وسواس الاغتسال50% تكفي للموسوس!
أحمل هم الدعاء وهم الإجابة
السلام عليكم ورحمة الله
بداية أود أن أشكركم على ما تقدمونه من إفادات، وأنا شخصيا استفدت من استشارة سابقة وأن تقدمت بها فكانت النتائج جد رائعة، خاصة وأن المجيبة كانت الدكتورة رفيف الصباغ حفظها الله، والتي أبشرها بأن إجابتها ساعدتني في تجاوز وسواس الاغتسال, وأكاد أصل بفضل الله أولا وبفضلها ثانيا إلى درجة الشفاء، خاصة وأنني استأنست كثيرا بإفادتها. فجزاك الله كل خير... الأمر الذي شجعني على معاودة الكرة والاستفادة من قضية بدأت تسبب لي الضيق وكثيرا من الإزعاج...
المشكلة سيدتي الفاضلة هو أنني كنت كثير التوكل على الله في االصغيرة قبل الكبيرة، وأسرف في الدعاء وآخذ بأسباب قبول الدعاء إلى درجة المبالغة, فأحمد الله عز وجل وأثني عليه ثم أصلي على نبيه الكريم ثم أدعوه بأسمائه الحسنى في خشوع وتضرع وأحيانا إلى درجة البكاء المسبوق بالتصدق خالصا لوجهه الكريم, وذلك كله مع حسن الظن بأن ربي سيستجيب لي لا محالة... في حركاتي وسكناتي، في وقوفي وممشاي، في حالة نزول الغيث والصفاء، بل وأحيانا في مضجعي وأنا أتقلب يمينا و يسارا.
حتى أصبح الدعاء بالنسبة لي عبأ كبيرا، خاصة وأنه يأخذ مني وقتا كبيرا فأنا لا أدعو إلا وقد أخذت بكل أسباب الاستجابة.. صراحة بدأت أسقط في فخ الوسوسة, وأحسب للدعاء حسابا لأنه يجب أن أقطع كل الأشواط السالفة الذكر. بل إنني أجزم بأن التضرع لله والتقرب منه واستجابته لا تكون إلا بالإلحاح والتكرار المصحوب بالتذلل.. المهم أن الدعاء أصبح يأخذ مني وقتا كبيرا إلى درجة أنه تحول إلى هاجس، فالدعاء لا يكون دعاء، ولا يستجاب بذكر قليل ولا تكرار ولا تركيز أو تضرع... تحولت هذه العبادة إلى حمل... أغار من أولئك الذين يلجؤون إلى رب العزة بكل بساطة ويسر وفي زمن قليل من دون تعقيد أو حمل هم كبير مثلما يحدث معي....
الدكتورة الفاضلة رفيف المشكلة لا تتوقف هنا بل تتعداها إلى أن عزيمة الإقبال على الدعاء بدأت تقل شيئا فشيئا وذلك لسببين أولهما ولقد سبق ذكره أي أنني أعتقد بأن الاستجابة لا تتحقق إلا بجهد عضلي وعقلي يمر عبر التركيز والتضرع والإطالة في الذكر.....الخ. وإن كان ليس هذا هو السبب الرئيس. لأنه أصلا كنت في البدايه أشعر بلذة التقرب من الله وحسن التوكل عليه.
ثاني الأسباب وهو علة همي وحزني وأستغفر الله من تجرئي على ما سأدلي به في استشارتي كما أتقدم باعتذاري المسبق لدكتورة رفيف مما قد يفهم تعديا على الذات الإلهية، ولكن يعلم الله أنني لا أريد إلا أن أصل إلى الطمأنينة: لكي يطمئن قلبي...
أصابني الفتور في اللجوء إلى الدعاء بعدما بدأت أشعر بأن الله لم يعد يلتفت إلى سؤالي على الرغم مما آخذه من أسباب الاستجابة، فبعض المسائل مثلا داومت على طلبها منذ سنوات الصغر ولكن إلى الآن لم أجد لها إجابة، وبعض المسائل على قلتها وجدت لها إجابة ولكن بعد جهد جهيد ووقت طويل جدا، وبعض المسائل في عز ما أدعوا فيه خالقي بالتضرع والخشوع والبكاء بأن ييسرها، تصعب أكثر وتتعقد إلى درجة أشعر فيها بأنه لا يوجد حلا لها وذلك على الرغم مما آخذه من أسباب دنيوية أيضا. وذلك في مسائل عدة...
