وسواس قهري شديد
أعاني من الوسواس القهري بكل أنواعه بدءا من قذف نفسي في البحر، وإلقاء نفسي من الشرفة إلى وسواس الوضوء وأحيانا نقضه عمدا لأستريح من عبء البقاء على وضوء، وكثير ما أخرج من الصلاة لاعتقادي أني نقضت وضوئي.. وفي صلاة الجماعة تنتابني رغبة عارمة في ركل من أمامي! ... وأحيانا في الأتوبيس أشعر برغبة في التفل في وجه البعض! ودائما أتحسب لذلك وأخاف أن أفقد السيطرة ويقع المحذور.
ولا ننسى الأمراض كالإيدز والسرطان والصور الجنسية التي لا تفارقني في صلاتي والتجرؤ على المقدسات بدءا بالله سبحانه وتعالى ومرورا بالرسول الكريم والصحابة مع أنني والحمد لله كثيرة التدين، وأقرأ القرآن بكثرة رغم أني أقرأ الآية أكثر من 5 مرات!
كما أني لا أكف عن العد، عد أي شيء، وكل شيء يمكن عده، وفى كل مكان، ولا أكف أيضا عن عد حروف الكلمات على أصابعي، وبطريقة غريبة.. فمثلا أحب جملة "تصبح على خير" لأنها 10 حروف؛ إذن ستكفي أصابع يدي كلها، أما جملة "تصبحي على خير" فإنها 11 حرفا فسأبدأ في العد بيد جديدة ومع ذلك يتبقى لي 9 أصابع ليس لها حروف، لذلك أنا أكرهها. هل فهمتني؟ وهكذا لا أكف عن العد بهذه الطريقة.
كما أنني في كثير من الأحيان أشعر بأنه لا إحساس بداخلي ولا أي فكرة وأشعر أني بدون ملامح فأجري إلى المرآة لأتأكد من وجود ملامح واضحة لي. كما أني أيضا دائما ما أكون على عكس ما بداخلي تماما ففي الوقت الذي يقطر فيه قلبي حزنا أكون أنا أملأ الدنيا ضحكا وصخبا.
وأخيرا بعض الهلاوس البصرية، ومؤخرا جدا السمعية، مثلا ألمح صرصورا أو عنكبوتا وعندما أقوم لأتحقق لا أجد شيئا.. أو أسمع صوتا يخاطبني وأنا بمفردي في الغرفة.. هل أنا مجنونة أو على وشك الجنون؟!
آسفة لرسالتي الطويلة، ولكن أجيبوني هل إذا ذهبت للطبيب هل هناك أمل للشفاء مع العلم أني أعاني كل هذا منذ الطفولة؟ آسفة مرة أخرى، وجزاكم الله كل خير.
22/9/2003
رد المستشار
الأخت السائلة: أهلا وسهلا بك وشكرا على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين. الحقيقة أنك كما قلت في إفادتك تعانين من أشكال وأنواع عديدة من الوساوس والأفعال القهرية، ورغم أننا أجبنا في صفحتنا هذه على كثير من أشكال اضطراب الوسواس القهري حتى حسبنا أننا غطينا كل جوانبه فإن سؤالك هذا بين لنا أننا ما نزال بعيدين عن ذلك.
فهناك -بداية- ما أشرت إليه، ولم نشرحه من قبل وهو الاندفاعات القهرية والتي تشيرين إليها بقولك (قذف نفسي في البحر وإلقاء نفسي من الشرفة)، والأصح هو أن تقولي إنك تشعرين برغبة ملحة نسميها في الطب النفسي بالاندفاعة Impulse والاندفاعات القهرية أو الوسواسية تأخذ شكل الرغبة في فعل شيء خارج عن المألوف في موقف مهيب كأن يضحك الشخص في صوان العزاء بصوت عال أو أن يخرج لسانه أو أن يتفل في المسجد، أو الكنيسة أو أن يتفوه بألفاظ خارجة...
أو ربما أخذت شكل اندفاعات جنسية تجاه المحارم أو شكلا عدوانيا تجاه الناس في الشارع أو في الأوتوبيس مثلا، أو ربما أخذت شكل اندفاعة انتحارية كأن تحس الواحدة برغبة ملحة في أن تلقي بنفسها من شرفة البيت كلما وقفت فيها، أو برغبة ملحة في أن تلقي نفسها في البحر أو أن تفتح باب السيارة وهي مسرعة وتلقي بنفسها منها، أو أن تخاف امرأة من أن تطعن أحد أبنائها أو بناتها بالسكين.
ومن بين الأمثلة عندنا هذه الفتاة التي كانت تعاني اندفاعة لتحسد، وأرسلت مشكلتها إلى صفحة مشاكل وحلول للشباب بعنوان "الوسواس والحسد واللغة العربية"، وأشرت بعد ذلك إلى عدة أشكال من الأفكار الاجترارية والأفعال القهرية أفضنا في شرحها من قبل وبينا كيف أنها بفضل الله تعالى تستجيب للعلاج.
