بلا عنوان
لا أعرف من أين أبدأ ولا كيف أصيغ الأحداث ولكني سأحاول، فاعذر عدم استرسالي في الكتابة فتلك أول مرة أحاول فيها أن أكتب أو أتكلم إلى أحد ما. فلنبدأ بالطفولة:
أنا أعتبر نفسي عشت طفولة مأساوية ليس ماديا ولكن نفسيا فأبي يكبر أمي ب 12 سنة وقد كنت أعيش في الجحيم ذاتة كل يوم الكثير من الخلافات والضرب والإهانة، وأكثر من مرة أمي تترك البيت ونذهب لنعيش عند أقاربنا ولكن للأسف فترة ونعود، ومرة تركنا البيت بعد منتصف الليل وجلست أمي بنا لا تدري إلى أين نذهب وجلسنا فترة بالشارع وأمي تبكي.
على الرغم من عدم رغبتي في أن نظل عند أقاربنا لحساسيتي وخجلي وشعوري بأني أثقل عليهم وأن ذلك ليس بيتنا ولا أكلنا ولكن كان ذلك أحب إلي من العودة إلى ذلك الجحيم وكثيرا ما كنت أرجو أمي أن تتطلق فنحن لانريده ولكن كان ردها دائما (أنا أفعل ذلك من أجلكم) (كم كانت تلك فكرة غبية وساذجة فكيف ترمي بطفلك في النار وتراه يحترق أمام عينك وتخبره أن ذلك من مصلحته) عيني تدمع الآن لمجرد تذكري لتلك المواقف وكم كنت صغيرة جدا على تحمل كل ذلك وكم كان ذلك أكبر مني بكثير والآن تلك الذكريات تريد أن تجتث مني تريد أن تقتل روحي كل يوم، أن تنهش بداخل قلبي فصرت مجرد خيال بداخله فراغ.
عند بداية كتابتي لتلك السطور عزمت أن أحكي كل شيء ولكني لا أستطيع لا أريد أن أشارك تلك التفاصيل مع أي أحد وخصوصا شخصا لا أعرفه كل ما أستطيع أن أخبرك به.. أني عندما اشتدت بي تلك الضغوط من أبي وأمي وكنت في الثانوية العامة ولا أحد يعيرني أي اهتمام، وأخي الأكبر كان يستمر بضربي لأتفه الأسباب هو أيضا كان بالثانوية وكان يكبرني فكان عندما يضغط عليه أبي كي يذاكر (كان يفش غلبه فيا) (هو من أخبرني بذلك عندما كبرنا) وكنت لا أخرج من البيت لأن أمي جعلتني أدرس منازل أي لا أذهب إلى المدرسة (لأن في بداية السنة أمي تركت البيت وذهبنا للعيش عند أهل أمي فترة وكان في بلدة بعيدة عن المدرسة فكثر غيابي وأرسلوا لي إنذرات من المدرسة)
المهم أني في تلك الفترة آذيت نفسي بلا رحمة فلقد استخدمت آلة حادة وأخذت في تقطيع رجلي والدم يسيل مني وأنا أقطع برجلي لم أكن أنوي الانتحار ولكن كل ما أردته أن ألفت نظر أمي وأبي أني موجودة فلقد كنت أشعر بالإهمال الشديد، ولا أحد يشعر بي، كنت أريد أن أقول لهم أني أغرق من شدة الألم، أن الألم الذي بداخلي أكبر من ألم تقطيع رجلي، وأذية نفسي وأني لا استطيع احتمال ذلك، أن رفقا بي وأن تلك الضغوط أكبر مني، وأن هناك الكثير والكثير من الألم والإهانة والضرب لي ولأمي ومن أخي وأني مازلت صغيرة ولا أريد أن أعيش تلك الحياة لا أستطيع أن أتحملها.
