مساعدة عاجلة م
التائهة الضائعة المتعبة، أنقذوني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد... لقد أرسلت عدة رسائل لهذا الموقع الكريم، وأشكركم جزيل الشكر على المجهود الذي تقومون به لمساعدة الناس في أصعب أوقاتهم. لكنني لا أدري أشعر كما لو أن حياتي دائماً تتخذ المنحنى الأسوء ولا أدري ما السبب، ولا أدري لماذا دائماً حياتي تسير من سيء إلى أسوأ. وأشعر بأنها قاتمة، بلا طعم أو لون أو فائدة، مع أني أضع الله سبحانه وتعالى دائماً أمامي، في كل الأمور. ودائماً أضع الله عز وجل نصب عيني في كل كبيرة وصغيرة أقوم بها في حياتي...... ولكن بلا جدوى فالحياة متعبة.
أنا الآن أعمل في وظيفة جيدة، وأتقاضى راتباً ليس بالممتاز بل إنه جيد، أعيش بمفردي في بلد خليجي، وأهلي في موطني الأصلي، لدي أقارب في مدينة غير المدينة التي أقطن بها ولدي أختي المتزوجة في مدينة أخرى غير المدينة التي أقطن بها أيضاً. ليس هناك أي تواصل بيني وبين الأقارب بأي شكل من الأشكال، ولا حتى بيني وبين أهلي في موطني الأصلي حيث أشعر بأنهم بيئة موبوئة بل -وأعتذر عن التسمية- بيئة حقيرة ووضيعة.
أختي المتزوجة -لعنها الله- كثيرة الغيرة مني، وقد قامت بمشاكل لا يعلم بها إلا الله عز وجل هي وزوجها الخبيثين، وعملت لي الكثير من المشاكل بيني وبين أبي إلى درجة أن أبي الآن لا يكلمني إطلاقاً منذ عامين كاملين، ويرفض الكلام معي رفضاً مطلقاً، بل وبعث لي رسالة يقول فيها (إنسي أن لك أب أعملي ما تريدين اعتبريني متت وتزوجي ممن شئتِ) مع أنني كنت دائماً ما أبعث له نقوداً بشكل شهري، حتى يعيش منها هو وأخوتي ولكنه دئماً غاضب علي بالرغم من كل هذا ولا يعترف بالجميل، وأختي المتزوجة التي لا تبعث له شيئاً دائماً يرضى عليها ويقول ما في منها، وزوجها محترم وجيد و... و... مع أنهم لا يبعثون له مالاً، وزوج أختي يمنعها من العمل، كي تعطي أبي وإخواني نقوداً، ومع هذا فأبي دائم المديح لهم.
ولا أدري ما العمل مع هذه الأسرة التافهة المتفككة، ولا أدري أشكو لمن ولا أدر ماذا أفعل. زوجة أبي أيضاً حقيرة، وماكرة هي وأختي، ودائماً ما يشمتوني إذا ما حصل لي سوء، ويقولون لي أن ما يجري لي (إصابتي بالسكري) هو عقاب من الله عز وجل وزوجة أبي قالت لي أن هذا بسبب غضب والدي علي و... و... مما جعلني لا أحب الله وأنبذ كل شيء في حياتي، ولا أستطيع الالتزام بالصلاة، بسببهم كل شيء أصبح صعباً، حتى ديني الذي أحبه كرهته كرهاً جماً. لذلك آثرت الابتعاد نهائياً.
إخوتي حتى لا يسألون عني، لدي أخ واحد يعمل في غير المديننة التي أقطن بها، ولكن عندما يكلمني يسأل فقط عن النقود، وهل بعثت إلى أهلي نقوداً في هذا الشهر، وحتى إخوتي في موطني الأصلي عندما يكلمونني يقولون ابعثي لنا نقوداً هذا الشهر، ولا حتى يسألون عن حالي، ولا أي شيء. يكلمون أختي المتزوجة فقط، ولا يسألون عن حالي. وأنا أبعث نقوداً وهي لا تبعث أي شيء، وتأخذ هي كل الرضا والمديح، وأنا آخذ الذم والقدح. أريد أن أعرف فقط لماذا الدنيا غير عادلة، لماذا لدي أب وعائلة حقيرين، لماذا لا أعيش حياة سعيدة بالرغم من أنني أضع الله عز وجل أمامي دائماً في كل الأوقات، وغيري من الذين هم ملتزمون بالدين ظاهرياً فقط هم سعداء والناجحون في الحياة.
