|
|
|
أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(7) ::
الكاتب: د.محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 21/02/2006
أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي
(دراسة نفسية لجوابات حراجي القط العامل في السد العالي إلى زوجته فاطنة أحمد عبد
الغفار في جبلاية الفار)
[7]
أزمةالنمو
في شعر عبد الرحمن الأبنودي(1)
أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(2)
أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(3)
أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(4)
أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(5)
أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(6)
محفزي النمو (صنّاع الحياة):
وفي
هذه الحياة، أشخاص محفزين للنمو وهم مفاتيح التطور والتغيير، هؤلاء الأشخاص يتسمون
بالنظافة والطهارة والبراءة والقدرة على الحب والقدرة على العطاء والتواضع لكل
البشر. ويمثل الباشمهندس طلعت هذا النموذج في حياة حراجي ومشوار صعوده ولا يخفى هنا
اختيار اسم طلعت الموحي بالطلوع (الصعود):
طبعًا جاني جوابك وغسل قلبي
يام القلب المغسول
شلته وطلعت على (الأستاذ
طلعت) على طول
بصراحة ومانتيش غريبه..
ما عادش القلب معاه يقدر يقعد مقفول
مابا طيقش دلوك إلا معاه
آخد وادّي في القول
الفرق ما بين (الأستاذ طلعت)
و(الملوى)
يافاطنه..
مش إن ده بلدياتي
والثاني غريب..
ولا إن ده غلبان زي حالاتي
وطلعت افندي أفندي..
بحزام وقميص..
الفرق ان ده يقدر يدّى وده لا..
والفرق يا فاطنه ان الأستاذ طلعت..
غير إنه بيقدر يدّي.. بيدى
اتعلمت معاه أقدر آخد.. وادِّي
واللي آخده مش لازم يبقى تقله ف يدّي
ومش كل لفنديات تقدر تدي يافاطنه
آلام الرؤية ومخاوفها:
ومع انفتاح الرؤية على العالم الجديد من خلال الأستاذ طلعت
(الذي يقدح زناد الأفكار لديه)
ومن خلال الناس في السد العالي وأسوان، تغيرت الصورة أمام عيني حراجي، وراح يعيد
النظر في أفكاره ومفاهيمه القديمة وفي الأعراف والتقاليد التي عاش عليها سنوات عمره
السابقة وهو يجري عملية مراجعة وغربلة لابد منها للانطلاقة الجديدة حتى لا يشكل
الموروث الشعبي والثقافي عبئًا على انطلاقته:
مشّونا ابّاتنا وامّاتنا السكه غلط
احنا طلعنا نلاقي صغارنا تعيد الشوره على كبارنا
لو نستعقل حد غريب ونبوح له بمواجع..
نبقى ف عين كباراتنا يا فاطنه..
زي اللي كسروا صندوق الجامع
وطلعنا لقينا الدنيا موروثة خلاص
متقسمه عايلات وبيوت
...
والبيت ده..
ما يفتحش ف وش البيت ده.. غير بابه
عمري مافي الجبلايه يافاطنه
شفت بيوت فاتحه قلوبها لبيوت
إلا لما حد يموت
...
من قال يا امّ ولادي فتح القلب خطيّه..؟
جينا ومتقاللّنا: دول حبايبكم
دول نسايبكم
دوله عدوينكم
واذا حس القلب بميل للجبهه المش مرسومه..
كفر
جبلاية الفار أكثر من مليون جبلاية فار
كل طقيّه ماشيه لوحدها..
كل بيبان بيت.. جبلاية فار
إن قلت أبو أمي راجل طماع..
حتى ان كان طماع..
حرام.. وأخش النار
تنخر فينا العته في مطارحنا
ما نتقدمش
اللي يتقدم كافر.. نقعد..
لا نقول لا..
ولا نصرخ.. ولانعافر..
لما نموت
...
ياعباد الله
كل الدنيا مقلوبه يا فاطنه..
شايفها بعيني مقلوبه
شايف جبلاية الفار متشندله قدام عيني ومغلوبه
كله مش مزبوط
كله مش مزبوط
والمواجهة
هنا مع القيم الاجتماعية الثابتة والمستقرة مواجهة عنيفة تهتز أمامها كل الثوابت
ويعاد رؤيتها وتشكيلها لتتناسب مع المنظومات الإبداعية الجديدة وهذه المواجهة مجهدة
ومؤلمة لأنها تهدد الاستقرار النفسي القائم قبل أن تهدد الاستقرار الاجتماعي
المتكلس ولهذا نجده يتمنى لو يستطيع العودة للقديم المألوف المستقر المريح ولكن
هيهات فقد زلقت رجلاه نحو النمو الحتمي:
باتعب.. راسي بتتعب..