وكانت ردة فعل أمي وأبي مثل الصفعة التي نزلت عليا فأردتني أرضا.. فقدت كنت أجلس في الأوضة على الأرض وأمسك بالآلة الحادة عندما دخلت أمي وشاهدتني وظلت فترة تنظر إلي ثم قالت (انتي اتجننتي انتي ليه بتعملي كده) بكل هدوء وعندها دخل أبي نظر إلي وقال: (ليه كده ايه اللي انتي بتعمليه ده) ولم تعطني أمي حتى فرصة الرد، فلقد قالت لأبي يلا بينا سيبها ونظرت إلي وقالت كملي اللي انتي بتعمليه، وخرجت وأغلقت الباب خلفها بمنتهى الهدوء. لماذا فعلت ذلك؟؟ لم تحاول حتى أن تأخذ مني الآلة الحادة أو أن توقف النزيف أو على الأقل ان تفهم لماذا أنا أفعل هكذا..
لقد تجاهلتني تجاهلوني هي وأبي، وكانت ردة فعلهم تلك هي الصدمة الحقيقية لي فقد شعرت أنه لا يوجد أحد يحبني أو يفهمني وأني لا شيء بالنسبة لهم، أني مجرد شيء تافه لا قيمة له وإن المفروض أقرب الناس إلي أبي وأمي وبالذات أمي هما أبعد ما يكون عني.
شعرت أني لا شيء يذكر وكرهتهم لردة فعلهم تلك وكل يوم أتذكر ذلك الموقف وأبكي كثيرا وأكرههم أكثر ولا أجد أي مبرر أو تفسير لردة فعلهم تلك حتى بعد ذلك لم يأخذوني إلى دكتور لمعالجة رجلي فلقد كانت الجروح عميقة كل ما هنالك أن أمي أحضرت مرهم لأضعه على رجلي وكأنها تحسن إلي، منتهى الإهمال والازدراء.
وهناك في إحدى المرات عندما كان أبي يضربني (كان يضربنا ضربا مبرحا) كان يحاول أن يقتلني.. أجل كما أقول لك يحاول أن يقتلني فلقد جلس فوقي وأخذ يضربني بمنظم البوتجاز الحديد فوق رأسي وأمسك رأسي وأخذ يضربها في الأرض بقوة ويقول لي موتي موتي (لمجرد خناقة صغيرة مع أخي وهو موجود بالبيت) وفي تلك الأثناء أخذت أمي أختي الصغيرة ودخلت الأوضة وأغلقت على نفسها الباب لأنها تعبت من الكلام مع أبي وضربه لنا فاختارت أن تريح نفسها ولكن كيف هنت عليها وتركتني له كيف أدارت لي ظهرها؟؟ لقد كرهتها حينها لأنها تخلت عني.
أرجوك يا سيدي قل لي ماذا أفعل؟؟ فأنا أستمر في تذكر تلك المواقف المؤلمة وأبكي ولا أريد أن أفعل شيئا سوى أن أنام وأجد صعوبة في النهوض من على السرير وذلك يؤثر على دراستي فأنا في كلية من كليات القمة ولا أريد أن أخسر آخر شيء متبقي لي وهو دراستي. فأنا أشعر بتلك الهموم والذكريات وأشعر بألم رهيب بداخلي وأن قلبي يؤلمني وأبكي كثيرا وأصبحت أكره كل الناس ولا أريد أن أفعل شيئا أصبحت كل الأشياء مملة ولا أشعر بالفرحة من أي شيء أحاول ولكني لا أستطيع أرجوك قل لي ماذا أفعل لكي أتخلص من ذلك الألم
ملحوظة: أجد صعوبة في النهوض من النوم وأنام كثيرا مؤخرا (المدة : 8 أسابيع)
لا أستطيع أن أحكي لأحد ولا تحاول أن تقنعني أن أتحدث إلى أحد فأنا لا أثق بأحد ولا أريد أن أخبر أحدا، وهل تجد حالتي تستدعي الذهاب إلى طبيب نفسي أو تناول عقار معين، وإن كان أحد تلك الحلول أرجو أن ترشح لي أحدهم.
ملحوظة: أنا أعي تماما أن من سياسات الموقع ومن حقها النشر ولكن أرجوك سيدي وأتوسل إليك عدم نشر أي شيء وإن كان ردك يتحتم النشر فاعتبرني لم أرسل لك شيئا.
