السحاق عندنا كبتٌ أو رهاب : م2
استفسار عن رسالة سابقة
إلى الأخ الدكتور وائل أبو هندي. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد؛ بعد طول انتظار لم أتلق معه ردا على رسالتي السابقة، أعاود الاتصال بكم من جديد للاستفسار عن سبب هذا التأخر.
أعرف أن مشاغلكم كثيرة -كان الله في عونكم- لكن أريد أن أذكر أنني لا زلت أنتظر ردكم وأن اهتمامي بالموضوع لا زال قائما. وتفضلوا بقبول خالص احتراماتي ودعواتي بالتوفيق. والسلام عليكم. وإليكم نص رسالتي أعيد بعثه إليكم من جديد: بسم الله الرحمن الرحيم.
إلى الأخ الدكتور وائل أبو هندي. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد؛ والله لا أدري كيف أعبّر عن احترامي وتقديري لك ولكل الإخوة والأخوات المشرفين على موقع إسلام أون لاين والذي هو موقعي الأول بدون منازع؛ على الأعمال الجليلة والنصائح والاستشارات الغالية التي تقدمونها خصوصا لشباب هذه الأمة، نسأل الله عز وجل أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكم ويعظم لكم الأجر والثواب. ولأعرفك على نفسي، فاسمي: مصطفى عشعاش، من المغرب، 29 سنة، إجازة (بكالوريوس) اقتصاد، إطار إداري برئاسة جامعة: مولاي إسماعيل بمدينة مكناس.
في الحقيقة، تعرفت عليكم من خلال موقع إسلام أون لاين قبل أن تزداد معرفتي واحترامي لكم من خلال موقع: مجانين. المهم، خلال ردكم على استشارة لإحدى الأخوات من ألمانيا تحت عنوان: "السحاق عندنا كبتٌ أو رهاب"، تحدثت عن دور مجتمعاتنا المغلقة في حدوث هذا النوع من الانحرافات السلوكية وعزوت ذلك إلى طبيعة التربية في (واللفظ لك) "مجتمع مغلق يفصل فصلا غير صحيح ما بين الجنسين".
والحقيقة أن هذه المقولة استرعت انتباهي، وأود لو تتفضل بتوضيح هذه المسألة. وما هي مقاربتك أو ما هو تصورك كمختص لمسألة الفصل أو الجمع بين الجنسين، وهل هناك مراحل من العمر يجب أن يكون فيها فصل وأخرى يجب أن يكون فيها دمج أو جمع. أفيدونا جزاكم الله خيرا، فمنذ مدة وهذه المسألة تشغل بالي، وأحاول أن أجد لها تصورا لا يخرج بنا عن نطاق شريعتنا الإسلامية.
وإن أمكنك أن تزودني بعناوين إلكترونية (بالعربية أو بالفرنسية) أستطيع أن أجد فيها معلومات مستفيضة عن هذا الموضوع، فجزاك الله خيرا. مرة أخرى أجدد لك شكري وامتناني.
وأعتذر إن كنت قد أطلت. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
إشارة فقط: إذا بعثت الرد على بريدي الإلكتروني، فالمرجو أن يكون بالفرنسية وإلا فبالإنجليزية، وسأجتهد لترجمته، لأن بريدي لا يقرأ العربية.
وشكرا جزيلا.
24/5/2004
رد المستشار
الأخ العزيز؛ أهلا وسهلا بك على موقعنا مجانين; وشكرا جزيلا على ثقتك وعلى إطرائك الطيب، الحقيقة أن العلاقة بين الأولاد والبنات في مجتمعنا العربي والإسلامي ما تزال مشكلةً جديرةً بالتمعن، فقد انتهجت الدول الإسلامية بعد استقلالها (العسكري) عن الاستعمار سياسات للتحديث والتطوير، وقد حملت تلك السياسات طابعا غربيا في المظاهر والمؤسسات والفكر والثقافة، واعتمدت نماذج سياسية واقتصادية وتربوية واجتماعية وتشريعات ومناهج غربية، وقد انعكس هذا على واقع العلاقات بين الذكور والإناث في العالم الإسلامي، وكان هذا الانعكاس واحدا من أكثر المجالات تعبيرا عن الصراع والتفاعل المصاحب للتحديث على النمط الغربي.
