إغلاق
 

Bookmark and Share

ثقافة الفضيحة ::

الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 17/07/2006

حين ظهرت على الهواء مباشرة مع "محمود سعد" حدثني عن "ثقافة الستر"، وحدثته عن ضدها، لأن هذا ما نعيشه حاليا!!
نحن ننتقل بسرعة مضاعفة من وضع كنا نعاني فيه من تطرف في الإخفاء والمداراة، من "من الستر" الذي كان منقلبا أو زائدا لدينا يصل إلى "التستر" والتواطؤ والتمرير للمصائب، والتغطية على الأمراض والأوجاع النفسية والاجتماعية والسياسية، الفردية والجماعية، من السر والسرية إلى العلن والعلانية، إلى الكشف والتعرية، إلى الفضح والفضيحة!!

العام والخاص:
أصل الحكاية أن الإسلام كما أفهمه يحترم الخصوصية، يقيم لها ما يكفل الحفاظ عليها، وحماية دائرتها في حياة الأفراد والأمم، ومساحة الخصوصية فيها من الحرية والمرونة والتنوع والنعومة، أو هكذا ينبغي، وهو ما لا يوجد في المساحة العامة.

في المجال العام ننزل للعمل ونتحاكم للقانون، وندخل في المنافسات الشريفة، ونناضل في مسارات الكبد والتعب اليومي، ونكد تحصيلا للرزق، وبحثا عن الإنجاز، أو هكذا ينبغي!! وفي المجال الخاص نخلع القيود والحدود والملابس والأعباء إلا قليلا ونستريح جسدا وروحا، يأوي الزوج إلى زوجته ويتواصلان، أو يسمر الأصدقاء المقربون بما لا يناسب قوله أو ممارسته على قارعة الطريق، ومن العلاقة الثرية المركبة والمرنة بين الخاص والعام يتجدد الإنسان، بل إن العبادة ذاتها تتوزع بين صلاة والجماعة والعيدين حيث الحشد والالتقاء بالآخرين مشاركة واندماجا وتفاعلا، وبين صلاة الليل، والذكر والتسبيح، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه. والغرب في مسيرته الثقافية والتاريخية ألغى المسافة تقريبا بين العام والخاص، بل صار مثل هذه التقسيمة من الازدواجية المنعومة!!

فمن كان لديه ميل شاذ جنسيا عليه أن يخرج به للعلن مطالبا بحقوق متساوية مع الآخرين، ومن أرادت أن تكون صريحة جريئة ومتحققة فينبغي أن تكون تفاصيل خصوصيتها أمام الناس، في قلب المشهد العام، وبذلك يمكن أن نفهم تصاعد موجات ممارسة الزنا في العلن، أو الدعوة إلى الحياة العامة بدون ملابس، أو اقتحام الكاميرا والإعلام بأدواته لحياة الناس دون أدنى تحفظ، وبخاصة حياة النجوم والمشاهير، لحثا عن لقطة مثيرة، أو لحظة حميمة، شديدة الخصوصية، والنجوم أحيانا يصرخون، ويقاضون، وأحيانا يرضخون بل ربما يحاولون الاستفادة!! وبالجملة لم تعد مسالة العام والخاص في الغرب مثل الأمس، ولا مثل ما كانت عليه عندنا حتى وقت قريب.

نحن هنا... والآن؛
في القنوات الفضائية والمواقع الإليكترونية والصحف والمجلات وكل أدوات الإعلام المحلي أو الإقليمي أو الدولي، بل وعلى كاميرا المحمول وشاشاته ، وأصبحت الفضائح مادة شهية للتناول، حيث البشر العاديين وحياتهم، وحتى الثقافة والفنون، والنجوم والحياة الشخصية للجميع هي سبع منتجات قابلة للتداول والاستهلاك، ولم يعد السؤال: كيف أو لماذا؟!! ولم تعد الفكرة أو الموقف هو: لا ولا.. ولكن: لم لا؟!! ودخلنا في عصر "ستار أكاديمي" وأخواته، وهو المنقول حرفيا عن برامج غربية مشابهة، وهو في فلسفته قمة من قمم محو الفارق بين العام والخاص!!

ومثلما انشغل الشعب الأمريكي بفضيحة كلينتون مونيكا، أو لاعب البيسبول الذي قيل أنه قتل زوجته، وتابع الملايين جلسات محاكمته على الهواء لساعات!!! وكما يشاهدون هم تلك النوعية من البرامج التي تستضيف أناسا من المفترض أنهم عاديين ليتحدثوا أمام الجمهور عن من ضاجع من، أو تستضيف تلك البرامج الزوج والزوجة وعشيقها، وربما عشيقة الزوج، وربما عشيقه!!، كل هذه القمامة المعروضة على شاشاتهم صارت تزحف تدريجيا إلى إعلامنا تحت دعوى كشف المستور والمصارحة والمكاشفة، وفي مصر على الأقل تصدر عشر مطبوعات جديدة نسبيا مادتها الأساسية حوادث الاغتصاب والقتل والخيانة والمتاجرة بالأعراض، والحصاد مناخ عام يلعب العهر والتعهير دورا رئيسيا فيه، فمرحبا بالحرية!!!!

