تفكير قهري وهواجس سوداء........
الدكتور محمد المهدي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أستاذي الكريم بداية أحب أن أقول: جزاك الله خيرا، وما عند الله خير وأبقى دوما....
أستاذي أنا فعلا بحاجة للمساعدة، وقد حسبت أن ما أمُر به منذ أكثر من (5) خمسة أشهر مجرد عوارض طبيعية وستذهب وإذ بها تزيد كل يوم....
سأبدأ الحديث منذ البداية لأجعلك تحيط بالمشكلة من كل جوانبها:
أنا فتاة في الـ 20 من عمري عشت في أسرة مفككة داخليا، كلها مشاكل ونكد، لم أعرف في حياتي كلها ماذا يعني أب وأم، وعانيت منهما الكثير من القسوة والظلم، وليست هذه مشكلتي، فمشكلة الآباء والأبناء أُشبعت بحثا على هذه الصفحة، ومررت بمراهقة عصيبة وخلالها حاولت الانتحار أكثر من (3) ثلاث مرات وتركت منزل أهلي.
وبعد سن الثامنة عشر وبعد متابعتي للأستاذعمرو خالد بدأت أتجه اتجاها آخر، حيث وجدت الإنسان الذي أخذ بيدي، إنسان يتكلم بالمنطق والعقل والدين عنده ليس ترهات وخرافات، وتعرفت على إسلام أون لاين وساعدني كثيرا الفكر المنفتح الذي كانت تعالج به القضايا المطروحة، حيث وجدت فكراً يوازي فكري، وعزمت على أن أصنع حياتي بنفسي وأنسى كل المشاكل والعُقد النفسية، لأنني اقتنعت بأنني وصلت لمرحلة أنا أصبحت فيها المسئولة عن نفسي فيها أمام الله، وأملك القدرة على التغيير وحدي دون مساعدة أحد.
والحمد لله نجحت وأخذت البكالوريا (الثانوية العامة) بعد سنتين من الفشل وها أنا الآن سنة أولى علم اجتماع والحمد لله منذ سنتين وأنا أُكون نفسي وأُهذبها وأُطورها بعون الله ثم بعون إسلام أون لاين والأستاذ عمرو، وتجاوزت بفضل ذلك الكثير من المشاكل التي كانت تحصل في المنزل أو بالأحرى اختلف تفاعلي معها....
ومنذ 7أشهر تمت خطبتي على شاب رائع، والحمد لله أنا سعيدة جدا، وقد تم كتب الكتاب، والفرح إن شاء الله قريبا، وهنا تبدأ المشكلة وأُلخصها بأنني أحببت خطيبي إلى درجة التعلق، ومنذ أن تعلقت به وبدأت تأتيني هواجس، سأشرحها لك الآن، ما هي، وما تأثيرها على نفسيتي، وما الأعراض التي تصيبني بسببها.....؟؟؟؟
هذه الهواجس تظهر لي كلما جلست وحدي أو شردت للحظة، وفي كل موقف سعيد، أو بالأحرى ترافقني كظلي، دوما أتخيل مشاهد موته، أو فقدانه (لا قدر الله)، أتخيل أن أحداً قتله، أو سيارة ضربته، أتخيل دوما أن الموت سيأخذه مني
وأتخيل أن العرس لن يأتي، وإن أتى أتخيل أنه سيتركني أنا وطفلا في هذه الحياة وحيدين، أتخيل أنني لن أعيش معه طويلا، وكل محادثة هاتفية بعد انتهائها أقف للحظة وأتخيل أنها الأخيرة، ودوما أشاهد في أحلام اليقظة صورا لمأتمه وكيف أنني أعددت كل شيء للفرح وأن البيت كامل ومفروش وأن جهازي لم يبق له شيء وأنني اشتريت ثوب الزفاف وأنني في خِضم هذه السعادة يصلني فجأة خبر (الموت) وأعيش الانفعالات المريرة التي تحدث في أحلام اليقظة هذه، وتنتهي هذه الهواجس ببكاء مرير وانفعالات شديدة تؤثر على نفسيتي بشكل سييء، لأنني فعلا أخاف أن تصدق هذه التخيلات، وأدعو ربي بضراعة أن يسلمه لي ويطول لي بعمره ويجمعنا على خير وتحت رايته وفي ظل طاعته.... دوما أتخيل نفسي وأنا جالسة بين إخوته وزوجاتهم بدونه، فأخاف جدا.
