من ضحايا الانتفاضة.. فلسطيني في الشتات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أستاذي الدكتور أحمدعبدالله..، جزاكم الله خيرا على جهودكم و أثابكم أجرا عظيما في الدنيا والآخرة وهداكم دائما صراطه المستقيم.
في الحقيقة هذه هي الرسالة الثانية التي أبعثها إليكم, الأولى كانت من ضحايا الإنتفاضة : فلسطينى فى الشتات
وفي الحقيقة كان الحل الذي اقترحتموه غير ممكن التطبيق (وهو أن أذهب للعلاج من حالة الاكتئاب المرضي عند طبيب نفسي) نظرا لعدم وجود الطبيب النفسي الذي يمكن الثقة به في البلد الذي أعيش نظرا لظروف كثيرة أهمها الظروف الأمنية مع أن أحد أشهر الأطباء النفسيين في البلد هو من أقاربي ولكنني لا أثق به من هذه الناحية (أي الأمنية) حيث إن المعلومات التي ذكرتها لكم لا يمكن أن أبوح بها لأي أحد في هذا البلد, ولو كنت أستطيع أن آتيكم في مصر (وأنا أثق بكم) لما تأخرت ولكن لأنني أحمل الوثيقة المصرية لِلاَّجئين الفلسطينيين فهذا صعب للغاية.
وهذه الرسالة الثانية والتي أبعثها على مجانين تأتي استكمالا للأولى حيث إن تبعات المشكلة الأولى, وظواهرها وأسبابها لازالت كما هي ولا زال الألم والحزن ينخران في عظمي دون أن أستطيع أن أحل المشكلة جذريا,
حيث إنني على سبيل المثال أبدأ من زمن معين وأقول انتهى عهد الظلام وسوف أخرج إلى النور بقوة ولكن ما هي إلا أسابيع قليلة حتى تضعف قواي وتخور عزيمتي وأدخل في دوامه اجترار أحزان الماضي والعيش فيه وفي النتائج الكارثية التي وصلت إليها بسبب أخطاء الماضي. وسوف أُفصل في هذه النقطة.
كما ذكرت في رسالتي الماضية أنني طالب جامعي أدرس هندسة الكمبيوتر في أحد أفضل جامعات الوطن العربي بعدما حصلت على ما يشبه المنحة لتفوقي في الثانوية العامة.
ولكن ما إن دخلت الجامعة حتى انطلقت انتفاضة الأقصى وانفعلت معها بشدة حتى عشت في عالم متخيل (عالم في التليفزيون) وأصبحت همومي هموم إنسان لا يمت للأرض التي أعيش عليها بصله, وحيث إن المجتمع الذي أعيش فيه مجتمع ميت, أماتت النعم والرفاهية قلوب الناس فيه وأصبحوا وبأنانية مفرطة وسلبية شديدة لا يعرفون إلا أن يعيشوا حاضرهم ويستمتعوا به إلى أقصى حد, زاد ذلك من بعدي عن الواقع والعيش في مكان آخر لست موجودا فيه.
وبعد فترة استيقظت من السبات العاطفي الذي كنت أعيشه ووجدت نفسي ضائعا, فبعد أن كان حلمي أن أحصل على الأستاذية على أقل تقدير (وليست الدكتوراة) في مجال تخصصي حتى تكون من هناك الانطلاقة لمشروعي الحضاري فوجئت بأن معدلي الجامعي لا يسمح لي بإكمال الدراسات العليا (المطلوب الحصول على تقدير جيد جدا أي 75% وما فوق) بسبب إهمالي الشديد في الدراسة لانشغالي بقراءات خارجية ومتابعة الأحداث, في الحقيقة كان من الممكن في البداية أن أستدرك الأمر ولكنني أخطأت عندما اعتقدت أن الفرصة قد ضاعت وأنه لا يوجد حل..
وتمر الأيام وأنا على هذا الحال بل ويزداد الوضع سوءا إلى أن وصلت إلى السنة الأخيرة وأنا على هذا الحال, كما وأنني عندما استيقظت وجدت أن معظم من حولي هم من المتفوقين دراسيا.
