موسوس علمي لا يؤمن بالماورائيات!
وسواس العقيدة
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أرجو أن تجيبني رفيف الصباغ
بداية أود أن أشكر موقعكم المتميز والرائد في العالم العربي. كما أشكر أستاذتي الفاضلة رفيق الصباغ على أنها أفادتني كثيرا خاصة في وسواس الاغتسال من خلال استشاراتها والتي أتابعها باهتمام كبير. فشفيت منها بنسبة قد تفوق حتى 70 بالمئة.
المهم يا أستاذتي، أنا شاب وقد عانيت منذ الصغر أي في سن مبكرة جدا جدا من مختلف الأمراض النفسية والتي لا أعلم مصدرها: عدم الثقة بالنفس، الشعور بالنقص، الوساوس .. إلخ، وقد طال الأمر إلى أن بلغت السن 24 عاما وحينها وصلت إلى حافة الجنون، فذهبت إلى طبب عام والذي وصف لي دواء بروزاك على مدار 6 أشهر. فتحسنت حالتي كثيرا جدا جدا والحمد لله فتمكنت من مواصلة الدراسات العليا، ولكن هذا لا ينفي بأنه لم أشف كلية، فمازلت إلى الآن أعاني من عدم الثقة بالنفس والشعور بالنقص، مع الفارق طبعا .. أما المشكلة الأخرى فهي أنه أصبحت أغضب لأتـفه الأسباب وأفكر في ما قاله لي فلان وعلان ولماذا لم أرد بالشكل اللائق؟ مما أصاب بحرقة شديدة تلازمني وقتا كبيرا وكما يقال فإنني: آكل نفسي.
أما المشكلة الأكبر والتي ضايقتني بشكل كبير .. هي وساوس العقيدة والأسئلة التي تضل تتوالد وتتوالد بشكل لا يكاد ينتهي والمصيبة أن كل الأجوبة التي أبحث عنها من أفواه العلماء والكتب لا تقنعني أبدا، بل تزيد الطينة بلة، ومن مثل ذلك لماذا يموت طفل صغير لا يتجاوز عمره سنتين تحت عجلات سيارة تزن الأطنان؟ وما مدى الألم الذي يشعر به هذه البراءة؟ ستجيبني ربما أن ذلك لحكمة لا يعلمها إلا الله وربما سيكون مصيره الجنة .. ولكن لماذا الجنة ثمنها الدهس والغرق والحرق وووو؟ أو ربما ستجتهد في إجابات مثل غيرك من المجتهدين أو تكلف نفسك عناء البحث والاجتهاد حتى تقنعني.
أما المشكلة العويصة الأخرى والتي تضايقني بشكل لا يطاق .. هي قراءة القرآن
أستغفر الله، هي التشكيك في كل ما جاء في هذا الكتاب: من مثل أن الله عز وجل قال بأنه لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن فلن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا .. ولكنني أنا أجد أن الكثير من أساليب القرآن بسيطة جدا جدا ويمكن لأي أحد أن يحيك مثلها من مثل: قل سيرى الله عملكم ورسوله، فأين الإعجاز هنا؟ ألا تعتقدين أنه يمكن لأي أحد أن يأتي بهذه العبارة بكل يسر؟ ثم أتساءل لماذا على مدار هذا الكتاب كاملا لا نجد إلا قصصا تتكرر وتتكرر ومعظمه لا يتحدث إلا عن جهنم خالدين فيها؟
وبكل صراحة كلما أطلت في قراءته إلا وأصبت بمختلف الإحباطات جراء الأسئلة التي أطرحها، الأمر الذي يزيدني عناء وغبنا، ولا أجد فيه الراحة المنشودة، بل العذاب .. كذلك وبحكم دراساتي العليا بدأت أقرأ عن الأحاديث والأسانيد وكل ما يخص الحديث النبوي الشريف فوجدت أن الكثير من الأحاديث لا تتوافق مع العقل ولا الفكر، وفي بعض الأحيان تجد أن من روى الحديث لم يكن أصلا قد عاصر النبي ص كحديث الرسول ص المروي عن خالد بن دريك والذي أمر فيه أسماء بضرورة تغطية كامل الجسد إلا الوجه والكف، فأصبحت أشكك في الأحاديث والسنة فزادني هذا الأمر بلة على ما قلته سابقا، مما جعل الأمر يتعقد، ولم أعد أشعر بالراحة مطلقا كما لم أعد أفرق بين إعمال الفكر والوسوسة.