وما زاد الطين بلة هو أنني دعوت الله في مسألة أكثرت فيها من الدعاء والبكاء والأخذ بكل الأسباب الدينية والدنيوية وسألت ربي أن يجعل حاجتي إليه دون سواه، وأتذلل إليه وحده وألا يجعل هواني إلا إليه وأكثرت من قوله تعالى أمن يجيب المضطر إذا دعاه... أنا الفقير وأنت الغني، القوي... يا رب المستضعفين.. من لي غيرك.... إن كانت الظروف والأسباب تعاندني، فأنت ملك الملوك ورب الأسباب والمسببات والظروف مهما صعبت. وغيرها مما لا يحصى ولا يعد.
لكن الذي حدث هو أنه لم أجد لمشكلتي حلا إلى الآن وإن كانت بعض ملامح الانفراج تلوح في الأفق, ولكن بعد جهد جهيد وعناء وسفر كثير بين ذهاب وعودة وقطع مئات مئات الكيلومترات (مع العلم بأن قضاء هذه الحاجة تتطلب مني السفر) ، وبعدما أقطع كل هذه المسافة أملا في انتهاء هذه المعضلة أجد أنها تعقدت أكثر مما كانت عليه، وما حز في نفسي أكثر هو الذل والهوان الذي تعرضت له من قبل من بيدهم الحل والربط حتى بدوت وكأنني مهان مهلهل الشخصية وهم يتلذذون بذلك وأنا أجدني مضطرا للتوسل إليهم لأقضي حاجتي خاصة وأن الحل كان لا يكمن إلا عبر هذه الطريقة ( أي التوسل والاستعطاف والتذلل). رأيت كل أنواع الذل والهوان والتعب الجسدي والإرهاق النفسي الذي لا يعلمه إلا الله، بل أحيانا أجد بأن الأمور ساءت أكثر فأكثر من الناحية الجسدية والنفسية وحتى المادية بما لم أجد لها طاقة. إنها بالفعل أعباء نفسية ومادية.
أسائل نفسي لماذا كل هذا الهوان وأنا الذي كنت أتعوذ من الذل إلا إليه، حبا في ربي
لا أخفيكم أمرا. شعرت بالخيبة وعدم الرغبة في الدعاء مثل ما كنت عليه في الأول خاصة وأنها لم تكن الأولى فقد مررت بتجارب مماثلة لم أجد لها إجابة.... تعاندني الظروف في أغلب الأوقات
- أحاول أن أتعزى بفكرة الابتلاء وبأنه يجب علي الصبر
- أحاول أن أتفكر في آلاء الله ونعمه الكثير لأخفف من وطأة ما أشعر به من خيبة
- أراجع آية { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خير اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }... فأجد تفسيرها ينطبق علي فأنا فعلا حينما أجد ثمار الاستجابه يطمئن قلبي وأفرح وأقبل على الله بلهفة وأتوجه إليه بالحمد والشكر وأشعر برضاه عني. أما إذا كان العكس فلا تجدني إلا مضطربا ومصابا بالخيبة على الرغم من أنني أحاول جاهدا أن أحرك لساني بالشكر والحمد لكن الداخل يكون عكس ذلك...
-أحاول أن أستأنس بالتفكر في آية ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس...
ولكن للأسف لا أشعر إلا بأنني منافق فأنا ممن ينطبق عليهم قوله تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف
- أحيانا أشعر بأن الله ليس راضي عني...
- أتصبر بقصة سيدنا يونس عليه السلام، فهو الذي يعلم علم اليقين بأن الله عز وجل معه، ومع ذلك شعر في لحظة ضعف بخيبة أمل، فذهب مغاضبا. فما بالي أنا بالعبد الضعيف، الفقير إلى الله.
