إغلاق
 

Bookmark and Share

مصر مريضة: محتاجة كونسلتو ::

الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/01/2010


تنويه:
لقد تم نشر هذا المقال على  الموقع بتاريخ 10/5/2006 ولكن نظراً لمواكبته لما هو حادث الآن في بلدنا، وجدانا أنه من المهم إعادة نشرة
تحيات إدارة موقع مجانين

تركة فساد وإفساد... عن الميراث أتحدث

تحدث ناس مصر ويتحدثون عن التوريث، لكن أحدا لم يتكلم عن"ميراث" حقبة طالت من الفساد والإفساد!!!
جسد مصر العظيمة مثخن بالجراح، لا يخلو فيه موضع من عضة كلب عقور، أو لدغة ثعبان أثيم بثت السم، أو ضربة عصا كهربائية أو طعنة سكين بسطرمة!!! أو هبشة "رجل أعمال" نهب ثم خرج ولم يعد!! المصريون مشتاقون للتنكيل لأن ما يحدث لهم يوميا هو أبشع وأقسى وأفظع من التنكيل بكثير!!

جرحى غرق العبارة يرقدون إلى جوار جرحى تفجيرات دهب وإلى جوارهم جرحى هجوم الرعب المركزي والقوات الخاصة، ليس على الصهاينة، لكن على المتضامنين مع قضاة مصر، المعتقلون منذ سنوات، والمعتقلون منذ أسابيع، والمعتقلون من أيام: إسلاميون واشتراكيون وبدو سيناء ومصريون من كل لون وملة ومكان!! والموتى بنعش واحد.. يدعى الوطن.. أسمى سماءه.. كفن!! والدور يدور فتارة على الأقباط، وتارة على البدو، أو أهل النوبة، أو الإخوان المسلمين، أو الشيوعيين، وكما قيل: وأحيانا على بكر أخينا إذا لم نجد إلا أخانا.

الخوف والذل والقهر هي من معالم المواطنة في مصر، وكلها لا تكسر الروح فحسب، ولكن تزرع الكراهية، وتثير الفتن، وتمزق الوجدان الواحد لشعب واحد فيصير شيعا وطوائف ينتظر شرارة عابرة ليشتعل!!

النخب السياسية والاجتماعية والدينية في مصر منهكة تتعامل بمنطق "إنج بنفسك سعد فقد هلك سعيد"، وتداعيات الفوضى تراكم ميراثها فصارت أكبر من مبادرات ومحاولات الانعتاق من المصير المشئوم.

مصر مشحونة بالتوتر والقلق والغضب والاحتقان يتفشى فيها طاعون الانغلاق الفكري والتعصب الطائفي وضيق العقول والصدور والآفاق، مصر فقدت اتزانها التاريخي وغابت عن حكمتها الأصيلة!!!

مصر مريضة بالاستبداد والاستعباد، بكيد البعيد وطباع العبيد، بمضاعفات شيخوخة سلطة الفرعون وحاشيته، وعصابات المماليك والأغوات والباشوات، مريضة بفقر كافر وترف قاتل، ممزقة بفتوق بين طبقاتها وأديانها وأحزابها وجماعاتها، غارقة في ظلمات الضعف وفقدان البصيرة وفتور الإرادة والهمة.

والناس مكتئبة، حزينة ومنكسرة تشعر بالعار القومي العام، فمن يعرف مصر تاريخا وحضارة لا يصدق ما آلت إليه، لكنه كيد الليل والنهار، وتخريب النفوس والعقول، وتفاعلات عوامل المرض، مع فقدان المناعة الموروثة والمكتسبة!!! مصر العظيمة مريضة يا ناس!!

على رأسها تاج الوقار نبيلا ومنطفئا، وعلى صدرها وشاح القضاء مشدودا ومنتفضا، وهي مكدودة ومتألمة، تائهة بين اليأس المميت والأمل العزيز وثمن الحرية الغالي لمن يريد!! في لحظة تختلط فيها صرخات الاعتراض بنعيق البوم، وأناشيد المقاومة بآهات الثكالى والمكلومين تحتاج مصر إلى معالجة وتضميد للبدن المكلوم والروح المعذبة؛ تحتاج إلى أن تعود فتستلهم الحكمة من ذاكرتها ومن أديانها ومن تراث الذين عاشوا وماتوا صادقين مخلصين مؤمنين أن خذلان البلاد هو الكفر الذي لا يغتفر، في أشد الاحتياج إلى من يذكرها بنفسها.. بضميرها ودورها وحقيقتها، فتميز صورتها وصوتها وروحها وسط اللهيب والنحيب والصخب، لتعرف أن جسدها المسمم يحمل الترياق وعقلها المشتت فيه الرشد مخزونا بين تلافيف الوعي الجمعي العام.

محتاجة أن تؤمن بنفسها وقدرتها أن تنهض مثل العنقاء من وسط الرماد، وأن العلاج ممكن والتغيير ممكن، والسلام ممكن، إذا أردنا بصدق وعملنا بجد، محتاجة للثقة بقوة الأفكار والصلوات والكلمات والنفوس والأيدي المتشابكة المتضامنة القوية دون عنف، الحانية دون ضعف، محتاجة لقبول واسع بالاختلافات، وتصحيح عميق للمسارات، وإلى شجاعة نقد الذوات قبل توجيه اللوم والاتهامات، تحتاج إلى مصالحات ومصارحات ومبادرات مبدعة وجسورة ممن يهمه الأمر، وأحباء مصر في الخارج كثير،وعشاقها لابد أن يساهموا.

تحتاج مصر إلى زخم حب يشيع الأمان، تحتاج إلى التسامح كما تحتاج إلى قابلية نضال طويل دؤوب، إلى استعادة تقاليد احترام الذات والغير، والتعلم من التاريخ والواقع، وممارسة يوميات الحوار الدائم بين أطياف وألوان وأمزجة وتكوينات خريطتها الثرية وحضارتها الغنية.

تحتاج إلى سكينة يمنحها إيمان حقيقي، وإلى طاقة عمل تمتحنها الخطوب المتلاحقة، وإلى ذخيرة صبر ومواصلة تضحيات، وإلى وفاء خالص ومعرفة وشعور وعمل جماعي إيجابي، وإلى إصغاء واعي ربما يبدأ بإدراك معاني أصوات الآذان وتراتيل الكنائس التي تعيد على أسماعنا أن: حي على النضال.. حي على السلام.. حي على خير الوطن.

نشر في جريدة الدستور الأسبوعية القاهرية مختصرا.. بتاريخ الأربعاء 3 مايو 2006

وأقرأ أيضا:
إبحار الأجيال وتعاقب الأمواج البناءة / في الجنس وغيره أخطر مما يسمى غزوا / سيكولوجية الفتاه العربية / البركة أم اللعنة ؟! الدين ومجتمع المعرفة / صور أبو غريب.. رؤية نفسية / الاستعمار، والقابلية له: هل يعيد التاريخ نفسه؟!! / الذوق العام / كيف تدفع عصابة بوش الثمن فادحًا؟! / رمضان: ملاذ الأرواح / الجنس في حياة الفتاة العربية! / مصر ولادة وأولادنا متفرجون ومتفجرون / خائنات الديجيتال / قراءة في كتاب: سيكولوجية الشائعات / هل الخيانة الزوجية مرض نفسي أو اجتماعي؟!! / لماذا يخون الرجال؟!  / أحمد زكي.. كادر مختلف / نحو حركة اجتماعية جديدة  / في الحياة الزوجية.. هكذا يخطئ الرجال / عمرو خالد: على خطى الحبيب.  



الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/01/2010