أريد أن أعرف لماذا مخي يتجه في هذا التفكير بهذا الشكل القسري، ربما تسمية ما يأتيني من أفكار بهواجس تسمية خاطئة، والأصح تسميته تفكيرا قهريا، في البداية فسرت ذلك بأن الإنسان عندما يحب شخصا يخاف عليه لهذه الدرجة، وكنت أناقش أختي فتقول لي أن ذلك سيذهب مع الزمن، وأكد لي ذلك أيضا ما قرأته في كتاب التفاهم في الحياة الزوجية للدكتور مأمون مبيض، حيث إنه كلما زادت درجة الحب زاد الخوف معه.
لكن الآن أجد أن ذلك يزيد لدرجة أنني أصبحت لا أريده أن يخرج من البيت ولا يقابل الناس، وكلما جاءتني هكذا خاطرة أحس بالاختناق وببعض الأعراض التي ذكرتها حضرتك في مقالة كيف نتغلب على الخوف من الامتحانات وهي: توقعات سيئة للمستقبل، الشعور بعدم الارتياح، الشعور بالخوف والترقب، الشعور بزيادة الضغوط وتراكم المسئوليات وعدم القدرة على الاحتمال، سرعة الاستثارة، العصبية
والأعراض الجسمية هي: اضطرابات في البطن، غثيان، سرعة ضربات القلب، صداع، ودوما أحس برغبة في البكاء ولا أقدر، أشعر بضغط شديد على صدري ورغبة عنيفة في البكاء..... وبعد أن قرأت هذه التحليلات رجحت أن اسم ما أعاني منه هو القلق والقلق الزائد، حاولت كثيرا التعامل معه لكن دون جدوى، إنني كلما جاءتني هذه الهواجس، أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأشد ما أخشاه هو أن يعتبر الله تعالى ما أعانيه نوعا من سوء الظن به، والموضوع ليس كذلك، حيث إنها رغم الاستعاذة لا تذهب، أو قد تختفي دقائق وتعود، ربما لأنني حولت نشاط المخ إلى موضوع آخر.......
إنني فعلا أحب خطيبي والحمد لله أنه يحبني كذلك بنفس القوة، لكن هذا القلق الذي أعيشه وصل لمرحلة مزعجة، إنه يمنعني من الاستمتاع بحياتي، لا أشعر أنني آمن عليه إلا إذا كان بقربي، وتزيد هذه الحالة بشدة عندما يغيب عني أكثر من أسبوع في حالات سفره......أنا لا أخفيك يا سيدي أنني وجدت وطني عندما عرفته، وجدت وطنا طالما بحثت عنه وأنا أعني كلمة وطن، لأنه يمثل لي كل شيء في الحياة بعد الله تعالى.....
وهناك أمر آخر، أنني داخليا أرفض فكرة إنجاب الأطفال وبالذات الإناث خوفا من أن يحبهم وينساني، ولا أخفيك أنني لا أتحمل وجود أنثى أخرى وإن كانت ابنتي مع أنني أعرف أن نظرته لها بالتأكيد تختلف عن نظرته لي، وهذا والله يعذبني، لأنني كثيرا ما كنت أحب أن تكون لي ابنة صغيرة وأكون صديقتها وأمها وأختها، وأبني فيها شخصية جميلة، ولكن أشعر الآن بالرفض القوي الداخلي لموضوع الأطفال، لأنني لا أريده أن ينشغل عني، أو أجده يحب أحدا أو يهتم بأحد غيري.... وعلى أي حال فإن فكرت في الإنجاب فلن يكون ذلك قبل 3 سنوات أي حتى أنهي الجامعة، إلا إن أراد الله أمرا آخر فلا راد لقضائه.....