وأما ما هو جدير بالتوضيح هنا فهو قولك (وأقرأ القرآن بكثرة رغم أني أقرأ الآية أكثر من 5 مرات!)، فأنت هنا لم توضحي لنا سبب قراءتك للآية أكثر من خمس مرات، ولكننا نستطيع أن نقول لك هنا إن هذا هو ما نسميه بالأفعال القهرية العقلية ذات المحتوى الديني Mental Compulsions، والتي تتمثل في تكرار آية معينة أو دعاء معين بشكل قهري. والمقصود هنا أن فارقا يوجد بين أن تقرأ القرآن الكريم لتتفهم وتتدبر معانيه، وأن تفعل ذلك؛ لأنك تريد الحصول على الأجر من الله سبحانه وتعالى أو لأن هذا يعطيك من الراحة والأمن النفسي ما تحس بحاجتك إليه.. وبين أن تقرأ آية في سرك بشكل متكرر لكي تصلح ما أفسدته فكرة تسلطية معينة.
وإن كنت أحمد الله على أن المسلم يثاب على تلاوة القرآن في كل الأحوال ما دام التزم بآداب التلاوة. لكن الفعل الذي تحس أنك تختاره وتفعله مختارا مختلف بالتأكيد عن الفعل الذي أنت مجبر عليه. ومن الأمثلة هنا أيضا تلاوة بعض الأدعية بشكل متكرر، والمشكلة هي أن التلاوة هنا لا تكون لذكر الله عز وجل بقدر ما تكون لمعادلة تأثير الفكرة التسلطية، فمثلا قد يكون تشعرين بعد قراءة الآية بأنك لم تقرئيها بالشكل المضبوط أو الشكل الذي يجب فتكررينها وتكررينها وهكذا...
ونصل بعد ذلك إلى العد بالطريقة الغريبة التي شرحتها لنا وسألتنا: هل فهمناك؟ ونحن نطمئنك أننا فهمناك وأشفقنا عليك من طريقة التفكير السحري الذي ينغص عليك حياتك وهو ما ناقشناه من قبل في إجابتنا على هذه الصفحة: التفكير السحري لدى الموسوسين.
ثم نصل بعد ذلك إلى عرض ملتبس بعض الشيء وهو الذي تشيرين إليه بقولك (أشعر بأني لا إحساس بداخلي ولا أي فكرة وأشعر أني بدون ملامح فأجري إلى المرآة لأتأكد من وجود ملامح واضحة لي) فنحن هنا بين اضطراب اختلال الإنية Depersonalization، وهو أحد اضطرابات نطاق الوسواس القهري الذي يشعر فيه المريض بأن تغيرا ما غير مريح قد حدث في إحساسه أو خبرته الشخصية بذاته، وغالبا ما يدفعه ذلك إلى اختبار مشاعره والتفتيش عنها داخله مما ينهكه ويزيد من قلقه؛ لأنه يحس بأنها غير موجودة أو متغيرة بشكل أو بآخر، كما أن الأمر عندك تعدى الشك في الإحساس بالمشاعر الداخلية ليصل إلى حد الشك في اختفاء الملامح واللجوء إلى فعل التحقق القهري باستخدام المرآة.
نصل بعد ذلك إلى عرضين غير معتادين في الحالات التي تشبه حالتك: الأول هو تناقض المشاعر مع الأفكار Emotional Incongruity، ثم الهلاوس خاصة السمعية منها Auditory Hallucinations فهذه الأعراض أقرب لاضطراب الفصام Schizophrenic Disorder منها لاضطراب الوسواس القهري، أي أنك تضعيننا فجأة بين الوسواس القهري والفصام.
وإن كان من بين أنواع اضطراب الوسواس القهري نوع يسمى بالنوع الذهاني، وقد توجد فيه هذه الأعراض، لكننا هنا لا نستطيع الجزم بأي شيء في حالتك خاصة وأنك أنثى، والنوع الذهاني من الوسواس القهري حسب خبرتي الشخصية أكثر في الذكور، فأنا في الواقع لا أستطيع الجزم بصحة أو دقة وصفك لهذه الأعراض.
وقد لا تكون الهلاوس التي تصفين أكثر من هلاوس كاذبة Pseudohallucnations، كما قد يكون تناقض المشاعر والأفكار أيضا مجرد مبالغة منك في الوصف؛ لأننا عادة لا نجد مريضا ذهانيا يصف لنا مثل هذه المشاعر وإنما يستنتجها الطبيب النفسي أثناء المقابلة الإكلينيكية.
إذن لا مفر لك من اللجوء -بعد الله تعالى- إلى أقرب طبيب نفسي متخصص لكي يتمكن من تشريح الأعراض والتحقق منها، والعلاج بعد ذلك ميسور في جميع الأحوال ولجميع ما ورد في إفادتك من أعراض.. فقط توكلي على الله ولا تؤجلي اللجوء إلى الطبيب النفسي، والله هو الشافي والمعين، وتابعينا بأخبارك.