كثرت دعاوَى الكلام في الجنس، وأهمية تدريس الثقافة الجنسية لطلابنا، كما كثر اتِّهام الدين وعلمائه بكونهم السبب فيما وصل إليه المجتمع من قلة في الوعي، وقصور في المعلومات في المواضيع الجنسية، بسبب تكتمهم وعدم كلامهم في مواضيع الجنس (على الملأ)؛
كما كثرت وانتشرت أيضاً فضائح الجنس، وقد يلفت الانتباه -أو يجب أن يلفته- التزامن بين الأمرين، ليظهرا ويكثر تناولهما في نفس التوقيت!!!
وتجاهَل الجميع حقيقة أن الجنس فعلا كان ولا يزال يُدرس في الجامعات سواء في كلية الطب، أو في كليات الفقه والشريعة، وإحقاقاً للحق، فإن الكتب الدينية، والفقهاء كان لهم السبق في نشر علوم الجنس والخوض في أدق التفاصيل الجنسية منذ بذوغ فجر الإسلام، وأنا شخصياً أذكر أن كتب الطب التي كانت مقررة علينا في عهدنا لم تكن تحتوي على قدر كافٍ من المعلومات أو العلوم الجنسية، بالمقارنة بكتب الفقه الإسلامي، وقد استمر ذلك الوضع إلى عهد قريب، وإن كان الحال قد تطور بعد جيلين أو ثلاثة ممن هم بعدنا..
فباسثناء بضع محاضرات (أقل من عشرة محاضرات) كانت تقام على مدار العام، تحت عنوان علم الجنس والخصوبة (معاً) التي كان يقوم بها أستاذنا، وأستاذ أساتذتنا، الدكتور عزيز خطاب رحمه الله، لم يكن لكلية الطب أي نشاط (جنسي) يذكر غير ذلك، ولم يحدث، كما لم يكن في الحسبان أن يحدث أن نواجه سؤالاً في علم الجنس (وليس الخصوبة) في أي من اختبارات كلية الطب في جيلنا..
وأعتقد أن موضوع الثقافة الجنسية، لا يعني نشر الإباحية وتعليم الشذوذ من الجنس، كما أنه لا يعني أيضا فتح باب الكلام في الجنس على مصراعية، وفي مختلف الأجواء، ومن كل من هب ودب، ومع كل من أحب، ولا أن يكون مرتعاً لكل من أراد فرقعة إعلامية أو صفقة دعائية، فكل هذا يخرج من بوتقة أخرى غير الثقافة.
كما أن موضوع الثقافة الجنسية لا يجب أن يكون مدخلا لكل من جهـِل بالدين للخوض في انتقاد الفكر الديني الحقيقي، والمتوازن.
فالثقافة الجنسية، كأي نوع من الثقافة، تعني تنقية الوعي العام من المعلومات الخاطئة، ونشر ثقافة الوعي بما ينفع الناس ويمنع الضرر والمفاسد عنهم، وهذا هو من صميم أهداف الدين الإسلامي الحنيف وعلمائه.
لا حياء في العلم، ولا حياء في الدين، ولكنه دين الحياء والعلم
ولا حياء في العلم، كما أنه لا حياء في الدين، تعني أن الحياء لا يمنع السؤال، ولا يستوجب الاستمرار على الخطأ، وإلا لبقي الناس على جهلهم، كما أنها لا تعني نفي صفة الحياء عن العلم، أو عن الدين، الذي هو أيضا من باب العلم......
ولا تتنافي مع كون الحياء شعبة من شعب الإيمان، كما ورد في الأثر الشريف.
أما الكلام عن الجنس، فهو كأي شيء، فيه ما يباح، وما لا يباح، فكما قلنا يكون كله مباح عند السؤال للعلم، سواء الديني أو الدنيوي.
ولكن السؤال بهدف العلم والتعلم، حتى فيما لا يتعلق بالجنس له أسلوبه العلمي المحترم، كما أن الرد على السؤال له أسلوبه أيضاً، ومثلا؛ فإن من أصوله أدب التلقي، فلا تجوز مثلا السخرية من القائل، أو من القول... وهكذا...
ولكي تتضح الأمور، فإن الكلام في الجنس يكون من غير المباح، إذا كان يثير الشهوة في غير موضعها، أو ما يقال لهذا الهدف حتى من باب ادعاء العلم، أو أن يكون من الجهلاء الذين يثيرون الشهوة بمجرد ظهورهم بمظهر يخدش الحياء وهم يتكلون في هذه المواضيع.
كما أن خدش الحياء لا يكون في الكلام عن المواضيع الجنسية فقط، فقد يتم خدش الحياء من إيماءة، أو تعليق أثناء الكلام حتى عن القسوة أو السياسة.
وعند الكلام في مواضيع الجنس، بما أنها مواضيع شهوة، فقط يجب الالتزام بالمنهج العلمي، وليس إلا، ومن خلاله فالكلام كله مباح، ونجد ذلك في كتب الفقه المحترمة، وكذلك في كتب الطب، وأيضا في الدروس العلمية، والثقافية.
وبالرغم من ذلك فقد يكون ذلك مثيراً للشهوة عند بعض الناس، وهنا ينطبق عليهم القول، أن الكلام العلمي في الجنس يكون قذرا أو مثيرا فقط، عندما تكون عقول المتكلمين أو المتلقين قذرة، وشهوانية (it is dirty in dirty minds)
وأيضاً يكون الكلام العلمي في الجنس مثيرأً للشهوة، وأحياناً نشراً للدعارة إذا قيل من قِبل أشخاص يتسمون بالخلاعة والفسق، حتى لو تحشموا في كلامهم...
وأكرر أن الكلام من أمثال هؤلاء قد يكون مثيراً حتى لو كان في غير الجنس.
وأخيراً....
- على كل من يريد أن يتثقف جنسياً، على طريقة الإسلام، أولا أن يتوجه لكتب الفقه الإسلامي، ثم لكتب العلوم الطبية فيما يخص هذه المواضيع، ثم عليه بعد ذلك أن يتوجه بالسؤال عما يجول في نفسه –أيا كان– لمن هو متخصص في تلك العلوم، وبلا حياء من السؤال...
- ومن الخطورة والخطأ أن نتوجه بالأسئلة لمن هم مثلنا من الأصدقاء مثلا، وممن هم يحتاجون أيضا إلى التثقيف من مصادره الأصلية...
- كما يجب على كل من هو عرضة للأسئلة في تلك المواضيع، من أطباء، ومدرسين، ومدرسات، وأئمة مساجد وإعلاميين، وكل من له دور في نشر الثقافة أن يكون على قدر كاف من المعلومات الصحيحة من مصادرها الأصلية -العلمية والدينية- وألا تكون ردودهم ما هي إلا وجهات نظر من خلال تجاربهم الشخصية التي قد تكون خاصة أو خاطئة، بما أنهم ربما قد يجدون الحرج من قولهم (لا أدري)،
ومن قال لا أدري فقد أفتى...
واقرأ أيضاً:
التربية الجنسية والطفولة / الجنس في حياتنا / التربية الجنسية (1) مرحلة الطفولة(1-2) / التربية الجنسية (3) مرحلة البلوغ (1-2) / التربية الجنسية (4) (ما قبل الزواج)( 1-2)