هواجس حول الحب والنقاب
أفراد موقع مجانين، السلام عليكم؛ بصراحة اعتبركم الآن أفرادا من أسرتي الحقيقة؛ وذلك لكثرة قراءتي للمشكلات على صفحة "استشارات مجانين" وحلولكم الفعالة الجيدة. لقد سبق أن بعثت لكم بمشكلتي تحت عنوان "من لا يحِبُّ ولا يُحَبُّ.. ليس منا"، وأجاب على المشكلة الدكتور "وائل أبو هندي" الذي أعتز به كثيرا، وأشعر أنه في مكانة والدي.
وما أكتبه اليوم قد يكون استكمالا لمشكلتي التي أشرت إليها توا، كنت أقول: إني أحب بشكل غير عادي، أحب أي أحد ينظر إلي أو يعرني أي اهتمام مهما كان عاديا. كنت أحب ابن خال لي، لكنه الآن شبه مرتبط بزميلة له في الجامعة.
في البداية كان يصارحني بأنها مثلي تماما في معظم التصرفات، وشعرت أنها ستكون قريبة مني جدا. مرت علي فترة كرهتها فيها وشعرت أني أحبه هو، وما دمت أشبهها هكذا فلماذا لم يقع في حبي أنا القريبة منه؟!.
لكن هذه الفترة مرت بسلام، والصراعات كلها كانت صراعات داخلية، لم يشعر بها سواي، ولله الحمد اكتشفت أيضا أن حبي السابق له -والذي أفضل الآن أني أسميه إعجابي الأول- كان بسبب الأهل، فأمي مثلا تحبه، وكانت تتمناه عريسا لي، وكذلك والدته، ولعل هذا الضغط الخفي هو ما جعلني أميل إليه بشكل مفاجئ وبدون أن أشعر.
ومشكلتي الآن التي تعذبني هو إعجابي بزميل لي في الجامعة، هذا الزميل كان معي في بعض "التدريبات العملية"، وفي البداية لم أكن ألحظه إطلاقا، ولكني لاحظت -وكل هذا في النصف الأول من السنة الدراسية- أنه أحيانا ينظر إلي، ومن هنا بدأت قصتي، وفي البداية لم أشعر نحوه بأي مشاعر على الإطلاق، كأنه شخص غير موجود، لكني الآن أشعر بالإعجاب نحوه، وحين أراه الآن لا أعتقد أني أعجبه؛ لأنه لا ينظر إلي تقريبا، ويعاملني كأي زميلة، علما بأني لا أتحدث معه إطلاقا، لا هو و لا أي زميل آخر، لكنى أهتم به، وفي كل يوم أذهب لأرى هل جاء إلى المحاضرة أم لا؟ وأين يجلس؟ ومع من يتحدث؟ وإذا جاء بعدي ألاحظه وهو قادم، وهكذا.
أنا فتاة واقعية ولا أريد أن أعيش فترة حب من طرف واحد، أنا لا أحب هذا الوضع، ولا أقره لنفسي؛ لأنه مضيعة لمشاعري بدون داع. أريد أن أعرف كيف أتخلص من هذا الاهتمام، كيف أحافظ على قلبي حتى يأتي الوقت المناسب لأمنحه لمن أريد؟
حاولت في البداية إقناع نفسي أن هذا مجرد إعجاب، وأني لا أحبه ولا أهتم به، غير أن بعض الأمور تحدث لي فتثبت اهتمامي به، كأن يخفق قلبي بشدة إذا تصادف وجوده أمامي مباشرة، أو إذا التقينا مصادفة في أي مكان بالكلية.
أعرف يقينا أنه لا يشعر بي، وبصراحة ليست مشكلتي في جذب انتباهه، فأنا لا أريد هذا، ولا أريد أن يحبني، ولا أي شيء؛ لأني لا أعرف عنه شيئا، لكنى أريد أن أعرف كيف أتخلص من كل هذا الاهتمام به، وأعود لأراه كما أصبحت أرى الآن ابن خالي؛ أريد أن أراه مجرد زميل عادي، لا ألاحظ دخوله أو خروجه ولا يهمني وجوده؟
وكيف أحفظ قلبي من الانبهار والإعجاب كلما رأيت أحد الشباب، خاصة أني اجتماعية جدا ولا أعاني من أي فراغ. وعندما أشارك في إحدى الجمعيات قد أشعر بالانجذاب نحو أحد الزملاء أيضا.
