الإفراط في التعلق
سلام عليكم، أودّ أن أشكركم على الجهود الكثيرة التي تبذلونها في مساعدة الناس فأرجو من الله أن يوفقكم ويزيد أجركم ويُحسنَ عاقبتكم.
أما مشكلتي فتتلخص في صديقٍ لي تعرفت عليه قبل أربع سنوات تقريبا وكان حينها صديقا لأخي وهو يكبرني بثلاثة أعوام، نشأت بيننا علاقة جيدة قوامها الاحترام المتبادل والمودة وكنت أحسُّ في نفسي ميلاً لصداقته ربما لحب الإنسان أن يرافق من هم أكبر منه سنا، مضت الأيام وعلاقتنا تقوى شيئا فشيئا وَمِمَّا زاد في تآصرها سفر أخي الأكبر الذي كان متعلقا به كثيرا إلى الخارج للدراسة فأحسّ بفراغ في قلبه لمفارقته إياه فكان يتعزى بوجودي معه ويشم ريحه في ريحي إلى أن أصبح حبُّه لي أكثر بكثير من حبه لأخي بل لا يُقاس على حد تعبيره لكن المشكلة أني لا أبادله نفس الشعور ولا أُضمرُ له نفس المحبة وإنما كنت أراه ولا أزال صديقا كغيره من الأصدقاء المقربين،
أخذت تصرفاته معي تتبدل بصورة تدريجية وأصبح يحب أن نجلس على انفراد ويغضب كثيرا إن اصطحبت أحد أصدقائي معي إذا التقينا وإذا جلسنا وحدنا فيقترب مني كثيرا ويضع رأسه على كتفي أو قدمي ويمسك بيدي كثيرا وعدة مرات قبَّل يدي لكنني نهيته عن أن يعيدها لكن باستمرار اللقاءات توسَّل بي بإلحاح إلى أن رضخت بسبب كثرة إصراره وصار كلما يراني يقبل يدي ما لا يقل عن عشر مرّات ورأسي وجبهتي وخدي بل حتى قدمي،
دائما يخبرني بأنني طوال الوقت في باله ولا أغيب عنه وهو يشغلني كثيرا بمحادثاته إذ يراسلني بمواقع التواصل يوميا وبشكل مستمر ولا يراني متصلا على الإنترنت إلا يرسل لي الرسائل ويغضب أشد الغضب إن تأخرت عن جوابه، إذا كنت في العطلة فيزورني طوال أيام الأسبوع وفي اليوم الذي لا يراني فيه يتصل بي تليفونياً، أنا كثيرا ما أتحسر على الوقت الذي أضيعه معه وأخبره بوجوب التقليل من هذا لكنه يقول لي لا أستطيع الابتعاد عنك وإن ابتعدت فسوف تنساني لعدم وجود ما يجمعني بك من جامعة أو مدرسة أو قرابة فإذا لم أبقيِ نفسي على اتصال دائم سنفترق.
إفراطه في المحبة يقودنا دائما لمشاكل عديدة وجعله إنسانا شديد التحسس فأصبح يغار عليَّ من جميع أصدقائي ويغضب إن رآني أُكَلِّم غيره بحب أو أن أجامل أحدا ما ويطالبني بأن أريه محادثاتي مع أصدقائي وأن أقصَّ عليه مجريات يومي وعندما أتبرم أو أرفض ينفرني بكثرة إصراره وإلحاحه، في ذات مرة رفضت أن أُريه محادثتي مع صديقٍ لي فأخذ يتهمني بالغموض معه وأني لا أراه صديقا ثم بكى وبدأ يشعر بالصداع حتى صار لا يقوى على الإبصار ولمّا ذهب إلى المستشفى أخبروه أن لزوجة دمه ارتفعت مما سبب صعود الضغط لديه،
تكررت هذه الحالة مرتين بأسباب مختلفة لكنها كتفاهة السبب المذكور آنفاً، أما بكاؤه وارتجافه وأرقه فيحدث باستمرار إذا حصلت بيننا مشكلة ويزداد حزنه إنْ عرف أنه آذاني الأمر الذي يجبرني على مجاراته في ما يريد كي لا أُسبّبَ له ولي مشاكل نحن في غنى عنها وغالبا ما أخفي مللي وحزني من تصرفاته لعلمي أنه لا نتيجة من التفاهم معه،
أنا أعلم إنْ خالفته في طِباعه فستتكدر علاقتنا وإن قررتُ فراقه فسيعاني من مشاكل صحية ونفسية وخيمة جداً أنا لا أودّ أن نفترق لأَنِّي أراه صديقا جيدا وإنسانا مؤدبا ومحترما يمكن الاعتماد عليه ولا عيب فيه سوى إفراطه في الحب والتعلق . فما هو التصرف الأنسب الذي تشيرون به عليّ كي تكون العلاقة متوازنة ومعتدلة .
