عدم الثقة بالنفس .. وساوس خوف
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أنا فتاة عمري 25 سنة، متخرجة جامعية لكن لم أجد وظيفة مناسبة، مشكلتي أنني أخاف كثيرا من كل شيء وخاصة من التجارب الجديدة في الحياة، ليس عندي ثقة بنفسي وأخجل كثيرا من الناس، لما كنت صغيرة كنت حيوية ونشيطة ولكن لما بلغت أصبحت كتومة وخجولة والآن نقصت قليلا درجة الخجل والكتمان ولكن لا أزال أحس بأنني مقيدة وكأنني غير حرة،
لا أستطيع اتخاذ قراراتي وأن اتخذتها أبذل جهد كبير في التفكير ومع ذلك لا أقتنع بقراراتي وأحس أنني على خطأ، وخاصة موضوع الزواج الذي أخاف أصلا التفكير فيه، أنا مومنة بقدر الله وقضائه ولكن على الأقل الإنسان يخطط لحياته على عكسي أنا أخاف التفكير بحياتي لأني أريد دائما الأفضل وأخاف أن يحدث العكس.
مثلا جاءني شباب لخطبتي فلم أستطع التقرير ولا التفكير حتى، وأنا أعلم أن الوقت يمر، وأحيانا أشعر بالتدمر الشديد لأني أحس أنني لم أقم بأي شيء مفيد بحياتي، ليس لدي وظيفة على الأقل، وهذا جعلني لا أثق بنفسي، وأحيانا من شدة التدمر أقوم بأعمال على عكس التي أريدها، وكأنني أعاقب نفسي وأحس بأن وضعي هذا لا ينتهي وسيتسمر، ومهما أجد وظيفة فهي لا تعجبني وغير مناسبة لي فأكره حياتي، لأني بذلت جهدا كبيرا في الدراسة وكنت الأولى في الجامعة التي أدرس بها، والشيء الأكثر تدميرا لي هو حين أرى والدي ينظران إلي بنظرة شفقة لأنني لم أجد ما أريده، ومع ذلك يشجعاني كثيرا.
ومع أنني أعيش بفرنسا إلا أن الشباب الذين طلبوني للزواج هم من بلدي الأصلي، فأنا محتارة جدا أحيانا أقول هذا هو قدري الحمد لله لم أجد وظيفة أعتقد أن الأفضل لي هو الزواج، وهنا لا أستطيع التفكير مطلقا، ويتشوش تفكيري، من الإنسان الذي سأتزوجه، لأني لا أخاطب أي شاب ولا أعرف أي واحد منهم، أين سأعيش في بلدي أو في فرنسا؟ كيف؟ وأنا لا أذهب إلى بلدي إلا أثناء الصيف؟
ولحد الآن لم يقرر والدي زواجي فهم لا يتخذون الأمر بجدية لأني أعتقد أن ليس لدي وظيفة فلست قادرة على العيش في فرنسا، وكذلك والدي يريدان أن يختارا زوجا أفضل بكثير، فأنا محتارة جدا على مستقبلي ولا أعرف ماذا سيحدث لي لأني أحس أنني لا أبذل أي مجهود لتغيير حالتي فأنا لا أطيق حياتي الآن وأريد أن ينتهي كل شيء، ويحدث الأمر الذي كتبه الله لي كما أريد أم عكس، إن شاء الله خيرا.
9/10/2014
رد المستشار
تحدثت عن مشكلتين ثانويتين وتركت الرئيسية.
تحدثت عن الزواج والعمل وتركت نفسك أنت!؛ أين أنت؟ فلم أتمكن من رؤيتك طوال تلك السطور، تختبئين في كهف مظلم لا يدخله هواء، ولا شمس، ولا حياة!؛ فتعيشين كما يريد والداكي وكما يحبان؛ وتنتظرين أن يأخذا هما قرار زواجك أنت بجدية!؛ فلا عمل يناسبك ولا شاب يوافقك ولا بلد يستقبلك!!؛ والكارثة أنك تصدقين هذا، أين أنت؟ ما هي ملامحك أنت، أين حضورك ووجودك وحياتك؟ هل خلقنا حتى نكون ما يريده لنا الآخرون؟
تركت نفسك تتصورين نفسك هشة، عديمة الثقة، خائفة من كل شيء؛ فلا تتمكنين من اتخاذ قرارا، وبالطبع إن أخذتيه تشوهيه وترينه لابد وأنه خطأ خطأ خطأ!؛ تدربت سنوات وسنوات على تشويه نفسك ورؤيتها خائبة تائهة ضعيفة؛ فلم يعد يمكنك رؤية غير ذلك!؛ حتى تفوقك السابق في الدراسة لا أتمكن من رؤيته أمرا صحيا لأحدثك به؛ فلقد تفوقت لأنك لا تتمكنين من فعل شيء بثقة غير التعامل مع الكتاب، ولأنه لن يكلفك عبء العلاقات مع الآخرين، ولا يحمل اختبارات المبادرة والحب والثقة..إلخ، ويجعلك تكملين دفنك لنفسك بداخله فلا تري شيئا عنك!
فلتفيقي مما تفعلينه في نفسك طوال تلك السنوات الكثيرة، فكفاكي ظلما وقتلا فيها، وكوني مسؤولة عن ظهور نفسك الحقيقية التي فيها كل جميل لأنها خلقة الله تعالى؛ فالله لم يختر إنسانا ليكون ابنه، ولا يتعمد إيذاء إنسان بعينه؛ لذا خلقنا كلنا مثل بعضنا؛ فكرمك كما كرمني وكرم كل إنسان؛ وأعطانا الحياة والتفكير، والمسئولية، والحرية، والأمانة؛ ثم ها أنت تتركين نفسك نهبا لكهوف الظلام والخوف وفقدان الثقة التي تربيت عليها بعمد أو بدون عمد لتصدقي أنك تلك الفتاة الخائفة الضعيفة!؛ فقصة نجاحك سيكون مفتاحها حبك لنفسك وتصديق أن لك قيمة، وأن تقبلي نفسك بكل ما فيها دون شجار أخرق معها، أو رفض غير ناضج يجعلك تتقوقعين وتنتظرين مددا من الخارج؛ فاقبلي أنك قد تفشلي، قد تخطئي، قد تخافي؛ فقبولك لكل هذا سيجعلك تخرجين للحياة وسيكون هو نفسه علاجا للفشل والخطأ والخوف؛ فلا تؤزمك زلة ولا يقعدك خوف.
فالإنسان يضعف ويخاف ويفشل، ولكنه يكمل المسير ويحقق نفسه ليكون حاضرا وموجودا؛ وقبوله لبشريته هو ما ينجيه بعد ذلك من الخوف والرعب من المبادرة والعمل... كان من الممكن أن أتعامل مع سطورك على أنها مشكلة ثقة بالنفس ليس أكثر وأظل أكتب وأكتب كيف تثقين بنفسك، وموقعنا مليء بعلاج هذا الموضوع بمدارس مختلفة، ولكنني رأيت ما حدثتك عنه ورأيت أنه بيت القصيد؛ فلتعي حديثي وتشعريه أكثر من التفكير فيه؛ فلقد قصدت حرفيا كل كلمة كتبتها لك خاصة ما يتعلق بأن تصدقي أن لك قيمة وأنك موجودة... وأن قبولك لنفسك بكل ما فيها هو سر علاج ما فيها وترفضينه!
دمت حاضرة موجودة واثقة.