ومع كل هذا عندما ولدت أختي منذ يومين اتصلت عليها كي أهنئها بالمولود وتحديداً اتصلت على زوجها فكان رده بارداً وسيئاً، "فكأن نبرة صوته القذرة تقول لماذا تتصلين علي أنا زوج أختك، وليس أختك وبأي حق تكلمينني. بدت نبرة صوته وكأنه لا يريد أن يتكلم. اعتقد أن هذا بسبب أنهم عائلة متدينة، ولكنني أراهم عائلة مستعبدة ومقرفة ليس لديهم أخلاق إطلاقاً، فندمت أشد الندم على تلك المكالمة، وتمنيت لو أنني مت قبل أن أكلم هذا الحقير التافه زوج أختي القذر -أعتذر على ألفاظي فأنا متعبة جداً-.
ليس لدي أصدقاء إطلاقاً، ولا أدري أتكلم مع من، وماذا أفعل لو تقدم أحد لخطبتي، وممن يتقدم لخطبتي، فوالدي إنسان سيء لأقصى الدرجات -بل ووضيع- ويرفض حتى الكلام مع الناس بالموضوع، ويترك الموضوع لزوجته -زوجة أبي- حتى أنها في مرة من المرات اتصلت علي وقالت لي (ابحثي عن شاب ممن شئتي وتزوجيه) هكذا وبكل وقاحة امرأة حقيرة دمرت البيت والأسرة، وستأتي لزيارة أختي في غضون يومين ولكنني لا أفكر في رؤيتها أو زيارتها نهائياً بسبب حقارتها. وأكيد أنني أنا التي سوف تظهر بشكل سيء، وحقير أمام الناس، فالناس لا تعرف بتصرفاتها.
كثيراً ما يتبادر إلى ذهني سؤال، أين الله عز وجل مما يحدث معي، وهل لو كان حقاً هناك إله هل كان سيترك الناس الوضيعة الحقيرة تظهر بمظهر ناس جيدة، وهل لو حقاً كان هناك إله هل كان سوف يترك الناس الجيدين يظهرون بشكل سيء، أين الله عز وجل من كل هذا، ولماذا دائماً أنا التي أضعه في قلبي ونصب عيني يظهرني بشكل سيء أمام الناس وأمام نفسي.
أفكاري متباعدة وغير مترابطة، أحاول ترتيبها ولكن بدون جدوى. هناك الكثير الكثير في قلبي مما لا يسعني البوح به، تعرفت على شاب منذ 3 أسابيع، وهو دائماً يقول لي كيف أبوك له قلب يتركك في بلد لحالك ألا يخاف عليك، ألا يفكر فيك، أي نوع من الآباء هذا. أحاول أن أدافع عن أبي أمامه من دون اقتناع داخلي مني بأن أبي إنسان صالح فقط حتى لا يظن أنني وحيدة من غير أب أو أخ، فيرد علي ويقول هل تعتقدين حقاً أن أبوك سائل بك أو قلق عليك، أين أخوك، وهل يأتي لزيارتك أو يتصل عليكي، وغيرها من الأسئلة الكثيرة التي لا أجد لها رد.
أشعر بضياع كبير في داخلي ولا أعلم ما الحل، ولا ماذا أفعل، فلدي قصص كثيرة ولكنني لا أعلم ما الحل. ولا ماذا أصنع ولا كيف أتصرف.
لعنهم الله جميعاً، يا رب يدخلون جهنم، ساعدوني وانجدوني.
23/7/2016
رد المستشار
أشكرك على ثقتك بالقائمين على موقع الشبكة العربية للصحة النفسية الاجتماعية، ولجوئك إلينا لنشاركك مشكلتك ونساعدك بإذن الله في إيجاد حلول لها، كما أود أن أُحيي فيك تلك البادرة الطيبة التي لمستها فيكِ والمتجلية في رغبتك في الإصلاح وعدم ترك زمام المشكلة بينك وبين أختك وافراد عائلتك، لأنه اذا لم تكن لديك هذه الرغبة بالإصلاح ما كنت لجأت إلينا، وهذه ايجابية منك أن تسعين لطرح المشكلة على متخصصين رغبة منك في الوصول لحل، بادئ ذي بدء أذكرك بقول الله تعالي: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) الإسراء: 23، فطاعة الوالدين أمر الهي ومعاملتهم بإحسان والقول الكريم.