وتلف وتندار
وساعات اتمنى لو ارجع تاني
لحراجي جبلاية الفار
البدن اللي شايل راس العضم
الإيد والفاس
والضحكه الفارغه مع الأنفار
في الصبح اصحى مع الجديان والفرّوج..
ومع الليل.. زي الفروج اتلمّ
بس خلاص..
رجلي زلقت وأخدني المشوار
والرؤية والوعي بقدر بريقهما وروعتهما إلا أنهما يحملان بذور الهم والتفكير والألم
والمسئولية في حين أن العمى النفسي والإنكار والبلادة يبعثان على الراحة والاستكانة
وربما الضحك والونس:
ساعات..
أقعد ابحلق في الحيط.. ميت ساعة
"الملوى"
يافاطنه..
يضحكني ويونسني..
إنما لاستاذ طلعت عطاويه جايبالي الهمّ
بس أنا غاوي الهم اللي خلاني أشوف..
طبعًا هو تمللّي يقول للشغاله حراجي ده متعب
واللهي ما فيه في الدنيا يافاطنه واحد متعب..
زيك يا ستاذ طلعت
ده كلامه تقولي مناشير
النبي في ساعات من كتر مابا تعب وأنا بسمع له
راسي تطقطق
وهذه هي إحدى صفات قادحي زناد وعي البشر فهم متعبون لأنهم يوقظون الناس من نومهم
ويغيرون مألوف حياتهم ويهزون استقرارهم وهم يفعلون ذلك بعنف أحيانًا، ولذلك تنشأ
بينهم وبين الناس صراعات لا تخلو من عدوان متبادل. والمبدعون وصانعوا الحياة لا
يملكون التوقف عن ذلك مهما عانوا ومهما تعبوا وتألموا وكأن هناك قوة خفية تحركهم
لعمارة الحياة حتى ولو كان ذلك على حساب قربهم من أهلهم وأولادهم:
لكن مخ حراجي مش بيبطل زن
إيه أعمل في دماغي المتعب ده يا فاطنه..؟
اللي تروسه دايره
حتى وانا نايم وبعيد..؟
مش أولى بفكري ولفة راسي يافاطنه
عزيزة وعيد..؟
ومع تفتح الوعي واتساع الرؤية وزيادة الحركة يزيد الخوف ويبرز الألم المسئول ومع
هذا فلا مكان للتراجع أو التقوقع أو الانكفاء أو الموت:
كل ما باصحى بشوف..
وكل ما اشوف..
عيني تصبح وجعانه
أشوف تاني
وأتاري في زماننا
الشّوفان حزن
شوفي ف الأول كيف حراجي
كان مبسوط ف الأول كيف حراجي
كان مبسوط بالشوف..
كان مبسوط بالطوف وبمعرفة الدنيا..
لكن..
كله قلب دلوكتي معايا يا فاطنه..
بخوف
الشوفان بلوه
لما عنيكي تحت جبال المرّ هنا.. ك..
توعي لحاجة حلوة..
تقصر إيدك عنها.. تعجزي
تبقي قاعدة تشوفي بس
لازم يحرن فيكي الحزن
يقطعلك روحك
المليون وش..
اللي حتولع شغل
وبتخانق بعضها ع القرش
أفندي ازعر ما يعبرّ حد..
مقاول بيغش
السد العالي..
الخير.. شجرة فاكهة..
تستغربي في الأرض الأملح م المشّ..
كل ما اشوف
أحزن وافرح وأكش
الموت تحت عنينا في كل دقيقة
كيف السد العالي يكون هو الراحه
وما يطلعش غير م الزمته
والضيقه..؟
وتغير حراجي مع الزمن ومع التجربة ومع الناس وأصبح أكثر وعيًا وأكثر عمقًا وأكثر
حزنًا وأكثر حسرة على الجهل القديم والسذاجة الضائعة إلى غير رجعة:
وادي عدت ست سنين
وادي حراجي الغلبان بقى زي الشياطين..
عارف أمر الدنيا..
وسر الطين..
لكن حراجي أبو ضحكه ترجّ النجم..
