أمتنا يا ألف سفينة بتنخرم ::

الكاتب: د.مجدي سعيد
نشرت على الموقع بتاريخ: 03/01/2005

قضيت منذ شهور أسبوعا في زيارة لتركيا ولي بها وله، ولم أشأ أن ألتزم بالبرنامج السياحي الموضوع من قبل الشركة التي سافرت معها، حيث أردت أن أقوم بجولاتي الخاصة وأن أستفيد ببعض الوقت لزيارة بعضا من المؤسسات الوقفية التركية، ومقابلة بعض المثقفين فيها.

وقرب انتهاء الزيارة التقيت من بين من التقيت بهم بالأستاذ/ مصطفى أوزجان المحرر السياسي لصحيفة "يني آسيا" وتحدثنا حول الأوضاع العامة في تركيا في ظل حكومة العدالة والتنمية، وغيرها من المواضيع.. وقرب نهاية اللقاء بادرني بسؤال حول الفرق بين مصر وتركيا من وجهة نظري..

السؤال والإجابة والخيط الذي يربطهما بمشاريع الشرق الأوسط الكبير، وحديث الإصلاح من جهة، وبما يجري حولنا من أحداث.. هذا الخيط الرابط والناظم لهمومنا الآنية والمستقبلية هو موضوع السطور التالية.

نبتدي منين الحكاية.. أو مصر كمان وكمان
ولأن حالة مصر كانت ولا زالت تشغلني، ولأنني خلال تلك الزيارة القصيرة لتركيا احتككت بالكثير من مظاهر الحياة العامة هناك فإنني كنت قد أجبته على الفور بأن الفرق يكمن في المجتمع، فالمجتمع في تركيا يملك مقومات حياته والتي قد تتجلى في بعض المظاهر السلبية مثل الانحلال والفساد، لكنها أيضا تتجلى في امتلاك الناس لحرياتهم في أن يكون لهم مجتمع مدني حقيقي (أوقاف وجمعيات)، وصحافة وأحزاب حقيقية، ومن ثم فهو مجتمع حي بمعنى الكلمة.

أما مصر فقد تعرض المجتمع فيها لنزع مقومات حياته على مدار أكثر من خمسين عاما، بحيث لم يبق له من تلك المقومات إلا أشكالها... فما هي مشكلة بلادنا بالضبط، وفي القلب منها مصر؟ دعونا نحاول الإجابة على التساؤل المر في هذا الموضوع:

عقد الفاءات الثلاثة..ما هو؟
عقد الفاءات الثلاثة هو العقد الاجتماعي الذي يمكنك أن تراه واضحا في مصر، هو عقد اجتماعي مسكوت عنه، بل إنه قد يكون حتى كامن في اللاشعور لكل من المجتمع والحكومة، عليك فقط أن تتوقف للحظة لتنظر بإمعان وتأمل في الشارع المصري وما ينتابه.. والشارع كما يقولون مرآة أي أمة. هذا العقد الذي نتحدث عنه تتضمن بنوده سكوت كل طرف -الناس والحكومة- على ثلاثة بنود: الفوضى والفساد والفردانية Individualism.

فالطرف الحكومي في هذا العقد:
0 يصدر ترسانة من القوانين العشوائية غير واجبة التنفيذ، إذ أن أفراده هم أول من يخرقها.
0 ويتمتع أفراد الجهاز الحكومي بحق الفساد القائم على محاباة فئات من المجتمع طبقا لما تستطيع أن تدفعه من "رشا" أو طبقا لما تبديه من ولاء للنخبة الحاكمة
0 يتمتع الجهاز الحكومي بحق إجراء الكبسات الصورية، والتي لا مانع من أن يقع بعض البسطاء والمغفلين ضحايا لها حتى تكتمل أركان العمل الدرامي.
0 وذلك يحقق لأفراد الجهاز الحكومي مستوى الحياة "النموذج" الذي بات يسوًق في أجهزة الإعلام أو على الأقل الاقتراب منه.
0 يتمتع الطرف الحكومي بالحفاظ على منطقته الحمراء بلا مساس: الجيش والرئاسة والطائفية، بما يحقق الاستقرار والأمن و"الهدوء" المطلوبين لإتمام العقد.

