مسكين من يربي طفلاً في أيامنا هذه...
تراه ممزقاَ بين اللجوء للحزم والشدة أحياناً بحثاً عن الكمال وبين شعوره بالذنب نحو الأبناء وخوفه من فقدان حبهم له، يحاول باستماتة أن يصل إلى طريقة التربية المثالية بلا تعقيدات ولا متاهات ... ويكاد يحسد والديه الذين استطاعا تربيته بفطرة سليمة دون الاستعانة بنصائح علماء التربية وعلم النفس.
ومما يغذي مشاعر القلق لدى الآباء ويزيد من خوفهم من الفشل في تربية الابن، أنهم يعلقون عليه آمالاً كبيرة ويحاولون من خلاله تعويض إحباطهم نتيجة ظروف الحياة المليئة بالضغوط، ويرون في هذا الابن الأمل في تحقيق ما فاتهم من أحلام و طموحات. فتجد الأب محدود الإمكانيات يرهق ميزانيته ليوفر لابنه أفضل تعليم ممكن على أمل أن يراه يوماً ما يحقق النجاح الذي لم يستطع هو أن يحققه لنفسه. و تجد الأم تتحمل الكثير من الظروف الاجتماعية القاسية و تتحامل على نفسها حتى لا ينهار هذا الكيان الذي يحتمي به الأبناء .
وهذا القلق يجعل من التربية مهمة صعبة.
والتعامل مع الابن منذ طفولته المبكرة يحتاج إلى ذكاء شديد، فليس المطلوب أن يفرض الآباء إرادتهم كاملة على الابن ويحولونه مع الوقت إلى تابع لا رأي له ولا شخصية، وكذلك لا يمكن أن يحدث العكس فيسلم الآباء القيادة لهذا الابن، يفعل ما يشاء ويأمر فيطاع بلا نقاش ولا توجيه، ولكن خير الأمور الوسط، والاعتدال في معاملة الابن يحتاج إلى مجهود أكبر من اللجوء إلى الشدة أو الاستسلام للتدليل.لأن الاعتدال مزيج من الحزم الذي لا غنى عنه في بعض المواقف، ومن الحنان والمودة في مواقف أخرى يكون الابن فيها أحوج ما يكون إلى من يربت على كتفه ويشعره بالأمان.
وحين يضع الآباء منذ البداية لأبنائهم حدوداً معينة في السلوك والمعاملات ويغرسون بداخلهم مبدأ الثواب والعقاب، فإنهم يجعلونهم أكثر استعداداً للاندماج في المجتمع الذي لا مكان فيه للتدليل أو التساهل، ولكن المهم أن يكون ذلك مغلفاً بإطار من مشاعر الحب والمودة دون إهانة ولا تجريح.
فالتربية ليست معركة يجب أن ينتصر فيها الآباء ولكنها اختبار يدخلون فيه مع أول يوم يرزقهم الله فيه بهذه النعمة الغالية، وحق شكر هذه النعمة لا يكون إلا بصيانتها وتعهدها بالحب والصبر كالنبتة الصغيرة إلى أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه شجرة قوية تقف ثابتة صلبة أمام كل صعاب الحياة.
نقلاً عن www.psychologies.com
اقرأ ايضا
كيف نُعد دستورًا أسريًا؟(2) / كيف نربي طفلاً منظمًا؟ (2)