الجزء الثاني من مشكلتي متمثل في "النقاب"، وحدث أن خرجت به مرة مع صديقاتي بدون علم أمي طبعا، وقلت لأجرب وأرى كيف تسير الأمور به، وبدلا من أن أشعر بالحرية الشديدة، شعرت بقيد غريب وأني لا أستطيع أن أتحدث مع الناس. لم يخنق النقاب أنفاسي، ولم يزعجني وجوده المادي، ولكن أزعجني نفسيا.
وفي نفس الوقت أصبحت أقول لنفسي: أنا مثلا أحب زيارة الملجأ، والمشاركة في الجمعيات الخيرية، والناس يتخوفون من المنتقبات.. فهل إذا انتقبت سيتيح النقاب لي حرية الحركة والمشاركة أم سيقيد كل هذا؟
وعلي هامش إعجابي بزميلي سألت نفسي قائلة: كيف سيعجب بي شاب إذا كنت منتقبة هكذا؟ شعرت بأن إخلاصي لله يزول، وأني منافقة، وحزنت بشدة على نفسي، وابتعدت كثيرا عن الله، وزالت الحلاوة من قلبي منذ هذا اليوم.
أحتاج أن أعرف منكم هل النقاب يقيد حرية الحركة والمشاركة الفعالة في المجتمع؟
وجزاكم الله خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
12/4/2006
رد المستشار
الابنة العزيزة، أهلا وسهلا بك. أشكرُ لك متابعتك وإطراءك، بارك الله فيك. من الواضح يا ابنتي أنك فتاة عقلانية أكثر من اللازم، ستقولين وصفت نفسي يا دكتور بأنني واقعية، فأقول لك: قد تكونين أقرب إلى الواقع من الفتاة العاطفية، وهي النموذج الأكثر شيوعا، لكنك لست واقعية تماما كما تحسبين؛ لأن الواقع يا ابنتي -أي واقع- يعيشه الإنسان لا يفسر كله بالعقل الصرف.
والانطباع الذي وصلني عنك أنك فتاة ملتزمة، ومُتَحَفِّظةٌ أكثر من اللازم، وهي جدا تسرفُ في "عقلنة" الأمور، وربما أخمن أن لحظات انفلات المشاعر النادرة منك هي التي تصفينها بقولك: "كأن يخفق قلبي بشدة إذا تصادف وجوده أمامي مباشرة"، وعلي هذا النحو توقفين عقلك بالمرصاد لمشاعرك.
وهو ما انعكس أيضًا في سؤالك: "وكيف أحفظ قلبي من الانبهار والإعجاب كلما رأيت أحد الشباب؟" فأنت تحاسبين القلب على خفقانه إذا عبر عن خجلٍ، أو قلقٍ ما لم يتحقق ما ترينه مطابقا لشروط العقل التي تقبلين بها، وفي هذه الحالة يجب على الأقل عندما تفكرين في أي شاب أن تسألي نفسك: هل هذا الشاب يصلح زوجا؟ وتتركين بعض السماح لمشاعرك بعد الإجابة عن هذا السؤال في التحرك إذا وجدت في الأمر جدية، لكن المصادرة على مشاعرك لمجرد المصادرة فهو الخطأ.
هذا إن كنتُ فهمت ما يعنيه قولك: "أريد أن أعرف كيف أتخلص من هذا الاهتمام؟ كيف أحافظ على قلبي حتى يأتي الوقت المناسب لأمنحه لمن أريد؟".
يا ابنتي، الأصل عندي أننا لا نختار من نحب، وإنما نختار كيف نتصرفُ معه، كذلك لا نختار من نتزوج، لكننا نختار كيف نتعامل معه؟.
أقول لك بصراحة: "وسعيها يا بنيتي على مشاعرك بعض الشيء"، فوالله إنك لمثلُ رائع لمن تسرف في تحميل نفسها ما لا تطيق، وهذه واحدة من سمات الموسوسين عافاك الله.
