أين ستصل بي أعراضي؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أولاً أشكركم على موقعكم الذي وجدت فيه أملي حيث توجهت مؤخراً للتواصل مع خمسة من الأطباء والاستشاريين النفسيين وبعضهم مشهور على مستوى المملكة عبر البريد الالكتروني وقد قاموا - مشكورين- بالتجاوب لكن تجاوب بعضهم كان: لا نستطيع أن نعطيك حتى احتمالات بما فيك, تحتاجين لمقابلة طبيب وجهاً لوجه للتشخيص!
أحدهم قال لي أنه قد يكون وسواس قهري وأنهى إجابته بالقول بضرورة زيارة الطبيب.
لكني رأيت في موقعكم أنكم تعطون المستشيرين تفسيرات ونصائح جيدة وهذا ما أطمح له.
أولاً بالنسبة لأسرتي: أنا البنت الخامسة من سبع أبناء أبي وأمي متعلمان وعلى وفاق وهما طيبا القلب ويحبوننا كثيراً, لكن أبي -سامحه الله- كثير الشك في نوايا الناس ويظن فيهم الشر وهذا ما ربانا عليه كان دائماً يحذرنا قبل المناسبات الاجتماعية أن الناس يقولون كلاماً لطيفاً ولكن يشتموننا شتائم خفية بل حتى في طريقة جلوسهم وحركاتهم!
وكان يعلمنا بعض العبارات والطرق التي نستطيع فيها رد الشتائم بشكل خفي أيضاً, فمثلاً يقول أنه لكل شخص شيء يضايقه في نفسه وأهله فإن كان شخصاً مصاب بالبرص مثلاً وأضناه البحث عن علاج فإن علينا أن نجعل حديثنا يدور حول البشرة وطرق تفتيحها لأن هذا الحديث يضايقه!
وإذا رجعت من المدرسة مثلاً وأردت إخبارهم كيف كان يومي والأحداث فيه فإنه يوبخني ويقول فلانة عندما فعلت كذا (تصرف عادي) كان قصدها كذا (إهانة لي) وأنت غبية تضحكين!
وتفكيره يجعل مجالسته أمر مرهق وهو يلاحظ هذا ويقول لي: لم لا تجلسين معي كالسابق؟ بنظرة يعلوها الحزن, فأشعر بتأنيب الضمير بأني ابنة عاقة فأبي طيب القلب ويلبي لي كل ما أحتاج.
أتحمل هذا التفكير - إلى حد ما - من أبي فأنا أعلم أنه في النهاية سيحبني ويبذل لأجلي مهما كان ظنه بي.
المشكلة أن أخواتي الكبار يفكرون بنفس الطريقة ويتعاملون مع بعضهن بتقديم الظن السيء وتحميل كلمات وتصرفات عادية مالا تحتمل من النوايا السيئة وأنا كنت مثلهن في صغري لكني رأيت سخافة الفكرة عندما أصبح عمري 10 - 11 لأني تسائلت لم قد أحتل أنا جزءاً كبيراً من تفكير الناس؟ لم يكيدون لي؟ ماذا فعلت؟
ألا يوجد لهم شغل في الدنيا سواي؟ في النهاية أدركت أن كل شخص لديه مشاغله واهتماماته الخاصه به التي تملأ وقته وأنا لست سوى شخص عابر بالنسبة لأغلبهم ولست محور حياتهم!
تركت هذا التفكير وكلي حنق عليهم لتبنيهم مثل هذه الفكرة الهدامة والسخيفة التي سببت المشاكل بيننا فقد سئمت تبرير كلامي وأفعالي لهم فهم يظنون بي السوء على أيه حال, أيضاً هم يطبقون في تعليمات والدي من ناحية ترصد أخطاء الناس وتضخيمها لأن هذا يظهرهم أقوياء فيخاف الناس "أذيتهم" كما يظنون.
وفي نفس السن 10-11 بدأت مشكلتي أصبحت أسرح كثيراً في أحلام اليقظة فأصبحت أذب لسريري بمجرد أقل شعور بالنعاس لأقضي بعض الوقت أتخيل قبل النوم، ثم أصبحت أحرك فمي كأني أتكلم مع بعض التمتمة،ثم أصبحت أتكلم بصوت منخفض، ثم أصبحت أحرك يدي، ثم أصبحت أضحك وأبتسم وأعبس وأبكي وحدي.
بعدها انتقلت إلى الحركة مع الكلام: المشي في دوائر, صعود ونزول الدرج, الركض بسرعة كبيرة, الدوران على الكرسي.
حتى أصبحت أكلم نفسي دائماً وفي كل مكان وأنا أدرس وأنا أشاهد التلفاز وأنا أساعد في أعمال المنزل مع أنني حريصة على ألا يراني أحد لكن أهلي اكتشفوا الأمر طبعاً فقد أصبحت تأخذ معظم يومي, سخروا مني فزاد نفوري منهم.