لذلك أحاول معكِ أن أقترح عليكِ بعض الأمور التي قد تكون عوناً لكي في تضيق تلك الهوة والمسافة الموجودة بينك وبين أفراد عائلتك وهي كالآتي:
أولاً: حاولي أن تجدي أرضية مشتركة للحديث بينك وبين أختك، حاولي أن تتخذي من مجال اهتماماتها مدخل للحديث، فمن المستحيل أن تكون درجة الاختلاف بينكما 100% فبالتأكيد هناك أرض مشتركة تجمعكما ولكنك لم تستكشفيها بعدُ، وعليه فإيجاد هذه الأرض ربما يساهم في إطفاء ولو قليل من الليونة على شكل التعامل بينكما.
ثانياً: تعرّفي على اهتماماتها وحاولي أن تشاركيها فيها، فإذا كانت أختك مدمنة نت على سبيل المثال حاولي أن تبادليها الأحاديث في هذا الشأن -قدر استطاعتك ومعرفتك بالطبع- فمثلاً اطلبي منها تساعدك في عمل صفحة فيسبوك أو الاشتراك في الانستجرام أو برنامج الاسك حتى وان كنتي غير مهتمة بالنت وتتعرفي منها على كيفية استخدام هذه المواقع ومميزاتها وعيوبها، وتبادلي معها النقاشات في ذلك، لأن ذلك ربما يزيل عن ذهنها نظرتها تجاهك بأنك دائما ناقمة على اهتماماتها وبعيدة عنها، ومع تكرار اهتمامك باهتماماتها ستجذبينها بالتدريج لكي ولاهتماماتك وتحاولي أن تنسقي معها الأعمال المنزلية التي تسبب خلاف مع والدتك.
ثالثاً: يجب عليك أن تحاولي إخفاء نقاط الاختلاف بينكما والتي ربما يكون لها دور في إشعال فتيل غضبها أيا كانت، فتتخلين عن السيء منها -إذا كان هناك سيء- وتخفين الجيد منها وتمارسينه بعيداً عن ناظريه حتى تتغير شكل العلاقة بينكما وتنشأ علاقة أخرى تكون قائمة على النقاش والإقناع.
رابعاً: فلتجربي أن تهاديها بهدية ما ولتكن مناسبتها مثلاً عيد ميلادها أو بداية عام جديد وهي فرصة لعقد اتفاق بين جميع الأطراف بأن نطوي السنة الماضية بكل ما تحمله من ضغوط وآلام نفسية للجميع ونستعد لاستقبال عام جديد سعيد بصفحة جديدة لا يشوبها شائبة، فالهدايا ترقّق القلوب ويكون لها بالغ الأثر في النفس مهما كانت نفس قاسية.
وفي النهاية وإذا باءت كل محاولاتك بالفشل فلتعلمي أن الأب والأم لهما حصانة خاصة من الله عز وجل، ولا يمكن المساس بهذه الحصانة مهما كانت الظروف، وبالتالي أتعشم في هذه الحالة في عقلك الناضج -هكذا لمست من رسالتك- أن تستمري في حسن معاملته رغم الإساءة، أما المشاعر فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، المهم أن تعامليه كما أمرنا الخالق وديننا الحنيف. هدّأ الله سرّك وهدى والدك ووالدتك وأخواتك إلى الصواب.
كما أنني لمست من رسالتك أنك تحتاجين الى قدر كبير من التدريب على مهارة الاتصال مع الآخرين, فأنت الآن على موعد مع مهارة من أهم المهارات التي تتعلمها في حياتك ويتوقف عليها جزء كبير من فاعليتك وتأثيرك ونجاحك في الحياة.
لقد نجحت البشرية في الحقبة الأخيرة من الزمان في تطوير آلات الاتصال من هاتف فاكس وجوال وأنترنت وغيرهم حتى سمي عصرنا هذا الذي نعيش فيه بعصر الاتصالات, وتطورت الحياة البشرية كثيرًا بتطوير وسائل الاتصال، وهكذا أيها القارئ ستتطور حياتك كثيرًا إذا طورت أدوات اتصالك أنت مع الآخرين.
