اكتئاب وقلق وخوف وهلع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، رسالتي أريد أن أبدأها بأن أدعو الله أن يوفق جميع الأطباء العاملين على هذا الموقع وأن يشفي جميع المرضى ويصبرهم، المرض صعب جدا و خاصة إذا كان مرضا نفسيا، والأصعب أن يكون المرض غير مفهوم أو ملموس كما هي حالتي،
أرجو منكم قراءة استشارتي باهتمام وتأكدوا بأني سأدعو لكم من كل قلبي، أيها الأعزاء أنا شاب عمري 26 سنة عانيت في طفولتي من انفجار الزائدة الدودية وضربة شمس وعملية فتق في البطن وكل هذا كان عندما كان عمري بين 5 حتى 9 سنوات، عشت طفولة خالية من المتعة التي يتمتع بها بقية الأطفال العاديين فكانت عائلتي فقيرة رغم أن أبي كان ضابطا في الجيش السوري ولكنه كان رجلا شريفا.
عندما كان عمري 14 سنة حدثت لي مشكلة نفسية لا أعلم كيف بدأت ولكني أتذكر أنها كانت أفكارا عن وجود الله سبحانه وتعالى لم تكن أفكارا وسواسية ولكن كانت محاولات لمعرفة كيف وجد أو تكون أو خلق الله سبحانه وتعالى ووصلت إلى طريق مسدود وكنت أشعر بتشنج بالعقل وكانب سوف أجن، حصل لي اكتئاب وخوف في ذلك الوقت استمر 6 أشهر تقريبا وكنت أبكي وأخاف من هذه المشكلة وحاولت أن اذهب لشيوخ للقراءة لي لأنني ظننت أن بي عينا أو مسا، ولكني تناسيت هذه المشكلة بعد معاناة 6 أو 7 أشهر.
توفي والدي عندما كان عمري 16 سنة فتركت المدرسة وأصبحت أعمل وكانت حياتي طبيعية لكني كنت أفكر بمستقبلي وأفكر بإيجاد طريقة لأعيش حياة كريمة، لأن الحياة الاقتصادية في سوريا ليست جيدة فسافرت إلى الإمارات بعمر 19 سنة وعدت بعد 3 أشهر لأن الوضع الاقتصادي هناك كان سيئا في ذلك الوقت، ومن عودتي مباشرة سلمت نفسي للجيش لأذهب لخدمة العلم، ثم شعرت بالندم بعد أن عانيت من العذاب والقهر والجوع والظلم والبرد والاشتياق لغرفتي وأهلي، كنت في الصحراء مع أناس سيئين وحاولت الانتقال لكن دون جدوى، وبعدها مباشرة حدثت الثورة في سوريا وبدأت أشعر بالضيق من الضغط الطائفي الذي كان يمارسه الأطباء علينا (كجنود مسلمين سنة).
بقيت سنة وبعدها هربت إلى الأردن فأعادتني المخابرات الأردنية إلى سورية ورفضوا استقبالي بعد أن ضربوني، بقيت في مدينة درعا مع الجيش الحر 4 أشهر، عانينا من القصف وخفت من الموت وكنت خائفا على عائلتي من أن يتم الانتقام منهم بسبب انشقاقي، كنت أتلقى أنباء وفاة أشخاص أعرفهم وأحبهم يوميا ومنهم ابن عمي وعمي،
حاولت اللجوء إلى الأردن مرة ثانية باستخدام هوية أخرى، فنجحت وبقيت في الأردن سنة ونصف، عملت نصف المدة والنصف الآخر بقيت في المنزل وأحيانا لم يكن يتوفر لدي طعام ومصروف، أرسل أحدهم فيزا لي للجوء إلى أوروبا وفعلت ذهبت بعد تردد كبير ووصلت إلى أسبانيا وجلست فيها أسبوع ولم أكن أعلم أين أذهب، مرسل الفيزا دعتني إلى باريس وقالت أنها ستساعدني، ذهبت هناك وبقيت تحت رعايتها 9 أشهر اكتشفت بعدها أنها تعمل مع الموساد وتقف ضد مصالح الشعب السوري،
تركت باريس وذهبت إلى المانيا وكنت متوترا وخائفا من أن يطردوني في ألمانيا بسبب وجود بصمة لي في أسبانيا، بقيت في خيمة أسبوعين ثم نقلوني إلى كامب فبقيت شهرين ثم نقلوني إلى روضة أطفال لأعيش فيها في غرفة واحدة مع 9 لاجئين آخرين، فبقيت 6 أشهر ثم حصلت على الإقامة واستأجرت غرفة في بيت لامرآة ألمانية، جاء بعض أفراد عائلتي إلى ألمانيا ولكنهم كانوا في مدينة أخرى، كنت مترددا من أن أذهب لأعيش معهم أو أن يأتوا هم إلى مدينتي للعيش معي ولكننا كنا نؤجل هذا الأمر،
ثم انتقلت للعيش مع رجل ألماني في بيته، كان هناك توتر بيننا فهنا بدأت معاناتي فكانت تحدث مشاكل بيننا وبدأت أشعر بلسعات كهرباء بالرأس عند الاستلقاء للنوم وكانت تأتي مرة أو مرتين أو ثلاثة في الليلة الواحدة، ثم حدثت لي نوبات فزع أثناء النوم دون وجود كوابيس أو أحلام،
