الورقة اللعينة م1
إن لم يكن فصامًا، فماذا يكون؟
الصراحة مش هستغرب لو الرسالة دي ما اتقرتش أو اتقرت، بس ما اتنشرتش؛ عشان لما بحط نفسي مكان المستشارين الأفاضل هنا، بحس إن ساعات يبقى عندهم حق لما يزهقوا من التكرار، والتأكيد على نقط تم الإشارة لها في استشارات سابقة، ورغم إن ده المفروض يخليني حريص أكتر في استغلال المساحة دي، بس للأسف أنا بكتب هنا عشان أنا استنفذت كل محاولاتي إني أكون شخصًا طبيعيًا، أنا بعرف بس أمثل إني طبيعي، وحتى دي بقت عملية مرهقة جداً، ومبقتش أقدر عليها.
أنا من زمان جداً حتى من وأنا طفل حاسس إني في حاجة غلط، والإحساس ده أكيد اتعمق أكتر بالتربية الغلط، والصدمات النفسية بدرجاتها حتى اكتمال مراحل النضج، الأول كنت بستنتج إن فيّ حاجة غلط من الطريقة اللي حياتي ماشية بيها واللي مختلفة عن أي حد أعرفه، وكنت بحاول أعوض الإحساس ده بإني أتبع نفس الخطوات اللي باقي الناس "الطبيعين" بيعملوها عشان أبتدي أحس إني طبيعي زيهم، عملت ده بإني رجعت للدراسة تاني عشان أخد الورقة المقدسة اللي المفروض هتعوض إحساسي بالنقص شوية، وحاولت أشتغل في شغلانات كثيرة بكرهها لمجرد أن يبقى اسمي شغال زي باقي الناس اللي أعرفهم، بس أنا بيني وبين نفسي عارف إن لو قدرت أضحك على الناس مش هعرف أضحك على نفسي، وإن مفيش أي عوامل خارجية هترجعلي ثقتي في نفسي.
أنا أول مرة في حياتي أتشغل بأسئلة من نوعية هو أنا هتجنن ولا لأ؟ طب أنا مريض تفسي ولا عقلي؟ طب لو عقلي مآل المرض بالنسبة لي عامل إزاي؟ طب يا ترى لو الأمل ضعيف في تحسن حالتي، وإن التدهور شيء حتمي ده معناه إيه بالضبط؟ هل معناه ربنا غضبان علي عشان كده بيبتليني؟ وهل ذنوبي كثيرة أوي كده لدرجة إني أستحق عقاب قوي زي المرض النفسي المزمن؟ وهل الابتلاء ممكن يوصل لدرجة سلب العقل تماماً؟ طب يبقى ابتلاء إزاي إذا كان صاحب الابتلاء اتسلبت منه الفرصة إنه يراجع نفسه ويعيد حساباته بعد تدهور حالته؟ وهل في عدل في الكون؟
إزاي ناس عندها ملكات ومواهب من شأنها تفيد الناس أو تضيف حتى إضافة بسيطة تعاني من أمراض نفسية مزمنة، ومعيقة في حين إن ناس تانية معندهاش أي حاجة تضيفها، ومع ذلك عايشين حياتهم طول بعرض وبيتمتعوا بصحتهم، أنا طبعاً مش بتمنى زوال النعمة دي من حد حتى لو أسوأ أعدائي، أنا بس بحاول أواسي نفسي بالتبكيت على عبث تقسيم الحظوظ في الحياة.
عايز كمان أقول إن من أسوأ اللعنات في الدنيا إنك تصاب بمرض نفسي في بلد عربي، رغم إن الوصمة دي موجودة في العالم كله بدرحات متفاوتة، بس بحس إن إحنا في النقطة دي بالذات من العالم عايشين في مجاري الكوكب حرفياً! هتلاقي اللي يبصلك من فوق لتحت باستغراب ويقول عليك مجنون؛
لو أعراضك بقت خارجة عن سيطرتك، وبقت ظاهرة للناس، لو مكتئب هيتقال عليك كسول وسلبي وانهزامي وأحياناً يتقالك بشكل مباشر أو غير مباشر إنك تستاهل اللي أنت فيه عشان أنت بعيد عن ربنا، حتى لو كنت قبل المرض بتأدي فروضك على أكمل وجه، وميعرفوش إن العكس هو اللي بيحصل، وإنك بتبعد عن ربنا عشان إنك مكتئب مش العكس.
وواحد تاني ييجي يحسسك إن معاناتك تافهة ومصطنعة لما يقترح عليك بكل بساطة إن علاجك في أذكار الصباح والمساء والصلاة في أوقاتها، وياسلام لو حد عرف إنك بتابع مع دكتور نفسي أو اشتد عليك المرض واضطريت تزور مستشفى نفسي، هتلاقي الناس من غير تفكير بتبعد عنك وتعاملك بشكل مختلف، أو بحذر في أكتر وقت بتبقى أنت محتاج فيه دعم من اللي حواليك.
أنا أكتر حاجة مخوفاني من تدهور حالتي، هي وجودي وسط العفن ده كله، لدرجة إني بقيت أتأمل الموت والانتحار بشكل شبه يومي على أساس إنه المفر الوحيد، فالموت أهون من العيشة وسط ناس بيلوموك على معاناتك وبيحسسوك إن وجودك غلطة.
