وسواس الطهارة والعبادة
في البداية أحب أن أبدي إعجابي وشكري لهذا الموقع لما يقدمه من خدمات لرواده.. لن أطيل عليكم وسأدخل في صلب الموضوع، أنا مصاب بالوسواس القهري منذ حوالي 3 سنوات.. وهو معي في الصورة الدينية.. معي بكل صوره في كل أشكاله وضوء اغتسال صلاة صيام عقيدة.. إلخ
ولكن دعوني أخبركم بوسواس هذه الفترة فلو سردت كل وساوسي سأحتاج إلى مواقع وليس استشارة، سألخصها لكم في ثلاث نقاط:
أولها: انتابني وسواس في طريقة اغتسالي السابقة.. وأني لم أكن أوصل الماء إلى الجزء الخلفي من قدمي مثلاً، حيث أنني كنت أضع رجلي مثلاً تحت الدش وأقوم بدعك رجلي من الأمام والخلف.. فالجزء الأمامي يباشره الماء.. أما الجزء الخلفي فأنا الآن أصبحت أشك من مواقعته للماء وأن يدي المبللة فقط كانت تدلكه دون أن يصل إليه الماء مباشرة.. وهذا يشككني في اغتسالاتي السابقة.. حيث لم أنتبه لهذا الأمر إلا مؤخراً.. والآن لا أدري حكم اغتسالي السابق وصلاتي السابقة.. أحاول أن أمنطق الأمر ولكن وسواسي يغلبني بمنطق أكثر واقعية ويؤكد لي أنني لم أكن أغتسل بطريقة سليمة.
ثانياً: وسواس الكفر.. ازدادت عليا الخواطر الكفرية في الأيام الأخيرة ولكن هذه المرة تبلورت في صورة تؤرقني.. الوساوس الآن أنا الذي أستدعيها.. أجد نفسي مثلاً أصلي أو جالسا فأقول الآن سوف تأتيني وساوس كذا.. فأفكر فيها.. وساوس كفرية رهيبة.. أستغفر وأستغفر وأستغفر وأتشاهد.. ولكن تبقى عندي غصة أنني من استدعيتها.. أني من قلت أني سأفكر بكذا.. يؤرقني أني أصبحت متعمد التفكير في هذا.. بل أصبحت لا أميز بين ما أفكر فيه وبين ما قد أكون نطقت به بلساني.. فأخاف أن أكون في تلك اللحظة هذا الصوت لم يكن صوت تفكيري وإنما صوتي أنطق بهذا... وأنا خائف خائف خائف
ثالثاً: أصبحت أراقب تصرفات الناس وأشعر أني مسؤول عن تصرفاتهم.. أني يجب علي تصحيح أخطائهم.. في البداية كان هذا جيداً.. ولكن زاد مني الأمر عن حده.. فأصبحت أصحح الكلام والتصرفات والاعتقادات.. وأشعر بأني إن سكت عن هذا فأنا مقصر.. وربما أشاركهم نفس الذنب.. أو أسوأ أني أشاركهم نفس الاعتقاد.
أطلت عليكم رغم عدم رغبتي في الإطالة ولكنكم تعرفون أحوال من هم مثلي.. الدقة هي مفتاحهم.. فلربما بعد قراءة إجابتكم سيأتيني الوسواس أني لم أخبركم الأمر بصورة صحيحة أو أنكم لم تفهموا قصدي.. إلخ، فأجد نفسي أبحث عن الإجابة في مكان آخر.. وبينما أنا أبحث عن الإجابة.. أجد أني عرفت أمراً جديداً.. يفتح علي باباً جديداً من الوساوس وهكذا..
شكراً لحسن قراءتكم ولاستشارتكم مقدماً.
وأطلب منكم بجانب الإجابة الدعاء لي ولأمثالي.. والسلام عليكم.
25/12/2014
رد المستشار
أهلًا بك وسهلًا بك يا أخ "محمد" على موقعنا وأهلًا باستشارتك.
واضح أن القلق يسيطر عليك بشدة من خلال كتابتك، فهدئ من روعك، وباعتبارك طبيبًا فأنت تعلم أن عليك المراجعة الطبية السريعة الآن.
