قلة الحركة عند الأطفال
سيدي العزيز، تحية طيبة وبعد؛
أنا رجل في سن ال 45 عند الصغر كانوا يقولون لي أنني لا أحب الناس وعندما كبرت قالت لي أمي أن أبي عندما كان يصاحبني وكان يقابل أصدقاءه كانوا يقولون له لماذا لا يتكلم هل أنا عندي نقص معين في المخ مثلا أم هو مرض نفسي وهل يصاب الطفل بالاكتئاب منذ الصغر في السنين الأولى.
مع ملاحظة أن أبي كان يعاملني بقسوة وكان يعامل أمي بقسوة ولم أشاهده يتكلم معها أبدا وعندما كبرت كانت أمي تشتكي منه منذ أن تزوجته.
مع العلم أنه خارج البيت شخصية اجتماعية ويتكلم مع الناس بلطف وداخل البيت شخصية قاسية، معي شخصيا وأنا ابنه الأكبر الذكر وكان يعامل بقية إخوتي بمعاملة مختلفة مما يعاملني بها ولا أتذكر أنه كان يتكلم معي بحنان وإنما كان كلامه كله عبارة عن أوامر وكان لا يعجبه أي شيء أفعله وكان أبي يعمل بالخارج منذ أن كنت في السنة الثامنة تقريبا وكان يرجع في الإجازة الصيفية وأتذكر أن عمي كان يدرس لنا دروس السنة الثالثة أو الثانية وكان يضربنا أنا وأخي ضربا شديدا ويهيننا.
وعندما وصلت إلى السنة الرابعة الابتدائي أحضر لنا أبي مدرسا من أقاربه ليدرس لنا حتى السنة السادسة وكان هذا الشخص يضربنا أنا وأخي ضربا شديدا وكان يضرب رأسي في الجدران وكل ذلك لأنني لا أذاكر جيدا كما يقولون وهم نسوا أن لكل طفل طاقة معينة، وحصلت في الابتدائي على مجموع مرتفع ولكن عندما دخلت في المرحلة الإعدادية بدأ المنحنى في الهبوط وبدأت أهرب من المدرسة لأن مدرس الإنجليزي كان يضربني بشدة وبدأت أكرهه كما أكره مدرس الابتدائي إلى أن حصلت على المرحلة الإعدادية بمجموع أقل كثيرا من الابتدائية واستمر الحال كما هو في الثانوي لأحصل على مجموع أقل جدا من المرحلتين السابقتين ودخلت لإحدى الكليات النظرية التي تعتمد على الحفظ وفشلت فيها فشلا ذريعا ودخلت لأحد المعاهد وتخرجت منه بصعوبة وفي جميع هذه المراحل كان الاكتئاب يصاحبني وكانوا يقولون لي لماذا لا تتكلم.
لأنني فعلا كنت لا أكلم أحدا ولم يكن لدي أصدقاء إلا نادرا وكنت منذ صغري بطيء الحركة وأعتقد أن ذكائي محدود وفهمي للدروس قليل بالرغم من أنني كنت آخد دروسا كثيرة، وبعد المرحلة الابتدائية كنت لا أستطيع الحفظ وشارد الذهن وأنسي كثيرا خصوصا في الامتحانات أنسي كل ما قرأته وإلى الآن عندما أحاول أن أتعلم لغة أجنبية أفشل لأنني لا أفهم ما يقال وبعد فهل أنا عندي مرض ويجب أن أذهب لطبيب مخ وأعصاب أم أمراض نفسية
وشكرا جزيلا لك
وآسف على الإطالة وأرجو الإجابة.
11/6/2004
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أخي العزيز حياك الله وأهلا بك ضيفا عزيزا على موقعنا .
لا تحتوي رسالتك على مشكلة محددة المعالم كي نساعدك في التفكير فيها، بل هي أشبه ما تكون بحديث مع ذاتك وتفكر في أمور نفسك. تسألنا إن كنت بحاجة لطبيب أعصاب فهل تقصد أن لديك صعوبة فعلية في الحركة؟ أم أنك فقط لا تشعر بنشاط ورغبة في الحركة؟
ومع أنك جعلت موضوع رسالتك قلة الحركة عند الأطفال إلا أنك لم تشرح الكثير عن هذا الجانب ثم عدت لتقول "كنت منذ صغري بطئ الحركة" فهل ما زلت كذلك؟
عموما إذا كنت وما زلت تجد صعوبة في الحركة من الناحية الفسيولوجية (متعلقة بقدرة الأعضاء) فنعم قد يفيدك أن تراجع طبيب أعصاب حيث قد يكون ضرب رأسك أدى إلى أضرار عضوية، أما إذا كانت صعوبة الحركة ناتجة عن "عدم الرغبة" في الحركة سواء في الصغر أو حاليا فأنت قد تكون بحاجة لمراجعة مختص نفسي دون أن يعني هذا أنك مريض، ولكن يمكن للمختص من خلال الحديث المباشر أن يرى من معاناتك أكثر مما نرى نحن من خلال سطورك.