حتى في الحالات القليلة التي أجد فيها الإجابة أشعر فيها بأن الله عز وجل أجابها حتى لا يسمع صوتي أكثر مما سمع. أو قد لا تكون أصلا من باب الاستجابه، بل هي نتاج أسباب ومسببات. خاصة وأن الإجابة كانت في أمور بسيطة لا تتعدى قدراتي بخلاف المواقف التي كنت أشعر فيها بحاجة وقوف ربي معي.
تراودني فكرة: ما جدوى الدعاء إذا كان يأخذ مني كل هذا الجهد والوقت الذي يمتد أحيانا إلى سنوات طوال، ثم لا أجد نتيجة... وخاصة إذا كان الموقف المطلوب مستعجلا...
- في عز الضيق تتطرف نفسي وتحدثني: هل الله موجود، فإن كان موجود فأين هو... أستغفر الله العظيم مما كتبت يداي. أتذكر قول من ترك أربابه المتعددة وقت إسلامه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان فيها خير لما تخلت عني.
أشعر بعقدة الذنب حتى وأنا أكتب هذه الاستشارة، فضميري يؤنبني ويسمني بنكران الجميل ويذكرني بوقوف الله عز وجل معي في المواقف التي كنت محتاجا فيها إليه....
أتساءل كيف نقنع من أسلم حديثا وقد اقتنع بأن خيره كله في اللجوء إلى الله الذي لن يتخلى عنه فإذا بالمصائب تتوالى عليه تباعا..
لماذا دعاء ذهاب الهم والحزن لا يذهبهما بمجرد قراءته كما ورد في الصحاح
كيف أغالب نفسي وأحسن الظن بالله وأقنعها بقول رسولنا الكريم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير.... ولكن النفس الأمارة بالسوء لا تقتنع البتة
لا أريد من وراء طرح هذه الأسئلة إلا أن أصل إلى درجة المتوكلين عليه حق التوكل فلا يخشون شيئا.. ولا أبغي من وراء ذلك استفزازا أو استهزاء.... دعاؤكم لي بالهداية إن كان الذي أجده في نفسي نفاقا، والشفاء إن كان من قبيل المرض أو الوسوسة... دعاؤكم لي بالتوفيق والثبات والهداية والتوكل على الله حق التوكل ومعذرة على الإطالة.
30/11/2016
قبل إجابة الأستاذة رفيف
السلام عليكم, كنت قبل مدة أرسلت استشارة لأستاذة رفيف عنونتها ب: أحمل هم الدعاء وهم الإجابة.. وقبل إجابة الأستاذة رفيف، ارتأيت أنه من الأمانة أن أرسل إفادة أبين فيها إجابة الله عز وجل ووقوفه بجلاله وعظيم سلطانه إلى جانب محنتي وقمة ضعفي. مثلما أسأت به الظن ولا حول ولا قوة إلا بالله.
استأت من نفسي ومن سوء ظني الوقح واستعجالي. استأت من نفسي التي كانت تنتظر الإجابة حتى تكون راضية، والله عالم لو لم يجب ربي سؤلها....
أعترف أستاذة رفيف أنه لو لم يكن الوضع كذلك كنت سأصاب بالخيبة والوهن والضعف وعدم الرغبة في الدعاء مرة أخرى. بكل بساطة لأنه لو استمر الوضع على ما كان عليه لترتبت عليه أمور سلبية كثيرة جدا، كما كانت ستؤثر سلبا، وسلبا على حياتي الجسدية والنفسية والاجتماعية والمادية بشكل كبير جدا لا يعلمه إلا الله. ولكن الحمد لله الذي قدر ولطف.... لأنه لو استمر الوضع كما هو هذه السنة كنت لأتألم كثيرا ومن جميع الجوانب.
ما يؤلمني أستاذة رفيف بأنني استعجلت وأسأت الظن ولم أصبر... ولكن أستاذتي الفاضلة.... هذا الذي فرجه الله عني كان يشكل حلم حياتي الذي ظللت أدعوه ليل نهار ومنذ مدة طويلة جدا...
الأستاذة الفاضلة: إلى الآن ما زال يساورني الشك: لماذا كل هذا الإلحاح في الدعاء والاجتهاد في التضرع ولمدة زمنية طويلة. ولكن رغم ذلك طالت المدة وما صاحب طول هذه المدة..... والتي كلما طالت ترتب عنها نتائج جد سلبية.. فأفيديني أستاذة رفيف في ما أجده من ظنون....
