تقرير تفصيلي حول ذكرى يوم الأرض
صادر عن دائرة شؤون اللاجئين
التاريخ: 25/03/2010
تُعتبر الأرض الفلسطينية الركيزة الأولى لإنجاح المشروع الصهيوني كما أشارت إليه الأدبيات الصهيونية، وخاصة الصادرة عن المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا عام 1897م، ومنذ نشوئه دأب الكيان العنصري الصهيوني على ممارسة سياسة تهويد الأرض العربية واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم التي انغرسوا فيها منذ أن وجدت الأرض العربية، وذلك عبر ارتكاب المجازر المروّعة بحق الفلسطينيين، ولم تكتفِ سلطات الاحتلال الصهيوني بمصادرة أراضي الفلسطينيين الذين أُبعدوا عن أرضهم، بل عملت تباعاً على مصادرة ما تبقى من الأرض التي بقيت بحوزة من ظلوا في أرضهم.
ويشكل "يوم الأرض" معلماً بارزاً في التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني باعتباره اليوم الذي أعلن فيه الفلسطينيون تمسكهم بأرض آبائهم وأجدادهم، وتشبثهم بهويتهم الوطنية والقومية وحقهم في الدفاع عن وجودهم، رغم عمليات القتل والإرهاب والتنكيل، التي كانت ومازالت تُمارسها السلطات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، بهدف إبعاده عن أرضه ووطنه.
إن يوم الأرض في الثلاثين من آذار هو يوم الوطن، يوم الشـعب الفلسـطيني، يوم الرفض للمشـروع الصهيوني، يوم الإعلان عن حق الشـعب الفلسـطيني في بقائه على أرضـه، يوم الإعلان عن إصرار الشـعب الفلسـطيني على ممارسـة حقوقـه كاملـة، يوم تفجرت الأرض تحت أقدام الصهاينـة في الضفـة الغربيـة، وقطاع غزة والجليل والمثلث وحيفا والناصرة وعكا، وسـائر المدن والقرى في كامل فلسـطين المحتلـة، لتقول أن الشـعب الفلسـطيني صاحب الحق في هذه الأرض المقدسـة، وهو يُدافع عن أمانـة الدين والتاريخ والعقيدة، التي تهون في سـبيلها كل الشـدائد والآلام.
تأتي ذكرى يوم الأرض هذا العام والاحتلال الإسرائيلي يواصل عملياته الإرهابية ضد الفلسطينيين من قتل وقصف وتدمير واعتقال وحصار، واستفحال الاستيطان وتسارع وتيرة البناء في الجدار، وتهويد القدس عبر سياسة ممنهجة في هدم المنازل، لفرض هجرة قسرية على أبناء شعبنا الفلسطيني في المدينة، وظلَّت الأرض الفلسطينية المباركة على مدى الأعوام الماضية تتعرض كل يوم لعدوان صهيوني غادر، ولهجمة صهيونية شرسة، وكان قدر الشعب الفلسطيني المرابط أن يواجه إرهاب الدولة المنظم الذي تُمارسه الحكومات الصهيونية المتعاقبة، ولا يزال شعبنا الفلسطيني يُدافع عن أرضه ومقدساته، ولا زالت بلادنا المباركة منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا تتعرض المرة تلو الأخرى للتهويد واجتثاث الوجود العربي والإسلامي منها.
في سياق هذه الحرب الخبيثة الظالمة تأتي ذكرى يوم الأرض، ذلك اليوم الخالد سنة 1976م، الذي خرجت فيه جماهيرنا العربية الفلسطينية متحدية ومتصدية لقرار مصادرة أراضيها من قِبل قوات الاحتلال ومؤسساتها بذرائع واهية، كان القصد منها تجريد شعبنا الفلسطيني من أراضيه المتبقية له، لتحقق غايتها المنشودة بفرض سيطرتها واحتلالها لكل الأراضي الفلسطينية، وسطَّرت بذلك ملحمة التثبت والتمسك بالأرض والوطن، معلنة أننا هنا باقون فوق أرضنا ووطنا الذي لا وطن لنا سواه.
لقد هبّ الشعب الفلسطيني في جميع المدن والقرى والتجمعات العربية في الأراضي المحتلة عام 1948 ضد الاحتلال الصهيوني، واتخذت الهبة شكل إضرابٍ شاملٍ ومظاهراتٍ شعبيةً عارمةً، أعملت خلالها قوات الاحتلال قتلاً وإرهاباً بالفلسطينيين؛ حيث فتحت النار على المتظاهرين مما أدى إلى استشهاد ستة فلسطينيين إضافة لعشرات الجرحى والمصابين، وبلغ عدد الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال الصهيوني أكثر من 300 فلسطينيي.
