الكمال... يدمر حياتي.؟
دائما ما يشغل تفكيري أشياء مثل... لماذا أنا هنا..؟
كيف أصبح من الناجيين....؟ كيف ستكون حياتي....؟
المشكله كالآتي:
كيف أعيش حياتي هل أهتم بصحة جسدي.. أم بدراستي... أم بديني... أم بالجنس..... أم بالعلم.... أم بأمي وأبي.... أم بالمال.... أم بإخوتي.... أم بأصدقائي.. أم بالمتعة.. أم بماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أنا في دوائر كثيرة من التفكير المستمر. لا أعرف كيف أقضي باقي عمري على أكمل وجه، فعندما أقول لما لا أهتم بكل الأشياء ولكن بمقادير معينة تأتيني الأفكار المستفزة
(إذا لم أهب حياتي كلها لله فلن أدخل الفردوس)
(إذا لم أهب حياتي كلها للمال لن أصبح مليونيرا)
(إذا لم أهب حياتي للعلم فلن أصبح عالما عظيما)
ولكن أقوى فكرة هي (أنه إذا لم أذهب حياتي كلها للإسلام ونصرته فلن أدخل الفردوس وإنما سأدخل الجنة مع المتواضعين في العمل في طبقة متواضعة من الجنة)
- بالطبع ذلك يعني تحريم كل المتع على نفسي !!!!!
أشعر أني أفكر بطريقة خاطئة مدمرة لحياتي.... ماذا أفعل؟؟؟؟
(النجده!!)
18/10/2014
رد المستشار
أهلًا بك يا "أيمن"، وبارك الله بك وبهمتك العالية...
لا تكثر لهمك، وتأمل معي: ما معنى أن (تهب حياتك لله) حين قلت: (إذا لم أهب حياتي كلها لله فلن أدخل الفردوس)؟
معناها أن تعيش كما يريد الله، تجعل من نفسك جنديًا في خدمته، تسيِّرُها كما يريد هو سبحانه، تأتمر بكل أوامره وتنتهي عن كل نواهيه، في جميع أمورك، في فكرك وفي تعاملك مع الله ونفسك والآخرين...
عندما تهب نفسك لله، ماذا يريد الله منك؟ يريد الله منك أن تعطي حق الجميع، روى البخاري في صحيحه، أن سلمان الفارسي زار أبا الدرداء -رضي الله عنهما- فرأى أم الدرداء متبذلة [يعني غير مهتمة بنفسها]، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا فقال: كل فإني صائم. قال: ما أنا بآكل حتى تأكل. فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال: نم. فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم. فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن. قال: فصليا. فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كلَّ ذي حق حقه. فأتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فذكرَ ذلك له. فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- ((صدق سلمان)).
وما الذي يريده الله منك؟ يريد أن تقتدي بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فرغم أن حياته ما فيها نفس إلا وهو لله، قال عن نفسه: ((أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)). رواه البخاري ومسلم.
إذن الطاعة هي التي تؤهلك للقرب من الله تعالى، ودخول الفردوس الأعلى، والطاعة تكون بآداء الحقوق كلها دون جعل شيء على حساب شيء، وتكون بتحقيق التوازن في علاقاتك مع الله ومع نفسك ومع الآخرين. وإن لم تفعل هذا والتفتَّ لشيء على حساب شيء، فإنك لست بمطيع، وليس هذا طريق الفردوس.
وربما تقول لي: إن حاولتُ إعطاء الجميع حقه، لم أعط لكل جهة حقها 100%، لابد لي من التقصير في كل الجهات عن تمام المطلوب!!!
وأقول لك: إن الأحاديث السابقة تدل على أن المطلوب هو تحقيق التوازن، وعدم إهمال شيء على حساب شيء، والله أعلم بخلقه وعباده، ويعلم أنهم لن يستطيعوا في هذه الحالة أن يؤدوا حق كل جهة 100%، -إلا من رحم ربي واصطفى من خلقه-، وإذ إنه طلب منا ذلك، مع علمه بعدم قدرتنا على بلوغ الكمال، فهذا يعني أننا لسنا مطالبين أن نأتي بالأشياء كاملة 100%، وإنما التكليف متعلق بالقدرة، ما قدرت عليه افعله، وما لم تقدر فلست مطالبًا به، وهذا يختلف من شخص لآخر، وكون العالم الفلاني فعل كذا وكذا، وملأ الدنيا علمًا، لا يعني أنك لن تكون معه في الجنة إن لم تفعل مثله حرفيًا!!!
قد تعيش متحرقًا، وتسعى جاهدًا لبلوغ الكمال... سنة، وسنتين، وخمسة، وعشرة...، لكنك ستكتشف أخيرًا أنك ستبقى مقصرًا في حق الله تعالى مهما فعلت، بل ستكتشف أن حسناتك تحتاج إلى شكر إذ من الله عليك بها، فتحتار كيف تؤدي حق الله، وأنت إن أطعته كان من حقه عليك أن تشكره، وإن شكرته كان اهتداؤك للشكر فضلًا منه، فتظل ما بين الشكر على الطاعة والشكر على تيسير الشكر! وتظل خجلًا من الله تكثر الاستغفار من تقصيرك وسائر ذنوبك... ولا يبقى لك حينها إلا شيء واحد: رحمة الله تعالى بك!! وهذا هو حال العباد كلهم، كَثُرَتْ أعمالهم أم قلَّتْ، فلا تكثر من التفكير والهمّ، إنما يريد الله منك أن تتجه إليه مستسلمًا له، باذلًا ما في وسعك، ثم تكل الباقي إلى رحمته وفضله. كلنا هكذا، وكلنا نحتاج إلى رحمة الله وستره وعظيم فضله.
واقرأ أيضا:
الكماليةُ ( فرطُ الإتقان ) وعدمُ الاكتمال
نزوع إلى الكمالية وتفكير وسواسي
الطريق من الكمالية إلى الاكتئاب
الكمالية والشعور باكتمال الفعل