بئس القرين
وسواس الكفر
أنا أعاني أيما معاناة، أكاد أمت في اليوم ألف مرة، حياتي تحولت جحيماً، وسواسي يقتلني، يمتص السعادة من حياتي، الأمر أصبح لا يطاق.
المشكلة الآن معي هي وسواس الكفر. كلامي -كل كلامي- أصبحت أجد له تفسيراً قد يؤدي للكفر، أصبحت أخاف الكلام، أصبحت إذا تكلمت ربما أقطع كلمتي وأغيرها أكثر من مرة أمام من أكلمه.
إذا ما جئت أتكلم يأتيني الوسواس ويجعل المعنى الكفري في بالي ولكني أتكلم، أنطق، فيأتي الوسواس ليقول لي لقد نبهتك لمعنى كلامك الكفري هذا، لقد قلته وأنت مدرك لما قد يكون معناه لقد كفرت. أصبح لكل كلامي معاني كفرية، إذا ما قلت رأيي في شيئ مثلاً أو كنت أشاهد مباراة كرة قدم فأتفاعل معها مثلا ً، وأتفاعل مع الفرص الضائعة فيخبرني الوسواس بأني هكذا اعترض على القدر.
إذا ما توقعت ما سيحدث في المباراة يخبرني الوسواس أني هكذا ادعيت علم الغيب، مثلاً قلت لأحد أصدقائي كلمة الموت الزؤام ولم أكن أعلم معنى الزؤام هذا فعلمت أن معناه الموت العاجل أو الكريه، وبالطبع توجه الوسواس إلى المعنى الثاني ليخبرني أني هكذا قد سببت الموت رغم أني لم أكن أعلم معناها أصلاً. الأمر أصبح يأتيني في أتفه الأشياء كمثل ما ذكرت لكم سابقاً أن الوسواس يقنعني بأني قد كفرت، بأني قد حبط عملي، بأني أصبحت مرتداً محمل بالسيئات فقط بعد أن ذهبت كل حسناتي هباءاً منثوراً، إذا ما مت الآن، فلن استطيع أن آتي بالقدر الكافي من الحسنات التي قد تفوق كفة سيئاتي التي لم يعد عندي غيرها.
إنني أتعذب، أتألم، يعتصر قلبي يومياً، لا أعلم ماذا أفعل. أصبحت ضعيفاً، كنت أتباهى قديماً بقوة إرادتي حتى جاء الوسواس ليدعني ضعيفاً.
كذلك في الصلاة أصبحت أسرح كثيراً، لا أركز أبداً، أفكر في أشياء مختلفة منها أنني أريد التركيز في الصلاة !! لأجد نفسي أني أتيت بالفاتحة وانتهيت منها وركعت وربما سجدت وأنا لا أعلم هل أتيت بالركن أم لا؟! أشك فيه!! فأنا أسرح دائماً لأجدني قد انتهيت من ركن فأشك هل أتيت به أم لا.... وهكذا
أعلمتم لماذا أعاني في اليوم ألف مرة؟!!
ماذا أفعل؟
19/03/2015
رد المستشار
أهلا وسهلًا بك يا "محمد" في بيت الموسوسين، وأرجو لك النفع والراحة
رغم كل هذا الألم لم أرَك ذكرت شيئًا عن محاولة علاجك! ما هي ثقافتك حول الوسواس؟ هل ذهبت إلى الطبيب؟ هل حاولت تطبيق علاجات معرفية سلوكية ذاتية؟ تحركك في معرفة وتطبيق هذه الأمور له دور كبير في تخفيف معاناتك، وكما يقولون: الحركة بركة.