أخي في الله كنت ضحية للعنف الأسري من قبل والديك (هداهما الله وغفر لنا ولهم) ضحية لوالدك حينما كان يضربك بقسوة دون أن يشرح لك سبب عقابك (بغض النظر عن شكل، وشدة، وعدم منطقية العقاب) ويعاملك بقسوة أكثر من باقي إخوتك (هل كنتم إخوة أشقاء؟) ومن أمك حين كانت تشكو لك كطفل من والدك، وأنت لا تستطيع مساعدتها، ولكن لا يمكنك إلا أن تشعر معها بالألم مما يحمل نفسك معاناة ليست بقادرة ولا مؤهلة للتعامل معها، ومن الطبيعي أن يترتب على مثل هذه المقدمات أن تعاني من بعض الاضطرابات.
ونعم يعاني الأطفال من ضحايا العنف الأسري ( من ضمن ما يعانون منه) من الاكتئاب بغض النظر عن صغر سنهم، ولكن تختلف أعراض الاكتئاب عند الأطفال عنها لدى الكبار، وأنت لم تذكر الكثير عما كنت تشعر به في ذلك الوقت، وإذا كنت قد عانيت منه في طفولتك قد تكون تجاوزته فيما بعد.
وينطبق وصفك لوالدك "أنه خارج البيت شخصية اجتماعية ويتكلم مع الناس بلطف وداخل البيت شخصية قاسية" على صفات الوالد العنيف، وتعلل ذلك واحدة من النظريات التي تحاول تفسير العنف الأسري فتقول أن العنف الذي يحدث في الأسرة من قبل شخص يصفه المجتمع الخارجي بأنه شخصية لطيفة بأنه يحدث نتيجة لانخفاض تبعاته low coast، أي أنه يضرب ويقسو ويهين في الأسرة لأنه يعرف أن لا أحد سيحاسبه!!!
بينما لو مارس واحد على عشرة من هذا السلوك في المجتمع الخارجي لن ينجو دون أن يدفع الثمن، واستخدام الشخص العنيف للّطف أو الاهتمام في بعض الأحيان يكون فقط لضمان بقاء الأهداف التي يستخدمها لتفريغ شحناته كي يعود لاستخدامها حين يحلو له!!! ولله الأمر من قبل ومن بعد.
كنت يا أخي (وأدعو الله أن لا يحرمك الأجر) ضحية للعنف من عدة مصادر مثل العم والمدرس الخاص ثم في المدرسة، وهذا في لغة أهل الاختصاص تعدد لمصادر العنف وتعدد لمجالات العنف، حيث كثيرا ما تكون المدرسة والمدرسين الملاذ الآمن لمن يعانون من العنف الأسري، حيث يحصلون منهم على الدعم والتشجيع والتفهم والتوجيه في الحياة أي كل ما يفتقدوه في أسرهم وهو ما يقلل ويحمي الأطفال من الآثار السلبية للعنف الأسري، وفي حالتك كنت كالمستجير من النار بالرمضاء.
ومن الطبيعي أن تترك هذه الأمور آثارها في نفسيتك من حيث انخفاض دافعيتك للتعلم، وانخفاض تركيزك في دراستك (وهذا أقل ما قد يكون) حيث أكثر ما يشغل بال ضحية العنف هو محاولة معرفة السبب ومحاولة التنبؤ بالهجوم القادم، ولكن الأثر الأخطر هو ما تركته (وما تتركه عادة في نفوس الضحايا) من عدم الثقة بالنفس وفي الآخرين.
وتظهر عدم ثقتك في الآخرين من خلال قلة حديثك، وتظهر عدم ثقتك في نفسك من خلال عدم رغبتك في التعبير عنها، وهو ما يصفه الآخرون "بأنك قليل الكلام منذ الصغر"، تنتج استجابة الصمت عن الخوف والذعر الذي يتركه العنف في نفس الطفل، فهو يحاول حماية نفسه من خلال تجنب أي إثارة لمصدر العنف كي يتجنب تلقي المزيد منه، ويميل الإنسان إلى تكرار ما يريحه وإذا كان في الصمت راحة فمرحبا به!! تشبه هذه الاستجابة استجابة الفريسة التي يشلها الذعر من الصياد فتعجز عن التفكير وعن الحركة والتي لا تعود عليها أبدا بخير.