التعامل مع الناس فن من أهم الفنون نظراً لاختلاف طباعهم, فليس من السهل أبداً أن نحوز على احترام وتقدير الآخرين.. في المقابل من السهل جداً أن نخسر كل ذلك, وكما يقال الهدم دائماً أسهل من البناء، فإن استطعت توفير بناء جيد من حسن التعامل فإن هذا سيسعدك أنت في المقام الأول لأنك ستشعر بحب الناس لك وحرصهم على مخالطتك، ويسعد من تخالط ويشعرهم بمتعة التعامل معك.
الإنسان اجتماعي بطبعه يحب تكوين العلاقات وبناء الصداقات, فمن حاجات الإنسان الضرورية حاجته للانتماء, ومن الفطرة أن يكون الإنسان اجتماعياً. والفطرة السليمة ترفض الانطواء والانعزال وترفض أيضاً الانقطاع عن الآخرين والفرد مهما كان انطوائياً فإنه يسعى لتكوين علاقات مع الآخرين وإن كانت محدودة ويصعب وربما يستحيل عليه الانكفاء على الذات والاستغناء عن الآخرين, كما قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) سورة الحجرات:13، فالاتصال كالوميض مهما كان الليل مظلمًا فهو يضيء أمامك الطريق دائمًا، فالاتصال يحتوي على صلة أي علاقة بينك وبين من تتصل به، الاتصال يقتضي البلاغ وهو توصيل ما تريده إلى الآخرين بصورة صحيحة، الاتصال يعني الاتحاد وهو الاتفاق والانسجام مع الآخرين.
إن الاتصال حتى يكون ناجحًا لا بد من ركنين أساسين:
1ـ إقامة علاقات قوية مع الآخرين والتوافق معهم.
2ـ نقل المعلومات والأفكار إلى الآخرين والتأثير فيهم بما تريد.
الصفات التي يجب ان تتوافر فى الشخص حتى يكون الاتصال ناجحاً:
الصفة الأولى/ الصدق والأمانة:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغًا في قومه بالصادق الأمين والصفة الأساسية التي تصف بها أي نبي ورسول هي الصدق والأمانة. بل روي الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا على الخيانة والكذب". وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جبانًا؟ قال: نعم، قيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم. قيل له: أيكون المؤمن كذابًا؟ قال: لا.
لماذا بدأنا أول الصفات المؤهلة بالصدق والأمانة؟
إن الصدق والأمانة بمثابة الأساس الذي سنؤسس عليه عملية الاتصال مع الآخرين بأكملها، ومنذ الآن إلى نهاية هذا الباب تذكر دائمًا الصدق والأمانة، وأن أي شيء ستفعله في اتصالك مع الناس عليك بداية أن تكون صادقًا معهم أمينًا لهم.
فحينما نتكلم عن التقدير مثلاً تقديرك للشخص الآخر عليك أن تكون صادقًا في تقديرك له وفي الصفات الحميدة فيه، لا كما يظن البعض أن التقدير يعني عبارات مدح جوفاء وتملق ليس له علاقة بالحقيقة, وكذلك كن أمينًا في تقديرك تقدر الشخص وتثني عليه بما ينفعه ويعطيه الثقة في نفسه، فلا تسرف مثلاً في الثناء والمدح حتى يصاب الشخص بالعجب والغرور.
الصفة الثانية/ العدل:
وقد جاء الأمر بالعدل في آيات كثيرة في كتاب الله وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل:90]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء:135].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا". فحتى تنفذ أمر الله وتفوز بمنابر من نور عليك أن تحقق العدل في اتصالك مع الناس. وكما ذكرنا فإن العدل موازنة بين طرفين وهكذا فإن اتصالك مع الناس يجب أن يكون متوازنًا بين طرفين وهما:
طرف السلبية × طرف العدوانية
فالشخص السلبي هو: الذي يقسم نفسه على أنها أقل أهمية من الآخرين ويتنازلوا عن حقوقهم وأرائهم ومشاعرهم دائمًا أمام حقوق الآخرين.
أما الشخص العدواني فهو على العكس تمامًا فهو يقيم نفسه على أنها أكثير أهمية من الآخرين ودائمًا ما يستبد برأيه وحقوقه ومشاعره على حساب حقوق الآخرين.
