الشك في الطهارة
إنني أبكي من الفرح لأنني وجدت من أسأله ويفرج همي بعد الله سبحانه وتعالى. مشكلتي هي أنني أشك في الطهارة وهذا الشك ظهر لي بعد أن ذقت حلاوة الإيمان بمعنى الكلمة، وبعد هذا الشك بدأ الخشوع وحلاوة الذكر ينعدم وبدأت العبادة تصعب وتشق عليا وأحياناً أبكي من الحالة التي أنا فيها لأنني عندما أحاول أن أقطع الشك باليقين لا أستطيع، لأنه يظهر لي مبررٌ لشكي!
فمثلاً عندما أتبول أعزكم الله "يتطرفش" أي يتطاير علي نقط صغيرة جداً من البول أضطر لأن أغسل جسمي ورجلي كل ما دخلت إلى دورة المياه، وأصبحت أجد المشقة في ذلك وأحياناً أبكي من ذلك...... لأني أجد تصرفي غريبا دون إخواني في البيت؟
هذا السؤال الأول: هل هذه القطرات الصغيرة جداً تعتبر نجاسة يجب أن أغسلها كلما وقعت في جسمي ورجلي؟
أما السؤال الثاني عندما يتبول أخي الصغير فهناك عدة أمور بشأنه:
أولا: هل الفراش الذي تبول فيه يطهره الشمس ويصبح بذلك طاهر يجوز الصلاة فيه لأنه يتبول عليه دائماً وأجد المشقة في غسله كل يوم وبذلك أسرف كثيرا من الماء.
ثانيا: أنه يمسك بسرواله وبه البول ثم يمسك بي ويمسك بالأبواب وبالجدار فأضطر إلى غسل ملابسي التي أمسك بها وغسل الأبواب والجدار وأمي تقول لي أن الدين يسرٌ وليس عسراً وأنه سوف يأتيني مرض نفسي من هذه التصرفات وهى غالباً ما تزعل مني وتخاصمني من هذه التصرفات الغريبة فهل ما أقوم به صح؟؟
وثالثاً: عندما أغسل شيء به نجاسة في "سطل" أو وعاء يتطاير عليَّ نقط من الماء الذي أغسل فيه الملابس التي وقعت بها النجاسة فما حكم الماء الذي أغسل فيه إذا تطاير منه عليَّ هل أغسل ملابسي والمناطق من جسمي إذا وقع عليَّ شيء من قطرات هذا الماء (ماء الغسل)؟
السؤال الثالث عندما أمسك بشيء نجس ولم أغسل يدي ثم أمسك بعدها الحنفية أو مفتاح الباب أضطر لغسل مفتاح الباب والحنفية كلما أمسكت بهما أو أي شيء آخر أمسك به أغسله حتى أنني أجد رغبة في البكاء من مشقة ما أقوم به فهل ما أقوم به صح ويجب أن أفعله للطهارة؟
أرجوك يا دكتور أن تعطيني الرد الشافي وان أمكن بالدليل ليتيقن ويطمئن قلبي ولأتخلص من الشك والوساوس التي أنا فيها ولأرجع إلى الخشوع والاطمئنان والراحة في العبادة والذكر لأنه بالرد على أسئلتي سوف أتخلص من المعاناة التي أنا فيها ومن الشك الذي يؤرقني ليل نهار ولن أنساك من الدعاء بعد كل صلاة إن شاء الله....
وأرجو أن يكون الرد من فضلك يا دكتور بأسرع ما يمكن لأنني متشوقة ومتفائلة بالرد.
24/6/2004
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك على موقعنا مجانين، وشكرا جزيلا على ثقتك، وعلى استبشارك الطيب بنا جعلنا الله على قدر المسئولية وأنعم علينا بالقدرة على التفريج عن هموم إخواننا وأخواتنا ومكننا من التخفيف من عذاباتهم، آمين.
