لعنة الإنترنت..!؟
الأساتذة الأفاضل في موقع مجانين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أنا الآنسة "س" أكتب إليكم... ذهني مشوش والبدايات تختلط مع النهايات والحاضر مع ما مضى وكل شيء في حياتي يشير إلى نفسه لتكون منه الكلمة الأولى، ولكني أراها جميعا في خانة واحدة، هي الخطأ والخطيئة.
تسعة وعشرون سنة وكل عام يمر أتحسر عليه لأني بخسته حقه وعشته أقل مما ينبغي.
تخرجت من كلية الطب وها أنا الآن أبكي على الساعات المرهقة لأني لم أجتهد فيها كفاية ولم أرى حلاوتها وقيمتها إلا بعد أعوام من مرورها وأصبحت في خبر كان.
أقرأ كم من سنوات وأتبسم عجباً لحكمتكم ورؤيتكم الواسعة لمشاكل القراء، تتفق أغلبها إن لم يكن جميعها أن يبتدئ الكاتب الحكاية من طفولته البائسة وأسرته الغليظة وواقعه المر والمحيط الذي يعاديه والسماء التي تتعمد أن توجه إحراق الشمس له وضياءها لغيره والأرض التي تتململ من سيره عليها حتى لكأنه يسمع همسها في أذنه، أنت غير مرغوب بك في هذا العالم!
كل ما سبق يهدف إلى –بقصد أو بدون قصد- أن يخبروكم أن هناك سببا، وأسبابا ومسببات وبدايات لا يد لهم فيها أوصلتهم لما هم عليه الآن. أما أنا بحثت فلم أجد، كل شيء كان معي، كل شيء كان لي، كل شيء كان يأخذ بيدي إلى الأفضل والأجمل والأنسب، كل شيء وبكل تفاصيله كان حجة علي.
وبالمقابل لم تكن مدعاة للترف والكفر والخيلاء والغرور، صدقوني كان كل شيء على ما يرام.
أقول كل شيء وأنا أتذكر اليوم الذي طرق فيه طفلان باب بيتنا طلباً للطعام فأعطيتهم ما تبقى من أرز وسلطة وشيء من السمك وقارورة ماء، فسمعت أحدهم يقول لصاحبه، ياااااااه يوجد من كل شيء!.
كثيراً ما أجلس مع نفسي لأبحث أين البداية وأين انحرف الطريق ليقودني إلى الهاوية؟
هل سفر أسرتي هو السبب؟ لقد سافروا جميعهم من قبل وبقيت وحدي وكانت أياما رائعة لولا ألم شوقي إليهم، ثم إنني هذه المرة التالية (قبل ثلاث سنوات) لم أُترك لوحدي، بقي معي واحد اثنين ثلاثة أربعة ولكني وقعت في منحدر سحيق ولا أحد يشعر بشيء إلى الآن.
هل كان السبب هو الإنترنت؟ أعرف هذا الكائن منذ أكثر من عشر سنوات وأذكر أنه ما كان يستهويني به إلا متابعة أخبار وطرق إعداد الطعام!
وأذكر أيضاً أني لم أكن أقضي فيه إلا عشرين دقيقة في اليوم/ مرة واحدة في الأسبوع.. آه والله!
هل السبب هو النضج والميل إلى الآخر؟ ولكني بلغت ودخلت الجامعة ولم أرى في حياتي مشهداً اشمأززت منه أكثر من اثنين يجلسان في مكان بعيدا عن سمع الآخرين.
حتى تلك التي يسمونها عادة سرية لم أمارسها إلا من ثلاث سنوات أيضاً بعد أن توقفت عنها في سن العشرين تركتها لله وخوفاً من آثارها الصحية.. مقال واحد مكتوب بنية خالصة أنقذني منها.. ولكن بعد ذلك لم يفد معي شيء.
هل السبب الحالة النفسية المتعبة التي عانيتها في ذلك اليوم منذ ثلاثة أعوام والتي كان سببها فسخ خطبتي لتواضع جمالي، نقلت لي أمي الخبر وكأنها تتحدث عن بنت الجيران أجبتها باللامبالاة وداخلي شرايين تضيق وأكسجين يعجز عن الوصول إلى رئتيَّ.
هنا النت وهنا موقع شهير للدردشة وهنا أكون فيه من أريد، لم يكن هذا اليوم هو بدايتي في الشات والتعرف على الشباب، فالبداية الحقة كانت من هنا، نعم هنا، أقصد بهنا مجانين دوت كوم، جسر التواصل، هل تذكرون؟
أضع عنوان بريدي الإلكتروني لأتفاجأ بعدها برسائل من مجهولين، أتذكر أول رسالة، يالله كم خفق لها قلبي، رغم أنها لم تحتوي إلا على (هاي أنا أحمد ممكن نتعرف)؟! قضيت ليلتها وأنا أفكر بماذا أرد وكيف أخذله برفضي وكيف سيحزن إن لم أجبه ههههههه وبما أني تعرفت على مخاطر الشات قبل أن أعرف الإنترنت استجمعت قواي وحذفت الرسالة.