أما الشخص العادل فهو: أن تدرك أن احتياجاتك وحقوقك وأرائك ومشاريعك ليست أقل أو أكثر أهمية من تلك التي تخص الآخرين، وأنها تتساوى معها في الأهمية، ولذا ففي ظلال العدل فأنت تطالب بحقوقك واحتياجاتك وتعبر عن آرائك ومشاريعك في قوة ووضوح وفي الوقت ذاته تحرتم وجهة نظر الآخرين وتستمع إليها وتتقبلها. وهذا يضمن لك أنك لن تخرج من المواقف وأنت تشعر بعدم الارتياح من نفسك أو تترك الآخرين يشعرون بعدم الارتياح.
حتى تحقق العدل في تعاملك مع الناس اتبع الخطوات الآتية:
1ـ قرر ما تريد.
2ـ وضح هذا بصورة واضحة.
3ـ فكر في أكبر عدد ممكن من طرق التعبير عن قرارك على قدر استطاعتك.
4ـ أنصت إلى الآخرين واحترم أرائهم.
5ـ تقبل النقد من الآخرين وناقشه، وعند انتقادهم انتقد أعمالهم لا شخصيتهم.
6ـ لا تتردد في قول 'لا' إذا ما احتجت إليها.
الصفة الثالثة/ الرحمة:
يقول تعالى في كتابه لنبيه صلى الله عليه وسلم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" ويقول أيضًا عليه الصلاة والسلام: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء".
ـ الرحمة هي بلسم العلاقات مع الآخرين، وروح الاتصال الصحيح وبدونها تصبح الحياة جافة جدًا وتفقد قيمتها ولا يصبح للاتصال معنى ولا روح.
أساس مهم جدًا في اتصالاتك وعلاقاتك الرحمة، أن تشعر بالآخرين وتحب الخير لهم وتقدر مشاعرهم وترى أحوالهم وظروفهم وبالرحمة يلتف الناس حولك ويحبونك ولا يملون من الجلوس معك والحديث إليك. قال تعالى في كتابه الكريم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159].
لقد وصلت هذه الصفة إلى ذروتها في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أرحم نبي بأمته وأرحم أب بأبنائه، وأرحم زوج بأزواجه، وأرحم قائد بجنوده.
إن البشرية اليوم تعيش في مأساة عظيمة حروب وكوارث ومؤامرات وخيانات ويعاني ملايين النساء والأطفال والشيوخ والرجال من الظلم والقهر وقلة الأمان والخيانة والمكر والخداع، ولذا فاتصافك بالرحمة أيها القارئ العزيز ليس مفيدًا لك ولا للمحيط الضيق الذي تعيش فيه فحسب بل هو مفيد للبشرية المنهكة المتعبة جمعاء.
الصفة الرابعة/ التواضع:
قال تعالى في كتابه الكريم: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83].
وقال صلى الله عليه وسلم: 'وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله'.
التواضع أساس هام جدًا في اتصالك مع الآخرين فالشخص المتكبر مهما تعلم من فنون الاتصال والتعامل مع الآخرين لن يصل إلى اتصال ناجح حقيقي، وذلك لأن تكبره سيظل حاجزًا منيعًا بينه وبين الناس. إن الكبر بمثابة الجدار العازل يعزل صاحبه عن الاتصال بالعالم الخارجي فهو يمنعك من الاتصال بالله قال تعالى في الحديث القدسي: 'الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدًا منهما ألقيته في النار ولا أبالي'.
ويمنعك من الاتصال بالجنة ودخولها: 'لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر'.
الصفة الخامسة/ الحلم والأناة والرفق:
تحتاج إلى هذه الصفات كثيرًا في اتصالك مع الناس فإنه من المعلوم بالضرورة أن الكمال لله وحده عز وجل وأن النقص من طبيعة البشر لذا ينبغي أن نتوقع الخطأ والزلل من الآخرين، فعليك أن تكون حكيمًا مع الناس كاظمًا لغيظك رفيقًا بهم مقدرًا طبيعة النقص في تكوينهم، وإن لم تفعل ذلك وسرت وراء غضبك فقد تنصرم أواصر الأخوة والمحبة ويدب الشقاق والنزاع والخلاف، قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطبا أشج عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة".
ولم لا تتصف بالرفق وقد قال صلى الله عليه وسلم: 'إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما يعطي على ما سواه' وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: 'إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه'.
