حياتي تضمحل مع المصارع القذر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: لا أعلم، لم أكتب إليكم من قبل فليس عندي أمل وليس لي رغبة في الحياة أصلا، أو لا أ دري من أين أبدأ؟ وأين أنتهي؟ فلست في حال يتيح لي الكلام. ولا الذاكرة والتركيز يسعفانني. ولكنني سأحاول قدر ما أستطيع.
أبدأ بكلمات كتبتها "ولست بشاعر أصلا" منذ حوالي ثلاثة أشهر إلى شهرين؛ علها توصل بعض ما أعانيه وتكشف النقاب عما لا يتكشف لاحقًا في كلامي.
عانقت نفسي رأفة
في نومها لوهلة
بالطبع كانت خلسة
فحياؤها من لميس غير في نفسها مبجل
ونفسها تغار مني على الحبيبة غيرة
قد قال عنها شاعر
أن اللآلئ لو تباع
وتشترى بعزة
ويجمع المحصول منها في الخزائن يخزن
فيأتي التجار جمعا
كل غال يجمعوا
لآلئا وعزة
وذهبًا ليدفعوا
واجتمعوا وجمّعوا
واتّفقوا ووقّعوا
لأعجبوا كل العجب
وأهملوا جل الذهب
واللؤلؤ المحار منهم قد هرب
حتى ما كان قد بقى من عقل أعقلهم ذهب
......
عانقت في نفسي جراحًا كل حين تؤلم
حبًا وكرهًا
خرائطَ لا تفهم
ظهرًا عظامه قد انحنت
وأعلاه متورّم
جبل ترابيّ
عين ماء جافة
وظل غيم لا يمطر
عانقت نفسي
عانقت فيها كونًا وكوكبًا لا يُعلم
يعيش فيه رجل وفكره مشرذم
شعره مغبّر في مشيه متعثِر
سألته عمّنْ هو؟
عن أي شيء يعلم؟
فلم أجد من الغريب أي قول يفهم
وخير ما لقيته شعرًا لا ينظم
إذا نطق فتلعثُم
وإن أشار انّما
قد راسل الرُوح بسهم يُسقم
.....
أرسل الغريب لي
ناظريه سافرا
في فراغ كون نفسي
كل منهما انبرا
يغشاني بغمة
عشية وباكرا
والأنفاس تسكن عند كل ذكرى
فالقلب مشلولُ من هول ما يرى
والدموع هرولت وجلة تترا
من مقلتي نبعت الدموع أنهرا
تجري إلى القلب تغذوه مرّا
فينبض علقما
في كل نفسي قد جرا
.....
متألمًا مترددًا أيقظتها
فلربما عذب الحديث يداوي بعض جراحها
أو أن بعض العتب يثبت دمعها
خاطبتها
صديقتي..
ما بالك انهزمتِ
نحيلة غدوتِ
بعيدة عن الحياةِ
قريبة للموتِ
وجهك الجميل أصلا بالسواد متشح
لم تفارقي الدنا فماذا يفعل الكفن؟!
من أدماك بالجراح؟
أهو الغريب؟
قسمًا بربي إن يكن.
لأزيدن خبالته سقمًا
...
انتفضت ونطقت
علام تسأل أيها المغفل؟
أولست تدري وبالعتاب تعجل!
أم أن مالا أعلمه أنساك أمري؟
ألم تكن معي منذ يوم مولدي؟!
ألم ترَ مالم أبح به إلا في المسجد!
خاطبتني كأنني رفضت سعدي وسؤددي!
وتركت من أجل الكآبة نشوتي
أنسيت دهس كرامتي؟
نسيت ما فقدته رغم طول لهفتي؟
عن الغريب تسأل.
هو ذا أنت أيها المغفّل.
فهذا شعرك..... وذاك شعرك
وكل شيء قد نطق.. فيه ذكرك
فارحل عني بكل أمرك
ففي منامي ها أنت ذا.
ويقظتي تكون عندك!!
إذا أردت راحتي فارجع لربك.
بدأت رحلتي مع أمراض النفس والعقل منذ خمس سنوات عندما عرفت لأول مرة أنه يجدر بي الذهاب للطبيب النفسي إذ أن الأمر قد بلغ مبلغًا عظيمًا لا يحتمل، ولكنني أظن نفسي مريضًا منذ الصغر فقد كنت طفلا وشابًا غارقًا في الغم معظم الوقت مركزًا مشاعري على الشعور بأنني مظلوم ومغلول عن كل شيء أحبه وكانت أسرتي صاحبة مشاكل وابتلاءات كثيرة.
