|
|
|
الفن للفن أم الفن للمجتمع (1) ::
الكاتب: د.عمرو أبو خليل
نشرت على الموقع بتاريخ: 21/09/2005
الأفلام الجديدة لأي ثقافة تدعو؟!
شاهدت في الفترة الأخيرة ثلاثة من الأفلام يجمع بينها أنها أفلام جديدة بمعنى أنها
نزل دور العرض خلال العامين الماضيين وأنها تتناول قضايا الشباب من زوايا مختلفة..
ولاهتمامي بالشباب وقضاياهم ولإيماني بدور الفن الخطير خاصة السينمائي منه..
فقد جلست لأرى ماذا تريد أن تقول هذه الأفلام وأي رسالة تحمل وإلى أي قيم تدعو..
خاصة وأنني من المؤمنين أنه بجانب المتعة والترفيه التي يحملها الفيلم السينمائي
فإن له دور في رصد ما يحدث في المجتمع من أجل التفاعل معه سلبًا وإيجابًا وأن من
يتعرض للعمل السينمائي يجب أن يدرك خطورة هذه الأداة الفاعلة في حياة الناس بحيث أن
الاكتفاء برصد الظواهر الاجتماعية كما هي تحت اسم الواقعية دون تحليل أو تدخل
بإبداء وجهة نظر متفاعلة فيما يحدث.. لا يعتبر واقعية بقدر ما يعتبر موافقة ضمنية
من صاحب العمل السينمائي على ما يحدث وهذا موقف في حد ذاته حتى لمن ادعى أنه ليس
ليديه موقف.. أن حالة التماهي أو التمثل مع أبطال الفيلم وأحداثه من أجل إحداث
التغيير أو توصيل المعاني والقيم.. مازالت هي أخطر ما يحدثه العمل الفني سواء
المسرحي أو السينمائي... مهما تطورت الوسائل أو حتى تعددت المدارس... فالكل في
النهاية يحدث الأثر والمصيبة كل المصيبة ألا يدرك القائم على العمل السينمائي ما
يفعل أو يستهتر بما يحدثه في المجتمع... فالعلامة تبادلية ومستمرة وممتدة أكثر مما
نتصور أو نتخيل...
سأقف عند كل فيلم.. سأقف عن اللقطات المحملة بالرسائل.. سأوضح هذه الرسائل كما
فهمتها ثم أقف عندها وما تحمله من دلالات.
1- فيلم السلم والتعبان
بطلة الفيلم هي أخطر رسالة فيه.. فالنموذج الذي تقدمه.. يحتاج إلى وقفه.. فتاة
متحررة.. تعمل في الصباح في وظيفة مهمة في شركة كبرى تعقد الصفقات وتتخذ القرارات
وتنظم الاجتماعات منتهي الالتزام والجدية في العمل.. وفي المساء هي تعمل مدربة رقص.
وهذا التدريب تقوم به أيضًا في منتهي الجدية بالرغم من ملابس الرقص شبه العارية
التي تدرب بها أو ما يستدعيه ذلك من التصاق شديد بمن تدربه هو في أصل الرقصة تعبير
عن العلاقة بين الرجل والمرأة بلغة الجسد والحركات والإيحاءات.. الفتاة تدخن تحضر
الحفلات مع الشباب... يراها أحد الشباب الذي يتسلى بالفتيات.. ولكن لأن المظهر
المتحرر لا يدل على حقيقتها فإنها لا تستجيب لرغبة في المصاحبة.. فيذهب لتعلم الرقص
علي يديها.. ويطيل المخرج في عرض هذه اللقطات تعبيرًا عن لعبة الكر والفر الدائرة
بينها ثم يجد الشاب الوقت مناسبًا لدعوتها لمنزله فلا تجد الفتاة مانعًا من ذلك
وتذهب إلى الشقة التي يعيش فيها الشاب بمفرده.. وهي تقول له.. إنك تلح أن أتي لشقتك
منذ مدة وها أنا قد أتيت حتى أريحك.. ماذا تريد الشاب يحاول التحرش بها.. تتخلص منه
بسهولة شاكرة له على العشاء.. الشاب لا يفقد الأمل وتستمر محاولاته... الفتاة تعلن
أنها أحبته لذا توافق على السفر معه في رحلة إلى الغردقة... يصير المخرج على إظهار
مدى مرحها فيأتي بلقطة تجمع الشباب والشابات وهم يلعبون الكرة الطائرة بالمايوهات
البكيني.. لتأكيد الجو الصحي الذي تتم فيها الرحلة.. تشعر الفتاة بالاشتياق للشاب
تحسم أمرها وتذهب إليه في غرفته ليمارسها الجنس سويًا.. وتظهر في اللقطة التالية
وهي تدخن تعبيرًا عن ضيفتها تدخل عليها صديقتها تسألها لها وهل حدث شيء فتقول
لهالا.. والمقصود بلا هو أن الممارسة الجنسية كاملة وأن هناك فض للغشاء البكارة..
فعندها تقول الصديقة...
ما الذي يحزنك إذا المشكلة ليست في ممارسة الجنس مع شاب أو الذهاب إلى غرفته طالما
أن الأمر لم يحدث فيه إيلاج فتقول البطلة لأنني شعرت بشعور لم يريحني.. ما هذا
الشعور.. هو أن الرجل كان يفعل ذلك من غير حب لمجرد الممارسة الجنسية هذا ما أحزنها
وأذاها..
في لقطات تالية نفاجأ أن لهذه الفتاة أهل.. تمثلوا في صورة أم تستقبل ابنتها في
المطار وهي عائدة من الرحلة تأخذها في حضنها وتدعوها لعدم التأثر وتسألها نفس
السؤال.. هل حدث شيء بينكما.. في لقطة مهمة.. لقطة المواجهة بين البطل والبطلة بعد
أن حصل على ما يريد.. حيث يعبر البطل عن ملله ورغبته في انتهاء العلاقة تعلن البطلة
أنها غير نادمة على ما فعلت معه لأنها استمتعت به لأنها تحبه.. فما فعلته بحب وهذا
يكفي أما هو فلأنه لم يحب فحتى لو حصل على ما يريد فهي راضية لأنها استمتعت بحب..
الفيلم لو انتهي عند هذا الحد لكانت هذه نهايته الحقيقية ولحمل رسالة إيجابية تقول
أيتها الفتاة المتحررة احذري الشاب الشرقي.. فمهما بدا متحررًا ورقص معك وسهر وذهب
معك في رحلة معلنا حبه لحريتك وانطلاقك فإنه عند الجد وعندما يحصل على ما يريد حتى
لو حافظت على غشاء بكارتك فإنه يذهب هاربًا موليا غير متحمل لأي مسئولية محملا إياك
كل المسئولية.. لأنه يري أنك مثلما فعلت معه ذلك ستفعلين مع غيره وأن الحب هذا
المبرر الذي تقدميه لنفسك من أجل تقديم التنازلات لا يصلح ولن يجدي لأنه يريد زوجة
تحافظ عليه وعلى بيته ولا يراك جديرة بذلك.. ولأن الرسالة العكسية هي المطلوب
وصولها حتى ولو على حساب البناء الدرامي للفيلم فلا مانع من حدوث مفاجآت غير مبررة
منطقيا أو حتى دراميًا..
فبطل الفيلم تسير شخصية في نموذج طبيعي يتماشى مع الشاب
المستهتر الذي لم ينجح زواجه لعدم تحمله المسئولية والذي يري الحياة كلها في صيد
الفتيات وحتى مع هذه الفتاة هو يريد أن يصل إليها بأي ثمن ويشغله ذلك الأمر جدًا
وعندما يصل للممارسة الجنسية معها يتركها ويعود إلى حياة المجون مرة أخرى ما الذي
يغير مسار هذه الشخصية فجأة ويجعلها تشعر بالحب وتبذل في سبيله... إنها رغبة مخرج
الفيلم ومؤلفه في توصيل رسالة أخرى تقول أيتها الفتاة تحرري في علاقاتك فلا مانع من
أن تكوني مدربة للرقص شبه عارية لشاب.. يطلب منك الذهاب إلى شقته فلا تخافي ولا
تمتنعي وإذا أحببته فمارسي معه الجنس فطالما أنك تستمتعين بحب فهو سيشعر بذلك.. ولن
يكون لديه مانع بعد ذلك من أن تكوني زوجته وأم أولاده بل هو سيبذل الجهد من أجل
الوصول إليه لأنه سيكتشف أنه بالرغم من تحررك فإنك لم تعطي جسدك إلا لمن أحببته
فعلا.. وهذا سيغيره حتى لو كان مستهترًا ماجنًا فسيتحول فجأة إلى ملاك يؤمن
بالحب...
هذه هي الرسالة ببساطة التي يحملها الفيلم بدء من بناء شخصية البطلة على
هذه الصورة ومرورًا بأحداث الفيلم وحواره.. والتي يبدوا فيها شرب الخمر شيء طبيعي..
مثل شرب المياه ولا يأتي ذكر لأي قيمة من أي نوع.. حتى أن الله لا يكاد يذكر على
لسان أبطاله حتى كلفظة اعتيادية.. وعندما جاء ذكر للقرآن فكان في إطار قراءته على
الأموات... والحديث بعد ذلك يتعامل مع الأمور بصورة مادية فجة.. فحتى السعادة
مادية.. والعجيب أن الفيلم يصنف أنه فيلم رومانسي.. ولا ندري أي علاقة لأحداث
الفيلم أ, لحواره بالرومانسية عن قريب أو بعيد إلا إذا كانت رومانسية الجنس
والجسد...
سيكون السؤال المطروح.. وهل المطلوب أن يكون الفيلم إصلاحيًا أو يتخذ موقف الواعظ
والمرشد.. أن الفيلم يرسم الواقع كما هو أليس الواقع أن هذا النموذج في العلاقة بين
الفتى والفتاة موجود اليوم وأليس الحب أصبح يترجم إلى علاقة جنسية بدرجات مختلفة إن
نهاية الفيلم هي رؤية فنية للمخرج والمؤلف ليسا في اضطرار لجعلها بصورة معينة حتى
يحافظوا على قيم المجتمع.. فهذا ليس دورهم الحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال أو
مجموعة الأسئلة هي التي دعت للكتابة هذه السلسلة من المقالات.. لأنه من الجميل أن
يرصد الفن الواقع.. ولكن ليس من أجل زيادة القبح والتشوه فيه ولكن من أجل محاولة
العلاج من خلال هذه الأداة الخطيرة ويكون هذا الطرح لقضية الحب والعلاقة بين الرجل
والمرأة من خلال الفن فرصة لحوار حقيقي.. لما يناسبنا في إطار قيمنا وتقاليدنا
وديننا لهذه العلاقة.. نحن لسنا في حاجة إلى مزيد من التفسخ أن ضرب منظومة القيم
ليس في صالح أحد... لأنه في النهاية لن نصبح نحن كما ينبغي أن نكون.. ولن نكون
الآخر كما هو.. لأن ثقافتنا ستظل تقاوم محاولة أ، نكون غيرنا ويظل الصراع محققًا
ونكدن نحن الخاسرون الأكبر فيه..
إن الفن السينمائي من أهم الأدوات المرشحة لفتح
الملفات المغلقة والدخول إلى عش الدبابير.. ولن يكون ذلك بتقديم نماذج غير صحيحة
لحلول مستوردة لقضايا خطيرة وهامة..
واقرأ أيضا:
الفصام ذلك المعلوم ...... المجهول
هل الفصام ..... هو ازدواج الشخصية ؟!!!
ضحايا الاعتقال المنسيون
الكاتب: د.عمرو أبو خليل
نشرت على الموقع بتاريخ: 21/09/2005
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|