المهم، اعتدت كلما كان لدي وقت كافي أو ضغط نفسي أن أدخل أحد مواقع الشات ذوي الرسائل الخاصة وأستمتع بشتم أصحاب الكلمات البذيئة وأستظرف مع غيرهم، وأرفض أي طلب لإيميلي وأغلق الصفحة وينتهي كل شيء. حتى جاء ذلك اليوم سالف الذكر وتعرفت فيه عليه، مخلوق في الخامسة والأربعين من عمره، لأجل حلاوة كلماته ورومانسيتها تعلقت به، تواصلت معه كثيراً سهرت الليالي لأحادثه، قلبت مواقع الأدب لأبعث له حروف الحب الذي ولد في قلبي له، هو لم يكن يفهم في الحب إلا أنه لا عذرية فيه.
استباح كل شيء كتابة! أحسست بالرجس، أحسست بالخطيئة، أحسست بالحرام وتركته...... ثم عدت إليه أبحث فيه عني!
مللت من إلحاحه رؤيتي، دخلت موقع الشات مرة أخرى باسم آخر، وجدته هو، وكم كان صاعقا حين ردد نفس الكلمات التي أطاحت بي! طبعاً أنا ألعنه الآن في سري بعد كل كلمة أكتبها لأن سياسة الموقع لن تقبل ذلك علانية.
ألعنه وأدعو عليه لأنه ما خاف الله فيّ، ربما ظن أنها ليست المرة الأولى لي فعاملني كما أراد هو، ولكن والله كنت من قبل أن أعرفه أشد طُهراً من ماء نهر الكوثر.
عرفت بعده خالد وطارق وعلي وأحمد ومحمد ومحمد ومحمد ورامي وسامي ووائل ووووووووو بالعشرااات، وأنا كنت أمل ورشا وصفا ودينا وسماح ورانيا وآية وياسمين، ومع كل واحد منهم تعلمت شيئاً جديداً وانتقلت من الكتابة للمايك، عبثاً أحمر يمتد لساعات، كان كالإدمان بالنسبة لي، حتى في أيام امتحانات البكالريوس لم أكن أستطع مقاومة نخر الرغبة التي أشعلوها في داخلي.
شاهدت كل شيء، قرأت كل شيء، خنت الأمانة، مارست الرذيلة وأنا هنا في قعر دار أبي وفي غرفتي وعلى هذا الكرسي الذي أكتب منه الآن، مع كل واحد فيهم أوهمه أنه الأول بالنسبة لي وفي سري أتذكر طرفة لأحدهم يسخر من هؤلاء حين يسألون صديقتهم الإنترنتية هل صادقت أحداً من قبلهم، فيجيب هذا الساخر نيابة عنها (لا يا أخويا دي قررت تنحرف على إيدك).
تبت كثيرا وعدت كثيراً، أتوب كل يوم وألعن نفسي كل يوم وأدعو على نفسي كل يوم، وأعود لما كنت عليه... لماذا؟! لماذا لم تمنعني صلاتي وصيامي عن مقارفة الخطأ؟
لما لم تحرسني دعوات والداي؟؟ فوالله ما كان أبي امرأ سوء وما كانت أمي بغيا.
أتحسر على نفسي حين أراجع أغلب مشاكل النت والتعارف عليه ولم أجد واحدة شبيهة بحالي.
أحترق حين أحادث والديَّ وهما يظنان بي خيراً وأنا غير ذلك.
أخشى من اليوم الذي يهتك فيه ستر الله عني يا الله خذ روحي قبل أن تفضحني ولا تشمت بي عدوا ولا صاحبا.
مستواي العلمي في تدهور فظيع جداً وما سبق هو السبب.. شيء مأساوي والله أن أستيقظ الصبح وأنام أواخر الليل وما بينهما مجرد قذارة.
إضافة أخيرة؛
كثير من سالفي الذكر أبدوا رغبتهم الصريحة بالزواج!! آه والله زي مابقولك كده، فمع كل واحد منهم أمسح اسمه أو ألغي الإيميل، إلا أن اثنين قمت بإعطائهم رقم هاتفي، بعد عناء شديد تخلصت من أحدهما أما الثاني فهو ينتظر الوقت المناسب ليتقدم! أوهمته بالحب وإلى الآن وأنا أردد له نفس الكلمات التي قلتها لسابقيه ولست أدري كيف أتخلص منه هو أيضاً دون أن يحزن لذلك، قلبي عليهم والله.
أيقنت أني لا أناسب أحدًا وتوقفت عن دعاء الله أن يرزقني الزوج الصالح والذرية الصالحة
أنا لا أصلح لأحد، تلوثت روحي بشكل بشع، وعذريتي الروحية غير قابلة للترقيع، لا أريد الزواج ولم أعد أرغب به، ولا أريد أسرة.
