|
|
|
سلفية لبنان.. صراع إقليمي في قلب حدث طائفي ::
الكاتب: علي عبد العال
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/09/2008
بدأت مفاجئة وانتهت غريبة تلك الخطوة التي أقدمت عليها فصائل منتمية للتيار السلفي السنّي في لبنان، فبعد يوم واحد من توقيع وثيقة التفاهم بين هذه الفصائل التي مثلها رئيس "جمعية العدل والإحسان" الشيخ حسن الشهّال وبين حزب الله الشيعي الذي مثله رئيس المجلس السياسي للحزب إبراهيم أمين السيد، تم الإعلان من قبل الشهّال عن تجميد الوثيقة "بغية لم شمل أهل السنة في لبنان وتوسيع دائرة التشاور"، حيث جاء ذلك بعدما صدرت انتقادات حادة من قبل أطراف سلفية فاعلة على رأسها زعيم التيار ونجل مؤسسه الشيخ داعي الإسلام الشهّال، وهو ما ترك أكثر من تساؤل بشأن حقيقة ومستقبل العلاقة بين قادة السلفيين اللبنانيين، ومدى تداخل الملفات السياسية والعسكرية بالملف الديني، وأثر العامل الاجتماعي ـ الذي برز مع صراع العائلات حول الهيمنة على التيارات الفكرية والدينية ـ على مشاكل لبنان.
ففي تصريح خاص لـ (إسلام أونلاين) أوضح الدكتور حسن الشهّال أنه دعا لمؤتمر سنّي سنّي في مدينة طرابلس اجتمع فيه بالمعترضين من قادة التيار السلفي، قائلاً: "اتفقنا على حل الخلاف، ووقف السجال الإعلامي، ونزع فتيل الأزمة، إذ نحن حريصون على وحدة صفنا وترتيب بيتنا من الداخل، فلا يجوز أن نصلح الحال مع الآخر ونترك بيتنا تمزقه الخلافات". وحول دوافعه للتفاهم منفرداً مع حزب الله بعيداً عن إجماع الطائفة السنّية ثم تراجعه عن ذلك سريعاً، قال الشهال: وقّعنا الوثيقة من أجل وأد الفتنة في لبنان، إلا أن شارعنا السنّي ـ المصدوم مما فعله حزب الله في شوارع بيروت ـ لم يتقبلها، وصارت له اعتراضات عليها دفعتنا إلى أن نجمدها طواعية إلى أن تطمئن القلوب، وترتاح النفوس، وحتى يتسنى لنا دراسة الوثيقة من جديد وأثرها على الشارع السنّي، حتى تكون نقطة التقاء بيننا وليست نقطة اختلاف وتفرق.
حسن الشهّال لا يمثل السلفيين وكان توقيع وثيقة للتفاهم مع حزب الله قد أحدث صدمة داخل الطائفة السنّية في لبنان، دفعت الشيخ داعي الإسلام الشهّال إلى عقد مؤتمر صحفي عاجل، قال فيه: إن "التيار السلفي بجمهوره العريض على امتداد الجغرافيا اللبنانية غير معني بهذه الوثيقة ومن وقّعها (أعني جمعية وقف التراث) وهي جمعية اجتماعية خدماتية ليس لديها أي تمثيل أو تأثير". معتبراً "أن الهدف منها طي صفحات سوداء للحزب في بيروت واختراق الساحة السنّية والإساءة إلى التيار السلفي الذي هو براء من كل ذلك".
وفي قراءة لخلفيات الحدث رأى الباحث اللبناني المتابع لملف الحركة السنّية (عبد الغني عماد) أن الأمر لم يخرج عن كونه تفرد له علاقة مباشرة بشخصية (حسن الشهّال) الذي لم يكن ينطق إلا باسمه واسم مجموعة صغيرة يمثلها من بين التيار السلفي، حيث تطوع لتوقيع هذه الوثيقة مع حزب اللهـ التيار الأقوى داخل الطائفة الشيعيةـ دون العودة إلى قادة التيار السلفي وممثليه وبعيداً عن المرجعية السياسية والدينية للسنّة، مضيفاً أن ما جرى يمثل استدراجاً من قبل شخص معروف باندفاعه السريع ورجوعه السريع أيضاً، وقد حصل ذلك أكثر من مرة من قِبَل حسن الشهّال في الماضي. وبمجرد عودته إلى مدينة طرابلس ودعوته للاجتماع الذي حضره غالبية التيار السلفي قدم الشهّال مبررات وحججاً، وتعرّض لنقاش حاد وإحراج حتى انتهى الأمر بخضوعه وإعلانه تجميد هذه الوثيقة.