أول ما تشير إليه إفادتك هو العلاقة بين الوسواس القهري والالتزام الديني، وهو مبحثٌ ما نزال نحاول التفكيرَ فيه وهل يحدثُ ذلك لأن الوسوسة تجيء للمسلم في أهم ما في حياته والدين هو أهم ما في حياة (ما اصطلح على تسميته) بالملتزم خاصة في بداية التزامه، أم هناك تفسيرا آخر ما نزال نحوم حوله ولا نستطيع الإمساك به ربما، ولكن هذه ليست قضيتك، فقط عليك بالإكثار من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وتذكري دائما أبدا قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28) صدق الله العظيم.
وسواس الطهارة Tahara Obsessions & Compulsions عند المسلمين يمثل الجزءَ الأكبر والأهم والأقصى تعذيبا للنفس وإحباطا لإيمانيات المسلم لأنها تمسُّ علاقته بربه، جزءٌ من ما يسمونه في الطب النفسي الغربي وسواس النظافة (Cleaning Obsessions & Compulsions (Cleaning Rituals وهي أحد أعمدة أعراض اضطراب الوسواس القهري بوجه عام وأنت تعانين منه، والطهارة والتطهر يتعلقان بما يحتاجُ إليه المسلم من وضوء Wodoo ربما فعله خمس مراتٍ أو أكثر كل يوم، فهو يتطهر بالماء الطهور ليتهيأ لمقابلة ربه؟
فكيف تتصورون حجم معاناة مثله إذا كان مصابا بالوسواس القهري؟؟ وما يحدثُ منك من خوف من الطرطشة من ماءٍ نجسٍ (قد يكونُ البول الواضح نفسه وقد يكونُ من الماء المستخدم في الاستنجاء) فإن ردي عليك هو أن عليك أن تحرصي أثناء التبول على ألا يصيب شيء منه رجليك مثلاً وهذا مفهوم وهو سلوك يفعله الإنسان بفطرته، ولا يفوتني هنا أن أذكرَّ بحديث سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: "لا يبولنَّ أحدكم في مستحمِّه ثم يغتسلُ فيه –قالَ أحمد : ثم يتوضأ فيه- فإن عامة الوسواس منه" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه،
والمقصود هنا ألا يوقع الإنسان نفسه في براثن الشك في هل أصابني نجسٌ من بولي أم لا؟! يحدثُ إذن بعد أن تتبولي بطريقة طبيعية (فلا يشترطُ هنا أن يكونَ تبولاً في مستحمِّك) يحدثُ أن تقتحمّ وعيكِ فكرةُ أن نجاسةً ما قد أصابتك من طرطشة أو نحوه، فتقومين أنت بعد ذلك بأفعال التطهر القهرية وتصفينها في إفادتك بقولك: (أضطر لأن أغسل جسمي ورجلي كل ما دخلت إلى دورة المياه)، فهذه أفعالٌ قهرية يا أختي وليست تطهرًا ولا هي من الدين لأننا نهينا عن التعمق، فعن ابن عمرٍ رضي الله عنهما أن رجلاً قال: إني لأتوضأ بعد الغسل، قالَ: "لقد تعمقت" (ذكرهُ المتقي في كنز العمال)، وعن ابن سيرين قال: همَّ عمر أن ينهى عن ثيابٍ حبرةٍ تصبَغُ بالبول، ثم قال "نُهِينا عن التعمق"، كل هذا يبينُ لك لماذا أقول أنها أفعالٌ قهرية وليست من الدين في شيء، (وأذكرُ من بعض مريضاتي المصريات أنهن كن "يُشَهِّدْنَ" أي يتلفظن لفظ الشهادة وهن يغسلن أثر الطرطشة، وكنت أذكرهن بآداب الخلاء ومن بينها ألا تذكرَ اسم الله في الخلاء).
