|
|
|
استحضار النية في دراسة اللغات الأجنبية ::
الكاتب: د.مجدي سعيد
نشرت على الموقع بتاريخ: 09/09/2004
استحضار
النية في كل عمل من
الأعمال أمر حيوي في حياة الأمة وفي حياة أفرادها وتجمعاتها،
والأمر بداية هو استجابة للتوجيه النبوي في حديث النية المشهور. والنية كما
هو معروف عمل قلبي في الأساس، ولكنها أيضا مما يجوز التلفظ به، أي إعلانه، كما أنها
لابد وأن تترجم إلى سلوك عملي يدل على صدقها هذا ما أنبأنا به فقهاؤنا. لكن دعونا
الآن ننظر إلى الأمر نظرة أخرى تقرب الأمر أكثر، النية تطابق ما يطلق عليه في
مصطلحات علم الإدارة الحديثة: الهدف. والأهداف في ذلك العلم إما أهداف نهائية
Final Goals
أو أهداف مرحلية Objectives.
والهدف النهائي لكل مؤمن لا يتحقق إلا في الآخرة، وقد
وضعه لنا الله وبينه رسول الله في دعائه المأثور: اللهم إني أسألك رضاك والجنة
وأعوذ بك من سخطك والنار.
أما الأهداف المرحلية فيضعها المؤمن لنفسه في الدنيا
ليحقق بها الوصول إلى هدفه النهائي في الآخرة، وأستطيع أن أقول أن تلك
الأهداف المرحلية إن هي إلا أهداف الأمة الإسلامية ككل والتي تحقق لها مصالحها، وهي
الأهداف – الأشواق - التي يجب أن تملأ قلوب أفرادها.
لكن هل للنية فائدة أخرى غير ذلك؟
الإجابة نعم. وجود النية والهدف خاصة في الأعمال ذات الظاهر الدنيوي مثل
الدراسة أو العمل تحقق فوائد نفسية كبيرة، إنها تكسب العمل أو الدراسة طعما
لا يدانيه طعم أي هدف دنيوي، وهو ما لا يدركه الكثيرون من أفراد الأمة الذين يعيشون
حالة من غبش أو غياب الغائية. كذلك فإن وجود نية أو هدف سامي للعمل تكسب العمل حياة
وحيوية دافقة لا تتحقق بغيرها.
لكن ما علاقة هذا كله بدراسة اللغات الأجنبية؟
هذا ما أحاول في هذا المقال
أن أضع له إجابة.
الدعاة واللغات الأجنبية
ولكن قبل أن أغوص في أعماق الموضوع، لعلني أضيف هامشا آخر قبل البدء،أجيب فيه على
تساؤل: وما صلتنا نحن الدعاة، أو ما صلتنا نحن
من نريد الانخراط في سلك الدعاة بهذا الأمر؟
وللإجابة دعونا
أولا نستدعي صورة المبشر أو المنصر الذي يذهب إلى بلد يتكلم الصينية على سبيل
المثال وهو لا يجيد إلا الفرنسية، هل يمكن له أن ينجح في دعوته إلى دينه؟ الإجابة:
بالطبع لا ، اللهم إلا إذا نجح حديث الطرشان في إقناع أحد بتغيير دينه!!
دعونا أيضا نستدعي صورة داعية أرسله الأزهر
إلى إندونيسيا أو مالاوي أو حتى إنسان مسلم ذهب ليعيش في البرازيل أو في منغوليا
مثلا وأراد أن يدعو القوم هناك إلى دينه، أو حتى يدخل في حوارات عشوائية – مجرد
دردشات- تتناول أمور دينية،
هل يمكن أن ينجح أيا من هؤلاء في الدعوة لدينه بلغة الإشارات؟!!
ربما يثير البعض اعتراض بأن الأئمة الذين يرسلهم الأزهر إنما يذهبون
ليقيموا الشعائر في مساجد المسلمين، وإقامة الشعائر لا تحتاج إلى تعلم لغة ما، أقول
نعم هذا إذا اقتنعنا أن الدعوة هي مجرد إقامة شعائر، أو مجرد إلقاء لخطبة الجمعة
وإقامة الصلاة، أو إذا اقتنعنا أن الداعية يمكن في يوم من الأيام أن يكون موظفا
يحضر إلى مقر عمله في المسجد، فيؤدي المطلوب منه لا يحيد عنه، ثم ينصرف لا كلم أحدا
ولا أحد كلمه!! هل يمكن أن يتصور أحد أن هذا يحدث بالفعل، وأن الدعاة الذين
يسافرون من هنا أو هناك ربما لا يعرف أحدهم إلا اللغة العربية، لا ولا حتى يعرف
الإنجليزية أو الفرنسية، ناهيك
عن أن يعرف المالاوية أو المنغولية أو أو..هل
للدعاة إذا صلة بالأمر؟
دراسة اللغات لماذا كانت؟
منذ قرنين من الزمان أو أكثر وبلادنا تستقبل زوارا من كل جنس
ولون يأتون لزيارتنا في أثواب مختلفة، إما في زي قناصل الدول أو في زي
التجار أو العمار أو الرحالة، أو في زي المبشرين، أو يأتوننا غازين سافرين، وفي كل
تلك الصور كانت اللغة حاضرة على الدوام، فقد كانت أداة للدراسة والبحث، أو مادة له.
