قواعد الصحة النفسية للطفل(3)
8 - مراعاة مشاعر الطفل :
ففي مجتمعاتنا - كما قال أحد العلماء- عندنا أمية تربوية وعندنا أمية نفسية، وأمية وجدانية . الأمية التربوية هي أننا محتارون في كيفية تربية الأولاد، ولدينا أخطاء كثيرة، كلنا بلا استثناء بما فيهم من يحاضر في التربية، والذين يقومون بأبحاث كبيرة جدًا في التربية، عندهم أخطاء في تربية أولادهم، لأن موضوع التربية هذا لم يأخذ منا اهتمامًا كثيرًا، أحيانًا نربيهم بطرق محفوظة وأنماط جامدة غير مرنة ، ونصمم عليها، ولا نغيرها مع الوقت، رغم أن الطفل كما قلنا يتغير وينمو، واحتياجاته تختلف من وقت لآخر، لكننا توقفنا عند أنماط جامدة وقواعد صلبة وصممنا عليها فهنا، حتى بالرغم من أن هذه القواعد من الممكن أن تكون صحيحة إلا أن عدم تغييرها وعدم مواكبتها لتطور الطفل ونموه يجعلها غير صحيحة، وتحتاج إلى تعديل وتغيير من وقت لآخر، فعندنا أمية تربوية بلا شك، وكلنا نحتار في كيفية تربية الأولاد، وما نقدمه الآن لن يحل المشكلة، لكنه سيسهل الأمور كثيرًا على الأب والأم، ويكون كمصابيح تنير بعض المناطق، وليست لدينا خبرة كافية لنفوسنا ولنفوس الآخرين، لهذا نحس بعدم الراحة، وعلاقاتنا مضطربة، وهناك الكثير من الصدامات والاحتكاكات بسبب الأمية النفسية، فنحن لم نعطي لهذا الجانب أهمية، بأن نفهم أنفسنا ونفهم الآخرين .
أما الأمية الوجدانية فهي أمية المشاعر، بمعنى أننا لا نعطي للمشاعر اهتمامًا كبيرًا ولا نراعي مشاعر بعضنا بشكل كاف، ولا يهمنا الكلمة التي نقولها إن كانت تؤثر في هذا أو تغضب ذاك ، فكثيرًا ما نقوم بعمل أشياء لا نحس بها ولكنها تسبب آثارًا كبيرة على الناس، والطفل -على وجه الخصوص- كائن رقيق بريء ناعم ولطيف، تكون له مشاعر مرهفة جدًا وتحتاج للتعامل بدقة وحساسية لأن هذا الطفل كيان بريء يحتاج أن تكون في غاية الحرص والحذر في التعامل معه، فإذا انتهكت هذه البراءة بتعامل فظ غليظ خشن لا يقدر أن لهذا الطفل مشاعر وأحاسيس فإنك تؤذيه غاية الإيذاء دون أن تدري ودون أن يستطيع هو التعبير لفظيًا عما حدث له, فالطفل لم يتعود بعد التعبير عن مشاعره بلغتنا المعتادة لذلك حين يتأزم وجدانيًا ربما يظهر عليه ذلك في صورة اضطراب في الشهية أو اضطراب في النوم أو اضطراب في السلوك . والحقيقة أننا لا ندرك هذه المشاعر بدرجة كبيرة وأن مشاعر هذا الطفل مختلفة عن مشاعرنا ولا تظهر بالشكل الذي اعتدناه لأنها لم تأخذ الشكل المميز لكنها موجودة ، ونحن في حاجة لقراءتها بلغتها البسيطة دون تعقيد .
