إن بناء علاقة ثقة هو شيء هام بالنسبة للحامل، فهي تعاني من تغير فيزيائي وعاطفي دراماتيكي في حياتها مما يوجب تقديم الاهتمام والعناية لهاتين الناحيتين عندها، حيث تشعر أنها ضعيفة وبحاجة للمساعدة ممن حولها، وكلما استطاع الطبيب أن يشجع الأب على المشاركة في المراحل الأولى من الرعاية تراجع شعور الحامل بوحدتها وانزعاجها خلال الحمل. ومساهمة الزوج يمكن أن تكون بمشاركة زوجته في حضور دروس الولادة أو حضوره الفحص الحكمي لزوجته.
إن إعلام الزوجين بصورة مفصّلة عن الأمور التي يجب عليهما توقعها نتيجة الحمل يساعد على التخفيف من قلقهما، فالتعامل مع المخاوف المتعلقة بواقع معلوم أيسر من تلك التي يكون المجهول محورها.
وبينما لا وسيلة في يد الطبيب لإبعاد القلق عن الزوجين المترقبين فإنه يستطيع أن يزيد ثقتهما ويطمئنهما بأن الحوادث الخطيرة أثناء الحمل والولادة نادرة كما تبين الإحصاءات والأرقام، وأن القلق من حدوث أذية للأم أو الطفل هو شعور طبيعي. هذا وتعتبر الكتب والأفلام ودروس الولادة وسائل ضرورية في هذا المجال خاصة إذا رافقها نقاش الزوجين والحوار معهما.
وبما أن الخبرة التي يكتسبها الزوجان خلال الحمل والولادة ستؤثر على سلوكهما كوالدين لابد من تشجيعهما على تحمّل المسؤوليات في اختيار القرارات المتعلقة بالحمل والمخاض والولادة، كلما كان ذلك ممكناً طبياً. فإذا لم يتقبّل الطبيب خيار الزوجين كـالولادة في المنزل أو الولادة الطبيعية في مقابل العملية القيصرية مثلاً... الخ، وجب عليه أن يوضح أسباب ذلك حتى يأخذ الزوجان قرارهما بعد تفكير وتمعّن، فواجب الطبيب مساعدتهما في اتخاذ القرار بما يحقق مصلحة الأم والجنين.
وتعتبر الشدة Stress مؤثرة على سير الحمل، لذلك يجب على الطبيب والقابلة الانتباه للشدة والقلق الحادثين أثناء الحمل، وإتاحة الفرصة للزوجين للتعبير عن مشاعرهما، فهذا يبدد الشعور بالوحدة في خوض هذه التجربة وأن هناك من يهتم بما يشعران به. وإذا كانت المشكلة تحتاج لمهارات خاصة في التعامل فيمكن تحويلهما للأشخاص المؤهلين لذلك، ولكن تحويلهما من أجل الاستشارة Counseling لا يعني عدم حاجتهما لطبيب التوليد أو القابلة، فالحاجة لوجود شخص ثابت أهل للثقة يعتمد عليه في فترة الحمل تزداد بالنسبة للزوجين المحوّلَين للاستشارة.
الحمل غـير المرغوب فيـه
إن الحمل بالنسبة لبعض النساء هو أمر مرغوب فيه، لكنه بالنسبة لأخريات حالة غير مخطط لها وغير مرغوب فيها، فقد تواجه الحامل صعوبات مادية أو زوجية أو حتى صحية بسبب الحمل. والتفكير في الغرب عموماً هو أن الموارد المادية لبعض العائلات هي في الأصل محدودة، وإضافة طفل آخر للعائلة يشكل عبئاً جديداً وثقيلاً، إضافة إلى إن هؤلاء النسوة اللواتي أنجبن وأتممن عائلاتهن ربما يرغبن بمزيد من الحرية عندما يكبر أطفالهن وربما يرفضن لعب دور الأم من جديد.
ومهما كان السبب في عدم الرغبة في الحمل فإنه يسبب صراعات conflicts داخلية عند الحامل، فالمرأة رغم شعورها بالسعادة بسبب الحمل، إلا أنها ربما تشعر بالاكتئاب والقلق بسببه أيضاً، وقد تتعامل مع الحمل بسلبية وربما بعنف أحياناً، لذلك فإن الاستشارة Counseling هي وسيلة قيمة لمساعدة بعض النساء في اتخاذ قرارهن فيما يخص الحمل غير المرغوب فيه.