بالنسبة لأسئلتك:
* الأول: وضع الرجل تحت الدش، ثم دلكها من الأمام والخلف كفيل أن يوصل الماء إلى جميعها ولا ريب، مجرد الوقوف تحت الدش يغرقك بالماء، فكيف مع الاعتناء بإيصال الماء؟ وغسل العضو لا يحتاج إلى ماء كثير. أمر آخر... لا يضر الشك في عدم وصول الماء إلى جزء من الجسد بعد الانتهاء من الغسل أو الوضوء، وذلك عند الموسوس وغيره، ويضاف بحق الموسوس أن الشك لا يضره حتى أثناء الغسل! قال الفقيه المليباري الشافعي في كتابه فتح المعين: (لو شك المتوضئ أو المغتسل في تطهير عضو قبل الفراغ من وضوئه أو غسله طهره... أو بعد الفراغ من طهره، لم يؤثر). هذا صريح في أن الشك في الغسل لا يؤثر بعد الفراغ. قد دلكت رجلك في أغسالك السابقة، وكنت على علم أن الماء يجب أن يصل إلى كل البشرة والشعر، وهذا يعني أنك أديت ما عليك بشكل صحيح، ولو كنت مقصرًا حينها لشعرت فورًا... إذن اغتسالاتك وصلواتك السابقة صحيحة.
* الثاني: نوع وسواسك هذا في العقيدة معروف، الشك في استدعاء الأفكار والشك في التلفظ، ذلك أن وسواس العقيدة يكون في الاعتقاد وهو في القلب، فمن الطبيعي أن يحصل الشك في فعل القلب وهل هو متعمد أم لا؟؟ القاعدة في هذا: طالما أنك تقلق وتكره فهو وسواس وليس كفر، وهو صريح الإيمان كما في الحديث النبوي.
وبالنسبة للشك في النطق: فالقاعدة الفقهية تقول: (الأصل براءة الذمة)، يعني إذا شككت في أمر هل فعلته أم لا، فالأصل براءتك من فعله. ولو فرضنا أنك نطقت يقينًا فهذا لا يؤثر لأنك بحكم المكره، القلق الشديد الذي تفيض به رسالتك يعطيك عذرًا مماثلًا لمن قلق قلقًا شديدًا بسبب الإكراه بسلاح لينطق كلمة الكفر فنطقها، وهي لا تؤثر على الإيمان باتفاق وبنص القرآن الكريم ((مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) [النحل:106]، الحل الوحيد أن تلهي نفسك عن التفكير بأي عمل آخر، ويساعدك الدواء على هذا.
*الثالث: الذي أظن أنه وسواس يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر –إلا إذا كان للطب النفسي تفسير آخر لمراقبة تصرفات الغير والشعور بالمسؤولية عنها- التصحيح ليس واجبًا عليك وإنما الإنكار بلطف والنصح، التصحيح مهمة المخطئ، ولست مسؤولًا عن فعله، الإنسان يُسأَل عن أفعاله فحسب ولا تزر وازرة وزر أخرى، ولست من ولاة الأمر الذين يملكون القوة على التغيير المباشر. هذا شيء، شيء آخر: لست مكلفًا بالإنكار بلسانك في كل المواقف، هناك حالات لا يجوز لك الإنكار فيها، كأن كان العاصي والمخطئ من النوع الذي يزيد إصرارًا عندما ينصح، أو يقوم بمعصية أخرى لغضبه من النصح، أو إن كان لو نصحته لغضب عليك وعلى غيرك ونالهم الأذى...
الإنكار في القلب واجب على كل حال وهو يسير جدًا، مجرد استبشعت الفعل وأنكرت حصوله لمخالفته الشرع، فهذا إنكار قلبي حصل به الواجب. لكن ما زاد على ذلك لا يجب على من لم يكن لديه قدر جيد من العلم الشرعي إلا في الأشياء الواضحة جدًا، مثل نصح من ترك ركنًا من أركان الإسلام، أو فعل معصية معلومة من الدين بالضرورة كالزنا والسرقة وشرب الخمر... هذا مع مراعاة الشروط التي ذكرت لك بعضها قبل قليل، فلا تهتم كثيرًا للأمر... ولا تكمل وسواسك فتسأل غيري لتتأكد، لأن هذه قصة لا تنتهي، سيعود إليك الشك والقلق بعد كل مرة، وباعتبار النتيجة واحدة بعد كل مرة تسأل فيها، فاقطع البحث من أول مرة فلا فائدة من تكرار السؤال، وإنما الفائدة الآن في الذهاب فورًا إلى الطبيب النفساني.
أرجو الله تعالى أن يمنحك نفسًا مطمئنة ويعافيك من كل سوء، ويبعد عنك كل وسواس.
ويتبع >>>>>>: بئس القرين!!