مات مني يافاطنه..
وبقيت دلوقتي حراجي تاني..
حزين
التشكيك في الجدوى والإغراء بالعودة:
ووسط هذا الخليط العجيب من الرؤية والوعي والخبرة والمعرفة والآلم والحزن تفاجئه
زوجته بإيقاظ ماهو مخبوء في أعماقه من سنين ويحاول الهروب منه، وتهز أمام عينيه قيم
الطواف والترحال والرؤية والنمو وتغريه بالعودة إلى حضن الزوجة وأمان القرية وفرحة
الأولاد وتتساءل (ويتساءل هو معها بوعي أو
بدون وعي) عن جدوى هذا العذاب وعن قيمة هذه
المعاناة:
إرجع ياحراجي..
إرجع والمرّه دي..
لا بقولها خوف ولا شوق
إرجع
إتدفى في بيتك وعيالك
لا السد لابوك..
ولا كانت جبال أسوان جبالك
راح نفضل طيلة العمر نبيع العمر
ونقبض قول
ست سنين شغال..
ست سنين..
ست سنين ونسانا لم نايمه في باط الرجّال
لم جابوا عيال
السد حيييجي بخير..
السد حييجي بخير..
فينه الخير ياحراجي؟
بعدك خير؟
خوفك ومرارك في الغربة.. خير؟
...
بكفاية ست سنين
جينا الدنيا غلابه يابو ولادي
وحنرحل برضه فقارى ومساكين
بتفرّق عمرك على مين ياحراجي
على مين..؟
...
صدقني وتعال..
لا تفرح بركوب "البوندوزر"..
تفرح على إيه..؟
مش هيه السبعة جنيه..؟
السبعة جنيه تقدر هنا برضه تلقّطها
في الجبلاية
غير القعده في بيتك..
ومع عيالك..
ومعايا
إيه لازمته تاني المشوار..؟
إذا كان حتى ان شفناه معدول..
نلاقيه في الآخر..
برضه مشيناه بالمندار..؟
استحالة الرجوع (مرحلة اللاعودة):
ورغم هذا النداء (الزلزال)
بالعودة، ورغم تسفيه الأهداف والآمال والأحلام، إلا أن الوقت قد فات وأصبح حراجى في
مرحلة اللاعودة، فقد توحَّدَ مع السد ومع الناس ومع الوطن ومع الخلود، وهذا التوحد
أعطى لمشواره ولمعاناته أبعادًا عميقة وأبدية:
والله تعبتك ويايا يا فاطنه
لا هو إنتي فاكره ان الحل..
هوه رجوعي وقعدتي وسط الأهل؟
لا هو إنتي فاكره.. أهلي..
دلوقتي
إنتو.. وناس الجبلاية..؟
غلطانة يا فاطنة غلطانة..
لا هو إنتى فاكرة إني أقدر أعيش..
برّه السد وبرّه طين النيل والصخر..؟
أقدر اعيش بره الآه واللا..؟
برَّه اللّسود والّلبيض..؟
برَّه الزين والشين ..؟
برَّه وشوش الناس من طيّب لردي..؟
عمري السابق ضاع
لا فاكر له سنين ولا أشهر ولا أيام
أنا كل اللي عشته ف عمري..
كان .. في الست اعوام
في السد
صحيح أنا شارب فيه المر..
لكن للمر يا فاطنه هنه
طعم غريب
غير مر الجبلاية تمام
أنا هنا مولود موجود مفقود..
مع بعض..
صح أنا مشتاق لعيالي..
ولبصه ف وشّك..
والقعدة على الطبلية في صحن الدار..
ولسيرة الأهل وحواديتك..
وحكاوي جبلاية الفار..
لكن..
مش مشتاق بعد ما رجلى دلوقتي سنه..
لبدت في حديد البوندوزر
إزاى أغرسها في طين الزرع؟
تغيّر الإنتماءات وإعادة صياغة التاريخ الشخصي:
وتغيرت انتماءات حراجي ونشأت ارتباطات جديدة أقوى من تلك القديمة التي عاشها في
الجبلاية:
وإن سألوكي حراجي ما بيجيش ليه..
نكرك.. والا يا فاطنة الموضوع إيه..؟
ليه الجبلاية ما عادش هواها..
يهف عليه..؟
قولي حراجي بتاعكم راح
خدته مني مداوير ميت ريّاح..
وحراجي بتاع أسوان..