علما بأنه كما أخبرني عانى في طفولته من قسوة جده إذ كان ساكنا في بيته بعد أن تركه والداه وسافرا خارج البلد حيث كان إذا ارتكب مشاغبة يحبسه في حمام مظلم ليوم كامل مما جعله وحشيّ الطباع ولا يحب الاختلاط بالناس لكنه الآن اجتماعي ولديه الكثير من الأصدقاء والمعارف كما أنه يعاني حاليا من مشاكل عائلية مع والده بين فترة واُخرى بسبب إهماله له أحيانا،
كما أن لديه مشاكل صحية متوسطة الخطورة إذ يعاني من فتحة ولادية في القلب وهو كثير التقيؤ لكون معدته لا تستقبل الطعام أحيانا لكنه يقول أنه يتغلب على أمراضه ومشاكله لوجودي إلى جانبه وأنني الشمعة المضيئة في حياته .
جمع لي ما لا يقل عن ألف صورة في هاتفه وصوري تحيط به من كل جانب في كمبيوتره وآيباده وبين كتبه والرموز السرية لإيميلاته وحساباته الإلكترونية أما اسمي أو تاريخ ميلادي، لا يدعني أنام إذا لم يكلمني نصف ساعة قبل نومي وعند استيقاظي للدوام يجبرني باستمرار أن أحادثه كي أقول له صباح الخير،
أرجو أن تشيروا عليّ هل من الأفضل أن أستمر على ما أنا عليه أو يجب أن أصدمه وأعماله بشيء من الجفاء أو أُغيّر تعاملي معه بالتدريج .
أنتظر إجابتكم بفارغ الصبر مع عظيم شكري وكثير امتناني
14/2/2016
رد المستشار
شكراً على استعمالك الموقع وتمنياتي لك بالنجاح.
سأكون صريحا معك. لا توجد وسيلة لتحول هذه الصداقة إلى علاقة متوازنة فصديقك يعاني من سلوك المرض الغير طبيعي وبدأ يعتمد عليك لتلبية احتياجاته النفسية والعاطفية الناقصة. تحولت الصداقة إلى تعلق عاطفي غير صحي وأصبح يمارس معك أسلوب الابتزاز العاطفي ويذكرك بين الحين والآخر بأن بقائه على قيد الحياة لا يعتمد إلا على صداقتك به وأنت الوحيد الذي يجب أن يرافقه في رحلة الحياة.
سلوكه بعيد كل البعد عن النضوج في الشكوى من أعراض جسمانية وعدم توازنه العاطفي وليس أمامك سوى حل واحد وهو أن تقطع علاقتك به. ليس من الصعوبة أن تقول كلا لهذا الفرد أو أي إنسان آخر في المستقبل بل يجب أن تتعلم النطق بهذه الكلمة في ممارستك المهنية حين تواجه الضغوط لوصف عقار أو كتابة تقرير لمريض يطلب أكثر مما يستحق.
ماذا سيحدث له؟
1- لا شيء على أكثر تقدير وربما سيبحث عن شخص آخر يتكل عليه وسيجده.
2- إن تدهورت حالته الصحية فهذا ليس ذنبك ولا يتحمل المسؤولية سواه.
2- لا تقوم بدور الواعظ أو المعالج النفسي له وتركز فقط على تعليمك.
3- في النهاية تقطع علاقتك به كليا وبدون أن تفسر له سبب قرارك.
توكل على الله واعمل بما نصحتك به.
واقرأ أيضًا:
نورس والفخ: فخ طلب الطمأنة
طلب الطمأنة على الغشاء مشاركة