وبعدها زادت المعاناة مع الرجل الذي كنت أعيش معه فتركته وذهبت للعيش في مدينة أخرى كبيرة، وهنا تخلصت من اللسعات الكهربائية ولكن الفزع والتوتر زاد والخوف من الأصوات كصوت الطائرة أو الرعد والبرق وصوت الأبواب التي يغلقها الهواء بقوة، وأصوات الحركات في حالة الهدوء والسكون، وتوتر عند ركوب السيارة على الطرقات السريعة والقيادة بسرعة، ثم حدثت لي نوبات هلع عندما كنت أشرب المتة مع الزنجبيل وأقرأ السياسة بتعمق، لم أكن أعلم ما حصل!
كل ما أتذكره أني خفت كثيرا وشعرت بشعور غريب وكأنه استغراب للذات، اتصلت بالإسعاف ولم يروا أن هناك أي مشكلة، وكان هذا قبل 6 أشهر، بقيت نوبات الهلع 3 أشهر فأصبحت أخاف أن أبقى في منزلي بمفردي وذهبت للعيش بشكل مؤقت مع صديق لي، أتتني أفكار انتحارية وأفكار غير منطقية وسخيفة وكنت متوترا جدا وخائفا فأصبح عندي ارتجاف بالأطراف وطنين بالأذن اليسرى (وما زال حتى الآن) وتنميل باليدين خاصة بعد الاستيقاظ من النوم وثقل في الرأس ورؤية أشكال في العيون كالشعر تمشي وخاصة في النهار،
كنت أبحث على الإنترنت عن مشاكلي مما كان يزيد الوضع سوءا، لم أكن أعيش دقيقة واحدة كإنسان طبيعي أو إنسان سعيد ! كنت أعاني في كل ثانية ولم أكن أستطيع أن أطرد الأفكار التي كانت تشعرني بأني سوف أجن أو أموت، قرأت عن الوسواس القهري فأصبحت أخاف أن أصاب به!
وخفت من نفسي ومن عدم قدرتي من السيطرة على نفسي وكأني لا أتحكم بنفسي!
لم أكن قادرا على أن أبقى وحيدا أبدا ! بدأت ألتزم بالصلاة وأخذ علاج (سيتالوبرام) وتافور عند اللزوم، رفعت العلاج إلى 20 مج ثم إلى 30 وبعد شهرين طلب مني الطبيب تغييره إلى دواء آخر اسمه (سيرترالين ١٠٠مج) وقال بأنه أفضل لأن سبتالوبرام يسبب ضعفا بدقات القلب ولا يمكن استخدام دواء آخر معه،
غيرت الدواء وأحيانا كنت أشعر بتحسن ليوم أو يومين وبعدها أتتني أفكار سلبية كثيرا وأفكار غير منطقية واستغراب وجود روحي وشعوري بنفسي، واستغراب للحياة واستغراب لأشكال الناس وشكل الشجر والأشياء واستغراب لوجود الرأس بالأعلى وشكل العينين وإلى آخره... ،
فأعطاني الطبيب دواء آخر اسمه (ريسبيريدون 0.5 مج) يوميا!، بدأت أحاول السيطرة على أفكاري ومحاولة تناسيها وممارسة الرياضة، كان يحدث تحسن بسيط ولكن سرعان ما أعود إلى حالة سيئة من الانهيار واليأس وشعور بأن رأسي مليء بالأفكار السلبية المعقدة والغير مفهومة وأنه سوف ينفجر من شدة الصغط، بالصدفة اكتشف الطبيب وجود كيس ماء على المخيخ لدي ولكن الطبيب جراح الدماغ قال بأنه لا يضر رغم أن حجمه كبير؟
أحد الأطباء النفسيين صنف لي مشاكلي بأنها اكتئاب - اضطراب التكيف - اضطراب الإنية - التغرب عن الواقع - اضطراب الإدراك، ولكن طبيبتي حتى الآن قالت بأنها لا تعرف اسم مشكلتي الحقيقية وتحتاج وقتا لفهمها، أنا الآن أعاني منذ 6 أشهر معاناة لا يعلمها إلا الله، أرجوكم أن تعطوني اسم مرضي الحقيقي وهل هناك طريقة علاج فعالة؟ وهل هناك أمل كبير بالشفاء؟ لأني أشعر بأني لن أشفى أبدا،
هل أذهب للعيش مع عائلتي إذا كان هذا يساعدني لأني لم أعش معهم منذ 5 سنوات،
جزاكم الله كل خير
16/5/2016
رد المستشار
الأخ السائل؛
أهلا وسهلا ومرحبا بك، ونحن معك في غربتك، والأعراض التي تصفها تبدو منطقية ومتوقعة على خلفية ما تعرضت له سابقا، ومؤخرا، ولا يوجد فارق علاجي كبير يترتب على تحديد الاسم التشخيصي لحالتك، وهي غالبا مزيج من عدة تشخيصات متداخلة علاجها الدوائي واحد، وأنت تجرب العقاقير، ويلزمك الانتظام في تناول الوصفات الدوائية لأن عدم الانتظام يعني كأنك لا تتناول شئيا!!!!