وإذا كنت على اطلاع سابق، فلابد أنك تعرف الأحاديث الواردة بشأن وسواس الكفر تحديدًا، وأنها لا تؤثر على الإيمان، بل هي دليل صفاء الإيمان، ولم يرها النبي صلى الله عليه وسلم أمرًا ذا بال، كل ما هنالك استعذ بالله، وانسَ الموضوع كليًا واشتغل بشيء آخر!!! جاء أمثالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فطمأنهم بأنهم مسلمون، وأن إيمانهم خالصٌ صافٍ، ويمكن بوضوح استشعار أسلوب التطمين في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: { جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: «وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟». قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَان» }. [مسلم: الإيمان/باب بيان الوسوسة في الإيمان] فالنبي صلى الله عليه وسلم – فداه أبي وأمي- لم يشنّع على هؤلاء الموسوسين في عقيدتهم، ولم يهوّل عليهم ولم يصرخ في وجههم، بل أجابهم بعبارة ملؤها الطمأنينة والهدوء: "وقد وجدتموه؟" وكأن هذا شيء متوقع لا خوف منه. ثم قال: "ذاك صريح الإيمان"!
وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يأتي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ» [البخاري: بدء الخلق/باب صفة إبليس وجنوده، مسلم: الإيمان/باب بيان الوسوسة في الإيمان].
إذن هذه هي القصة كلها: اطمئن فلا شيء خطير، واستعذ بالله، ولا تناقش الوسواس واشتغل بأمر آخر.
يمكنني أن آتي لك بدليل على سخافة وبطلان ما ذكرته من وساوس وأنها غير صحيحة، ولكني لا أظن ذلك أمرًا مجديًا؛ كُفَّ عن أيِّ شيء، ولا تبحث عن الجواب والحكم، لأن عملية البحث تتنافى مع قوله صلى الله عليه وسلم ((وَلْيَنته)).
من الطبيعي أن تشعر برعب بالغ في بداية تجاهل الفكرة، لكن إن أحسنت التجاهل لم يمضِ أسبوعان إلا وأنت بخير وعافية.
كذلك الأمر بالنسبة للصلاة والنسيان فيها، كل ما عليك أن تتابع صلاتك كأن شيئًا لم يكن، وإذا كان غير الموسوس يعيد ما شك فيه، فإن الموسوس – شرعًا، وطبًا، وحقيقة - يُعدّ فاعلاً لكل ما شك فيه، فلو شك غير الموسوس بعدد الركعات ثلاث هي أم أربع، جعلها ثلاثًا وأتى برابعة، بينما الموسوس لو شك ثلاث هي أم أربع، فإنه يعدها أربع وينهي الصلاة دون الإتيان بشيء، كذلك الأمر بالنسبة لسائر أمور الصلاة. وأنصحك بقراءة منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري 9 و10 و11، وستجد في الآخر مجموعة أدعية لا تغفلها أثناء رحلتك العلاجية، فالأمر كله لله وبيده أولاً وأخيرًا. وبالإجمال أكثر القراءة عن الوسواس وعلاجه وأحكامه، فهذا يعينك كثيرًا على الخلاص مما أنت فيه.
شفاك الله ورعاك، وألقى الطمأنينة في قلبك.
ويتبع >>>>>>: وساوس الصيام : التطور الطبيعي يا محمد !
التعليق: حسناً فعلت المستشارة بالإشارة إلى أن الحركة بركة وعسى أن يذهب المستشير لطبيب نفسي.
يجب توخي الحذر من التركيز على محتوى الاستشارة حول"الوسواس" فالقاعدة العامة في الطب النفسي هي التركيز على الإطار.
إطار هذه الاستشارة قد يبدو وجدانياً ولكنه في الممارسة العملية ذهانياً. هناك بعض التلميحات لاحتمال إصابته بفصام مبكر يختفي خلف ستارة "الوسواس القهري" وخاصة في مطلع الفقرة الثالثة. اذهب لطبيب نفسي استشاري وبسرعة فإن شفيت من هذه النوبة تلقائيا ستزورك نوبة أخرى عاجلاً أو آجلاً وتقضي عليك.