صراع المدارس بين السعودية والكويت باتريك هاني ـ الباحث السويسري المتخصص في الشؤون اللبنانية والذي عمل لدى مجموعة الأزمات الدولية في بيروت ـ أحال جوهر المشكلة إلى قضية أخرى تتعلق بالصراع الدائر بين المدرسة السلفية السعودية ممثلة في الشيخ (داعي الإسلام الشهّال) والمدرسة السلفية الكويتية ممثلة في الشيخ (صفوان الزعبي)، فمنذ نشأتها والسلفية في طرابلس تحت قيادة أسرة الشهّال الذين يمثلون الطرف التاريخي للسلفية في لبنان، إلا أنه حصل مؤخراً ظهور جيل سلفي جديد تزعمه الشاب صفوان الزعبي (35 عاماً) ممثل جمعية "إحياء التراث الإسلامي"، وهي جمعية كويتية بذل من خلالها صفوان جهوداً كبيرة لحمل السلفيين على العمل الاجتماعي في لبنان، حتى أصبح قطباً كبيراًـ رغم صغر سنه ـ بين أقطاب السلفية هناك، وأصبح بما يحظى به من احترام وقبول يمثل منافسة وتحدّياً حقيقياً للشيخ داعي الإسلام الشهّال ومدرسته.
وتابع باتريك: ظهر صفوان بصورة المستقل عن الأموال السعودية وتيار المستقبل ـ الذي صار ميله أقوى للجماعة الإسلامية والتيار الأزهري ـ حيث لم يدعم (آل الزعبي) تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري في الانتخابات الأخيرة، وقد ظهر دور صفوان الزعبي قويّاً خاصة في ظل الخلاف الشخصي بين الشيخ داعي الإسلام الشهّال وزوج شقيقته وابن عمه حسن الشهّال، الذي بدا فقط أنّه يريد أن يسجل لنفسه ظهوراً إعلامياً ووجوداً سياسياً لا يملك مؤهلاته، وقال بتريك: إن هذه الخطوة جاءت بينما كان يسعى حزب الله ومنذ شهور في محاولة للتفاوض مع أي من أطراف الطائفة السنّية وخاصة السلفية منها، خاصة بعد أحداث بيروت الأخيرة وما أحدثته من احتقان مذهبي وعداء مع السنّة.
وحول مستقبل العلاقة بين المجموعات السلفية في لبنان على خلفية ما جرى من تجاذبات بشأن هذه الوثيقة، اعتبر الدكتور رضوان السيد ـ أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية ـ أن كل ما في الأمر كان أشبه باختراق كويتي، وقد ردم هذا الاختراق، الذي سعى له الكويتيون ـ داعمون وممولون ـ على خلفية الخلافات الجارية بين السلفيين والشيعة في بلادهم. وأضاف أن المجموعة التي تحدث باسمها حسن الشهّال ـ مجموعة آل الزعبي ـ تراجعت عمّا همّت به وجمدت هذه الوثيقة، وأقرت بأن مثل هذا الأمر لن يتم مستقبلاً إلا إذا قبله الشيخ داعي الإسلام الشهال وباقي قادة التيار السلفي.
واستطرد رضوان بأن هذه المجموعة أخطأت حينما اعتبرت الخلاف القائم في لبنان خلافاً دينياً بين السنّة والشيعة، في حين أنه لم يكن كذلك، بل هو خلاف سياسي عسكري في الأساس، بالنظر إلى أن حزب الله تنظيم عسكري مسلح تتمثل المشكلة معه في تفرّده بقرارات السلم والحرب بعيداً عن مؤسسات الدولة اللبنانية، ولعل هذه المجموعة لم تدرك ذلك نظراً لكونها جمعية خيرية سلمية لا مشكلة لها مع الحزب أصلاً، وجاء الأمر أشبه بحيلة من قبل حزب الله سعى خلالها إلى شق الصف السنّي، وإظهار أن من بين السلفيين من يتفاوضون معه، دون أن يفكر قادة الحزب في مراجعة أنفسهم أو أن يصححوا من الأخطاء التي وقعت بحق أهل بيروت.