وأشكرك على مجهوداتك وإضاعة وقتك في قراءة تلك السطور
05/12/2014
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر لك تواصلك معنا وأشكر لك ثقتك بنا وذكر ما مر بك في طفولتك والتي دائما يساعد في تشخيص الحالة وعلاجها وبإذن الله الشفاء منها. حيث إن نفسيتنا جزء لا يتجزأ من الظروف التي مررنا بها في مرحلة الطفولة. وإن ما تفضلت به من شرح للتفاصيل مناسب جدا لمعرفة ما تمرين به من ضائقة نفسية في أهم مراحل حياتك وهي مرحلة البناء (الشباب). ومن المهم التخلص من "شبح الماضي" أو التأقلم معه للاستمرار وبناء المستقبل.
لقد رأيت في استفسارك أن "فقدان الأمان" أهم ما نتج عن الضرب المبرح لأمك أولا ولك ثانيا. ومع تكرار خروج الأم من المنزل بسبب ما كانت تتعرض لها من قبل زوجها لم تنعمي بالأمان المطلوب في مرحلة الطفولة الحرجة. وهذا أثر بالتالي على عدم شعورك بالاستقرار العاطفي. وللأسف فإن المنازل التي يعاني أفرادها من العنف الأسري نسبة الاضطرابات النفسية تزداد وبالأخص المعنَّفين.
وإن ما كانت تمر به والدتك ليس بالأمر الهين وأرى أنها لم تكن لديها القدرات ولا المهارات ولا الدعم الاجتماعي للتخلص من الزوج العنيف وإنما لجأت إلى الاستمرار في المحيط ذاته. وكثير من الزوجات المعنفات يضحون من أجل ألا يتشرد أبناؤهم وبناتهم. ولاننسى أن الحكومات العربية وقوانينها لا تساعد الزوجات المعنفات فتستمر دوامة العنف لسنين وعقود وينتقل من الأب العنيف إلى الأبناء العنيفين وهكذا.
وللعنف مظاهر عدة فتوجه إخوانك ألى العنف الخارجي تجاهك وأنت (عادة الإناث) توجهت إلى العنف الداخلي أي "إيذاء النفس". وهذا ما حصل بسبب ارتفاع معدل العنف في محيطك فنمى فيك سلوكيات غير سوية وهي "إيذاء النفس" والذي ذكرته "إني في تلك الفترة آذيت نفسي بلا رحمة ". إن تمعنا في هذه الجملة فيتبين مدى حالة اليأس التي وصلت لها بسبب الضرب والتعنيف وعدم ذهابك إلى المدرسة. وكونك صغيرة ظننت أن والدتك ستكون أرحم وأعطف عليك بعد "جرح نفسك" ولكن وللأسف فإن والدتك لم تكن لديها مهارات لتنقذ نفسها، فما بالك بإنقاذ ابنتها. وعادة ردة فعل الآباء والأمهات بعد رؤية ابنتهم توذي نفسها تبدأ بالاهتمام الشديد ولكن مع تكرار هذه السلوكيات تنتهي اهتمامهم ليبدأ "اللا مبالاة". واللامبالاة يزيد من شدة الضيق لديك وبالتالي زيادة وتيرة وحدة الجروح. ولكثرة العنف في منزلكم كانت ردة فعل الأم إما بالامبالاة أو الهروب. فقد فقدت والدتك مهاراتها لحماية نفسها قبل أن تقومي بإيذاء نفسك ولذا آثرت الهروب من الواقع واللامبالاة.
وهنا أمر ضرروري أريد أن أنوه بشأنه وهو أن الحب لايأتي مِن مَن لا يحب نفسه. وإن الخلاص من "ألم" عدم المبالاة ليس بإيذاء النفس وإنما حب النفس جسديا وعاطفيا. والمحافظة على أجزاء جسدك سليمة وخالية من الجروح لهو أمر مهم في انتشال نفسك من ذكريات الماضي المولم والتي لم يكن لديك ذنبا إلا ترعرعك في بيت يملؤه العنف والتعنيف. وكونك طلبت استشارة نفسية لهو دليل على أنك الآن وفي لحظة كتابة استفسارك بدأت "مشوار" الشفاء. لا أقول أن الطريق سهل فكما تفضلت ليس بالسهولة التحدث عن الماضي وبالأخص إن حدثت لك "وقائع" لا تريدين ذكرها. ولكن كما في المثل العربي "طريق الألف ميل يبدأ بخطوة" وأنت بدأت الخطوة.