كنت أستيقظ وأنا طفل على نوبات صراخ والتي كانت غالبًا ما تأتيني بعد أحلام مزعجة جدًا وأحيانًا بدون أحلام وغالبًا لم أكن أعلم ما الذي يدفعني للصراخ ويرعبني؟ وما الذي يبكيني بلوعة بالغة؟
كنت أشعر بالجفاء من أمي وبالقسوة من أبي لدرجة جعلتني وأنا في دراستي الابتدائية وبعدها كنت أفكر كثيرًا بأنني لست ابنهما وبأنني لقيط أو أنني تبدلت مع طفل آخر بعد ولادتي وكنت شديد الحساسية وأحس بتفرقة والدي في معاملتهما بيني وبين إخوتي.
تعلقت بطفلة مثلي وأنا في سن الزهور وظللت متعلقًا بها حتى كنت في الثانوية العامة عن بعد ولم أجرؤ على محادثتها حتى ثم فقدتها إذ أقامت علاقة مع شاب آخر. كان ذلك وأنا بعمر ال 16 سنة.
لم يكن لي كلية مستهدفة في الثانوية العامة فقط كنت أريد التفوق وكان الجميع ينعتونني بشدة الذكاء منذ مهدي. وكان ثاني إحباطاتي الكبرى حيث كان مجموعي كافيًا لدخول كلية من الدرجة الثانية.
زادت خلافاتي مع والدي بعد إجباره إياي على كلية بعينها مرهقة بدون مستقبل واضح بعد أن كان أجبرني على اختيار مجال بعينه في الثانوية العامة وكان ذلك فارقًا في مستقبلي.
قضيت سنوات الجامعة رافضًا لأية علاقة بأي أنثى وعشت على ذكرى فقد حبيبة صغري ومهدي.
تخرجت وعثرت سريعًا على عمل بإحدى الشركات ولكنني منذ أول يوم كرهت طبيعة العمل ولكنني استمررت فيه مكرهًا لمدة سنة وانتقلت إلى إحدى أكبر الشركات في نفس المجال وأسقط في يدي إذ وجدت نفس إحساسي وكراهيتي لهذا العمل رغم أن العائد المادي ارتفع لستة أضعاف. فتركت العمل وانتظرت بدون عمل لمدة سنة ونصف وأنا أبحث عن مجال آخر وكان العمل في شركة بترول هو أملي.
التحقت بوظيفة صعبة في أحد المصانع وارتقيت سلم الترقية بعد شهرين ولكن أيضًا كرهت وظيفتي بشدة واصطدمت مع الإدارة بسبب أمور أراها مخالفة لديني وكأنني استغللت ذلك فقط لترك الوظيفة التي لم أحبها.
التحقت بوظيفة أحط مايا ومعنويا لكنني كنت في غاية الإحباط وأشعر بأنني أعيش بصندوق أسود لا أمل فيه. ذلك بعد أن كاد أملي في وظيفة أحلامي أن يتحقق أكثر من مرة ولكن باء ذلك بالفشل مما أصابني بالإحباط واليأس حتى إنني رضيت بوظيفة في أحد المعامل بأجر 450 جنيها وقررت ألا أعلق نفسي بأي أمل آخر وأن أستقر بها.
دام عملي في هذا المكان 25 يومًا فقط تبدلت فيها حالي إذ تعلقت بشكل لا يوصف بزميلتي "المخطوبة" وأصبح لي أمل في الحياة وكنت أشعر عندما أراها ونتحدث بأنني بعثت من جديد ولم أكن أنام الليل مفكرًا فيها ومتذكرًا أطراف حديثنا بكل حرف تفوهت به.
وأخذ مني القلق وانتظار خبر فسخ خطبتها كل ماعندي من صحة وتركيز حتى طردني صاحب العمل بعد 25 يومًا فقط ولا أعلم، ألأنه علم بحبي لها أم لقلة إنتاجي وعدم تركيزي وانتباهي أم لقوة شخصيتي معه؟
عشت بعدها 4 شهور متواصلة لم أنم فيها إلا كل 3 أيام ساعتين من شدة قلقي ووساوسي وانتظاري لسماع خبر فك خطبتها. إلى أن ساءت حالتي جدًا حيث كانت دماغي لا تتوقف عن التفكير.
زرت الطبيب الذي شخصني بوسواس قهري. وبدأت العلاج وهي تزوجت. ثم التحقت بوظيفة أحلامي والتي لم أفرح بها كما كنت أظن نفسي فقد كان موقد الحياة بالنسبة إلي قد انطفأ بزواجها.
