الوسواس القهري دمرني
مرحباً أتمنى بداية عدم عرض معلوماتي في الاستشارة، وثانياً أريد بشيء من التفصيل أن أذكر لكم معاناتي مع الوسواس القهري، معاناتي بدأت منذ تقريباً سنتين ونصف، فأنا فتاة قليلة الالتزام في الدين مع الأسف وكنت أعيش حياة طبيعية، وعلاقتي بأهلي جيدة نوعاً ما حتى قررت مرة من المرات أن أصحح من وضعي الديني وألتزم، وبدأت بالتفكير في كل ما ارتكبت من أخطاء في عباداتي، وأبحث عن حكمها في مواقع الفتاوى، وهكذا من فتوى إلى أخرى حتى دخلني الوسواس.
أولا في مسألة العمرة حيث أنني اعتمرت وطوفت حول الكعبة، ظناً مني أنني طاهرة من الحيض، ولكن بعد ما انتهيت اكتشفت أنني لم أطهر، وعدت من عمرتي ومارست حياتي طبيعي، إلى أن قرأت في فتوى أن الطهارة شرط وأن هذا القول هو الراجح وأنني لازلت على إحرامي وأنني لابد من صيام 3 أيام عن كل محظور فعلته، وهنا بدأت معاناتي وحزني الشديد ووسوستي، وبدأ الوسواس ينتقل من مسألة في الأخرى إلى أن وصلت للطهارة سواء طهارة الأماكن أو طهارتي من الأحداث الكبرى أي الاغتسال.
وهذه الوسواس تتفاوت في حدتها، فتارة تذهب عني وتارة تعود حتى أصبت باليأس، وأشعر أن عباداتي غير صحيحة، وأن لا فائدة من حياتي حتى دراستي أهملتها، أيضاً من كثرت الاغتسال وغسيل يدي كلما لمست شيئاً أصابني جفاف وأصبح جلدي غير صحي أنا الآن وساوسي في مسائل الدين الأخرى غير الطهارة والنجاسة وانتقال النجاسات ذهبت عني ولله الحمد، ولكن بقيت في دوامة النجاسة وانتقالها حتى أنني أصبحت أسبوعيا أغسل مفارش سريري مع أنني لا ارى فيها نجاسة، ولكن لأنني أعاني من بعض الحبوب في وجهي، وعندما أنام وأستيقظ تكون قد انفقعت فأقول في نفسي أكيد أن المفارش ذهب عليها شيء مما خرج من الحبوب فأغسلها، عندما أغسل غسيلي أذهب بعدها للاستحمام أشك بنزول قطرات بول أكرمكم الله، وأذهب وأتفحص ولا أرى شيئاً هكذا أنا في دوامة الاغتسال والغسيل، لا أعيش حياة طبيعية.
أعلم أنها وساوس وأنه الأفضل تجاهلها ولكن عندما أتجاهلها أشعر أنني مذنبة وأني اقترفت خطأ وأنني أتجاهل أمر مهم مثل الطهارة، أيضاً هناك وسواس أصابني وهو أنني إذا كان هناك مسألة خلافية وأخذت بالأخف والأيسر ليس بسبب أنني موسوسة فحسب، لا بل لأسباب أخرى كثيرة هنا، يأتيني تأنيب الضمير وأنني متلاعبة ومترخصة لذلك أخذت بالأيسر وأنه على فرض يوم القيامة كان القول الذي اتبعته خطأ فماذا أقول لربي؟
وكيف هو حال عباداتي التي تعبدت الله فيها بناءًا على هذا القول الأخف والأيسر؟ مثال على ذلك مسألة طهارة الخمر ونجاسته قرأت أنه نجس على الراجح، وأن الكحول الموجودة في بعض المستحضرات والعطور هي خمر لأنها كحول مسكرة وكل مسكر خمر، وأنها على هذا القول نجسة فأصبت بالوسواس لأنها أشياء لا يمكن الاحتراز عنها، والابتعاد عنها خصوصاً غالبية الناس يعملون بالقول الذي ينص على طهارتها!!
وعندما أخذت بالقول الذي يقول أنها طاهرة أصبحت ألوم نفسي وأنني متلاعبة ومترخصة، وعلى فرض أن القول هذا خطأ كيف يوم القيامة أقابل ربي وصلاتي خاطئة لأنني أصلي وأنا أضع هذه المستحضرات!!! وهكذا حتى تعبت ويئست ومللت، أصبحت أتمنى الموت لأرتاح.
أرجوكم لجأت إليكم بعد الله أن تخففوا عني وتجيبوني في أقرب وقت بإذن الله
وشكر الله لكم قد يكون كلامي غير مفهوم وواضح ولكن اعذروني.