وبناء على كل ما سبقَ أقول لك: أي قطراتٍ صغيرةٍ تقصدينها في سؤالك الأول: (هل هذه القطرات الصغيرة جداً تعتبر نجاسة يجب أن أغسلها كلما وقعت في جسمي ورجلي؟)، ما حجمها وما مصدرها وهل ترينها بأم عينيك أم أنك تشكين فقط؟ وهل تجدين لها لونا أو ريحا؟
إنما الدين يسرٌ وليس بعسر، وليس من حقي الإفتاء ولكنني استشهادا بكل ما سبق أقول لك: أن سيد الخلق عليه الصلاة والسلام : كان ينضح فرجه بالماء إذا توضأ حتى إذا وجد بللا قال: "هذا أثر الماء" رواهُ أبو داود، كما أشارَ الغزالي إلى الوسوسة في التطهر وما يفعلهُ الموسوسون بعد التبول من سلتٍ أو نثرٍ أو نحنحةٍ أو قفزٍ أو غيرِ ذلك مما لم يصح فيه نص، وقد شكا إلى الإمام أحمد بعضُ أصحابه أنهُ يجدُ البلل بعد الوضوءِ، فأمرهُ أن ينضحَ فرجهُ إذا بالَ وقالَ: ولا تجعلْ ذلكَ من هِمَّـتِكَ والهُ عنه، فهل ما زلت تحتاجين إلى فتوى؟
وأما ما يخص سؤالك الثاني : ولاحظي أنك لم تذكري لنا عمر أخيك الصغير هل هو صبي لم يأكل الطعام بعد أم هو أكبر من ذلك بدليل أنه يتحرك في البيت حاملا سرواله؟ لم توضحي لنا جيدا، وعلى أي حالٍ، ها هو الرد الفقهي مبتدئا ببعض الأحاديث النبوية الواردة بهذا الشأن: عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أعرابياً يبول في المسجد فقال: "دعوه حتى إذا فرغ دعا بماء فصبه عليه" (رواه البخاري ومسلم)، ولاحظي الفرق بين صب الماء وبين ما تفعلين!!!!
وقد جاء في كتاب نيل الأوطار للشوكاني: -عن أم قيس بنت محصن (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه عليه ولم يغسله)، رواه الجماعة. -وعن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل) قال قتادة: وهذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعا. رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن(. -وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه فبال عليه فأتبعه الماء) رواه البخاري وكذلك أحمد وابن ماجه وزاد: ولم يغسله، وروى مسلم (كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم فأتي بصبي فبال عليه, فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله)).
- وعن أم الفضل لبابة بنت الحارث قالت: (بال الحسين بن علي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أعطني ثوبك والبس ثوبا غيره حتى أغسله فقال: إنما ينضح من بول الذكر ويغسل من بول الأنثى)، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
بل أوردُ هنا من أجل اللاتي يوسوسن من دم الحيض أيضًا على سبيل التعريف لك علك تفهمين بالقياس: فعن أسماء بنت أبي بكر قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إحدانا يصيب الدم ثوبها من الحيضة، كيف تصنع به؟ فقال: "تَحُتُّـهُ ثم تقرصن بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه"صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، (رواه البخاري ومسلم والموطأ وأبو داود والترمذي والنسائي)، وعن أم قيس بنت محصن قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب، قال: "حكّيه بِضِلَعٍ واغسليه بماء وسدر" (أخرجه أبو داود والنسائي، وإسناده حسن (الأرناؤوط))
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن خولة بنت يسار قالت: يا رسول الله ليس لي إلا ثوب واحد وأن أحيض فيه؟ قال "فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلي فيه" قالت يا رسول الله إن لم يخرج أثره؟ قال "يكفيك الماء ولا يضرك أثره" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم،