الطرف المجتمعي في العقد:
0 يحق له المراوغة في اتباع ترسانة القوانين، و"التزويغ" منها، بما يشيع الفوضى "المنشودة" التي تتيح له التمتع بالقدر المتوازن الذي يمنع من انفجاره، وبما لا يهز "صورة" الدولة.
0 يحق لأفراده الاندماج في منظومة الفساد والإفساد بالقدر الذي يحقق له القدر الممكن من العيش، والسعي لمقاربة النموذج الاجتماعي-الاقتصادي المنشود.
0 كل فرد من أفراد المجتمع يسعى لتحقيق حلمه الفردي و/أو الأسري فقط في إطار من المغالبة طبقا لقانون الغابة أو لقانون الفاءات الثلاثة.
0 غير مسموح لفئات المجتمع المحرم لمسها (أو المهمشة طبقا للأدبيات الحديثة) أن تتجمع لتتحرك تحركا فئويا منظما للمطالبة بتحقيق مصالحها وذلك في مقابل الفئات "المدللة" التي تسعى الحكومة لشراء سكوتها وتواطؤها بإسباغ المزايا عليها.

المحصلة النهائية للفاءات الثلاثة هو تخوخ الدولة على نمط منسأة سليمان..(فلما خر تبينت الجن ألو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين).

الأسئلة الغلط
والغريب أن النخب الحاكمة والصحافة العامة في بلادنا في ظل حالتنا تلك لا تزال تشغل الناس بالسؤال الغلط حول برامج الإصلاح أنقبل البرامج الآتية من الخارج، أم أن تلك البرامج لابد وأن تنبع من عندياتنا؟

وبينما نحن منشغلون في هذا الجدل العقيم لا تزال أمتنا تتعرض لهزات متواليات لا تتوانى تتراوح مراكزها بين فلسطين حينا والعراق حينا آخر، وبين هذا وذاك حبل ممتد يستهدف إنهاك بل إنهاء روح المقاومة في هذه الأمة.

ولأن الفترات الزمنية تبدو قصيرة بين تلك الهزات، تختلط مشاعر الناس بين الغضب والرغبة في الانتقام، أو حتى الرغبة في المشاركة بشيء يعين على المقاومة، ولأنه يحال بينهم وبين ذلك باعتباره لونا من ألوان الإرهاب وفقا للتوصيف والتصنيف العولمي الجديد، فإن مشاعر الإحباط -على الطرف الآخر- تختلط لدى الناس مع تساؤل الحيرة بحثا عما يمكن عمله؟

الإصلاح..سؤال وأسئلة
ولأنه بدا لي السؤال المطروح حول الإصلاح سؤالا من باب المكاء والتصدية، ومن باب المزايدة على الوطنية فإنني أطرح هنا الأسئلة الحقيقية التي تستحق الإجابة:

0 هل الإصلاح المطلوب هو الإصلاح السياسي فقط، أم أن سفينة حياتنا بها ألف ثقب تحتاج لمن وما يسدها؟
0 إذا كنا ندعو إلى أن يكون الإصلاح نابعا من الداخل، وأن يكون شاملا لكافة جوانب الحياة، ألا يستلزم ذلك أن يشارك فيه كل فرد في هذه الأمة؟
0 كيف يمكن لكل فرد أن يشارك في ذلك الإصلاح المرتجى، والذي نأمل أن يخرجنا من حالة الضعف والوهن التي نعيشها؟
0 كيف يمكننا كأفراد أن نحدد أدوارنا في هذا الإصلاح؟

هذه هي الأسئلة التي أتركها مفتوحة لمشاركات القراء على أن أعود إليها في مقالات أخرى قادمة.

اقرأ أيضاً على صفحتنا مقالات متنوعه :
سيكولوجية التعذيب  /  سيكولوجية الاستبداد (1)