لم أبالي بهم لكن في عمر 13 وأنا أغسل الصحون في المطبخ مع أمي فجأة سألتني: من تكلمين؟! ظننتها تسألني عن سلوكي بشكل عام فأنا لا أكلم نفسي أمام الناس أبداً.
- مرة أخرى كنت أتصفح الانترنت فجاءني طفل عمره 7 سنوات فسألني: من تكلمين؟! لكني متأكدة أني لم أكن أتكلم.
- أيضاً في قاعة الاختبار اقتربت مني المراقبة هامسة: من تكلمين؟! وغيرها الكثير من المواقف فأدركت أني أكلم نفسي بدون أن أشعر.
أصابني القلق فكلما كنت وحدي في مكان عام أغطي بيدي فمي حتى لا يرى الناس أني أحرك فمي.
أيضاً رغبتي في الحركة مع التخيل عارمة فأنا أنزل وأدور في ساحة منزلنا أركض بالساعات حتى أصاب بالإنهاك والتعب الشديدين أحياناً أستفرغ طعامي تتورم قدماي وأصبت بمشاكل جلدية في قدمي من كثرة الركض ناهيك عن الجفاف لأني أجري أحياناً في عز الظهر فأتعرق بكميات كبيرة وعندما أنتهي أبدو كأنني كنت تحت مطر غزير من شدة العرق في ملابسي وشعري ووجهي.
بحثت عن حلول في الانترنت في سن 13-14 فوجدتها: شغل الوقت.
وقتي أصلا كان مشغول بكثير من النشاطات حين أقرأ كتاباً مثلاً أجد أناقش الكتاب وأفكار الكتاب بصوت عالي.
كنت دائماً أشارك في الإذاعة ونشاطات المدرسة وأتخيل أني أقيمها في البيت وأكلم نفسي أثناء التفكير.
أنا متفوقة دراسياً فأنا أفكر أثناء المذاكرة وأكلم نفسي وأناقش موضوع الدرس حتى أنني أبحث في الانترنت عن بعض المعلومات الإضافية لأثري النقاش مع نفسي! كنت مهتمة بالتصميم والتعديل على الصور وأكلم نفسي وأنا أفكر. قمت بتنزيل العديد من الدروس الصوتية في اللغة الانجليزية وأحاور نفسي بالانجليزية.
أيضأً من الحلول التي قرأتها: التتوقف عن الاسترسال في الكلام.
لم أستطع والسبب أني أتوق للكلام مع نفسي وقد أبدأ بالكلام بمجرد أني أفكر (أنا أكلم نفسي إذا أنا أفكر) مع اعتذاري لديكارت, فوقف الكلام يعني توقف التفكير عندي, كما أن الأمر صقلني في عدة جوانب ثقافية واجتماعية، وخصوصاً لغتي الإنجليزية.
من الحلول: التفكير بفكرة هذا خيال وغير حقيقي
ولم تنفع أيضاً ولازال الناس يسألونني: من تكلمين؟
تركيزي ضعيف بسبب ذهني المشغول وعلى النقيض أحياناً لا أجدني أفكر في شي مطلقاً, بديهتي تحرجني كثيراً وتوقعني في أخطاء خرقاء محرجة.
من سن 17 إلى الآن
قد ساءت علاقتي بأسرتي بسبب سخريتهم اللاذعة من حالتي وبعضهم يظن أن بي جناً.
أصبحت في غرفتي مستلقية على سريري طوال اليوم وإذا قمت أقوم بالركض لعدة ساعات ثم أعود وأستلقي أصبحت أرغب في الاستلقاء بلا حركة أشعر بالإنهاك، لا أريد فعل شيء، لا أساعد في المنزل، مستواي الدراسي في انخفاض، أدفع نفسي للقيام بالأمور اليومية البسيطة, لا أعلم أهو بسبب أني أستنفذ طاقتي في الركض؟
لدي صديقات رائعات أعرفهن من سنوات وعلاقتنا متينة وأنا محظوظة بهم لكني حين أفكر أقول لنفسي أن كل صداقاتي الجيدة عقدتها قبل أن تتردى حالتي ولا أعتقد أنه يمكنني أن أكون علاقات متينة جديدة.
زميلاتي في الجامعة يقولون لي أن وجهي خالي من التعابير وأنهم لا يستطيعون التمييز إن كنت ساخطة أم راضية بعضهم يقول أنه يبدو علي الإعياء دائماً.
وبالفعل أنا لا أتفاعل معهم إلا تصنعاً أبحث عن مكان خالي من الناس لكي أجلس وأحدق في الفراغ, أنا لا أكرههم ولكن أرتاح لوحدي فأستطيع أن أعيش مع أفكاري دون أن يقاطعني أحد.
المشكلة أني قرأت في موقع أجنبي لامرأة عانت من الذهان ووضعها قبل أن تسمع الأصوات كانت يشبه وضعي (كلام مع النفس وحركة)
هل ترون أني معرضة لخطر الذهان؟ هل رؤية الطبيب ضرورية لي؟
هل أستطيع التغلب على مشكلتي بقوة إرادتي فقط؟ إذا كان كذلك فكيف؟ أعطوني ارشادات غير التي جربتها سابقا مثل شغل الوقت... الخ
جزاكم الله خيراً
وعذراً على الاطالة.