مبادئ الاستشارة
إن الاستشارة التي تطلبها الحامل بحمل غير مرغوب فيه تتطلب من المسؤولين عن الاستشارة وضع آرائهم الخاصة جانباً وذلك لنتفهم أكثر رغبات الحامل واختيارها، ولنتجنب اتخاذ موقف أخلاقي معين، ولنحاول أن نتفهم الوضع الحياتي للمريضة وسبب شعورها بالتناقض حول حملها وعدم رغبتها به، ولنستعرض لها جميع الخيارات الممكنة، ولنناقش ردود أفعال المريضة حول هذه الاقتراحات وطرق دعم المرأة الحامل من قبل زوجها وعائلتها. ومهما كان القرار الذي اتخذته فعلينا أن نسمح لها بفترة من الزمن لتعرف حقيقة مشاعرها حول هذا القرار، وعلينا أن نجنبها الوقوع في هذه المشكلة مستقبلاً.
وفي الاستشارة فإن أزمة الحمل غير المرغوب فيه يمكن أو تكون فرصة لنضج أكبر للمرأة الحامل ولزيادة إحساسها بالمسؤولية الملقاة عليها بسبب تصرفاتها، هذا في الغرب عموماً أما في بلادنا فان التخلص من الحمل محرم في جميع الديانات ولا يجوز التخلص من الحمل إلاّ في حالات خاصة جداً؛ كالخطر على حياة الأم، أو تناول أدوية مرافقة مع الحمل لها تأثير مشوه وماسخ للجنين... أوماشابه، ومع ذلك لا ينكر وجود حالات إجهاض تتم بموافقة الزوجين ولكن على نطاق محدود، وكذلك معظم حالات الحمل خارج نطاق الزواج تنتهي بالإجهاض وبشكل غير قانوني.
المخاض المحرض
إنّ هذا الموضوع له أوجه قانونية وأخلاقية عديدة، ففي عام 1980 في.U.S.A أكثر من مليون ونصف المليون حالة مخاض محرض، وهذا العدد أكثر من العدد الذي وجد في عام 1973 بمرتين تقريباً، وفي عام 2006 كانت حالات المخاض المحرض في U.S.A تقارب 2.76 مليون حالة.
إن هذا الخيار هو أكثر شيوعاً عند الحوامل غير المتزوجات وعند النساء العديدات الولادة واللواتي لايرغبن بحمل جديد، كما أن نسبة قليلة من النساء تستعمل هذه الطريقة كأحد طرق منع الحمل، وبالتالي يمكن أن نتعرض لعدد من المخاضات المحرضة، لكن غالبية النساء تجد أن هذا الخيار أكثر صعوبة من الخيارات الأخرى، ومعظم المراهقات والنساء اللواتي اتخذن هذا القرار ينحدرن من عائلات ذات بنية سليمة ولها مستوى اجتماعي واقتصادي مرتفع ويكون للمرأة سجل أكاديمي مرتفع (أي مثقفة) أكثر من النساء اللواتي يتخذن قراراً بالإبقاء على الحمل، وبمجرد تنفيذ المخاض المحرض تشعر المرأة بالارتياح.
لقد أظهرت عدة دراسات أجريت في بريطانيا وأميركا وجود خطر نفسي ضئيل بعد المخاض المحرض ويكون الخطر ضئيلاً مقارنة بالأخطار النفسية الناتجة عن الاستمرار بحمل غير مرغوب فيه، ويكون الخطر النفسي على أقله إذا حدث تحريض المخاض في الثلث الأول من الحمل قبل بدء حركات الجنين، ومما لاشك فيه أن المخاض المحرض تحت شروط طبية ملائمة ينقذ حياة المرأة العاطفية والفيزيائية، وفي دراسة أجراها Ford على مجموعة مكونة من500 امرأة أجرين المخاض المحرض بين العامين 1970-1968 وجد أن أكثر النساء استفادة من المخاض المحرض هن (الأمهات المتعبات- Tired Mothers) اللواتي ينظرن إلى أنفسهن وكأنهن "مصنع للأطفال"، وأظهرت دراسات معاصرة في فرنسا والسويد والنمسا أجريت بين عامي 2003-2005 أن معظم النساء في الحمل غير المرغوب فيه قد تحسن بعد المخاض، ومع ذلك يجب أن نبقي في ذهننا بالنسبة لبعض النساء بأن المخاض المحرض قد يترافق ببعض المخاطر النفسية والنتائج الانفعالية بعيدة المدى، وأكثر المشاكل مصادفة عقب الإجهاض هي الأسف على فقدان الجنين والشعور بالذنب لاتخاذ هكذا قرار، وهؤلاء النسوة ربما يصبن بتفاعل أسى على الطفل المفقود وربما تكرر هذا الحزن عندهن كل عام في يوم المخاض أو في اليوم الذي كان يجب أن يولد فيه الطفل.
ويتبع >>>>>>: بداية الحياة: مشكلة العقم
المصدر: المجلة الإلكترونية للشبكة العربية للعلوم النفسية
واقرأ أيضًا:
فهم الطفل والمراهق