في الحقيقة الأول كنت برتاح وبطمأن مؤقتاً بعد زيارة الأطباء، والتأكد إن حالتي مش ميؤوس منها زي ما أنا متخيل، بس الإحساس ده بيتلاشى وبيتبخر في خلال أيام، ولحد دلوقتي مش لاقي تفسير مقنع للي أنا فيه، مش شايف إن اللي عندي ممكن يتحط في قالب الاكتئاب أو القلق وخلاص، حتى فكرة إنه يتقالي اللي عندك وساوس قهرية متمركزة حول المرض النفسي كانت ممكن تجيب نتيجة في الأول بس دلوقتي أنا حاسس ومتأكد 100% إن فيه حاجة غلط، وفرضية إن مريض الذهان مش مستبصر بحالته مش دايمًا صح وعندي أمثلة لناس كتير حكت قصتها مع المرض؛
وقالوا إنهم حتى قبل العلاج كانوا حاسين إن في حاجة غلط في المراحل الأولى للمرض، وسمعت من أكتر من حد إنه كان عندهم القدرة إنهم يمثلون كويس ويظهرون أمام الطبيب بحالة لا توحي إنهم مرضى عقليون، وناس كتير اتشخصت غلط في البداية على أنهم مرضى قلق أو اكتئاب أو وسواس قهري، لكن بعد فترة اتضح أنه فصام، فبرضه وارد جداً إن الطبيب يسيء التشخيص، ويأخذ خطوات علاجية غلط بناءً على افتراضات غلط خصوصًا مع الأخذ في الاعتبار طبيعة وسائل التشخيص النفسية الغير موضوعية أصلاً، فبالتالي أظن من حقي أقلق وأخاف وألاقي حد يتعامل مع المخاوف دي بجدية سواء بتحليل المخاوف دي وتفنيدها بشكل علمي، أو حتى إعادة النظر في التشخيص مرة أخرى، خصوصاً إني بتحمل نفقات علاج، وزيارة أطباء مش رخيصة أبداً، وبقطع مسافة لا تقل عن 150 كيلو ذهاب وعودة في وقت ممكن ماتكونش عندي الإمكانيات دي أصلاً، فمش محتاج بعد ده كله يتقالي كلمتين ملهمش معنى، ووصفة أدوية جديدة غالباً مش هيكون لها تأثير.
أنا الحقيقة مش عارف الهدف من الاستشارة دي إيه، ومش عارف إيه اللي ممكن يقال لي ثانية، بس أنا هنا بحس إن فيه صدق وإخلاص أكثر مليون مرة من الدكاترة في العيادات، يعني يكفيني جداً إن أي حد من المستشارين الأفاضل هنا بيخصص جزء من وقته وطاقته، إنه يقرأ ويرد على كل الرسائل اللي بتجيله من غير ما يكون في مصلحة متبادلة، فبحس إن رسالة الطبيب المخلص الحقيقة بتبان هنا في أبهى صورها.
آسف على الإطالة
وشكراً
15/06/2015
رد المستشار
شكرًا على استعمالك الموقع، وتمنياتي لك بالنجاح.
عنوان الرسالة هو: إن لم يكن فصامًا، فماذا يكون؟ الجواب هو عدم وجود أي دليل على إصابتك بالفصام، وهذا في غاية الوضوح في هذه الرسالة والتي قبلها.
وضح لك الموقع سابقًا بأنك تعاني من اضطراب وجداني، وهو الاكتئاب، ولكن هناك عوامل اجتماعية، ونفسية، وسلوكية تتعلق بك أنت دون غيرك، والتي دفعتك لسبب أو آخر إلى التمسك بسلوك مرضي Illness Behaviour يمنعك من الانتقال إلى مرحلة أخرى في الحياة. هذه الظروف قد تتعلق بالعلاج الطبي أو النفسي في حد ذاته، وكذلك القوى الاجتماعية التي تدفع المريض إلى هامش المجتمع، والتي تتطرق إليها في رسالتك عند الحديث عن وصمة التشخيص الطبي النفسي، يضاف إلى ذلك عدم وجود نظام صحي اجتماعي وطني يُعنى بالمصابين بالاضطرابات النفسية المختلفة، وفشل مؤسسات المجتمع في تلبية احتياجات الفرد الناقصة.
ولكن في نهاية الأمر هناك دور الفرد نفسه في الوصول إلى حافة الهاوية. رغم أن المجتمع قد يدفعه إلى الهاوية، ويصرخ في آذانه بين الحين والآخر، وترى الإنسان يبتعد عن هذا الصراخ؛ متوجهًا إلى حافة الهاوية، باحثًا عن الهدوء والسكينة، ولكنه في نهاية الأمر يسير في هذا الطريق بإرادته واختياره.
هناك اختيار آخر وهو عدم التوجه نحو الهاوية، وتحدي المجتمع، ورفض وصمة الاضطراب النفسي، والصراخ بوجه السفهاء بأن لا وجود لمناعة ضد الاضطرابات النفسية، حالها حال الاضطرابات الطبية الأخرى. اخترت التوجه نحو الهاوية، ويمكنك التوجه بعيدًا عنها، تتجه نحو المجتمع تبحث عن عمل، وتطور نفسك وتقيم علاقات مع الآخرين.
خير ما تفعله هو الاستمرار على عقار واحد مضاد للاكتئاب وعمل. هذا أفضل بكثير من البحث عن عقار مضاد للاكتئاب، وعقار آخر، وعلاج نفسي.
وفقك الله.
ويتبع >>>>>>: الورقة اللعينة م3