وقارئُ التاريخ يدركُ أنه مع ظهور الإسلام، حصلت المرأة على حقوق أساسية وشاركت في الحياة العامة وحلقات النقاش الدينية كافة، ولم يكن مبدأ الفصل والعزل بين الجنسين من مبادئ تنظيم العلاقة بين المرأة والرجل في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهناك عشرات الروايات حول عمل المرأة ومشاركتها النقاش والحياة العامة، وقد شاركت النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في النضال السري والهجرة، وبعضهن كأم سليم شاركت في القتال، وغيرهن كن آسيات (ممرضات) للمقاتلين. وكن يتابعن أحكام القرآن بل وألفاظه. وقد استجوبت أم سلمة زوجها النبي بعد آيات غاب ذكر النساء عنها: "فما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟"
ومن المهم أن أعرف من لا يعرف أن الإسلام نفى ما كان سائدًا طبقا لنص التوراة من أن الحية أوحت للمرأة بأكل الشجرة بينما اتبعها آدم، بحيث إن النصوص القرآنية تشرك آدم وحواء في التعرض لوسوسة الشيطان في موضعين وتقصره على آدم عليه السلام في موضع، معنى ذلك أن اضطهاد المرأة على أساس أنها سبب طرد الإنسان من الجنة هي ممارسة جاء الإسلام لمحوها. وكي لا أبتعد بك كثيرا عن موضع تساؤلك فإنني سأقول لك باختصار شديد أنني وأخي الدكتور أحمد عبد الله والدكتور محمد المهدي نحمل بالفعل أفكارًا ونطرح أطروحات تفرضها علينا ردودنا على مشكلات بعينها كما تتواتر في مقالاتنا سواء على مجانين، وتجميع تلك الأفكار والأطروحات هو ما نرجو أن يقوم به باحث دءوب يستطيع بلورة ما تسأل عنه من مقاربة أو تصور خاص لا بي وحدي وإنما بمجموعة مستشارينا، فهل أنت على استعداد لذلك؟
الشيء الذي لا جدال فيه هو أن الفصل التعسفي مرفوض ووأد الأنثى لمجرد أنها أنثى مرفوض، ولابد في المجال العام الجماعي الاجتماعي أن تكونَ هناك علاقة بين الشاب والفتاة المسلمة في العلن، ولابد لهذه العلاقة من التزام كل الآداب بين الجنسين، بمعنى ستر العورات والتزام الأدب في الحديث، وعدم المصافحة المكشوفة، والقبل عند التحية، وما إلى ذلك مما يرتكب من أمور لا يوافق عليها دين ولا عرف شريف، والنصوص في ذلك كثيرة في القرآن والسنة لا يتسع المقام لذكرها. ولا يجوز أن ننسى أبدًا شهادة الواقع لما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" رواه البخاري ومسلم، لكننا في نفس الوقت لا يجوز أن نمنع العلاقة أصلا بين الولد والبنت أو الفتى والفتاة بدلا من أن نقوم بإعدادهما الإعداد السليم وإفهامهما المفاهيم الصحيحة الأصيلة لديننا الحنيف، وأظنك إذا قررت أن تشاركنا الجهاد وأن تبحث وتستنبط فكرةً من هنا وفكرة من هناك في كتابات مجموعتنا فإنك بفضل الله ستكونُ قد أنجزت كثيرا مما يحتاجه هذا الدين العظيم، وفي النهاية أعتذر عن تأخري في الرد عليك، وأنتظر أخبارا طيبة منك فتابعنا بأخبارك وشاركنا بأفكارك.