وفي تصريحه لم ينس حسن الشهّال أن يؤكد على توافق السلفيين بشأن أهمية الحوار مع حزب الله، من حيث المبدأ، قائلاً: لعلنا نحاوره مجتمعين في المستقبل أفضل من أن نحاوره فرادى، مضيفاً إلا أن الحوار بات يتوقف الآن على أمرين: الانتهاء من دراسة الوثيقة، واقتناع الشارع السنّي بها. وذهب الشهّال إلى أن حزب الله أوقع نفسه في مشكلة كبيرة مع أهل بيروت، حيث بقي الشارع السنّي متأذّياّ مما فعله.
حزب الله يتفهّم مواقف الشهّال ومن جهته استنكر الناطق الإعلامي باسم حزب الله الدكتور حسين الرحال، ما يقال من أن مجموعة حسن الشهّال لا تمثل إلا نفسها من بين الطائفة السنّية، معتبراً أنها قوى لها وزنها واعتبارها في لبنان، وأن الدكتور حسن الشهّال رجل معروف ويرأس مجموعة من الجمعيات الخيرية الإسلامية التي تعمل في الدعوة والإرشاد داخل لبنان منذ أكثر من 40 عاماً، وتابع: نحن لا ننظر إلى القوى الإسلامية باعتبارها صغيرة أو كبيرة بل ننظر إليها باعتبارها جزء من لبنان، ولا يحق لأحد أن يحتكر الشارع السنّي في لبنان.
وأضاف الرحال قائلاً: نحن نتفهم موقف الدكتور حسن الشهّال والقوى التي وقّعت معنا الوثيقة، كما نتفهم أيضاً تراجعهم الذي جاء في ظل ضغوط شديدة مورست عليهم. وتساءل: لماذا هذا التعامل بطريقة الاستنفار السياسي من قبل الأطراف الأخرى، خاصة وأن عدداً كبيراً من القيادات المعتبرة في لبنان أيدت هذه الوثيقة.
وحول ما تردد كثيراً من تصريحات بشأن موقف أهالي بيروت من حزب الله على خلفية اجتياح عناصره المسلحة شوارع العاصمة اللبنانية، وما اعتبر منذ ذلك الحين بأنه احتلال لشوارع بيروت من قبل الحزب، رد حسين الرحال بالقول: إن الذي احتل بيروت معروف، والذي حماها أيضاً معروف، وأهل بيروت يعرفون ذلك جيداً، مضيفاً: نحن أهل بيروت، ونحن وأهل بيروت واحد، والذي احتل بيروت هم الإسرائيليون وليست (المقاومة) والذي احتل بيروت من اتكل على البوارج الأمريكية لحمايته، الذي جلب الأسلحة الأمريكية إلى البلاد وطلب الحماية من رايس (وزيرة الخارجية الأمريكية). وهو تلميح واضح من الناطق الإعلامي لحزب الله برئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، وهو ما يمكن أن يقف من خلاله المتابع للأحداث الجارية في لبنان على أي مدى يمكن أن تظل هذه الأحداث الطائفية قابضة على سخونتها في البلاد.
اقرأ أيضاً: كينيا المأزومة.. على مفترق طرق إمبراطوريات الشر الإعلامية بلاك ووتر.. تجارة لقتل الأبرياء زفة للمطبعين(آنا بوليس)يحسبه الظمآن ماء مجالس العشائر صحوات من سراب دبلوماسية النهب المنظم.. رايس في أفريقيا حملات التحريض العربية لخنق حماس فضيحة صمت العرب أمام استقلال كوسوفو الغزو الأمريكي للعراق.. وعسى أن تكرهوا شيئاً إندونيسيا في مرمى المصالح الأمريكية
الكاتب: علي عبد العال
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/09/2008
|
|
|
|
|
|
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com
|
حقوق الطبع محفوظة لموقع مجانين.كوم ©
|
|