15/08/2014
رد المستشار
شكراً على استعمالك الموقع وتمنياتي لك بالنجاح.
تحليل الاستشارة:
يمكن تقسيم الاستشارة إلى ثلاثة مراحل وهي:
1- مرحلة الطفولة وتفسخ العلاقة بين المستشيرة وبقية أعضاء العائلة. مستشيره الموقع تسقط اللوم على الأب وبقية الأعضاء بسبب كثرة استعمالهم لعمليات زورانية مع الآخرين وولعهم بالشك وعدم الثقة بالغير.
2- مرحلة بداية المراهقة: تشير مستشيرة الموقع إلى انفصالها عن بقية أعضاء العائلة وتصميمها على بناء شخصية مستقلة ولكن في تلك المرحلة تصف إفراط في الحركة والفعاليات والحديث اللاإرادي مع النفس.
3- المرحلة الثالثة بدأت في منتصف عمر المراهقة وبدأ أداؤها الاجتماعي والتعليمي بالتدهور تدريجياً رغم أن بيانتها الشخصية تشير الى انها التحقت بالتعليم الجامعي.
الحالة النفسية مع وقت وصول الاستشارة:
محتوى الرسالة لا يشير إلى أي اضطراب في التفكير. الحالة الوجدانية تشير إلى مزاج اكتئابي يصاحبه الخمول وضعف الاندفاع والخوف من الإصابة بالذهان. مستوى الإدراك بالمعاناة والرغبة في تحسين الحالة النفسية عالي مما يستعبد احتمال وجود اضطراب ذهاني.
الاستنتاجات والتوصيات:
1- لا يوجد في الرسالة ما يشير إلى إصابتك باضطراب ذهاني أو احتمال إصابتك به في المستقبل القريب.
2- لا يمكن استبعاد أو نفي إصابتك باضطراب اكتئابي جسيم في هذه المرحلة فحالتك النفسية تتميز بالشعور بالعزلة، ضعف الاندفاع، اضطراب في الإيقاع اليومي وأفكار إطارها نبذ الماضي والحاضر والخوف من المستقبل. نوبة الاكتئاب الجسيم الأولى تختلف أحيانا عن نوبة اكتئاب نموذجية في عمر متأخر ولكنها تميل الى التحسن تدريجياً لتعود ثانية بعد سنوات. من هذا المنعطف قد يقول لك الطبيب النفساني أن تقييمك لماضيك وعلاقتك بالعائلة قد يكون ناتجاً من حالتك النفسية في الوقت الحاضر.
3- لا يوجد أي دليل على إصابتك بالوسواس (الحصار المعرفي).
4- يمكن صياغة تاريخك الشخصي من مفهوم نفسي تحليلي. تطور الإنسان الشخصي منذ ولادته يمر بثلاثة مراحل يمكن حصرها للتوضيح كما يلي:
• مرحلة توحدية قصيرة كثيرة الملاحظة في الطفولة حيث ينشغل الفرد بنفسه غير مبالياً بعلاقته مع الآخرين.
• مرحلة توافقية يتصل بها مع الآخرين ويتعلق بهم.
• مرحلة التميز عن الآخرين وشعور الفرد بشخصيته وكيانه.
5- هذه المراحل الثلاثة غير متكاملة وصحية. مرحلة التوافق كانت فاشلة وموقعك الأوسط بين الأبناء طالما يدفع الفرد إلى مرحلة التميز مع وجود نظام عائلي صحي أو باتجاه مرحلة التوحد في وجود نظام عائلي مضطرب.
6- ما حدث معك هو عدم اكتمال أو غياب المرحلة التوافقية وتصورت بأنك متميزة عن الآخرين ولكنك في عين الوقت أكثرت من الدخول وزيارة مرحلة التوحد وممارسة الكلام مع النفس والإفراط في الحركة عن طريق الانفصال عن الواقع.
هذا الفشل الذي تعانين منه الآن والعزلة وتدهور الأداء التعليمي والفردي قد يدفع الطبيب النفسي إلى تشخيص اضطراب الشخصية العام.
7- لا أستطيع في هذه المرحلة الجزم بوجود اضطراب اكتئاب جسيم لعدم وضوح الأعراض المطروحة في الرسالة رغم ذلك لن أتردد في وصف عقار مضاد للاكتئاب لتحسين الحالة الوجدانية.
8- بعد ذلك لابد من الحديث مع معالج نفسي وان كان ذلك صعباً فعلى الانسان أن يبحث عن شبكة اجتماعية حقيقية على أرض الواقع تسد احتياجاته العاطفية والفكرية ويبدأ بالتخطيط لوضع أهداف يصل إليها تعطي معنى لحياته ووجوده.
وفقك الله.