إن نتاج الأحداث المؤلمة في طفولتك هو الاضطراب المزاجي. فإن ما ذكرته في نهاية استفسارك لهي أعراض الاكتئاب. سواءا اضطراب النوم وفقدان القدرة على الاستمتاع والكره تجاه الآخرين والضيق، كلها أعراض باتت توثر على وظائفك ومستقبلك. ومن الضروري علاجها. لأن الدراسة والوظيفة من أهم مقومات التخلص من الذكريات المؤلمة والاكتئاب والحياة السعيدة. وهنا أنصحك أختي الكريمة زيارة طبيب نفسي أو طبيبة لإعطائك أدوية مضادة للاكتئاب. فإن الاكتئاب يحتاج للعلاج الدوائي وبإذن الله يكون فيه الشفاء وأما بالنسبة للذكريات فإن عليك إيجاد متخصصين من علاج "إيذاء النفس". وهذا النوع من العلاج يسمى "العلاج الجدلي السلوكي". يساعد في التخلص أو تقليل من السلوكيات التي تدفع الإنسان لإيذاء نفسه. ومع المعالج المتخصص الأفضل البوح بكل ما حدث لك في طفولتك وفترة مراهقتك حتى يتسنى لك التخلص من "الحمولة" التي حملتيها دون ذنب منك.
وأود أن ألفت انتباهك لمفهوم الكره والحب. إن ما مررت به ليس بالأمر السهل. وإن ما مرت والدتك به أيضا ليس بالبسيط. وكما ذكرت أنها كانت تحاول الهروب من عنف والدك ولكن دون جدوى. فلا أعتقد أن كره الأم سيساعدك علي التخلص من الذكريات الحزينة. علما أن الكره المتواجد في قلب الإنسان يحرق الشخص نفسه. أنا أقدر مدى إحباطك بعدم مساعدة أمك لك، لذا أنصحك أن تدعي لها وتحسني من علاقتك معها فهي وأنت سيان. تعرضتما للعنف بسبب ضعفكما. ولاتنسي أنك ستكونين أما يوما. فدعاؤك لأمك في صلاتك سيكون سندا لك لتكوني أما صالحة لا تعيدين ما فعلته أو ما لم تفعله لك بسبب قلة حيلتها.
وهناك نصائح عامة أطلب منك اتباعها إلى أن تلجئي لطبيب نفسي وتحصلي علي العلاج النفسي من أخصائية نفسية متخصصة في مجال "ذكرياتك". أرجو منك الابتعاد عن السلوكيات الانتحارية والسلوكيات المرتبطة بها. وبالعكس ابدئي الاهتمام بنفسك ومظهرك وأضيفي حب نفسك بشكل إيجابي بالعمل على ما يفيدك ولا يضرك. ولاتنسي أن الدراسة والعمل هما ما سيدعمك في النجاح في المستقبل. فابذلي كل مستطاع للوصول لأعلى الدرجات العلمية والوظيفية. والوازع الديني مهم ومنها المحافظة على الصلاة والصيام والدعاء لوالدتك.
وختاما إن ما مررت به وللأسف يتكرر في منطقتنا العربية وأنا أعتقد بأن القراء سيستفيدون من نشر استفسارك والرد عليه. ولا أعتقد بأنه سينشر أية معلومات ربما يتعرف القارئ عليك. ومع ذلك فإني سأنوه الأخ الكريم الفاضل الدكتور وائل أبو هندي لعدم نشر هذا الاستفسار.
وختاما بارك الله لك وحاولي تعويض الكره بالحب وبالأخص تجاه نفسك وتزودي بالإيمان والعلم والاستفادة من الدواء للتخلص من الاكتئاب ومساعدتك في استكمال مسيرة حياتك. وخطوة بخطوة تمشين في طريق العلاج لتصلي إلى الشفاء.