أيقنت الآن ظلم المعصية، وعشتها حقيقة استنزاف المشاعر التي تحدثت عنها الأستاذة أميرة بدران.
خسرت نفسي وخسرت سنوات من عمري لكن لا أريد أن أخسر حياتي كلها، ساعدوني.
20/02/2014
رد المستشار
كلماتك، تعبيراتك، ألمك، وجعك، حسرتك، ندمك، خوفك، رجائك، أعجبني وطمأنني عليك!، فهل تتصورين أنني سأتمكن أنا أن أرى عذابك وضعفك وندمك ولا يراه الله العظيم؟، هل سأتمكن أنا من التفرقة بين من يتلذذ بالمعصية ولا يرى فيها أي غضاضة، ومن يقوم بالمعصية ويتألم ويكرهها ولا يتمكن الله تعالى من ذلك؟؛ فالله عظيم وليس بشرا مثلنا؛ فهو لا يرى كما نرى نحن، ويعفو بحق بينما نعجز نحن البشر عن العفو، ولا يصبر كصبرنا؛ فهو إله يعلم علما مختلفا عنا وعن حقيقة نفوسنا وحقيقة ضعفنا وحقيقة قدرتنا على المقاومة؛
لذا في حديثه القدسي جل جلاله لم يقل معظم ولا غالب بني آدم خطائين ولكن قال سبحانه "كل"، بنو آدم خطائين، وهو سبحانه الذي قال خلق الإنسان ضعيفا جهولا ظلوما؛ لذا هو وحده سبحانه الذي يقدر على مسامحة سيدنا آدم الذي نسى لتوه أنه في الجنة وبقرب ومعية الله تعالى وضعف وأكل من شجرة وحيدة ضمن آلاف الأشجار قيل له أنها حرمت عليه، وهو فقط القادر أن يغفر لبغي كانت تبيع جسدها بالفعل لرجال لتحصل على نقود لعطفها على كلب ظمأ!، وهو فقط الذي صبر سبحانه على حياة مثل حياة ابن دينار قبل أن يصير ابن دينار بكل ما فيها من خمر ونساء وغيره، وهو فقط سبحانه الذي أمهل لابن عطاء حتى صار ابن عطاء!،
فهل نتجرأ نحن البشر لنقيس ونرى ونحاسب ونتوقع ما يمكن أن يراه ويحاسب به الله سبحانه وتعالى؟!، وهل معنى حديثي هذا أنني أطمئنك وأقول لك لا بأس؟!ّ، لا يا ابنتي.. فقط أضبط معك رؤيتك التي قلت عنها بنفسك أنها صارت مشوشة متخبطة؛ فغلظة ألمك من المعصية جعلتك تنسين أن الله عظيم كريم ودود صبور رشيد!؛ فأنت وأنا وغيرنا نكون ضحية فكرة أن الإنسان الذي يرتقي في علاقته مع الله ومع الحياة حتما سيظل قويا، وأن الضعف أمر يخص بشر آخرون، وأن الوقوع في المعاصي صعب حدوثه مع الصلاة والصيام!؛
فلتتقبلي حقيقة أننا ضعاف!، وأن المعاصي لها جاذبية!، وأن المصلي الصائم قد تزل قدمه!، فمثل أفكار القوة المستمرة، والزلل يخص ضعيفي الإيمان وغيرها من الأفكار هي نفسها العائق بيننا وبين القدرة على تجاوز الأخطاء وعلاجها!، فأنت بشر، والبشر يضعف ويخطئ وتزل قدمه، ولكننا نختلف باختلاف شخصيتنا والمناخ من حولنا؛ وهذا ما تصورت أنه لا قيمة له عندك، فأين باقي مساحات الحياة؟، أم تتصورين أنك أنت أنت منذ سنوات؟، وأنك ستكتفين بالدراسة وإعداد الطعام؟!، فأنت تكبرين وتحتاجين بشكل فطري وطبيعي لوجود من يشاركك حياتك ويشبعك عاطفيا وجسديا، ولكن ماذا ستفعلين حتى يحين الوقت المناسب؟؛
هل ستتعاملين بنفس طريقة زمان؟، هل ستلقين كل التهم على غدر نفسك بك؟؛ فالتغيير والكف عما يؤلمنا وعما لا يرضاه الله تعالى يحتاج لدعم من داخلك ومن الحياة من حولك؛ فلتقتربي من الله بشكل مختلف فيه تصدقين أنه الغفور وليس فقط تعرفين أنه الغفور، ولتستدفئي بالأصدقاء والزملاء والعمل التطوعي والدراسة والترفيه، وما أراه من موهبة كتابة راقية رائعة، فالفراغ والحرمان مناخ البؤس والضعف والمرض، فلتنفضي عنك دثار النحيب والولولة وقفي على قدميك من جديد، وتقبلي ضعفك وأخطائك لتتمكني من تجاوزهما.