ألحقتني الشركة بفرعها في إحدى الدول وكنت قد تحسنت قليلا ولكنني تعرضت هناك لضغوط رهيبة مما جعل حالتي تسوء أكثر ورجعت إلى مصر بعد 87 يومًا قضيتها في صحراء سوريا. وعدت إلى العلاج "فافرين + نوديبرين" ..... تركتني إدارة شركتي في بيتي لمدة 9 أشهر كانت تتحسن فيها حالتي وتسوء بين القلق والاكتئاب.
ألحقتني الشركة بفرعها في إحدى الدول العربية الأخرى. حيث بدأت رحلة عذاب من نوع آخر فعملي يجلب القلق لمن هو سليم ولكنني قضيت 3 أشهر في الصحراء أعلت جدًا من أسهمي في الشركة وذاع صيتي. عدت في إجازة إلى مصر ومن ثم رجعت لعملي في الصحراء وكانت الصاعقة حيث لم أحتمل أكثر من 10 أيام في الصحراء رأيت فيها أعراض الاكتئاب والوساوس والقلق بشكل ليس له مثيل.
كنت أبكي مثل الأطفال وقل نومي جدًا رغم تلقي العلاج بانتظام. كل ما كان يسيطر علي أنه علي ترك هذا العمل أيضًا ودخلت مع نفسي في صراع رهيب فأطلب من الإدارة أن أعود إلى مصر وعندما أرجع أحس بالندم وأطلب من الشركة سفري ثانية وعندما أصل إلى الموقع أكتئب بشدة لدرجة أني لا أطيق يومًا واحدًا أو ثلاثة أيام على الأكثر وشخص الأطباء حالتي بكثير من الأمراض فتارة اكتئاب حاد ومزمن وتارة قلق متعمم وتارة وسواس قهري وتارة اختلال أنيه وضلالات.
حتى صارحتهم بمرضي وافتضح أمري وكنت خلال كل هذه المدة مواظبًا مع الطبيب وذهبت إلى طبيب آخر ولم أجد حلا فعزمت على ترك عملي واستشرت طبيبي القديم ووافقني ولكن قبل أن أبلغ شركتي فتح الله لي بابًا حيث أبلغوني هم بأنهم قد أعطوني وظيفة أخرى "تعتبر ترقية" في الصحراء أيضًا ولكن لما جربتها وجدتها أقل قلقًا وكآبة وكنت في هذه الفترة أعالج بـسيبراليكس وبوسبار وزاناكس وغيرها. قضيت فيها فترة متعايشًا مع الاكتئاب وذاع اسمي وصارت سمعتي عالية جدًا ما جعله الله سببًا في انتقالي لأكبر شركة في العالم في هذا المجال وصرت أجني مالا وفيرًا وأحظى باحترام شديد.
كل هذا وحالتي مذبذبة بين التعايش مع الاكتئاب والقلق وزيادتهما فيعدل الطبيب في العلاج وهكذا. كل هذا وأنا أشعر بعدم الاستقرار وبأنني لن أعيش طويلا أو أن أموري لن تسير على مايرام وزهدت في النساء والزواج ولكن ذكرى الفتاة التي تعلقت بها لم تفارقني وكأنني بانتظار تغير حالها لأظفر بها.
إلى أن انتصف العالم 2014 حيث بدأت الأدوية تصبح بلا مفعول ما دفع طبيبي إلى تغييره أكثر من مرة ولكن بدون جدوى فأخذت دفعة من أدوية مضادة للذهان والفصام وغير ذلك وأيضًا بدون جدوى. فالاكتئاب يشتد ولا يضعف حتى صرت أجد في نفسي أعراض ومعاناة الاكتئاب كما توصف في الكتب والمقالات بدقة متناهية من عزلة وأفكار انتحارية وتمني الموت وانطواء وكراهة العمل والسفر مع أن سفري لا يزيد عن شهر ومقابلها إجازة لمدة شهر أيضًا.
وصار قلبي على أهلي قاسيًا وتآكلت قدراتي الذهنية وساء أدائي في كل أمور الدنيا والدين وقل تركيزي وأظلمت الدنيا وصرت لا أجد متعة في شيء بل لا أجد راحة أصلا في شيء أريد أن أغادر الدنيا على عجل وكل ما طرأت ببالي فكرة أنني سأعيش أكثر من أسابيع يزيد اكتئابي.