الصفة السادسة/ قبول الآخرين على ما هم عليه الآن:
تقبل الآخرين بكل ما هم فيه الآن بسلوكهم وصفاتهم وأخلاقهم وأفكارهم ومشاعرهم، تقبل ذلك لأن هذا هو الواقع ونحن لا نعني بالتقبل أنك توافق على كل أفكارهم أو اعتقاداتهم أو مشاعرهم، فإنك ستجد في العالم حولك أصناف شتى من الناس ستجد المسلم والكافر والمؤمن والفاسق، والأمين والخائن، والصديق والعدو، والعصامي والعظامي، والصادق والكاذب، والمتواضع والمتكبر إلى غير ذلك من المتناقضات، وإنما أقصد تقبل كل هؤلاء لتقيم علاقات معهم وتتصل بهم، وتتعامل معهم بأسلوب صحيح فهذا تستفيد منه، وهذا تصلحه وهذا تحجم عن شره وهذا تغيره.
بعض الناس وبكل أسف لا يتصل إلا مع من يوافقونه ويعزل نفسه عن مجتمعه وعن العالم الذي يعيش فيه، وبعضهم يردد كثيرًا أن أغلب الناس لا يعجبونه، وأنهم بحاجة إلى التغير حتى يتصل بهم. وهذا فهم خاطئ، لا تنتظر التغيير من أحد بل غير أنت من نفسك، أنت لديك القدرة على التعامل والاتصال مع جميع البشر ومع كل البشر ولكن إذا غيرت من نفسك وصلت لهذا المستوى العالي من الاتصال اللامحدود وتذكر دائمًا أن التغيير يأتي من الداخل لا من الخارج وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
مبادئ الاتصال الأساسية:
المبدأ الأول: الاتصال يقوم على فهم الآخرين والتآلف معهم:
دعنا نساعدك بداية أخي في فهم أنماط الناس من جهة استقبالهم للمعلومات والتعبير عن آرائهم، فمن هذه الجهة يقسم الناس إلى ثلاثة أقسام:
1ـ البصري:
هذا الشخص يرى العالم حوله من خلال الصور والرؤية بالعين حتى أنه عند الحديث عن المعاني المجردة يحولها إلى صور مشاهدة فهو يركز أغلب انتباهه على صور وألوان التجربة، وعندما يصف حادثة معينة يصفها من خلال الصور، وتجد عباراته يكثر فيها: أرى ـ أنظر ـ يظهر ـ مشهد ـ وضوح ـ لمعان ـ ملاحظة ـ مراقبة ـ منظر ـ ألوان ـ ظلام ـ ظلال ـ شروق.
هذا الشخص تجده سريعًا في حركته سريعًا في كلامه في أكله، حياته على نمط سريع وذلك بسبب تأثره بالنمط الصوري القائم على الصور المتلاحقة والضوء.
2ـ السمعي:
هذا الشخص الحاسة الغالبة عليه في استقبال المعلومات وفي رؤية العالم من حوله هو السمع، هذا الشخص يحب الاستماع كثيرًا وله مقدرة فائقة على الاستماع دون مقاطعة ويهتم كثيرًا باختيار الألفاظ والعبارات وتجد كلامه بطيئًا، ويركز على نبرات صوته عند الكلام كما أنه يميل للمعاني التجريدية النظرية كثيرًا.
وتجد عباراته يكثر فيها: اسمع ـ انصت ـ إصغاء ـ صوت ـ رنين ـ لهجة ـ إزعاج ـ صياح ـ همس ـ ثرثرة ـ صهيل ـ زئير ـ رعد.
الشخص السمعي يتأنى في اتخاذ القرار ويجمع أكبر قدر من المعلومات قبل اتخاذه ويقلل إلى أدنى درجة مستوى المخاطرة، فهو رجل قرار حذر.
3ـ الحسي:
هذا الشخص ينصب اهتمامه الرئيسي على الشعور والأحاسيس، وإذا حكى لك عن تجربة معينة سيحكيها لك من خلال ما شعر به وما أحس به، ولذلك فإن قراراته مبنية على المشاعر والعواطف المستنبطة من التجربة.