يشهد الله أنني لم أقل كل هذا إلا لأنني أريد أن أصل إلى الإيمان عن يقين. لأنني بصراحة أتعذب جراء كل هذا وأخشى أن يحاسبني الله عز وجل، وحتى في هذا الأمر أقول في نفسي والعياذ بالله لماذا كل هذا العذاب الدنيوي ثم تخشى في الأخير أنك لا تحصل حتى على الدرجات الدنيا من الجنان في الآخرة؟ وحتى في الدعاء يطلب من الداعي اليقين في أن الله سيستجيب لنا ولكننا في كثير من المرات لا نجد أثر الاستجابة. فأحيانا أدعو الله عز وجل في أمر ما في حركاتي وسكناتي وفي منامي واستيقاظي وباجتهاد لا يعلمه إلا الله وبعد ذكر كبير وصدقات كثيرة. ثم كما قلت لا أجد استجابة، فكيف أستحضر اليقين والتوكل على الله والعقل يرفض أن يطابق هذا الأمر مع الواقع الذي يجده ماثلا أمامه؟
ملاحظة: أصبحت ألاحظ على نفسي بأنني أنسى كثيرا أي ضعف الذاكرة بشكل كبير، وفتور جنسي .. فكرت بأن أذهب إلى طبيب نفسي فخشيت أن يصف لي أدوية تزيد من ضعف الذاكرة والتي خلتها لم تكن إلا من جراء دواء بروزاك .. حتى أنني أنسى عملا قمت به من دقائق معدودة، ناهيك عن عدد الركعات وفي الوضوء.
فبعد كل الذي قلته هل أنا مذنب في حق الله عز وجل؟ هل سيحاسبني على كل ما يتبادر في ذهني في حق رب العباد والقرآن الكريم؟ وهل سأحاسب على هذه الأسئلة التي طرحتها؟ كيف أتخلص من كل هذا؟ أجيبوني جزاكم الله كل خير باستفاضة وشرح كما أرجو أن تتطرقوا إلى كل الجوانب التي تحدثت عنها ولا تغفلوا منها شيئا. حتى وإن كنت أعلم أن هذا الأمر سيتعبكم، ولكن سأحتسبه لكم في ميزان حسناتكم فأنا أتعذب في الليلة آلاف المرات .. وفقكم أستاذتي الفاضلة إلى كل خير.
11/08/2014
أرسلنا له بعد حوالي 10 أيام بناء على طلب المستشارة ما يلي :
السلام عليكم
الأخ محمد:
أرجو أن تذكر لي اختصاصك العلمي، كما أرجو أن تكتب لي الأجوبة التي لم تقنعك من كلام العلماء بصورة مختصرة حتى أستطيع الرد عليك.
وشكرا
ثم أرسل بعد حوالي 20 يوما يقول:
رد
السلام عليكم ورحمة الله..استاذي الفاضل الدكتور وائل أبو هندي كنت قد بعثت رسالة بنية الاستشارة النفسية في الخانة المخصصة للاستشارات منذ مدة طويلة وقد عنونتها على ما أعتقد بوساوس العقيدة أو وسواس العقيدة ولكن إلى الآن لم أجد ردا.
أعلم أن هذه الخانة هي ليست مخصصة لذلك وأنا أعتذر عن ذلك ولكن فقط أردت أن أعرف هل وصلت مشكلتي أم لا. .
وفقكم الله إلى كل خير
27/9/2014
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "محمد"...
أهلًا بك في مجانين، وأقدم لك نفسي: أنا رفيف (Rafeef) ولست رفيق، وأنثى ولست ذكرًا.
1- أسئلتك الطبية أجاب عليها أ.د علي إسماعيل عبد الرحمن، في استشارة سابقة لك عنوانها: موسوس علمي لا يؤمن بالماورائيات! ولا أدري لماذا لم تذكر ذلك عند إرسال رسالتك، يبدو أن ذلك تكرار وسواسي لأسئلتك، فأعرض –وسنعرض- عن طلبك التكرار.
2- سؤالك الذي طرحته عن (لماذا يموت طفل صغير لا يتجاوز عمره سنتين تحت عجلات سيارة تزن الأطنان)، هذا متعلق بالإيمان بالقضاء والقدر، وبحكمة الله تعالى، وبالأمور الغيبية عامة، وأنت في استشارتك السابقة ذكرت أنك لا تؤمن بالماورائيات (الغيبيات)، ولا أعلم كيف لا تؤمن بالجن وورد في إثبات وجودهم سورة كاملة في القرآن الكريم... وللخلل الذي عندك هذا لم تقتنع بإجابات المشايخ، وغالب الظن هذا طلب للطمئنة من موسوس، لهذا لن أجهد نفسي في الإجابة على هذا السؤال أيضًا...