كان الغضب الفلسـطيني في "يوم الأرض" الرد الطبيعي على الهمجيـة الصهيونيـة من قِبل أهلنا في مدن وقرى فلسـطين التاريخيـة، وتعبيراً عن رفضهم للظلم ومصادرة أراضيهم، واسـتجابـة منهم لتحديات نكبـة عام 1948 التي جعلتهم أغراباً في وطنهم، لقد كان يوم الأرض وسـيبقى رمزاً لصمود أهلنا في الجليل والنقب وحيفا وعكا والناصرة ضد تهويد المكان والإنسـان، الذي يُحاول المشـروع الصهيوني فرضه على المواطن الفلسـطيني في أرضـه.
لم تكن أحداث الثلاثين من آذار/مارس عام 1976 وليدة اللحظة أو اليوم الذي تفجرت فيه المواجهات بين الجماهير العربية وبين السلطات الحاكمة في الكيان الصهيوني، بل جاءت هذه الأحداث تتويجاً لتراكمٍ كيفي وكمي لسياسة الاضطهاد والإذلال التي واجهتها الأقلية العربية منذ عام 1948، وكانت رداً على سياسة الكبت والتهميش والتعامل العنصري الذي عاشته الجماهير الفلسطينية بعد الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني، ومقاومة طمس هويتها ووجودها.
في يوم الأرض 1976 قاومت الجماهير الفلسطينية محاولة تهويد منطقة الجليل تحت شعار وحجة تطوير الجليل، فكل تطوير تدعيه الحكومات الصهيونية يعرفه أهلنا هناك بأنه التهويد بعينه، يومها أقرت الحكومة الصهيونية مصادرة آلاف الدونمات من الأرض الفلسطينية في الجليل طبقاً لمخطط تنظيم الأراضي حسب وثيقة عنصرية تُسمى وثيقة (كينغ) التي تضم عشرات الصفحات؛ حيث دعا فيها إلى:
ـ تكثيف الاستيطان اليهودي في الشمال "الجليل".
ـ إقامة حزب عربي يُعتبر "أخاً" لحزب "العمل" ويُركز على المساواة والسلام.
ـ رفع التنسيق بين الجهات الحكومية في معالجة الأمور العربية.
ـ إيجاد إجماع قومي يهودي داخل الأحزاب الصهيونية حول موضوع العرب في (إسرائيل).
ـ التضييق الاقتصادي على العائلة العربية عبر ملاحقتها بالضرائب، وإعطاء الأولوية لليهود في فرص العمل، وكذلك تخفيض نسبة العرب في التحصيل العلمي وتشجيع التوجهات المهنية لدى التلاميذ.
ـ تسهيل هجرة الشباب والطلاب العرب إلى خارج البلاد ومنع عودتهم إليها.
لقد طرح نضال الجماهير الفلسطينية في أراضي 48 قضايا عادلة كالأرض والمسكن وحقوق الإنسان والتمييز العنصري بقوة على الرأي العام المحلي والعربي والعالمي، فكان التضامن الواسع على شكل إدانة صريحة للكيان المحتل، وزاد من "تضامن القوى الديموقراطية اليهودية" مع الجماهير العربية، وصعَّب على حكومات الكيان الصهيونية الاستمرار في عمليات المصادرة الواسعة، ومن ثمار يوم الأرض إلغاء كل القيود العسكرية التي كانت مفروضة ولسنوات طويلة على منطقة الجليل، الأمر الذي مكَّن أصحاب هذه الأراضي من الوصول إليها بحرية وفلاحتها واستثمارها.
يوم الأرض وعودة اللاجئين:
تكتسب الذكرى الرابعة والثلاثون لـ "يوم الأرض" بعداً مختلفاً عند "اللاجئين" الفلسطينيين في مخيمات الوطن والشتات، بما تُجسده من معاني النضال والتشبث بالأرض وحق العودة، وبما تُمثله من ذكريات الحب والحنين بين الأرض وأصحابها، تلك الأرض التي طالما اشتاقت لحبات العرق من جبين من حرثوها وغرسوها طوال سنين عمرهم.
يرتبط "اللاجئون" بين سنوات لجوئهم الممتدة عبر اثنين وستين عاماً كنتاجٍ للتهجير القسري من ديارهم وأراضيهم عام 1948، وبين هبّة الثلاثين من آذار (مارس) عام 1976 التي تُصادف ذكراها هذه الأيام كامتدادٍ للعدوان الممنهج وكعنوانٍ بارزٍ لنضال الشعب الفلسطيني وتمسكه بوطنه وأرضه.