وهنا تأتي أحد أكثر الأشياء التي تسبب لي الآلام وتنكأ الجراح, وهي أنني كلما أرى أحدا منهم في أي وقت وفي أي مكان, فقط مجرد الرؤية أو أي كلمة عن الدراسة, يذكرني ذلك بعدم نجاحي في المجال الدراسي, وهنا يبدأ الألم الشديد ويعتصر قلبي الحزن على الماضي ويجعل الحاضر امتدادا للماضي ويمنعني ذلك من عمل أي إصلاح وأبدأ باجترار الماضي والأحزان,
المشكلة الحقيقة هي أنني لا أستطيع أن أهرب وأن لا أرى أي أحد منهم فهم معظم زملائي وجيراني وأصدقائي بل وأكثر من ذلك فإن زميلي الذي يسكن معي في الغرفة هو من الأوائل على الدفعة, فلك أن تتخيل مقدار الألم الذي يسببه ذلك لي حينما أراه يذاكر وأنا لم تعد لي رغبة بفتح كتاب.
ومن هنا أخرج إلى نقطة أخرى حيث أنني وبعد أربع سنوات ونصف من الدراسة في مجال تخصصي أصبحت لا أرى أي فائدة من دراستي هذه, ولا أجد الرغبة في نفسي للإكمال في نفس التخصص, وبدأت أبحث عن خيارات أخرى, وكما ذكرت في رسالتي الأولى أنني وبعد أن شاهدت برنامج شاهد على العصر في قناة الجزيرة مع يوسف ندا, ملكت تفكيري مسألة المال والتجارة وأنني بجانب مشروعي الحضاري يجب أن تتوفر المادة التي أستطيع بها دعم أفكاري, وفي الحقيقة اقتنعت بذلك كثيرا. ولكن هناك في داخلي حنين إلى العلم وأهله ولازلت مقتنعا بأن العلم لا تساويه أموال الدنيا كلها وأن له لذة لو عرفها أصحاب الأموال لقاتلوهم عليها بالسيوف
كما أنني أشعر أنني لو تركت العلم واتجهت للتجارة فسيظل في نفسي شعور بالنقص والعجز وأنني لم أستطع أن أحقق شيئا فعله الكثيرون ويظل هذا الشعور ملازما لي طوال عمري ويسبب لي المشاكل طيلة حياتي.
وتعليقا على هذه النقطة فأنا أعتقد أن الأولوية في زمننا هذا ليست لبحث مشاكل التخلف الصناعي والعلمي, فأنا أرى أمامي الكثير من العلماء في كثير من التخصصات ولكن وجودهم (العلمي) ليس له قيمة الآن بسبب العوائق الكثيرة التي تثقل كاهل المجتمع وأولها ظلم الطغاة, وإنما الأولوية لإعادة بناء الإنسان المسلم من داخل نفسه, فأمراضنا كثيرة وحتى لو امتلكنا السلاح فلن نجد المؤمن الذي يقاتل وإن وجدناه فلن نجد المؤمن الذي يبني دولة الحق إن تم النصر, فلذلك أرى أن الأولوية هي للتربية الفكرية وإعادة إحياء النفوس الميتة, وأحب أن يكون هذا مجالي.
باختصار.. رؤيتي هي أن الأولوية للعمل الدعوي التربوي الفكري وهو يحتاج لدعم مادي كبير لا يأتي عن طريق التسول (أو ما يسمونه بالتبرعات).
ولكن, نظرا لتشوش تفكيري بسبب حالتي النفسية السيئة فإنني لازلت غير قادر على تحديد هدفي ومجالي بدقة حتى أستجمع كل طاقتي وأوجهها نحوه للأسباب سالفة الذكر, فما هو الحل؟.
لازلت أبحث لعلي أجد شيئا ينقذني مما أنا فيه. أسأل الله أن يجمعني به قريبا وأن يهديني دائما صراطه المستقيم, ولعل الله يجعل ذلك على يديكم فتكسبوا أجري.
وجزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ملحوظة: أرجوك أستاذي الفاضل أن لا تتأخر علي بالرد, فالمرة السابقة ظللت أنتظر ما يقرب من شهرين أو ثلاثة أشهر حتى أتاني الرد, كما أنني بعثت بمشاركة في إسلام أون لاين منذ أربعة أشهر على مشكلة بدائيون لم نزل: ثمن الصمود الفلسطيني ولم يتم الرد عليها ثمن الصمود الفلسطيني: مشاركات ومقترحات فقمت بإعادة إرسالها مرة أخرى منذ أسبوع تقريبا.
16-5-2004م
رد المستشار
الأخ الكريم: أعتقد أنني لا أحتاج إلى تكرار ما قلته لك سابقا، وأرجو أن تعود إليه، والحقيقة أن دور الطبيب المتخصص في مثل حالتك هو علاج الآثار المرضية والأعراض التي تعاني أنت منها،
وفي هذا يكفيك أن تصف له هذه الأعراض، فيعطيك الدواء المناسب، ولا ضرورة هناك أن تروي له الأسباب، ولا أدري ما هي الأخطار الأمنية التي تصف مشاعرك النفسية وتداعياتها نتيجة للظروف العامة وتأثرك بها؟!
