن أن ندعي أن قوة (إسـرائيل) تأتي من ضعف جميع دول المنطقـة وعلى رأسـها فلسـطين، ويأتي انشقاق الفلسـطينيين أنفسـهم في مقدمـة هذا الضعف؛ فالفلسـطينيون قد ارتكبوا أخطاءً فادحـةً في أوقات حرجـة لأسـباب أيديولوجية وأخرى فرديـة، كما حصلت لاحقاً انقسامات لا تُصدق بين حركتي "فتح" و"حماس"، الأمر الذي أدى إلى فقدان القوة، ودون الدخول في نقاش حول من الجانب المُحق أو غير المُحق بهذا الشـأن، نُلاحظ أن الخاسـر الأول فيه هو القضيـة الفلسـطينيـة!
والضعف الثاني يتمثل بعدم قدرة الدول العربيـة والإسـلاميـة التي تقدم دعماً "رسـمياً" للفلسـطينيين، عدم قدرتها على انتهاج سـياسـة حازمـة ومنطقيـة؛ إذ تعذر على جميع دول الشـرق الأوسـط وفي مقدمتها البلدان العربيـة النهوض بدور فاعل ومؤثر بشـأن القضيـة الفلسـطينيـة، كما تعذر عليها اسـتخدام مصادر قوتها، وإن كانت محدودة، بصورة صحيحـة وحكيمـة وجماعيـة، بل أدعي أن بعض دول المنطقـة ممتنـة من استمرار المشـكلـة الفلسـطينيـة، وحسـب هذا الإدعاء فإن بقاء القضيـة الفلسـطينيـة بلا حل هو من صالح إدارات بعض الدول السـلطويـة.
وحسب اعتقادنا فإن السبب الأهم وراء بقاء بلدان المنطقة غير ذي تأثير بشأن القضية الفلسطينية، هو حسابات المصالح الدولية لهذه البلدان؛ إذ أن كل دولة من دول المنطقة تسعى إلى كسب مصالح وطنية أو زيادة هذه المصالح من خلال تطوير العلاقات مع الدول الغربية ومع (اللوبي) (الإسرائيلي) في هذه الدول. كما أن دول المنطقة تتجنب القيام بما يلزم بشأن القضية الفلسطينية وذلك بهدف نيل الدعم العسكري والتقني والمالي والاقتصادي والدبلوماسي أو السياسي من الدول الغربية، كما أنها تشعر بالقلق من تعرض مصالحها لأضرار في حال تقديمها الدعم على مستوى متقدم إلى الفلسطينيين أو الوقوف بحزم ضد (إسرائيل)!
ويمكن أن نخلص إلى القول أن قوة (إسرائيل) نابعة جزئياً من مساعيها الذاتية، بيد أنها ناجمة بالدرجة الأولى عن الظروف السلبية لبلدان الشرق الأوسط والدول الإسلامية، ولهذا فإن (إسرائيل) لا تشعر بالخشية من التعرض لضغوط أو عقوبات سواء بشأن موضوع غزة أو بشأن الموضوعات الأخرى.
قدمنا لكم تقييماً للبروفيسور رمضان غوزن رئيس قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة جانكايا.
واقرأ أيضاً:
السياسة الإسرائيلية الأمريكية والموقف االمطلوب/ هذه هي العنصرية النازية الإسرائيلية الأمريكية../ إسرائيل والإرهاب/ الجيش الإسرائيلي و’’الأعراض الفيتنامية‘‘/ مركزية إسرائيل في حياة الدياسبورا