بالتأكيد تستنتج حضرتك الآن غيرتي الشديدة عليه من النساء، والحمد لله كثيرا أن رزقني بإنسان عفيف يخافه ويغض بصره، وأنا قرأت عن الغيرة ومضارها، لكن ليس بيدي، تخيل سيدي أنني أغار عليه لدرجة أنني أكره حوريات الجنة وأتمنى أن يمتن كلهن ولا تبقى واحدة، أكرههن أكرههن أكرههن، وأخاف أن يسبقني للآخرة فيقعد معهن وأخاف أن أسبقه فيتزوج بعدي.... أعرف أن حضرتك تنفجر ضاحكا مما أقول، كما يحدث معي عندما أفكر هكذا، أنا فعلا أضحك من هذا التفكير.....ولكن هذا الواقع... ولا أخفيك أنني سعيدة بقوله لي دوما أنه لم يعد يريد حوريات ولا أحدا سواي معه، وعلى فكرة هو لا يعرف هذه التفاصيل التي أكتبها لحضرتك الآن....ولكن بالتأكيد يعرف شدة غيرتي..... وعلى فكرة هو مثلي يغار أيضا، لكنه رزين وعاقل وحكيم.....
أشعر أن الغيرة هذه تتحول إلى غيرة مرضية، خاصة من الإناث مهما كن، ولا أحب أن أكون هكذا، بل أحب أن أكون الزوجة الواعية العاقلة الحكيمة المحبة الحنونة الصديقة القوية، أحب أن أكون حواءً أي ( من الاحتواء ).....
ولقد اتبعت أسلوب أن أشغل نفسي ولا أسلمها للفراغ، وأنا فعلا عندما أنهمك في عمل معين أنسى هذه الهواجس، لكن هذا لا يعني أنها ذهبت، إنها موجودة ولكنها تختفي آنياً وتعود فجأة، وربما وأنا في أشد حالات الانهماك تفاجئني هذه الهواجس والأفكار السوداء وتجعلني أبكي، وأريد عندما أجلس وحدي أن أفكر بأشياء سعيدة، لا بهكذا في أمور سوداء........ لست أدري لماذا دوما أتخيل النهاية السوداء، رغم أنه توجد نهاية جميلة وهي أن يصبح دكتور شريعة وأكون دكتورة علم اجتماع ونساعد في نهضة أمتنا، لكن ينسف كل هذه الأحلام الجميلة صاروخ واحد من تخيلات الحرب، لا أخفيك أنني دوما أتخيل أن بلدي تقصف بالصواريخ، دوما في أحلام اليقظة أشاهد الناس يموتون والجراح والدماء، وأتخيل نفسي وأنا أودع زوجي وهو خارج ليقاوم العدو، لست ضد فكرة مقاومة العدو، لكنني أكره الحرب أكرهها أكرهها....
تذكرت أمرا مهما، أعتقد أن تخيلات القتلى والدماء بدأت معي منذ حرب العراق، في أول أيامها تابعت الأخبار وحصلت معي صدمة قوية، ومنذ ذلك الوقت وأنا بدأ معي القلق ولكن في وجود شخص أحبه تضاعف أضعاف مضاعفة....
لست أخفيك يا سيدي أن ما أشاهده هذه الفترة من تعذيب الأسرى يزيد من الموضوع.....أتعلم شيئا، أشعر أنه ليس من حقي أن أحس بهذه الأمور بمقابل ما يعانيه أبناؤنا هناك، ولكن إن أردت مساعدتهم فعلي مساعدة نفسي، واجتثاث سلبياتها وأمراضها وتنمية مهاراتها وإيجابياتها..... فعلا هذا التفكير يعذبني لأنني لا أستطيع الخلاص منه، وتمر علي أيام أستسلم للبكاء المرير بسبب المشاعر القاسية التي أعيشها في أحلام اليقظة هذه.... وفي حالات غيابه عني، دوما أعيش أحلام يقظة بأنه قريب مني وأكلمه بصوت عالٍ وأسمع رده وأرى نظراته... وأمزح وأضحك وكأنه قريب مني، أي مثل ما نتكلم عندما يكون معي، مع أنه ليس بقريب بل هو مسافر....
وأمر آخر، منذ أن قرأت مقالة بنات العرب في اسرائيل للأستاذ علي الطنطاوي رحمه الله، وأنا دوما أتخيل مشاهد أكون فيها مثلهم، ومكانهم، أخاف جدا من هذه التخيلات، أخشى حقا أن تتحقق، وأعيش في هذه أحلام اليقظة هذه بكافة انفعالاتها، من الخوف والبكاء والألم والقلق ثم الاكتئاب... وقس هذا الموضوع على كل شيء... لست أدري ماذا تسمى هذه الحالة؟؟ ولا لماذا يحدث معي ذلك؟؟؟؟
أدعو الله أن أجد عند حضرتك الجواب اليقين..... فأنا بعد تفكير طويل وعجزي عن مساعدة نفسي وجدت أنني أحتاج استشارة طبية، ولست أدري إن كانت ستنفع من على النت........ على كل هذا القلق أريده أن يذهب عني... وبإذن الله سيحدث ذلك بمساعدتك يا دكتور محمد .....