أين الخطر أو الخطأ في الحديث عن الحزن أو الغضب أو العجز المقعد وآثاره، وأنت أولا وأخيرا فلسطيني، بل غيرك يعاني ويتعاطى علاجا لنفس الظروف!!!
مراجعة الطبيب وتعاطي الدواء اللازم مسألة أساسية فلا تتردد ولا تتأخر ولا تشتبه عليك الأمور في هذا الصدد، ومتابعة الأحداث الجارية هي جزء مما تعاني منه، وقلنا مرارا أن البحث والتنقيب، وتقصي التفاصيل مع العجز عن الفعل المثمر النافع من شأنه تكريس نفسية الضحية بكل مكوناتها السلبية نفسيا واجتماعيا، واستنزاف طاقاته في ذلك،
والأولى أن يهتم كل منا ببناء نفسه، وشحذ همته، وتجميع أسلحته ليكون بطلا من أبطال المواجهة التي هي ممتدة وشاملة لكل مجالات الحياة، أما متابعتك وقراءاتك الخارجية فلن تفيد فلسطين بشيء، وهي من قبل ومن بعد تضرك نفسيا ودراسيا، فلماذا الإصرار عليها؟!!
وما الفرق عندئذ بينك وبين من تصفهم بالموت والغرق في الرفاهية والنعم والسلبية الشديدة؟!! سامحني إذا ذكرتك أن كلاكما لا يقدم لفلسطين شيئا ملموسا أو إضافة فارقة، اللهم إذا كان الاكتئاب والتأخر الدراسي من أساليب خدمة القضية!!! وأنت تزيد الطين بلة، والتشتت تشوشا حين تهرب من مواجهة واجباتك إلى الخواطر والأحلام،
وبدلا من تدارك ما فاتك في دراستك، والله حسبك وهو يعينك إن صدق عزمك، بدلا من هذا الهدف الواضح المحدد، تطير بعقلك وأشواقك إلى بلاد بعيدة، وآفاق وهمية، ونقاشات ذهنية فارغة من المضمون في مثل حالتك؟!! فمن أين لك المال حتى تتاجر، وتدعم أفكارك؟!! الناس يا صاحبي لا تنصت للفاشلين، ولا تأخذ الكلام مأخذ الجد حتى يصدقه العمل.
ونقطة البدء الواضحة المتاحة، ومدخلك إلى إصلاح أحوالك، وتوجيه غيرك، وخدمة أمتك هي نفس النقطة التي تهرب منها، وتلف حولها وتدور، وتلف وتدور.. وتلف وتدور... هي هدفك وهي مجالك، وهي سبيل حصولك على المال وعلى جدارة التوجيه والتربية،
ومعركة التخلف الصناعي والعلمي هي واحدة من معاركنا لأن المواجهة كما قلت لك توا هي شاملة وممتدة، وفيها يلتقي حصادنا الغثائي النهائي بحصاد أعدائنا تقنيا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا فنخسر دائما ويربحون، لأننا لم ندرك بعد أن القوة أنواع، وأن أولويات حشد هذه القوة وإعدادها تختلف من إنسان إلى إنسان، ومن مكان إلى مكان،وأنت تريد ترك الثغر الذي تقف عليه لأنك تأخرت فيه بعض الشيء لتتخبط بحثا عن مكان آخر سيكون عليك –إن اخترته ثغرا لجهادك- أن تبدأ فيه من الصفر، فأي منطق هذا يا أخي؟!!
هل تنتظر مني أن أقول لك أنك معذور لما مررت به من معاناة؟!! هل أخدعك وأخفي عليك أن غيرك يتعرض لمثل ظروفك فإذا به يستيقظ ويداوم على التركيز فيصل إلى إنجاز ينطلق منه إلى اختيارات أوسع، وآفاق أرحب لخدمة ما يريد؟!!
أخي الحبيب: شفاؤك بيدك، والله معك، فلا تبدد المزيد من الوقت، واطلب العلاج والصحبة التي تعينك على استعادة تفوقك، وتابعنا بأخبارك.
ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الأخ الكريم أهلا بك وبكل الفلسطينيين الشرفاء على مجانين، وشكرا على ثقتك ونسأل الله أن نكونَ عند حسن ظنك في مجانين، كثيرا يا أخي ما أسلم مشكلات أخي الدكتور أحمدعبدالله له ليجيب عليها دون أن أقرأها لأن أحمد أشوف من عيني لي بفضل الله علينا، وكثيرا ما لا نتكلم سويا حول إجابة ما أو أخرى، لأننا منذ فترة ونحن نتقابلُ على عجلٍ ثلاث مرات في الأسبوع، ما بين قسم الطب النفسي الذي نعمل سويا فيه وبين محطة قطار الزقازيق، وكل هذا يتم على عجل منذ مدة ونسأل الله أن يمنحنا فسحة أكبر من الوقت، ورسالتك هذه تأخر رد الدكتور أحمد عليها ولم أكن أعرف لماذا؟
وعندما حان موعد رؤية الاستشارة والرد عليها على شاشة جهازي في المرحلة قبل الأخيرة من الظهور على الموقع، كثيرا ما ألعب لعبة قال......... أي المستشير، وأشار عليه المشير....، وهي لعبةٌ تفيدني كثيرا وأنا أقرأ لمستشاري مجانين، المهم إنني ظننتُ عند رؤية استشارتك هذه أن الأمر سيحتاج إلى تعليق أو إحالة إلى بعض محتويات موقعنا مجانين التي أعرفها أكثر من أخي أحمد، فقررت أن أكررَ اللعبة تكرارا أعمقَ وحين قمت به، شعرتُ في البدايةِ بأنك كتبت كثيرا وكُتِبَ لك قليل، ثم رأيت أنني يجبُ أن أقرأ المشكلة الاصلية في مشاكل وحلول للشباب، ثم رأيت أنك تذكر كثيرا ما يبدو أنك ذكرته هناك، واستطعت الإلمام بلُبِّ مشكلتك، ورأيت نصك الإليكتروني نماذجيا لوصف الاجترارات الاكتئابية Depressive Ruminations، التي لا تفيد إلا في جلد الذات، وشعرت بكثير من التوَادِّ Empathy معك، والخوف عليك وأنت فلسطيني ننتظرُ فيه الأمل، ورأيت كيف يغويك الشيطان وأنت مكتئبٌ ولا تدري، أو تدري وتنسى أو تتناسى، فتشعر بمشاعر لا يصح أن يكنها مسلم لأخيه ولا حتى لغيره من بني البشر، فتقع في دوامة جلد الذات فتزيد الشتات شتاتا والوجع أوجاعا ولا تستجيب بسرعة للنصيحة.
وبدأت في قراءة رد الدكتور أحمدعبدالله عليك وأنا أشعر بالتقصير لأنني لم أقرأ رده الأول عليك على صفحتنا في إسلام أون لاين مشاكل وحلول للشباب، ووجدته يستهل قوله على مجانين بإحالتك إلى ما كان قد قال هناك، لكنني بعد عدة سطور عرفت شيئا من فحوى ما كان قد قاله، ثم أخذتني كلمات أحمد في علقة معرفية نفسية، وإذا بي وأنا أتقمصك أشعر بك وأنت تواجه "العلقة" المعرفية الساخنة التي بدأها معك أخي الدكتور أحمد على مجانين، وكنت كلما شعرت قسوته في الرد وجدت حنوه دانيا، وكلما لمستُ تحاملا عليك وجدته رحمة وتبصيرا ووضعا لشتاتك "حق فلسطين المسلوب" في نصاب ذي اتجاه "فلسطين بإذن الله"، وازددت اقتناعا بأن الدكتور أحمدعبدالله حين يرد على مجانين يستطيع أن يبدع في سطور معدودة، بحيث تكتشف بعد قراءتها أنك قرأت صفحات طوالٍ لا أدري –ولا أظن أحمد يدري- أين قرأها، ولا تعليق لدي بعد ذلك إلا أن أقول لك سبيل الخروج من العلقة المعرفية الساخنة الشافية بإذن الله، أقول لك إن كنت لم تقرأ فاقرأ وإن كنت قرأت فاستعد قراءةَ ما كتبه أحمدعبدالله على مجانين تحت العناوين التالية:
الجهاد المدني.. الطريق إلى فعل مختلف
إبحار الأجيال وتعاقب الأمواج البناءة
هكذا صنع الله ....مثقف خارج الحظيرة
البركة أم اللعنة ؟! الدين ومجتمع المعرفة
كما أنصحك بأن تقرأ: العلاج المعرفى، لتعرف معنى تسميتي لما حدث بأنه علقة معرفية.
وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين.