هل من أمل في بداية جديدة؟
مشكلتي باختصار هي أني أشعر بأنه سُرق من شبابي 7 سنوات دون حول مني ولا قوة، لا أحب أن أرى نفسي كضحية لكن هناك أيضاً الكثير من الأشياء التي قلبت حياتي رأساً على عقب ولم يكن لي فيها دخل مطلقاً، عمري الآن 27 سنة.
بدأت المشكلة بعد انتهاء الثانوية أصبت بإحباط شديد لأني كنت أرغب في دراسة تصميم الجرافيك أو الإعلام لكن التحقت بكلية التجارة وتحولت حياتي إلى هوة من الجحيم بعدها، كنت أكره الذهاب إلى الجامعة لفشلي في تكوين أي صداقات (فيما بعد عرفت أني كنت مصابا بالرهاب الاجتماعي) وتدهورت حالتي شيئاً فشيئاً حتى انعزلت عن الناس ولم أعد أذهب إلى الجامعة وكنت أذهب إلى مقاهي الانترنت لأقرأ كل ما أجده في شتى المواضيع وبدا لي أني وضعت يدي على كنز فها أنا أتعلم ما أريده دون قيود ودون التزام بنظام ودون الحاجة إلى الاحتكاك بالناس.
بدا لي أيضاً أن هناك فرصة لأعمل في مجال الترجمة والكتابة دون الحاجة إلى شهادة جامعية وكنت أنظر حولي فأرى أخوتي قد تخرجوا من الجامعة ولم يحصلوا على وظيفة فشعرت مؤقتاً بنشوة الفوز على النظام التقليدي كوني قد أتعلم وأعمل في مجال أحبه دون الحاجة إلى التقيد بقوانين النجاح المعروفة، لكن مع الوقت زاد احتكاكي بالواقع وأدركت أنه حتى بإجادة الترجمة إجادة تامة لابد من الحصول على شهادة جامعية في نفس المجال، تركت الكلية وقررت التحويل إلى كلية الآداب لدراسة الترجمة بشكل أكاديمي، لكن لم تفلح المحاولة نظراً لقوانين الجامعات الحكومية المتخلفة التي تنص بعدم جواز التحويل إلى هذا التخصص بالذات في حالة إن كنت محول من جامعة أخرى (لا أعلم ما الحكمة في ذلك وكأنه عقاب) أجبرت بدلاً من ذلك على دراسة الجغرافيا وكانت تلك أخر مرة أرى فيها شكل المدرجات.
انقطعت تماماً عن الدراسة وأصبت بنوبة اكتئاب حادة دامت سنتين لا أفعل شيئا سوى تصفح الانترنت ومشاهدة التليفزيون وسماع ما لا يسر من الأهل والأصدقاء حول كوني إنسان فاشل لا يقوى على تحمل المسئولية، وظللت هكذا حتى علمت أن هناك كابوسا آخر بانتظاري ألا وهو التجنيد الإجباري، ففي حالتي هذه سوف ألتحق بالثانوية العامة مما يعني قضاء مدة أطول بسنة عن حامل المؤهل الجامعي، لم أعرف ماذا أفعل بالضبط ولم يكن هناك أي مخرج سوى الالتحاق بجامعة خاصة حتى يتأجل التجنيد ولكن والدي ما كان ليقتنع من منطلق أنه إذا كنت قد فشلت في الدراسة من قبل فماذا سوف يتغير هذه المرة؟ شعرت أنه لا مفر سوى أن أواجه الواقع وأجني ثمار غفلتي عن قوانين العالم الواقعي، تقدمت بأوراقي اضطراراً والتحقت بالخدمة العسكرية وأنا لا أعلم ما أنا مقبل عليه، ففي ذلك الوقت كنت أشعر بحتمية إحداث تغيير جذري في مسار حياتي وها أنا أجد نفسي أمام رحلة إلى المجهول لمدة سنتين.
المهم رضيت بقضاء الله وبدأت خدمتي وأنا في صدمة من الحال الذي كنت قد وصلت إليه، شيئاً فشيئاً بدأت التأقلم وتكوين صداقات وشعرت لأول وهلة أن في مصيبتي خير ما، كنت أخدم في مستشفى عسكري كبير وتنقلت بين أكثر من قسم داخل المستشفى وتعلمت الكثير حتى انقضت هذه المرحلة بمرها وحلوها، قبل انقضاء المدة بوقت قليل كنت أشعر بالذعر من العودة إلى نقطة الصفر مجدداً، حيث وجدت نفسي بلا عمل وبلا دراسة وبلا حياة اجتماعية، بدأت في البحث عن عمل وعملت في أكثر من شركة لمدة مؤقتة حتى أصبحت قادراً بفضل الله على افتتاح مكتبي الخاص، رغم أنها كانت خطوة جيدة لكن كنت أشعر بنقص ما يؤرقني دائماً، فلم أشعر بأن ما أفعله ذو قيمة حقيقية وكنت أشعر أني أضعت الكثير من الوقت دون إنجاز حقيقي يذكر، إحساس لا يمكن تجاهله بأن حياتي لا تسير في الاتجاه الذي تمنيته، حتى قررت الانتقال للعيش في القاهرة والعمل وبدء حياة جديدة هناك، ثم قررت استكمال الدراسة بعد أن تم قبولي في برنامج الترجمة في كلية الآداب أخيراً، أتممت عاماً دراسياً وفي طريقي لإنهاء الثاني بإذن الله، لكن ظل الاكتئاب يطاردني ولم تفلح محاولاتي بتجاهله أو التعامل معه على أنه ظرف حياتي طبيعي لا يتطلب التدخل والعلاج.
ذهبت لمعالجة نفسية ووصفت لي دواء اسمه "نودب" للاكتئاب والقلق، تحسنت حالتي قليلاً وداومت عليه لمدة 10 شهور ثم أوقفته تدريجياً لشعوري بعدم الحاجة إليه وخوفي من أنه قد يسبب ضرراً بالمخ على المدى البعيد، مرت ثلاثة شهور ثم أصبت بانتكاسة أخرى وفقدت عملي وانتقلت للعيش مع والداي مرة أخرى، مما زاد حالتي سوءاً لأنني لا أريد أن أتواجد في نفس المحيط الذي كان سبباً في تدهور حالتي من الأساس.
المشكلة الآن أني أشعر أني أعود لنقطة الصفر مرة أخرى، لا عمل، لا حياة اجتماعية ودراسة لن تنتهي إلا بحلولي الثلاثين، أشعر بالفشل والندم وكأني فوت فرصة ذهبية وحيدة لصنع حياة ومستقبل أفضل لنفسي، أشعر بالخزي لأني أعاني من نفس المشكلات تقريباً التي كنت أعانيها من 10 سنوات، أشعر بالخوف من زيارة أماكن جديدة أو السفر حتى داخل البلاد خوفاً من الوحدة، أتجنب الكثير من المناسبات الاجتماعية حتى لا أضطر إلى الخوض في تفاصيل حياتي الشخصية التي قد يستغربها البعض، تغيرت شخصيتي فأصبحت أكثر انطواءاً وأكثر ميلاً إلى العزلة والتشاؤم، عموماً أشعر بأنني أصبحت شخصا آخر، كل ما أتمناه الآن هو أن يرضى عني الله ويمنحني القوة للمحاولة كلما تعثرت، هل فاتني الوقت ولن أستطيع أن أعوض ما فقدته؟ كيف أتخلص من هذه الأفكار؟
لتلخيص حالتي النفسية: أعاني من اكتئاب ووحدة وتدني تقدير الذات والاستغراق في التفكير في خبرات الماضي السلبية وصعوبة في تصور مستقبل مشرق وقلق وخوف من عدم قدرتي على تعويض ما فاتني.
حالتي المهنية والمادية: عملت في وظائف لا أحبها وأنشأت مشروعاً خاصاً بي لكن توقفت عنه لظروف مادية وصحية أيضاً وكنت دائم البحث عن عمل أحبه وليس فقط عمل من أي نوع ورغم مرور أكثر من 6 سنوات منذ بدأت العمل لم أتمكن من ادخار أي نقود.
حالتي العاطفية والاجتماعية: ليس لي أصدقاء مقربين فقط سوي اثنين لا أراهما كثيراً وليس لي أي تجارب عاطفية.
علاقتي بالله كانت أفضل من ذلك بكثير واعتدت أن أشعر بلذة التقرب منه لكن الآن ربما لكثرة ذنوبي أشعر أن الله ليس راضياً عني ولا يحبني، أتوب لكن ما سرعان ما أعود للذنب مرات أخرى، أشعر أني تماديت في ذنوبي رغم أنها لم تتجاوز أذى النفس لا الغير وليست من الكبائر لكني أشعر بأني آلفت المعصية ولم أعد أشعر بغصة في قلبي عند الإقدام عليها كما اعتدت.
أخشى أني قد طردت من رحمة الله رغم أني لا أترك فرضاً وأداوم على قراءة القرآن والأذكار والحمد لله
لكني ما زلت لا أشعر بالصلة بالله كما كنت.
10/10/2014
رد المستشار
أضحكتني رغم حزن سطورك يا ولدي؛ فلقد أفقتني من غفلة أن وضع الشهادات المصرية العظيمة باتت في دفاتر السخرية والعار والمهازل!، لكن يبدو أنها لا زالت تطل بوجهها القبيح الذي لا يعرف الخجل مما يدور حوله من تقدم وعلم حقيقي، وعلى أية حال أعدتني إليك متعجبة منك!؛ فلقد كنت أقرأ في سير الكثير من الناجحين العظماء في أزمنة ماضية وحالية ووجدت أن سطورك تشبه سطور قصتهم قبل أن يصدقوا أن الفهم والتعلم لا يقتصر فقط على تلك الورقة المزيفة الكئيبة التي يطلق عليها شهادة بكالوريوس أو ليسانس كلية آداب مثلا.
فالنجاح يعني أنك تستطيع أن تتعلم جديدا يضيف إليك ويغيرك من مساحة لمساحة جديدة، ويعني كذلك أنك تستطيع أن تضيف لآخر قيمة أو خدمة؛ فهل النجاح هو الجلوس على مكتب وراء كرسي كل يوم لتحصل على مال بعد جلوسك عليه لمده 30 يوما دون أدنى إضافة حقيقية لك أو لغيرك؟، هل يمكن التغافل عن عمد عن كم نجوم مصر والعالم بلا شهادات الليسانس لتحمي نفسك من انتقاد باقي البلهاء؟، أي قفص وهمي تضع نفسك فيه؟، هل النجاح في الدراسة فقط؟، أم في العلاقات مع الناس؟، أم مع الله سبحانه؟ أم غيرهم؟، هل السعادة تكمن في رضا من حولنا عنا..أم رضا الله تعالى..أم تحقيق وجودك حتى إن لم تحصل على تلك الورقة؟
هل معنى حديثي أن العلم لا قيمة له؟، أم أن التعلم والفهم والإضافة يمكن الحصول عليها خارج المدرجات؟، تدور في دائرة تضعها أنت بنفسك حول نفسك لسبب وحيد لا غير؛ ألا وهو أنك لا تشعر بأن لك قيمة!، وظللت تتحدث عن الإبداع والعمل بلا شهادة بدون تصديق حقيقي يجلجل ذاتك من الداخل لذا كنت في كل مرة تقع بسهولة وبدون جهد من أحد فيكفيك صوت أعمق وأكبر يقول لك أنك لاشيء في سوق الرجال!، هذا الصوت الأحمق الذي تغذى وتعملق بتربية عليلة تنهش بيوتنا عن المركز والشكل الاجتماعي بغض النظر عن التعلم الحقيقي، تغذى من أماكن العمل التي تقيم البشر بالشهادات حتى لو رأت بعين أمها أن بعضهم لا يفقهون ما يفقهه الحمار، وحبست نفسك ليكون البشر هم الله!؛ فهم من سيقيمون وهم من سيرضون أو لا يرضون، وهم من نسعى لتصفيقهم وتأيدهم، وهم من نخاف أن نتحدث إليهم ونحن دون المستوى فنتقوقع ونهرب!!، ثم تتعجب من أنك تصلي وتقرأ القرآن ولا تجد حلاوة الصلة بالله!!؛ فحين تصدق فعلا بأن الله تعالى وحده هو الله الذي له نجثو ونرجو رضاه ونظرة رحمة منه، وحين يكون هو من يملأ قلبك ويعلو صوته فوق أي صوت بداخلك، سيحدث التغيير، وحين تصدق الله تعالى ستصدق في نفسك، وستصدق أن الله تعالى أرادك بشرا لأنه يحبك، ولأنه يراك ويرى قلبك ويرى محاولاتك.
فلتثق أنك لك قيمة وتصدق ذلك ليس لأنني أدعوك نفس دعوة التنمية البشرية ولا لغة الدعم النفسي، ولكن لأن الله الذي خلقك هو الذي قال أن لك قيمة؛ فكم من عابر على آية ولقد كرمنا بني آدم دون أن يصدقها وكأننا قد نصدق الله أحيانا وأحيانا أخرى لا نصدقه!!؛ فلقد قال تعالى أنه كرمك وكرمني وكرم البشر فقط لكونهم بشر وقبل أن يبدأ كل منا بدور له مع نفسه ومع الحياة، فالأدوار تضيف ثقل أكبر للتكريم ولكنك حتى كونك مكرم في حد ذاتك لا تشعره بصدق.
فلتكف عن دفن نفسك تحت دعوى البشر ونظرتهم وتقييمهم .. ويوم تصدق بقوة أنك لك قيمة ستشعر بذلك بكل كيانك وستخرج تصرفاتك أكثر ثقة وقوة وثباتا، بدلا من خروجها السابق وهي هزيلة مرتعشة تقع فور كلمة، أو نظرة، أو صاحب عمل لا يقدر من يفهم، وحينها لن ترى محاولاتك الفائتة دليل فشل؛ لأنك كنت تفشل نفسك بنفسك بالصوت العميق إياه، ولن ترى أن السنوات الماضية كانت مجرد ضياع وهراء، ولكنها كانت نتاج عدم تصديقك في نفسك، ولقد تعلمت فيها ومنها الكثير، ولن تولول حين تحصل على شهادتك في الثلاثين وتعمي عينيك عن حقيقة واضحة في بلدنا العظيمة بأنه لا شاب يتزوج قبل الثلاثين إلا من ولد في فمه ملعقة من ذهب، أو نصاب، أو سافر للخارج ، أو صدق في نفسه فنجح كما ستفعل أنت بإذن الله، فلتضمد تلك "البطحة الخرقاء" وتبدأ بصدق جديد في تكملة حياتك.. والحياة اختيارات؛ فلتختر ما ستكونه.
ويتبع >>>>: الورقة اللعينة م