وجزاك الله كل خير.......
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
14/05/2004
رد المستشار
أختي العزيزة... "هدي"، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
حياتك المبكرة في أسرة مفككة رسبت في نفسك الكثير من القلق وانعدام الأمان فالأسرة حين تعجز عن احتواء الطفل وطمأنته ومنحه الإحساس بالأمان والحب غير المشروط فإن الطفل ينشأ ولديه شعور مزمن بالخوف وتغلب عليه التوقعات السيئة في كل الأحداث وتراوده دائما أفكار وسواسية تنغص عليه حياته وتسرق منه أحلى لحظات عمره.
وأنت اكتشفت هذا الأثر بنفسك ولكنك كنت تملكين الشجاعة والإرادة والرغبة في التغيير الذاتي أو العلاج الذاتي، وقد كان هذا القول في سن الثامنة عشرة بعد سماعك للأستاذ عمرو خالد ومتابعتك لإسلام أون لاين، فقد أعطوك تصورا آخر للحياة أكثر إيجابية أو أكثر سلاما أو أكثر تفتحا، وكان من ثمرة هذا التغيير نجاحك في الثانوية العامة بعد سنتين من الفشل وارتباطك بشاب رائع تحبينه حبا هائلا.
ويبدو أنك ركزت كل مشاعرك تجاه خطيبك (وهذا شيء جيد ومطلوب) فهو بالنسبة لك المنقذ من الظروف الأسرية الصعبة التي عشتها، وكما تركزت عليه مشاعرك الإيجابية تركزت أيضا مشاعرك السلبية الرابضة داخل جهازك النفسي والمتراكمة عبر مراحل الطفولة والمراهقة.
فأنت تعانين حالة من القلق المزمن الذي يتبدي الآن في صور أفكار وهواجس وأفكار مخيفة منطقية ولا تستطيعين التخلص منها، وعدم شعورك بالأمان جعلك تخافين بشدة من فقدان خطيبك لذلك وقعت في حالة من حب التملك والغيرة (وليس الاحتواء كما كنت ترغبين)
وهذه الحالة تعكس عدم ثقتك بنفسك وعدم ثقتك بالآخرين والأخريات فأنت تخافين من كل شيء ولا تثقين في أي شيء، وهذا كله من موروثات التربية المضطربة في الطفولة والمراهقة، وهذه الغيرة الشديدة وحب التملك ربما يهددان حياتك الزوجية لأن الزوج لا يتحملها كثيرا، وبما أنك واعية بهما وبأضرار هما وواعية بد يمانيات القلق النفسي فإنه بإمكانك تخفيف حدته من خلال زيادة المطمئنات في حياتك مثل الصلاة بانتظام والصيام التطوعي وفعل الخيرات بشكل عام وصلاة الليل التي تعودك على الأنس بالله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم وهو المصدر الأساسي للأمان وليس أحدا من البشر.
ويمكنك أيضا القيام ببعض تمارين الاسترخاء وأبسطها أن تسترخي على سرير لمدة نصف ساعة كل يوم وتأخذين أثنائها نفسا عميقا ومنتظما وهادئا.
ولا تسرفي في متابعة الأخبار السيئة والمزعجة فجهازك النفسي –على الأقل في هذه المرحلة – أضعف من أن يتحمل كل هذه الضغوط.
ولا تنسي أنك تعيشين الآن أجمل مراحل حياتك فلا تدعي القلق يسرق منك هذه الأوقات لأنها لن تتكرر.
وإذا كان متاحا لك زيارة طبيب نفساني ليساعدك ببعض مضادات القلق لفترة بسيطة فهذا أفضل، وكلما عاودك القلق تذكري أن الله موجود دائما وأنه لا يحدث شيء داخل هذا الكون خارج حدود إرادته سبحانه وتعالى "أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"
ويتبع >>>>: القلق وانعدام الأمان م