9 - رعاية مواهب الطفل واحترام الفروق الفردية بين الأطفال :
كثير من الآباء والأمهات يريدون للأطفال أن يصبحوا قالبًا واحدًا، يريدونهم بنفس السلوك ،
(الولد ده طيب ومطيع يبقوا كلهم يطلعوا كده ، الولد ده شاطر في المدرسة يبقوا لازم كلهم يكونوا شاطرين في المدرسة ، الولد ده بيعرف يرسم يبقوا لازم كلهم يعرفوا يرسموا، الولد ده حفظ القرآن في سن صغير يبقوا لازم كلهم يحفظوا القرآن في سن صغير) . إهدار الفوارق الفردية يسبب مشكلة كبيرة، أو عدة مشاكل، أولاً : ينكر فطرة خلقها الله في الإنسان، وهي أن كل إنسان في هذه الدنيا يؤدي رسالة معينة ويضيف للحياة شيئًا مختلفًا عما يضيفه باقي الناس، فكيف نريد منهم أن يكونوا كلهم شيئًا واحدًا، نفس الطريقة ونفس الأسلوب وكما نريد لا كما يريدون ، هنا كل فرد سيفقد القدرة الخاصة التي وهبه الله إياها ، حيث أن كل إنسان وهبه الله قدرة خاصة ليضيف بها إلى هذه الحياة، فبإنكارنا لهذه الموهبة، تضيع الموهبة وفي نفس الوقت لن نتمكن من إجبار الطفل على التميز في مجال ليس موهوبًا فيه ، كما يجعل الأولاد يغارون من بعضهم، لأن كل طفل يريد أن يصبح مثل أخيه، ولا يستطيع، يبدأ في كرهه لأنه يشعر بأنه يقوم بعمل شيء يعجب الأب والأم وهو لا يستطيع عمل هذا الشيء الذي يحوز رضا وإعجاب الأبوين، وينظرون إليه على أنه أقل من أخيه، فيغار منه، ويكرهه .
لكن لو أحس كل طفل بأنه محبوب لذاته ولإمكانياته, وأننا لا نقارنه بأخيه، ولكن نقول له أنه متميز في كذا، وأخوه متميز في كذا ، وأننا نحترم قدراتهم ومواهبهم وفروقهم الفردية فإن ذلك يؤثر إيجابيًا عليهم جميعًا .
لو عرفنا هذه الحقيقة وعرفنا أن الله سبحانه وتعالى أعطى كل إنسان قدرة وملكة وموهبة ، يقوم بعمل شيء معين بها في هذه الدنيا، فستختلف أحوالنا بكل تأكيد مع أطفالنا ، سننظر إليهم بعطف ورعاية لكل موهبة عند كل طفل ، بالشكل الذي تظهر به ، وننميها ونهذبها ونكبرها ونوجهها ، لكن لا نطفئها ، فنحن في مجتمع - للأسف الشديد- يقتل كل المواهب ، لأن لدينا تصور أن النجاح نمطي ، وتصور يكاد يكون أحاديًا ، أن الطفل لابد من أن يقوم بعمل أشياء معينة ، ولكن هناك ألوان كثيرة من النجاح والإبداع والعطاء وألون كثيرة من تعمير هذه الحياة ، كل شخص يقوم بعملها بطريقته ، وبالموهبة التي منحه الله إياها ، فلا نشوه هذه الفطرة .
والرسول صلى الله عليه وسلم، كان حوله نخبة ممتازة من الصحابة، كل واحد منهم لديه خلفية ثقافية معينة، منهم العبد، ومنهم السيد، ومنهم التاجر، ومنهم الصانع، ومنهم السياسي والعالم والعسكري، فلم يفرض الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم أنماطًا معينة وثابتة ولم يضعهم في قوالب محددة وإنما نمى كل شخصية لتعطي أفضل ما عندها، فمن لديه ملكة الحفظ حفظ الأحاديث (كأبي هريرة رضي الله عنه)، ومن لديه ملكة القيادة صار قائداً عسكريًا (كخالد بن الوليد رضي الله عنه)، ومن كان لديه ملكة الصوت الندي صار مؤذنًا ( كبلال بن رباح رضي الله عنه)، ومن لديه ملكة التجارة أصبح تاجرًا عظيمًا (كعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه)، وهكذا، كل شخص وضع في المكان المناسب له ليعطي أفضل ما عنده ، وفي النهاية ، تكون لديه باقة من القدرات والملكات تتكامل وتعطي مجتمع قوي مبدع ومبتكر، وهذا ما نفتقده في مجتمعنا الحالي، أننا نفتقد ملكات الإبداع والابتكار في كل المجالات، في العلم والأدب والدين والفن وكل شيء، لأننا لا نرى هذه المواهب ولا نحترمها .