لا أعتقد بأن الدعاء يستجاب إذا كان سطحيا. فمثلا لو دعوت ب: اللهم اشفي أمي، اللهم اشفي أمي... فإنه في نظري لن يقبل وحتى يكون كذلك يجب أن يكون مسبوقا بالذكر الكثير والتسبيح والصلاة على النبي. مما يثنيني ويثقلني عن الدعاء...
ماذا لو لم أجد إجابة وأصبت بالخيبة هل سأعد مذنبا.. مع التذكير بأن بعض الأسئلة التي دعوت فيها الله عز وجل منذ مدة طويلة لم تستجب. أو تستجاب ولكن بعد مرور وقت طويل جدا حتى أقول بأنه قد فات الأوان....
كيف أجعل الدعاء سهلا يسيرا ومن دون تكلف ولا تثاقل وأشعر بأنه حقا مستجاب خاصة في أيام الجمعة وليلة القدر....
في الأخير أعتذر عن الإطالة. وأحمد الله أنه فرج همي حتى ولو كان ذلك بعد حين.
دعاؤكم لي بأن يجعلني أتوكل عليه التوكل
17/12/2016
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "محمد"
إليك هذا الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه بإسناد صحيح:
((قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: «كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ؟»، قَالَ: أَتَشَهَّدُ وَأَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، أَمَا إِنِّي لَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ»)). والدندنة هي الكلام الخفي الذي لا يتبيّن ولا يفهم.
هذا الرجل سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء الذي يدعو به بعد التشهد آخر صلاته، فكان دعاء مختصرًا: (سؤال الله الجنة والتعوذ به من النار) لأنه لا يحسن تنميق الدعاء، ولا الكلام الذي يدندن به النبي صلى الله عليه وسلم، (وكذلك الصحابي معاذ بن جبل)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((حولها ندندن)). أي كلماتك القليلة هي كدعائنا الطويل الذي نقوله، ولاتفهمه... الحصيلة واحدة. والله يقبل من هذا الرجل ويعطيه كما يعطي معاذ بن جبل الذي يطيل الدعاء ويتفنن في ألفاظه...، ويكون بهذا متبعًا لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في الدعاء...
تكفي كلمات بسيطة من القلب، تتوجه بها صادقًا إلى الله تعالى، ليعلم منك ما تريد، بل هو يعلم ما تريد قبل أن تنطق، بل قبل أن تعلمه أنت...، فقل ما تحب فالكل عنده سبحانه سواء. الشروط المذكورة من تصدق وثناء على الله وغير ذلك؛ شروط كمال، ولكن الجوهر هو صدق التذلل والتوجه إلى الله تعالى، بأي كلمات، وبأي لغة...
هو المجيب الرحيم، الذي يعلم السرّ وأخفى...، نعم.
إذن لماذا لا يستجيب دائمًا؟!!
بلى هو يستجيب، لكن في الوقت الذي يريد، وبالطريقة التي يريد، لأنه عالم الغيب والشهادة، والسر وأخفى، ويعلم ما يصلح لنا وما لا يصلح، فذلك –ولله المثل الأعلى- كمثل طفل سأل والده أن يشتري له لعبة معينة، وترجاه كثيرًا، ولكن الأب يعلم أن هذه اللعبة مؤذية للطفل، والطفل لا يدرك، فيشتري لعبة أخرى، قد لا تعجب طفله كثيرًا، ولكنها خيرٌ له وأنفع...، وربما ارتأى أن يدخر له ثمنها، مع مدخراته الأخرى، ليشتري له شيئًا رائعًا فيما بعد... هل نقول إن الأب لم يستجب لولده ما طلب؟ لا طبعًا!!! لأنه لولا طلب الولد لما اشترى له الأب لا هذه اللعبة ولا غيرها... ولله المثل الأعلى.
ولهذا جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا. قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ)). لم يكن جواب الصحابة: ولماذا؟!! لن ندعو إذن ما دامت طلباتنا لن تنفذ كما هي!! وإنما فهموا المقصد فقالوا: إذن نكثر الدعاء والطلب إذا كانت هذه هي الفوائد...، فقال: فالله أكثر منكم فضلًا وعطاء، ولا يعجزه شيء من طلباتكم مهما كثرت.
