ينظر والدي الطفل في معظم الأحوال إلى اللعب بوصفه نشاط يقضي فيه الطفل بعض الوقت - الضائع- وكثيرا ما يهدف الوالدين إلى تقليص وقت لعب الطفل قدر الإمكان لصالح أنشطة أخرى، كالدراسة، أو تعليمه بعض السلوكيات أو المهارات التي ترغب الأسرة في إكسابه إياها........
ولكن حقيقة الأمر تبدو غير ذلك.فاللعب في حد ذاته مجالا خصبا لنمو الطفل وإكسابه العديد من المهارات والقدرات التي يصعب عليه اكتسابها بعيدا عن مجال اللعب.
ونظرا لهذه الأهمية فقد ذهب بعض الباحثين في تعريفهم للعب إلى حد وصفه " بالحياة الأساسية للطفل" وذلك خروجا به من التعريفات السابقة والتي كانت تركز على أن اللعب هو " كل ما هو ليس عمل منظم " .
ويرجع اكتشاف أهمية اللعب في حياة الطفل وفي مروره بالمراحل السوية للنمو إلى أزمنة بعيدة، فقد فطن (فرويد)- وهو مؤسس مدرسة التحليل النفسي - إلى أهمية اللعب في حياة الطفل من حيث مساعدة الطفل في تفريغ رغباته ومشاعره على ألعابه، وبالتالي التخلص منها وتحويلها إلى سلوكيات ربما يرفضها الوالدين، وذلك حينما لاحظ (فرويد) حفيده في لعبته الشهيرة التي يرمز لهابـ (da - fort) وذلك حين وجد فرويد أن حفيده يلقي بأي شيء يقع في متناول يده ويصيح (fort) والتي تعنى في الألمانية ذهب أي اختفى بعيدا ، ثم يعيدها ويصيح (da) أي جاءت أو هاهي ذا، وكان الطفل يلعب هذه اللعبة في حالة غياب الأم، ويشير فرويد إلى أن الطفل بهذه اللعبة إنما هو يحاول أن يتخفف من القلق والضيق الذي يعانيه في غياب أمه، فيشعر نفسه من خلال لعبته أنه هو الذي يجئ بها وهو الذي يبعدها ، فيشعر وكأنه يتحكم في الأمر، أو بلغة فرويد يتحول من مفعول به لا يملك من أمره شيئا إلى فاعل يتحكم ويسيطر .
ونحن نشاهد الأطفال حولنا وهم يمارسون السلطة على ألعابهم حيث يجلسونها في المكان الذي يشاءون، ويدرس لهم ويضربهم، ويشعر بأنه يأمر ويطاع، كما هو الحال بالنسبة لوالديه في علاقتهم به.
كذلك فإن قدرة الطفل على التخيل -وهى قدرة هامة ومتطلب أساسي من متطلبات نمو الطفل - إنما تنمو من خلال اللعب التخيلي، فهو يتحدث إلى العرائس ويستمع إليها ويعاقبها، ويقبلها، ويعلمها، ويسمعها ما تعلمه، وكأنه يكرر لنفسه.
ليس ذلك فقط بل إن مختلف القدرات والمهارات الاجتماعية إنما يكتسبها الطفل من اللعب فالطفلة تتعلم دورها كأم وتمارسه مع دميتها التي تصفف لها شعرها ثم تغير لها ملابسه ثم تطعمها.....
ولذا فإننا نرى في حياتنا اليومية أن ألعاب الطفلة الأنثى تختلف عن ألعاب الطفل الذكر، وكأنهم أدركوا طبيعة دور كلا منهما. وهى عملية هامة في التطبيع الاجتماعي للطفل .
أما عن اللعب الجماعي فهو يعلم الطفل أيضا الكثير من المهارات من أهمها تطوير لغة الطفل تصلح في التعامل مع الآخرين ومن هم غير أفراد الأسرة التي تستجيب لطلباته حتى دون أن يتلفظ بها.
كما أنه يتعلم أيضا أنه يعيش مع أخر له حقوق مثله، فيتعلم أن له دور وأن عليه الالتزام به وإلا ثارت عليه الجماعة أو حرم من اللعب مع الفريق.
شيء أخر على نفس القدر من الأهمية وهو أن الطفل يتعلم كيف يتخلى عن بعض رغباته وممتلكاته للآخر إذا رغب في التواجد معه أو الاستمتاع بحاجة هذا الأخر وممتلكاته.
وبهذا فإن أي نمو سوى لا يتم دون اللعب مع الأخذ في الاعتبار أن لكل مرحلة نوعية الألعاب التي تتناسب معها .
حفظكم الله وأبنائكم من كل شر.
اقرأ أيضاً :
التربية الجنسية والطفولة/ تربية بلا مشاكل، هل هي حقاً معادلة صعبة؟ / كيف نُعد دستورًا أسريًا؟(2)