أشار علي الطبيب ببضع جلسات كهربائية فتحسنت كثيرًا بعد الأولى ولكن بعد الثانية ارتفع معدل القلق واضطربت شخصيتي وتدهورت ذاكرتي بشكل مرعب فلم أكمل. وبدأت باستعمال السيروكسات ومعه أدوية لا أذكرها فلم يجد نفعًا لمدة ثلاثة أشهر فعدت بإشراف طبيبي إلى سيبراليكس وزاناكس وتريتيكو منذ أكثر من شهر ونصف. ولكن تستمر المعاناة فالاكتئاب يأكل حياتي ومخيلتي وخصوصًا أثناء سفري الذي لا يطول. أخرج بالكاد إلى عملي أقوم بالحد الأدنى منه.
أشعر بأنني لست بحي ولا ميت بل أنا معلق والشوك مزروع بداخل كل أعضائي ويتحرك دوما ليعذبني.
رغم الدخل المرتفع جدًا فالاكتئاب يدفعني دفعًا لتركه. عندما أقرأ وأستعين بطبيبي النفسي أعلم أن ما أعاني منه الآن هو اكتئاب حاد لا يخلو من بعض الضلالات والقلق.
أفكر في دخول مستشفى أو معاودة الجلسات الكهربائية فأشيروا علي.
لا أطيق معايشة الاكتئاب فهو أشبه بشخص ذي شكل كريه ورائحة عفنة يصارعني منذ سنوات فيصرعني غالبًا ولكن أقدر على مقاومته أحيانًا ولكن في الحالتين لا أطيق جواره ورائحته العفنة أريد أن أفتك به نهائيًا، فما السبيل؟
أخبروني بالله عليكم.
هل إلى خروج من سبيل؟
8/9/2015
رد المستشار
أخي الحبيب ذا الأسلوب الأدبي الرقيق والمشاعر الرقيقة الصافية التي تعكسها أشعارك المتقدمة.
رسالتك طويلة لكنها أيضًا تخلو من تفاصيل مهمة، فهي تتحدث فقط عن معاناتك مع المرض والعمل ولا تتحدث عن أي شيء آخر، تحدثت مقتضبًا عن طفولتك ومعاناتك مع الأسرة وكأن دورهما انتهي بإجبارك على كلية معينة، تحدثت عن علاقتين عاطفيتين من طرفك فقط، تحدثت عن العمل لا عن علاقات العمل، لم تتحدث عن شخص واحد وهو أنت.
عزيزي:
عندما يقابلنا عدم تحسن للمريض نبحث عن أشياء أربعة قد يكون في أحدهم العيب وأول الأشياء هو التشخيص فالأعراض التي ركزت عليها تدور في فلك القلق والاكتئاب، لكن ينبع من بينهما أعراض أخرى تحتاج من طبيبك إلى مراجعة وتمحيص فهل لديك أعراض هوس خفيف أو نوبات مختلطة؟ هل تعاني من خلل في الشخصية وخاصة الشخصية الحدية؟ الإجابات تحتاج إلى مناظرة دقيقة مع طبيبك.
ثاني ما نبحث عنه هو العلاج من حيث جرعاته ونوعيته وأعتقد أن خطتك العلاجية قائمة فقط على العلاج الدوائي وهو وحده لا يكفي فأنت تحتاج إلى جلسات تنظيمية لحياتك وهذا لا يفيد فيه الدواء بل جلسات منتظمة من العلاج النفسي بمدارسه المختلفة.
كما أعتقد أنك تحتاج إلى مثبت مزاج يمنع حياتك من التأرجح بين الجنة والنار والسكون والغضب والاندفاع الذي يغلب على كلماتك وخاصة في مجال العمل.
عزيزي:
رؤيتي الشخصية أن لديك اضطرابًا في الشخصية الحدية (يمكنك الاطلاع على أعراضها) وستجد توفر عدد لا بأس به عندك، مع نوبات من القلق والاكتئاب والوسواس وربما الذهان. وأرى أنك ستستفيد من التنويم بالمستشفى إذا سمحت ظروفك بهذا وخاصة إذا توافر لديك الوقت لعمل جلسات يومية من التدريبات النفسية والعقلية والتركيز على ما تجيد من مهارات وخاصة الشعر والأدب.
وفي حالة عدم رغبتك في التنويم يمكنك تعديل خطتك العلاجية مع طبيبك ومراجعة التشخيص ثانية وإضافة ما يلزم من أدوية مع جلسات العلاج النفساني.
وفقك الله، تابعنا.
واقرأ على مجانين:
الشخصية الحدية نتيجة عادية!
اضطراب الشخصية الحدية.... بين النظرية والممارسة
الشخصية الحدية... تحديات التشخيص السريري
حالتي الصحية والنفسية اضطراب الشخصية الحدية
من أنا ..؟ لا أعرفني ... الشخصية الحدية
ويتبع>>>>> : المصارع القذر هل هي الشخصية الحدية؟! م