الذي أستغربه بحق هو أنك لم تقرأ، ولم تسمع، ولم تفهم أن العلاج الدوائي بالعقاقير ليس كافيا!!
تحتاج في رحلتك من أجل التعافي إلى خطط غير دوائية إضافة إلى الانتظام في تناول العقاقير كما ذكرت لك توا.
هنا يلزمك تغيير لما ورثته وورثناه عن ممارسة أنشطة بعينها هي مصنفة في الذهنية العربية البائسة على أنها ترفيه وترويح بينما هي نمو نفسي، وتعافٍ، وعلاج مثبت بالأبحاث والممارسة، ومن بؤس العرب أنهم يجهلون هذا، مع بقية ما تم تجهيلهم به، وتغييبهم عنه!!
إجادة اللغة الألمانية ستكون مدخلا لا غنى لك عنه، وحتى يحصل هذا قد يفيدك الالتحاق بأية تجمعات عربية ملائمة توفر لك صحبة، ومساندة، ومشاركة، فهل بحثت عن مثل ذلك؟!
ممارسة الرياضة، والاستمتاع بالخضرة والطبيعة، وممارسة اليوجا أو التأمل تساعد على استعادة التركيز، والتوازن النفسي، والتدريب على الدراما، وممارسة هواية التمثيل المسرحي تفيد في التفريغ السليم للمشاعر المؤلمة!!
العرب في عزلة تامة وبائسة عما يحتاجونه من هذه الأنشطة في أقطارهم، وفي مهجرهم!! وهي أنشطة تحتاج إلى ممارسة منظمة لتثمر.
طبعا تأمين مدخل أو مورد رزق ثابت، ومكان إقامة ملائم هو الألولوية وهو مرتبط بإجادة اللغة، وهو التحدي الأهم كخطوة لازمة للتواصل مع محيطك، ولا تفيدك متابعة أخبار السياسة، ومآسي بلدك.
البحث عن هواية أو هوايات تمتعك وتوفر لك دوائر من التفاعل الإنساني، والتحفيز، والبحث الدؤوب عن المهتمين بالمهاجرين أو اللاجئين، وهي تجمعات متنوعة يفيدك التواصل معها، وربما التطوع فيها يوفر لك فرصة مجانية لتعلم اللغة، وإشباع التواصل، وربما يوفر وظيفة لاحقا.
المجتمع الذي تعيش فيه هو مجتمع منظم متاحة فيه خدمات كثيرة فقط لمن يسأل، ويتحرك، ويهتم!!
كأنك تبني حياتك من جديد خطوة خطوة، وتستعين في هذا السعي برب العالمين، ثم بكل ما تصل إليه بحركتك من أدوات وإمكانات.
الأنشطة الروحانية أيضا تفيدك وستجد أنواعا كثيرة منها متوافرا حولك، سماع الموسيقى الهادئة، والرياضة كما ذكرت لك، وبخاصة السباحة، وتمارين العضلات والمفاصل. وأترك لتقديرك وتجربتك مسألة الإقامة مع العائلة، وهو ليس مقصودا في ذاته حاليا، ولكن التعويل فيه على مدى إفادته لك، وتحفيزه ودعمه لممارسة ما تحتاجه من أنشطة، وتابعنا بأخبارك.