معنى ذلك هو: لو أن امرأة حائض لبست ثوبا وأصابه شيء من دم الحيض لم نأمرها أن تغسل ثوبها, إلا الموضع الذي أصابه الدم. وأزيدك هنا ما ورد في تطهير ذيل ثوب المرأة، فعن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟ فقالت أم سلمة: قال النبي صلى الله عليه وسلم "يطهره ما بعده" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أعود بك بعد ذلك إلى ما أعلم أنه ركنٌ ركينٌ من أركان معاناتك يا أختي ألا وهو خوفك من وشكك في أن تكونَ نجاسةٌ غير مرئية قد أصابت ثوبك أو ممشاك أو ما تلمسين من أشياء، لأقول لك -إضافةً إلى كل ما سبق من نصوص شرعية تبين سماحة الشرع ويسره- ما ورد في موطأ الإمام مالك: (عن يحيى ابن سعيد أن عمرَ رضي الله عنه خرج في ركبٍ فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضًا، فقال عمرو بن العاص: يا صاحب الحوض! هل تردُ حوضك السباع؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا صاحب الحوض لا تخبرنا، فإننا نَرِدُ على السباع وتَرِدُ علينا). وعن ولد الإمام زين العابدين –رحمهما الله تعالى- أنه قال له والده يوما: يا بني اتخذ لي ثوبا ألبسه عند قضاء الحاجة، فإني رأيتُ الذباب يسقطُ على النجس في الخلاء ثم يقعُ على الثوب، فقال له: إنه لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثوبٌ واحد لخلائه وصلاته، فرجع الإمام عن ذلك. وأظنني بذلك قد أجملت الإجابة عن سؤالك الثالث فيما سبق،
وبقي أن أقول لك أنك إذا كان ما مضى من تعديل لمفاهيمك قد أفادك بالفعل فإن فائدته ستكونُ بدحر الفكرة التسلطية التي تدفعك إلى الأفعال القهرية، وخبرتي الشخصية تقول أن هذا الدحر لن يكونَ وحده كافيا لمنعك من ممارسة الأفعال القهرية، وأن الأجدر بك كمسلمة تود الخلاص من براثن العلة التي تحول بينها وبين الاستمتاع بحلاوة الإيمان وسكينة الصلاة بل والحياة بصورة طبيعية سهلة كمن حولك، الأجدر هو أن تتخذي كل السبل للمقاومة والتخلص من الوساوس ومن أهمها هنا أن تعرضي نفسك على أقرب طبيب نفسي ليصف لك أحد عقاقير الماسا؟، ليساعدك في التخلص من إلحاح الفكرة التسلطية وعليك بعد ذلك باتباع برنامج العلاج السلوكي الذي تتفقان عليه، وأقدم لك بعد ذلك بعض الروابط من موقعنا مجانين نقطة كوم، لتعرفي منها المزيد كان الله مرشدنا جميعا لما فيه الخير، فانقري العناوين التالية:
وسواس القولون عند المسلمين متابعة
مسلم يعاني من الوسواس: ماذا عن العلاج متابعة
الحصار القهري أو الوسواس: المهم العلاج
وسواس واكتئاب شديد وعلاج الشيخ لا يفيد!
وسواس قهري واكتئاب
الوسواس القهري: أنواعه وأعراضه وحكمه الشرعي متابعة
كرات الزئبق والوسواس
آنسة لبنانية تسأل عن الوسواس القهري
في نطاق الوسواس القهري: رحلة العذاب
وسواس القولون عند المسلمين: نموذجٌ أوضح
بين الرقاة - مس قرين؟؟! أم وسواس قهري؟؟!!!
وسواس الوضوء والصلاة والصيام هل هو قهري؟
رمضان، والوسوسة: هل تزيد الوسوسة في رمضان؟
كما أحيلك أيضًا إلى جزءٍ من المعروض في قسم نطاق الوسواس القهري من على مجانين أيضًا:
برنامج علاج ذاتي لمرضى الوسواس القهري القسم الرابع
علاج وسواس الوضوء والصلاة معرفيا وسلوكيا
وفي النهاية أشكرك على هذه الاستشارة التي نستكمل بها جزءًا مهما من أجزاء العلاج المعرفي لوساوس الطهارة في المسلمين، وأتمنى يا أختي أن يكونَ فيما أحلناك إليه وذكرناه لك في هذه الإجابة ما يهون عليك ويدفعك في طريق طلب العلاج وفقك الله وتابعينا بالتطورات.