ونكمل معا بالقول أن للآخرين تأثير كبير عليك حيث تكثر من استخدام "قالوا لي" و "كانوا يقولون لي"، وهذا يوضح لك أهمية المحيطين بالطفل في تكوين فكرته عن نفسه وتقديره لذاته، ولعل تكرارهم بأنك قليل الكلام أو لا تحب الكلام هو المسئول المباشر وراء قلة كلامك أكثر من عدم قدرتك أو رغبتك في الكلام، فرسالتك فيها كمية معقولة من الكلام عن نفسك.
"أفشل لأنني لا أفهم ما يقال" "إن ذكائي محدود وفهمي للدروس قليل" هذه جمل استخدمتها لتصف نفسك وبكل تأكيد فإن فكرتك عن نفسك هي ما تحول دون تحقيقك لأهدافك، كيف سأفهم إذا كنت مقتنعا بأن ذكائي محدود! كيف عرفت أن ذكائك محدود؟؟ هل أجريت اختبار لقياس الذكاء؟؟ أم حكمت على نفسك من خلال عدم تفوقك في دراستك؟ حيث إنك نجحت في النهاية وإن لم يكن بما يتناسب مع مستواك أو أحلامك فالتمس لنفسك عذرا بأنها كانت كالجندي الوحيد في أرض المعركة أمام جيش كامل العدد والعتاد، فلا بد أن تكون ضعيفة الأداء لأنها موزعة على جبهات أكثر مما تستطيع مواجهتها.
لنبدأ من جديد يا أخي، وانظر من تعلم استخدام أحدث تقنيات الاتصال في العالم؟ أنت من كتب لموقعنا هذه الرسالة؟ أنت من كتب رسالة ذات لغة سليمة وجمل مترابطة؟ أنت من فكر ورغب في استشارة مختصين في مشكلته؟ أنت ومن وجهة نظري هذه ليست قدرات شخص محدود الذكاء، ولا قليل الفهم أبداااااا
ولكن بسبب الفكرة المزروعة داخلك من خلال الإهانات التي تصاحب العنف والتي تؤدي لانخفاض تقدير الذات لا تستطيع أن تعطي لنفسك أو نجاحاتك قيمتها الحقيقية. أنت إنسان عادي وطبيعي تعرض لأزمة في بداية حياته أثرت على بعض جوانب نفسه ولكن هذه المرحلة انتهت، فاعمل على غرار ما لم يقتلك يزيدك قوة، ومن المفيد أن نفهم ما حدث ولكن لا يجب أن نبقى ضحايا له طول العمر.
لم تذكر لنا حالتك الاجتماعية، فهل أنت متزوج؟ لديك أولاد؟ كيف تعاملهم؟ لو كنت كذلك أطلب منك أن لا تبخل عليهم بالتعبير عن حبك(ليس من خلال الإنفاق) ولن يكلفك هذا أكثر من عناق، أو مسحة على الرأس، أو حتى كلمة طيبة، أوقف معاناتك من قسوة الماضي بزراعة الحب في الأرض التي ستنبت حبا يعود عليك بالخير بإذن الله. وابقَ دائما قريبا من موقعنا.
ويضيف ا الدكتور وائل أبو هندي الأخ العزيز أهلا وسهلا بك على موقعنا مجانين نقطة كوم، وشكرا على ثقتك، ليست لدي بعد ما تفضلت به المستشارة الدكتورة حنان طقش من إضافة غير أن أحيلك إلى عددٍ من المقالات والاستشارات على موقعنا مجانين عن الاكتئاب المزمن وعسر المزاج واكتئاب الأطفال وغير ذلك مما يفيدك إن شاء الله، فقط عليك بنقر العناوين التالية:
الاكتئاب الدائم أم عسر المزاج ؟
عسر المزاج ، والاكتئاب
اللامبالاة ، هل هيَ اكتئاب ؟
الخروج من الشرنقة للشمس والزهور "م
علاج الاكتئاب المعرفي : فتح الكلام : العلاج المعرفى
واقرأ أيضًا من باب الطب النفسي شبهات وردود عن المفهوم المغلوط الشائع التالي:
المرض النفسي لا يصيب المؤمن القوي
وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين فتابعنا بأخبارك.