3- ذكر العلماء أن الإعجاز في القرآن لا يكون في جزء آية ولا في آية قصيرة، وإنما في سورة قصيرة وأقصرها الكوثر وهي ثلاث آيات، أو آية طويلة. إذن الإعجاز إنما يكون في ثلاث آيات قصار أو آية طويلة. فابحث عن الإعجاز وفق هذا، وأعجب كيف أنت في الدراسات العليا اختصاص النقد الأدبي وتبحث في القرآن والحديث ولم تطلع قبلها على شروط الإعجاز في القرآن.
4- تكرار قصص القرآن أو (تكرار المعاني) إنما هو لترسيخ هذه المعاني في النفوس بالطريقة التي تألفها، وهي تكرار المعنى بأساليب مختلفة، ثم لو تأملت في سياق الآيات في كل موضع تكررت فيه القصة، لوجدت أن الله تعالى يلفت النظر في القصة إلى نقطة تناسب الغرض الذي سيقت الآيات من أجله، ولهذا وأنت تقرأ قصة نوح عليه السلام –مثلًا- في المواضع التي تكررت فيها تشعر –إن حاولت التدبر والتأمل- وكأنك تقرأ قصة جديدة وتنتظر معرفة نهايتها...
وأنصحك بقراءة كتاب (من روائع القرآن، تأملات علمية وأدبية في كتاب الله عز وجل) للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله تعالى، فستجد فيه أجوبة لكثير من تساؤلاتك، وما ينبغي لمثلك أن تغيب عنه أمثال هذه الكتب قديمها وحديثها.
وعجبًا إذ تقول أن معظم هذه القصص لا تتكلم إلا عن جهنم خالدين فيها، فمن أهم النواحي التربوية في القرآن أنه لا يذكر آيات وعيد وعقاب إلا ويتبعها بآيات وعد وثواب، لتحقيق التوازن النفسي عند الإنسان حتى لا يبقى بين الخوف والرجاء، وهذا لا يخفى على كل متأمل، ويمكنك الدخول إلى صفحات إعجاز القرآن، وقراءة الإحصاءات التي يكتبونها في مساواة ذكر ألفاظ الأضاد في القرآن...
5- أما بالنسبة للأحاديث التي لا تتوافق مع عقلك وفكرك، فماذا نفعل إن كنت تتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما لا يتوافق مع العقل والعياذ بالله... إن لم تكن تؤمن أن الأنبياء جاؤوا بما يتوافق مع العقل، فاتهم عقلك فهذا أفضل ما تفعله. أما بالنسبة للأسانيد فليس موضع شرح سؤالك هنا، ولابد لك من قراءة كتاب في علم أصول الحديث عند عالم ثقة قبل أن تدرس الأسانيد وتسأل عن دقائقها والتعارض والترجيح فيها...، وبانتظار أسئلتك بعد أن تدرس.
وما تسأل عنه أظنه ليس من إعمال العقل ولا من الوسوسة، وإنما هو نوع من عرض العضلات.
6- بالنسبة لاستجابة الدعاء لا يتوقف فقط على حسن الظن بالله تعالى وتيقن الإجابة، وإنما لابد من توفر شروط أخرى كإقامة أركان الدين، والأكل من المال الحلال، ورد المظالم إلى أهلها، إلخ... فهل حققت الشروط؟
ثم الإنسان يعيش حياة تبدأ من لحظة ولادته، وتمر في القبر ويوم إلى القيامة، ثم تستمر إلى الأبد، واستجابة الدعاء قد تكون في أي مرحلة من هذه المراحل، وفي مسند الإمام أحمد وصحيح الحاكم، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهُ فِيهَا إِثْمٌ أَوْ قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ».
7- وأما سؤالك عن المؤاخذة: فأعطيك ملخص، وأنت أعلم بما يجري في ذهنك: ما كان من أفكار منشؤها الوسواس، وكنت تكرهها، وأبقيتها في صدرك، فلا تؤاخذ عليها، وما كان من أسئلة لطلب الحقيقة، فلا مؤاخذة حتى تحصل على الجواب، ثم يكون الحساب على التطبيق وعدمه، وأما الأسئلة التي تكون للتعنت وإفحام الخصوم وعرض العضلات فهذه تؤاخذ عليها منذ أن فتحت فمك بل منذ أن عزمت على قولها...
أكرر ترحيبي بك على مجانين وشكرًا لثقتك.ويتبع >>>>>>>>>>>>>>>>>>> موسوس علمي لا يؤمن بالماورائيات! م1