بلده ف أسوان..
مرته وولده في أسوان..
إتربى في الأنفاق..
ولعب في المصغر بين الولدات..
في جناين الصوان..
وان قالوا عليا أهبل مجنون..
يمكن همّ الحق معاهم..
لكن أنا لأ
أنا اهاود الحق اللى أشوفه
مش حق تشوفه عيال الناس
وهنا تبدو جرأة المبدع النامي في هذه المرحلة للتخلي عن ثوبه القديم بعنف بعد أن
اطمأن لثوبه الجديد، ولم يعد يعبأ باستنكار الناس لفكره وأسلوبه في الحياة، ولم يعد
يهتم لوصمهم له بالغرابة أو الجنون أو الجحود فقد أصبحت الرؤية لديه يقينية لا
تحتمل المساومة. ومع تأكيد وقوة خياراته الجديدة تضعف بالتوازي ارتباطاته الفكرية
والعاطفية القديمة وتصبح شيئًا من التاريخ أو التراث ليس إلا، وهو لا يستحي من ذلك
في هذه المرحلة (كما كان يفعل في مراحل سابقة)
ولا يداريه، بل يعلنه ظاهرًا متحديًا قاسيًا:
حاقعد
وان مشّوا السد حاسير وياه..
كهربا.. طرقات..
راح اسير وياه
حاعرف.. واحزن..
لازم أحزن..
يمكن حزني يوصلني لحاجه..
ويرسيني في بر
....
وقولي لعيد..
غصبن عنك راح تتعلم..
تكتب لحراجي جواب واتنين..
أصله يا فاطنة هيروح على فين..
مساكين اللي جايين..
مضطرين يعرفوا مننا إحنا..
سر الدنيا.. وسر النجم ف لياليها المجانين
وكفاية عليكي إنتي جوابات
ابقي اعرفي ما جرى لحراجي..
من خطاباتي لعيد
إدي جهدك لولادك وولادي..
وازرعي كرمك خضرة واسقي النخلات..
واتعلمي زيي.. الدنيا..
وهنا يبدو حراجي (في هذه المرحلة من النمو)
قليل المشاعر قاسي القلب متنكرًا لنداءات القرب من حبيبته وزوجته المخلصة الوفية
"فاطنة"
فقد أصبح عمليًا أكثر من اللازم، ولا يخفي هنا نرجسيته وتعلقه بالخلود وهو يقول:
أما موضوعي بالتفصيل..
فده قدامك عمر طويل
علشان تدركي أمري
ابقي اعرفي كل القصة..
ف جواباتي لعيد
دلوقتي تعبت..
ونفسي أنام لي نص نهار
من غير ما يصحيني حد..
ولا يقل مزاجي..
علشان أصحى فايق تاني
واعرف أقابل الدنيا
زوجك: لوسطى حراجي
وربما يفزع القارئ من قسوة ونرجسية وأنانية حراجي في هذا الجواب الأخير، وربما كان
يتمنى نهاية سعيدة لهذه العلاقة الرائعة بين زوج وزوجته ولكن يبدو أن قانون النمو
–كما يراه حراجي–
لابد له من تضحيات بأشياء غالية مثل مشاعر الحب والقرب، ومن لا يستطع دفع هذا الثمن
ربما لا يقدر على إكمال الطريق .
والعدوانية والأنانية والنرجسية صفات نفزع منها ولكن يبدو أن المبدعين والمحركين
لعجلات الحياة يتورطون فيها بوعي أو بدون وعي فيدوسون في اندفاعهم نحو الرؤية
والإنجاز قلوبا أحبتهم وأحبوها وقيمًا عاشوا عليها سنوات طوال، وكأنهم يقولون أنه
لا حرب بدون ضحايا ولا إنجاز بدون ألم ولا فطام بدون بكاء. وكل هذه مفاهيم قد نتفق
معها أو نختلف ولكنها تبقى ظواهر حياتية ربما تحتاج للفهم أو المراجعة أو التعديل.
والتعلق بالخلود هاجس كل مبدع ومغير ونام، فهو يعطي معنى يتجاوز الاحتياجات
والدوافع الآنية الزائلة بالضرورة، ويعطي امتدادات لا نهائية للفكرة أو للعمل
ويطمئن الشخص الباحث عن النمو أنه يتواصل مع الخلود ومع الكون الممتد بلا نهاية.
الكاتب: د.محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 21/02/2006
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|