وفي الآونة الأخيرة كثر الحديث عن ما يسمى بـ"الذكاءات المتعددة" مثل الذكاء اللفظي اللغوي , والذكاء المنطقي الحسابي والذكاء البصري الفراغي والذكاء الحركي والذكاء الفني والذكاء الاجتماعي والذكاء الوجداني والذكاء الروحي . وللأسف الشديد نحن لا نقيّم في أبنائنا غير عدد قليل من هذه الذكاءات غالبا الذكاء اللفظي اللغوي والذكاء المنطقي الحسابي , وهذا يهدر بقية ملكاتهم التي أودعهم الله إياها ويتركهم في حيرة ويجعلهم يشعرون بالدونية لأن ملكاتهم ليست لها قيمة عند الناس الذين يحبونهم ويرعونهم . وهذه النظرة المختزلة للأبناء لا تتوقف عند حدود البيت وإنما تمتد أيضًا إلى المدرسة (بل ربما يكون مصدرها الأساسي في المدرسة) حيث يقوم النظام التعليمي على تقدير ملكات محدودة لدى الطالب (غالبًا اللفظية اللغوية والمنطقية الحسابية) ويهمل بقية الملكات والذكاءات , ولهذا نجد الطلاب لا يحبون مدارسهم لأنهم لا يجدون أنفسهم فيها , وقد زاد من هذه المشكلة الانتشار الوبائي للدروس الخصوصية والتي كانت في فترة من الفترات بمثابة التعليم الموازي والآن أصبحت تمثل التعليم البديل , والتعليم في الدروس الخصوصية يقوم على فكرة إعداد كائن امتحاني يحصد أكبر عدد من الدرجات ولا شيء غير ذلك , وهكذا يختزل الطالب كإنسان ويتحول لأداة تجمع الدرجات , فضلاً عن اكتسابه صفات الاعتمادية والانتهازية والاستسهال والمسايرة والنمطية وكلها صفات تخرج لنا جيلاً هزيلاً لا يعتمد عليه .
10 - مراعاة الترتيب والتكامل في وسائل التربية :
قرر علماء التربية أن الوسائل التربوية تتبع حسب الترتيب التالي :
• القدوة .
• الثواب .
• العقاب .
ومع هذا نجد المربين لا يولون القدوة أهمية كبيرة ولا يولون الثواب اهتمامًا أو عناية , وربما تختزل العملية التربوية برمتها في العقاب ويختزل العقاب في الضرب .
وأذكر أنني كنت أزور عددًا من المدارس ووجدت انزعاجًا شديدًا من المدرسين بسبب القانون الذي منع ضرب الطلاب في المدارس , وكان هؤلاء المدرسون يتساءلون:"إذا كنا سلبنا هذه الوسيلة التربوية الأساسية فكيف نتحكم في هؤلاء الطلاب وكيف نستطيع تعليمهم؟" , وكان يبدو جليًا أن لديهم اعتقاد راسخ أن العملية التربوية تسقط تمامًا في حالة انتفاء عقوبة الضرب وربما يعود ذلك إلى الثقافة السائدة لدينا منذ سنوات طويلة والتي اختزلت التربية في العقاب واختزلت العقاب في الضرب وأهملت سائر الوسائل التربوية الأكثر أهمية وتأثيرًا مثل القدوة والثواب والوسائل الأخرى من العقاب كالعتاب والتوبيخ والحرمان ........ الخ .
ولكي تسير العملية التربوية بشكل صحيح لابد وأن تتوازن وتتكامل فيها كل الوسائل التربوية مع مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال , فهناك من تكفيه الإشارة وهناك من تكفيه نظرة العتاب وهناك من ينصلح بالقدوة وهناك من يحفزه الثواب وهناك من يحتاج للعقاب . والمربي الناجح هو الذي يعرف متى وأين وكيف يستخدم هذه الوسائل .
اقرأ أيضاً:
مفهوم اللغة في حياة الطفل / الاضطرابات النفسية لدى الأطفال (3) / عالم عيال كبار - 1- أحمد الأحمر / حتى نعْدل إن عاقبنا
التعليق: أنا كمان ساعات ببقى غبية مع أولادي بس اكتشفت أن موضوع القدوة ممتاز فبنتي العنيدة أخذت قدوة السلطان هيام ليها ورغم أنها قدوة وحشة بس هيا مش فاهمة دا أنا حولتها لقدوة حلوة بأني بقلها كلي براحة ذي السلطانة هيام وطي صوتك زيها اشربي لبن ذيها يعني
ثانيا الثواب الي يعمل حاجة صح بسقف له وأخلي أخواته يسقفوا له واغنيله كمان وأوعده بحاجة حلوة هو بيحبها واخلي باباه يجبهاله وفعلا بيبقوا مبسوطين بشكل
ثالثا العقاب بيبدا بحرمان من اكتر مسلسل كرتون بيحبوه
ولو مجبش نتيجة بهدد بالضرب
ولو مجبش نتيجة بطردهم برة الغرفة لوحدهم
ولو مرديوش ساعتها بيبقى ربنا يتولاه لأني بنسى نفسي وأضرب بغباء بس دا نادرا وساعات ببدأ بضربة على اليد
بس بجد أنا بحاول ألغي الضرب لأنه فعلا بيخلي الأولاد جبناء أو بيكتر من عنادهم واسفة للاطالة