14/11/2016
رد المستشار
أهلًا بك وسهلًا أختي الكريمة، وأعانك الله ربما تأخرت جدًا بالإجابة على سؤالك، فحقك علي...
من الطبيعي أن تتفاوت وساوسك في حدتها، فهذا هو شأن الوسواس، يترك لصاحبه فترة يتنفس فيها قليلًا ثم يعود إلى جولة أخرى من جولاته المؤلمة. ويبدو أن ثقافتك حول الوسواس جيدة والحمد لله، لكن لا يبدو من كلامك، أنك قد زرت طبيبًا وحبذا لو تفعلين
قلت أنك تشعرين بالذنب عندما تتجاهلين الوساوس. ما هو الذنب؟ الذنب هو مخالفة ما أمرك الله تعالى به عمدًا وعن علم. فهل يخالف الموسوس أمر الله وشرعه بتجاهل الوساوس والأخذ بالرخص؟ بالعكس تمامًا؛ طاعة الموسوس هي التجاهل والأخذ بالرخص، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم من يعاني من وساوس العقيدة بإيجاد الأدلة ونقاش نفسه للخلاص من الوسواس بل قال: ((فليستعذ بالله ولينته))، أي ليكف عن التفكير. ويتلازم هذا مع التجاهل....، وقال لسيدنا عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه عندما شكى إليه وسواس الصلاة: ((ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزِبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاَثًا)). لم يقل له: حاول أن تتذكر كم ركعة...، أعد ما وسوست فيه...، وإنما افعل هذين الأمرين، وامضِ في صلاتك متجاهلًا ما تشعر به...
فشعورك بالذنب راجع إلى الوسواس، وأما في حقيقة الحال فأنت مطيعة تعملين بأمر الله تعالى.
كذلك أخذك بالمسائل في الأمور التي لا توسوسين فيها؛ أولًا وقبل كل شيء: طالما أنك قلدت في العمل مذهبًا صحيحًا من المذاهب الأربعة، فأعمالك صحيحة ومقبولة، بإذن الله تعالى، حتى من يتتبع الرخص بالتشهي أعماله صحيحة، لكنه يفسق لتلاعبه بالدين وتملصه من التكاليف بهذه الطريقة. فلا تفكري في قضية الصحة والبطلان نهائيًا. ثم: طالما كان أخذك بالرخصة له سبب مقبول غير مجرد الكسل، فلا يوجد مشكلة، عصرنا هذا مليء بأشياء لم تكن موجودة من قبل، ومن العسير التزام مذهب واحد فقط، كلنا نضطر لتقليد غير مذهبنا يوميًا حتى نعيش دون مشقة، ودون أن نصطدم مع الآخرين فننزعج ونزعجهم. فقولي لربك غدًا: اتبعت مجتهدًا لحاجة وقعت فيها. وسيقبل منك إن شاء الله.
وبالنسبة للكحول بشكل خاص: النجس هو: (المسكر المائع)، سواء كان صرفًا أو أضيف إلى مواد أخرى. والكحول المسكر هو الكحول الإيثيلي، وهو النجس، أحيانًا يستعملون الكحول الميثيلي، وأحيانًا الكحول السيتيلي كما في الكريمات والمطريات، وهما ليسا بمسكرين ولا نجسين. وهناك أنواع أخرى ما كان منها مسكرًا فهو نجس، وما لم يكن مسكرًا فهو طاهر...
ثم هناك مواد دوائية، أو دهانات معينة تستعمل في الأثاث وغيره لا تخلو من الكحول المسكر، وكل هذا معفو عنه لأنه لا يمكن الاحتراز عنه، كذلك عندما تتعاملين مع الناس، هم يقلدون القول بالطهارة، ولهم الحق والحرية، فعامليهم على أنهم طاهرون وجميع ما يستعملونه... لا يمكن التحرز عن معاملة الناس، وبالتالي لا يمكن التحرز عن ما يعتبرونه طاهرًا ونعتبره نجسًا، وما لا يمكن التحرز عنه، يعفى عنه شرعًا.
نحن وجدنا على الأرض، والحياة كلها تنوع واختلاف، ولا نستطيع العيش حسب أمزجتنا، لكن علينا أن (نعيش) و(براحة)، فما جعل الله علينا في الدين من حرج... احفري هذه العبارة في ذهنك (أريد أن أعيش)، وتذكريها كلما أتاك وسواسك في النجاسة، وانتقي القول الفقهي الذي يجعلك (تعيشين) دون حرج ولا مشقة.
أعانك الله وعافاك، وأكرر اعتذاري على تأخري عليك.
ويتبع >>>>>: وسواس الشعور بالذنب! م