هذا الشخص تجد كلامه أكثر بطئًا من سابقيه ويستشعر ثقل المسؤولية أكثر من غيره ولذلك ينفعل للمبادئ ويندفع للعمل لها وتجد عباراته يكثر فيها:
شعور ـ إحساس ـ لمس ـ إمساك ـ حار ـ بارد ـ ضغط ـ شدة ـ ألم ـ حزن ـ سرور ـ ثقل ـ جرح ـ ضيق.
وهكذا إذا فهمت شخصية الآخر، وحددت نمط إدراكه،فإن هذا سيساعدك كثيرًا في تحقيق التآلف معه.
فإذا كنتي تريدين تحقيق الألفة مع الشخص المقابل فأمامك خطوتين:
الخطوة الأولى / المجاراة:
المجارات أن تجعل سلوكك الخارجي يتوافق مع سلوك الشخص الخارجي ويتم ذلك من خلال الخطوات التالية:
1ـ حاول أن تجعل تنفسك متوافقًا مع الشخص الآخر وقد يكون هذا غير مريح بالنسبة لك ولكن تزامن التنفس يعني تأسيس الألفة.
2ـ حاول أن تجعل صوتك متوافقًا مع صوت الآخر من حيث السرعة ـ النبرة ـ الشدة، وسوف يساعد فهمك لطبيعة الشخصية علي تحديد الصوت المناسب لها
3ـ حاول أن تجعل حركاتك متوافقة مع حركة الآخر حركة اليدين والرجلين والرأس.
4ـ حاول أن تجعل تعبيرات الجسم متوافقة مثل طريقة الجلوس ـ وضع اليد على الخد ـ وضع اليدين على بعضهما ـ تشبيك الأصابع، لاحظ ماذا يفعل المقابل وافعل مثله.
5ـ تكلم مع الشخص المقابل بالأسلوب الأقرب إلى شخصيته فإذا كان شخصًا بصريًا ركز على تصوير الكلام له وضرب الأمثلة الواضحة، وأما إن كان شخصًا سمعيًا ركز على نبرة صوتك واشرح الوضع بالتفصيل وشجع المناقشة بطرح أسئلة صريحة وحاول أن تركز على المعاني والألفاظ الدقيقة.
وإذا كنت مع شخص حسي أجعله يشعر بما تقوله وتفاعل مع الكلام.
الخطوة الثانية/ القيادة:
تولد المجاراة التآزر والاتصال القوي، أما الآن وفي هذه الخطوة آن لك أن تقود الشخص الآخر بعدما حصل هذا الاتصال وهذا التآزر، هيا! خذ الآن زمام المبادرة! قم بتغيير مقصود في سلوكك، وستجد أن المقابل يجاريك بدوره أو يتبعك، إذا حدث ذلك فإن هذا الشخص يتبع قيادتك ولديك علاقة اتصال ممتازة، الآن في هذه اللحظة تستطيع قيادته نحو النتيجة المرغوبة مثل أن تقنعه بما تريد أو تدفعه نحو عمل أو سلوك معين.
وأتمنى لكِ مزيد من النجاحات في تواصلك مع الآخرين بصفة عامة والنجاح مع أسرتك بصفة خاصة، وتابعينا بأخبارك دوماً.
اقرئي على موقعنا:
قلبي وربي وأبي: دفاتر تعاستنا، وعشقنا
أسرنا البائسة..هل من نهاية لعذابات الأحبة...مشاركة
قلبي وأبي وربي شباب للعرض فقط م
أبكي وأمي وأبي لا يبالون. مشاركة2
استشهادية تدمر مستوطنات استبداد الوالدين
ابنتنا ترسم معالم استراتيجية التعامل مع الوالدين
التعليق: أ.د رانيا نعم ذكر الله لإحسان بالوالدين وبذي القربى، لكنكِ أول ما تحدثتِ به هو إيجاد أرضية مشتركة بالرغم من السخط الواضح بين سطورها...
لا أدري لماذا لم تحثيها على إيجاد نفسها مثلا؟ أو البحث عن شريك حياة؟
فلعلها بعد ذلك تُجيد التواصل معهم بشكل أفضل لا أدري هل ستشعر هي اليوم ببصيص أمل أم بسخط أكبر؟
واسمحي لي أن أقول أن إيجاد الأرضية المشتركة ربما يعودُ بها للصفر في هذه اللحظة لستُ أحرضها على العقوق ولكنني أتحدث عن هذه اللحظة
أتمنى ردكِ أ. رانيا