المسكوت عنه؛
حتى الآن فإن أعراض النجوم هي المستباحة، وكذلك بسطاء الناس ممن لا يستطيعون مقاضاة جريدة تنشر أسماءهم أو صورهم حين يقعون تحت طائلة القانون.
هذا المناخ العام يحرض على الجريمة وعلى الخيانة وعلى الدعارة وعلة الفسوق، تحت دعوى أن كل الناس مثلنا، وتحت الشعار نفسه: "لم لا؟!! هذا المناخ المصنوع يخلق نوعا من الوهم والإيهام أننا صرنا نعيش في غابة بلا حرمات، وأنها ليست جريمة كبرى أن يعاشر الأب ابنته، أو تقيم زوجة علاقة مع شقيق زوجها، أو تهجر امرأة رجال لتقيم علاقات مع نساء، أو هكذا يفعل الرجال؟!!

نعم الشذوذ والأمراض جزء من حياتنا النفسية والاجتماعية طوال الوقت، والتستر مرفوض، ولكن الفضيحة أيضا مرفوضة، ونحن في مرحلة تحتاج منا على تمييز الخطوط الفاصلة بين هذه الأمور وضبطها، محتاجون إلى نقاش واسع وعميق حول الإعلام: رسالته ودوره وحول المعالجة حتى تكون رسالية تكشف لتعالج، وكيف ومتى تكون فضائحية تستخدم الشبر وقصصهم مادة وسلعة للبيع والمساومة!!!

ولدينا فإن أهل السلطة والسياسة والرئاسة ما زالوا بعيدين عن أن تطالهم ألسنة النميمة، وأدوات الفضائح بما يوحي أنهم يستخدمونها للتغطية على أمور أخرى يهمهم التغطية عليها، وهو ما يقال، وربما أيضا تدعمه الوقائع في سوابق متكررة، وهنا تتضافر ثقافة الفضيحة مع ثقافة الشائعة في مجتمعات لا توثق معلومة، ولا تستقي معرفتها إلا عبر السماع والملاسنة غالبا!!!

مفترق الطرق

نقف إذن على قمة مفترق طرق عديدة في هذا الشأن وغيره، ومطلوب منا قرار جماعي، وفعل جماعي مؤثر، والجملة ضد العري والإثارة على الشاشات الكبرى هي مجرد جزء بسيط مما هو مطلوب.
 
مطلوب دعم إشاعة قيم عملية إيجابية بين الناس وفي الممارسة اليومية، مطلوب تفاعل اجتماعي حقيقي عابر للطبقات والفئات مقتحم للحواجز الجغرافية والاجتماعية، وللحدود الوهمية، وللأسوار والجدران العالية بين النخب والعامة، بين الفقراء والأغنياء، بين الناشطين المهتمين والمتخصصين المعزولين أو المعتزلين.

مطلوب خطاب ديني جديد يجيب على الأسئلة الحالية المطروحة -والمتحدية، ومطلوب حراك ديني أكثر فاعلية وعملية وتفاعلية مع ما نعيشه بالفعل إعلاميا وثقافيا وجنسيا من مشكلات مطلوب الخروج من الأبراج العاجية، والصوامع الفكرية، ومن جحور صناعة الأوهام وتداولها، والدخول والانتشار السريع لنخوض معركة من بيت لبيت، ومن عقل لعقل، معركة وجودنا. نكون أو لا نكون.

للتواصل:
maganin@maganin.com 
 

اقرأ أيضا:
إبحار الأجيال وتعاقب الأمواج البناءةهكذا صنع الله..مثقف خارج الحظيرة / في الجنس وغيره أخطر مما يسمى غزوا / سيكولوجية الفتاه العربية / الاستعمار، والقابلية له: هل يعيد التاريخ نفسه؟!! / الذوق العام / رمضان: ملاذ الأرواح / الجنس في حياة الفتاة العربية!  / مصر ولادة وأولادنا متفرجون ومتفجرون  / خائنات الديجيتال  / قراءة في كتاب: سيكولوجية الشائعات  / هل الخيانة الزوجية مرض نفسي أو اجتماعي؟!! / لماذا يخون الرجال؟! / أحمد زكي.. كادر مختلف / نحو حركة اجتماعية جديدة / في الحياة الزوجية.. هكذا يخطئ الرجال / عمرو خالد: على خطى الحبيب / مصر مريضة: محتاجة كونسلتو / دافوس ببساطة  



الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 17/07/2006