لقد جرت العديد من المحاولات الصهيونية لتوطين المهجرين الفلسطينيين في أماكن لجوئهم، حيث بدأت دولة الاحتلال بعد حرب 1967، بطرح مشاريع توطين "اللاجئين" المهجرين من أراضيهم وذلك لأنها تعتبر أن عودة "اللاجئين" المهجرين إلى أراضيهم التي اغتُصبت سنة 1948 يُهدد كينونتها وأمنها، واعتبرت مشاريع التوطين حلاً لمشكلة أمنها المزعوم.
ومن جهة ثانية أنكرت ما قامت به من مجازر وتهجير للسكان قسرياً، واعتبرت الأنظمة العربية هي "المسؤولة" عن مآسي هؤلاء "اللاجئين" المهجرين، وذلك لاعتقاد الكيان الصهيوني أن الفرصة سانحة أمامه لفرض حلول لقضية "اللاجئين" المهجرين، بسبب الضعف العربي والانحياز والدعم الأمريكي والدولي إلى جانبهم.
لقد جاء على لسان (موشيه ديان) في حزيران 1973 لصحيفة (جيروساليم بوست): "أن أهم أهداف مشـاريع التوطين إفقاد الأطفال إذا خرجوا من المخيم الأمل في العودة إلى يافا وحيفا، وربطهم بأرضهم الجديدة".
لقد فشلت كل الوسائل والأساليب لتطويع هذا الشعب وطرده وتهجيره، وهو يُثبت كل يوم بأنه يصنع المعجزات في الصمود والبقاء، هذا الصمود والتشبث بالبقاء دفع كل صُناع القرار في الكيان الصهيوني للبحث عن كل الخطط والبرامج المشروعة وغير المشروعة، ليس التي تحد فقط من الوجود العربي الفلسطيني في مناطق 48، بل ممكنات الطرد والتهجير القسري؛ حيث نشهد مؤخراً وفي ظل تجذر وتعمق العنصرية والفاشية في التجمع الإسرائيلي، قيام (الكنيست) الإسرائيلي بحملة من القوانين والعقوبات المنظمة تجاه الوجود العربي.
تهل الذكرى ومازال الدم الفلسـطيني المتدفق في خاصرة هذا الوطن الجريح يروي قصـة الأرض الفلسـطينيـة، فمعركـة الأرض لم تنتـهِ بعد؛ فهي متواصلـة مع تواصل انتهاكات وممارسـات واعتداءات الاحتلال الصهيوني البربريـة، وسـتتوقف هذه المعركـة بانتهاء الاحتلال، فالسـنوات الطويلـة من عمر الاحتلال لم ولن تُفلح في فصل الفلسـطيني عن أرضـه، وإنما زادتـه إيماناً وتشـبثاً وتعلقاً بها، لذلك فإننا في هذه الذكرى وأمام هذه الهجمة الشرسة على شعبنا ومقدساتنا نؤكد على ما يلي:
ـ أن أي محاولة للمساس بالمسجد الأقصى المبارك هي مساس بمشاعر المسلمين في شتى أنحاء المعمورة.
ـ إن شعبنا المجاهد الأبي يقف بكل قواه الحية جنباً إلى جنب مع أهلنا في الداخل العزيز وفي الضفة المرابطة في جهادهم لسياسة التهويد وانتزاع الأرض التي تتبعها حكومة العدوان الصهيونية.
ـ نرفض أية عملية لبيع أرض فلسطين للصهاينة الدخلاء، سواء كانت داخل مدينة القدس أو في أي مكان آخر من أرض فلسطين الحبيبة، وندعو أبناء شعبنا مسلمين ومسيحيين للوقوف صفاً واحداً لإحباط كل هذه العمليات المشبوهة.
ـ إن المقاومة حق مشروع طالما كان المحتلّ جاثماً على الأرض الفلسطينية، وطالما أنه يواصل عدوانه على شعبنا الفلسطيني، ويمنع عودتنا إلى أرضنا المحتلة منذ العام 1948 م.
ـ إن هذه الذكرى تؤكد لنا فشل كل محاولات تقسيم فلسطين وتمزيق الشعب الفلسطيني، الذي يُصر على العودة إلى دياره التي أُخرج منها منذ العام 1948م، ليُمارس دوره الحضاري كوحدة واحدة على كامل ترابه الوطني.
ـ إن هذه الذكرى تُشير بوضوح إلى حقيقة المحتلّ الغاصب وتكشف عن زيف ادعاءاته بالسلام، إذ إنها تُذكر بأن هذا الكيان ما هو إلا كائن دخيل غريب، فرض نفسه بالقوة العسكرية والإرهاب المنظم على الأرض الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني.
ـ إن كل الإجراءات التي أحدثها الكيان على الأرض الفلسطينية ستزول بزوال هذا الكيان المسخ.
واقرأ أيضاً:
ماذا تعرف عن يوم الأرض!!؟؟ / يوم الأرض معانٍ معاصرة وذكرى متجددة