ابنتي، لو رجعت إلى ردي السابق عليك ستجدين أن السلوك الظاهر أي الذي يؤثر في الآخرين بعلمك أو برغبتك هو مناط التكليف، وكل ما ذكرته في إفادتك عن موضوع الانشغال والانبهار بالشباب يمكنني اعتباره جزءًا من حديث النفس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُفي عن أمتي ما حدّثت به نفوسها، ما لم تتكلم به أو تعمل به" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول للحفظة: إذا همَّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها، فإن عملها فاكتبوها" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأحسبُ في زماننا هذا على الأقل أن الإنسان العادي المتدين دائما ما يجاهدُ نفسه. المهم أتمنى أن تشغلي نفسك بغير الإسراف في "العقلنة" التي تبدو وكأنها عندك بديل لجهاد النفس، وهو الجهاد المحمود، لكنك تستبقين وتمنعين نفسك من الدخول أصلا في الجهاد ما استطعت، وهذا انطباعي عنك لا أكثر.
وأما قضية النقاب، فإنني ربما أستغربُ سؤالك؛ أنت تقولين إن الناس يتخوفون من المنتقبات، وتسألين: هل هو يحد من القدرة على النشاط الاجتماعي؟ وهو سؤالٌ أراه جديرا بالبحث فعلا من الناحية العلمية النفسية والاجتماعية، وأول خطوات البحث هي أن نحدد المفاهيم والأدوات، وبالتالي جملة الأسئلة التالية منطقية التي منها: ما النقاب؟ وأي أشكاله تقصدين؟ وعلى وجه من؟ ومع من؟ حيث إن النقاب الذي رأيته في بدو السعودية من ربع قرن مضى غير النقاب الذي أراه الآن، والنقاب في اليمن غيره في المغرب... أليس كذلك؟ وربما لا يختلف شكله فقط من مجتمع لمجتمع، فقد يختلف تقبله الاجتماعي أيضًا من أسرة لغيرها.
وأنا يا ابنتي لا أفهم النقاب إلا كما تعلمته، وهو تغطية الوجه إذا خُشِيت الفتنة؛ أي هو "تغطية الوجه"، وحين سألت فقهاء أو معلمي الفقه الحنبلي في مرحلة الدراسة المتوسطة في السعودية في سبعينيات القرن الماضي -وهو أبي يرحمه الله- قال لي: "يعني باهرات جمال الوجه أو الكفين"، وحين سألت لماذا كل النساء هنا -أي في السعودية- تغطين الوجوه؟ كان الرد بأنها عادةٌ وعرفٌ مستحب لا أكثر.
ولذا أقول: إن أي أنواع أخرى من "النقاب" لا أستسيغها؛ لأنه كثيرا ما يعوق التعامل الإنساني، وأنا بالطبع لست فقيها، ولا أرقى لدرجة من درس علوم الفقه الإسلامي دراسة المتخصصين.
بصراحة أتمنى أن تكونَ كل المنتقبات مطابقات لشروط النقاب، فهل حضرتك مطابقة؟ وأنا -والحمد لله- لا أنسى أنك قلت في أول رسالة منك لنا: "مع أنني فتاة عادية"، وأذكر أيضًا من رسالتك السابقة أن ما أغواك بفكرة النقاب هو ما كنت تكرهين في نفسك من الخجل، فأرجو أن تتأكدي من سبب رغبتك في النقاب؛ لأن المسألة اليوم ليست كما كانت أيام أمتنا من قبل، وما أرى من تضطرُ للنقاب إلا مبتلاة بحسن وجهها! فهي تخاف الشعور بذنب الإغواء فتتقيه بتغطية وجهها.
وفي نهاية الرد توسوسين بصورة تكاد تبدو رسمية حين تقولين: "وعلي هامش إعجابي بزميلي سألت نفسي قائلة: كيف سيعجب بي شاب إذا كنت منتقبة هكذا؟ شعرت بأن إخلاصي لله يزول وأني منافقة، وحزنت بشدة على نفسي، وابتعدت كثيرا عن الله وزالت الحلاوة من قلبي من يومنا هذا"، لماذا كل هذا؟ أخشى عليك من الاجترار الوسواسي .