وما لبث أن تحول الكثير من هؤلاء القادمين إلى دارسين لبلادنا لغة وثقافة، حضارة
وتاريخ، أو جامعين للمخطوطات والآثار، وهم من سموا فيما
بعد بالمستشرقين، الذين كانوا في الحقيقة بمثابة كتائب الاستطلاع التي
تسبق الغزاة أو التي تمهد للاستغلال وتحقيق المصالح. ومع نكبة بلادنا بالاستعمار
استمر هؤلاء القادمون من ذوي الأثواب المتنوعة في عملهم مؤسسين لعلم جديد نما وتطور
مع حركة الاستعمار وأنماه وطوره الاستعمار نفسه ،وهو علم
الأنثروبولوجيا .وقد كان تعلم اللغة والإقامة الطويلة لأعوام في المجتمعات موضع
الدراسة، هي من شروط العمل الميداني لذلك العلم.
وعندما صدمت الأمة المصرية طلائع الغزو الفرنسي عام
1798، كانت تلك الصدمة
كفيلة بإيقاظ الوعي لدى أولي النهى من أبناء أمتنا ومنهم
الشيخ
حسن العطار الذي تربى على يديه كل من
الشيخ
رفاعة الطهطاوي والشيخ
محمد عياد الطنطاوي، الذي كان لكل منهما شأن مع اللغة،
فقد سافر الأول إلى فرنسا وتعلم لغتها وعاد ليؤسس مدرسة
الألسن، أما الثاني فقد عمل معلماً للغة العربية
وآدابها للأجانب في مصر، ثم سافر إلى روسيا وعمل أستاذا للغة العربية وآدابها في
كلية الدراسات الشرقية في سان بطرسبرج بروسيا.
ومن ثم كانت "مدرسة الألسن" جنينا من أجنة
الوعي قدر لها أن تستعمل اللغة كأداة لنقل علوم الآخرين إلى بلادنا كوسيلة لري بذور
الوعي والنهضة في تربتنا،وقد فعلت ذلك في بداية عهدها، لكنها عدى عليها عادي الزمن
فحرفت عن غرضها الأول، بل إنها انقلبت لتخرج لنا عددا من المنهزمين نفسيا أمام
حضارة الأغيار. ومع انتشار أمثال مدرسة الألسن في جامعاتنا، انتقلت الصورة والشكل
ولم تنتقل معها الرسالة، فكيف كان ذلك؟
لن أجيب على ذلك من وقائع التاريخ فذلك شأن شرحه يطول، لكنني سأجيب من واقع الحال
الذي صرنا إليه بعد أكثر من قرن ونصف على تأسيس المدرسة.
أغراض دراسة اللغات في بلادن
بعد رحلة طويلة انتهت دراسة اللغات عندنا إلى عدد من الأغراض:
أولا لدى الأفراد:
0 تحصيل المكانة
الاجتماعية
0 الحصول على وظيفة
مناسبة من ناحية الدخل
0 بلا غاية (المجموع
في شهادة إتمام المرحلة الثانوية)
ثانيا لدى الحكومات:
0 تسكين الثائرة
الاجتماعية بمنح أكبر عدد ممكن من الشباب شهادات جامعية تحقق لهم المكانة التي
يرغبونها حيث أننا صرنا بلاد شهادات صحيح (وهو الغرض الذي صار هدفاً للتوسع
العشوائي في التعليم الجامعي ككل).
0 تخريج عدد من
الموظفين( تماما كما فعل الاستعمار مع خريجي مدرسة الألسن وغيرها من
المدارس العليا في بداية عهده).
0 الاستفادة
الاستراتيجية المحدودة في الأجهزة الإعلامية والمخابراتية، والتي تستهدف في
الجانب الأكبر منها المصالح القومية للدول والمصالح السلطوية للأنظمة، أكثر من
استهدافها مصالح الأمة الإسلامية كمجموع وككل متكامل.
النيات الواجبة في تعلم اللغات الأجنبية
من يتقدم لتعلم لغة أجنبية عليه أن يستجمع أحد تلك النيات أو بعضها أو كلها:
0 نقل علوم الآخرين إلى
أبناء الأمة سواء كانت تلك العلوم علوم طبيعية، بحتة أو تطبيقية، أو كانت
علوما إنسانية، وذلك بهدف إحداث نهضة في عقول الأمة وفي أحوالها، دون إشعار أبناء
الأمة بالدونية تجاه الآخرين.
0 دراسة أحوال الآخرين
قراءة عنهم أو معاينة لهم، سواء كان الهدف من ذلك اتقاء شرهم أم التعاون معهم على
أمر إنساني جامع، أو نقل نور الإسلام إليهم لا تفضلاً منا بل واجباً علينا.
0 تحقيق المصالح
الدنيوية الاقتصادية وغيرها للأمة وأفرادها ومؤسساتها.
0 التواصل مع الآخر
تواصل العارف بالأحوال المعيشية له، تحقيقا للتفاهم والتقارب الذي يقلل
الفجوات،والذي يزيد من حميمية العلاقة.
0 نشر دعوة الإسلام في
ربوع العالمين،تحقيقا لقوله تعالى "وما أرسلناك
إلا رحمة للعالمين"،وقوله تعالى"وما على
الرسول إلا البلاغ
المبين".
0 سد الثغرات بالبحث عن
اللغات التي لا يعرفها الكثيرون من أبناء الأمة، فيتعلمها ويتقنها ويحقق بها
الأهداف السابقة لأمته.
الكاتب: د.مجدي سعيد
نشرت على الموقع بتاريخ: 09/09/2004
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|