فالطبيعي أن تجيء الفكرة الأولى: "كيف سيعجبُ بي أحد دون أن يرى وجهي"، ولكن ليس طبيعيا أن تنساقي حضرتك وراءها إلى هذا الحد! وإنما المفروض أن نرد بفكرة مثل: من قال إن إعجابَ ذكرٍ بأنثى يعتمد على رؤية الوجه تحديدا؟ صحيح أن الوجه فاعلٌ مهم -في فهمنا- لكنه في فهمنا أيضًا ليس عاملاً ضروريا أو جوهريا، وهكذا تنتهي الفكرة الأولى، أما أن تصلي إلى فقد حلاوة الإيمان متهمة نفسك بالرياء، فهذا كثير عليك يا ابنتي!!.
وباختصارٍ أقول لك: في أي موقف وكل موقف لا تحددين أنت من سيعجبُ بك، ومن يحدث إعجابه، إنما عليك أمر نفسك، وكيف تتصرفين حين تعجبين أنت بأحد، أو حين يعربُ أحدهم لك عن إعجابه إن شاء الله بصورة رسمية شرعية، بارك الله فيك ورزقك وهداك، وطمئنينا على عقلك الصغير!.
* ويضيف د. أحمد عبد الله: أحب أن أضيف إلى كلام الدكتور وائل أبو هندي كلاما.
أن علاقة كل فتاة بالنقاب أو حتى الحجاب تختلف من حالة لأخرى، وهو مجال لم نقرأ فيه الكثير، وهو ثري جدا ويستحق المعرفة والدراسة، على خلفية أن "الزي" أحيانا يدخل في صلب الهوية الشخصية، وفي تاريخ النمو النفسي والتواصل الاجتماعي للإنسان.
ومسألة الحجاب من الناحية النفسية لم تحظ بدراسات لائقة تتجاوز المديح التقليدي، أو حتى اللوم والاعتراضات التقليدية، وأرى أن كلاهما ساذج، ولا ينفذ لأعماق الموضوع، فهل سنسمع من بعضكن في المستقبل وصفا أو تحليلا في هذا الصدد؟
الأمر الآخر الذي لفت نظري في رسالتك هو هذا الهاجس المتضخم جدا لديك حول مسألة الحب والإعجاب، وكأننا نتمحور في حياتنا حول نشاط العاطفة والجسد فقط، وهذا هو الشائع في حياتنا في اللحظة الراهنة نتيجة الأغاني والسلع والبيئة التي تحيط بنا التي لا حديث لها إلا عن الحب، الذي أعترف أنه أحيانا يكون النشاط الإنساني الأهم، لكنه ليس غاية الوجود، كما أنه ليس الحب بين الجنسين فقط!.
في أمة مثل أمتنا لدينا قائمة تحديات تحتاج إلى جهود ومشاعر، وأفكار وخطط، وشبكات وحركات، ونحتاج إلى بناء هذا كله، فمتى سنبني ونحن غارقون في أحاديث الغرام ما بين واصل ومشتاق؟! ما كل هذا الفيض من الكلام عن الحب في مجتمعات محرومة من أبسط مقومات الإنسانية، ومحروم فيها أغلب البشر من أي نوع من أنواع الحب؟!! هل هي حالة من الهروب الجماعي أم التحذير الواعي؟!
طاقتنا الشعورية والفكرية -إن وجدت- تكاد تكون مبددة في شأن من طبيعته أنه لا يحتاج إلى هذا كله، فهو يحدث قدرا، ولكن إدارته تحتاج إلى حكمة، ووسط بقية جوانب الإنسان روحا وعقلا وجسدا ووجدانا.
يا عزيزي الدكتور "وائل"، ليست ابنتي هذه هي الموسوسة، بل أمتنا كلها فيما يبدو مصابة بوسواس الحب، وهي لا تكاد تدرك أو تجد من معاينة الحقيقة شيئا، فمن يطوي هذه الصفحة وينشر غيرها؟!.
وأجد هذا السؤال يفرض نفسه عليَّ في النهاية: هل تضخم هاجس الحب والغرام والجنس ليصبح الشغل الشاغل لأغلبنا رجالا ونساء، وبخاصة في مرحلة الشباب، هل له علاقة بتضخم فكرة أو مكانة الحجاب كواجب ديني ليصبح هو الأهم وسط بقية واجبات الدين التي تبدو غائبة؟! وهل الحياة هي الحب؟! وهل الالتزام الديني هو الحجاب؟! هكذا باختصار وتلخيص يبدو المشهد الحالي كما أراه، فماذا ترون؟!
ويتبع >>>>: اعترافات فتاة حول هواجس الحب والنقاب مشاركة