لعل في التعسير سرّا مخبأ، أو لعل الدعاء خفف من العسر الذي في الأمر، أو لعل دعاءك هذا ادخره الله لك قناطير من الأجر في الجنة...
فالدعاء عبادة بل هو (مخ العبادة)، كما في الحديث: وليس وسيلة لنيل رغباتنا فحسب؛ ففيه إظهار الافتقار، والتبرؤ من الحول والقوة، والإعلان بذلة البشرية وضعفها، وهذه هي صفة العبودية، والداعي لا يدعو إلا وقد كمل إيمانه وأيقن أن هناك ربًا قادرًا يدعوه ويلتجئ إليه. وهذا روح العبادات كلها. ولهذا جاء في الحديث: ((مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ، غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ)). لأن ترك الدعاء معارض لمقتضى العبودية والتذلل. وهنا نعود إلى أول الكلام: التذلل ليس في صورة كلمات مصفوفة منمقة مسجوعة، وإنما شعور قلبي قد تعبر عنه كلمة. ثم الخاضع لله يستسلم لاختياره سبحانه دون سخط. وبهذا تكتمل الحلقة: إنسان مؤمن فاض به شعور العبودية والذل لله تعالى، توجه إلى الله بكلمات من قلبه -دون تكلف- يعبر عن حاله، يطلب من الله؛ فيختار الله تعالى ما هو أصلح له، من استجابة، أو دفع سوء، أو ادخار أجر في الآخرة؛ فتعود عبودية هذا الإنسان لتظهر بصورة رضًى وتفويض، وشكر، ومزيد دعاء. فيعود الله تعالى لمزيد من العطاء والأجر، وهكذا...
من فهم حقيقة الدعاء لا ينزعج بعد ذلك لتأخر إجابة، ولا لعدمها، وإن استجاب الله له لا يظنه كره صوته....، كل شيء يجري حسب أمر الله وما يعلمه من مصلحة العبد، وإنما فتح الله لنا باب الدعاء لنتلذذ بذل الوقوف بين يديه. ولعلي بهذا أجبتك عن جميع أسئلتك...
غير أن هناك أمرًا لفت نظري، وهو قولك: (أو قد لا تكون أصلا من باب الاستجابة، بل هي نتاج أسباب ومسببات. خاصة وأن الإجابة كانت في أمور بسيطة لا تتعدى قدراتي بخلاف المواقف التي كنت أشعر فيها بحاجة وقوف ربي معي)؛ من أسس العقيدة الإسلامية، أن الكون بما وبمن فيه مفتقر إلى قدرة الله تعالى في كل صغيرة وكبيرة، ولولا قدرة الله تعالى لانمحى كل شيء وزال. عندما تتوجه إلى عملٍ ما، فإن الله تعالى يمدك بالقوة شيئًا فشيئًا لتؤدي هذا العمل، عندما تريد أن تكتب، يمد الله تعالى يدك بقدرة من عنده لتمسك القلم، ثم لتخط الأحرف، ولو شاء لقطع إمداده، فلم تستطع الكتابة، أو لم تتذكر كيف تكتب الكلمة، أو لم تستطع حمل القلم، أو....، إن أردت أن تفتح عينك لتنظر إلى شيء ما، لن تستطيع ذلك لولا إمداد الله تعالى لك بالقوة لتنفذ إرادتك...
لهذا لا يوجد شيء اسمه أمور بسيطة تحت طاقتي، لأن هذه الأمور التي تعتبرها أنت بسيطة، وتعتبر غيرها عظيمًا، كلها سواء في قدرة الله تعالى، وكلها سواء بالنسبة لعجزك عن أدائها لولا إمداد الله لك بالقوة والقدرة.
أما الأسباب والمسببات فلها شأن آخر! فارتباط الأسباب بمسبَّباتها ارتباط عادي لا عقلي، يعني هو ارتباط حسب العادة لا حسب العقل: اعتدنا أن نرى النار تحرق الأشياء، فقلنا إن النار سبب للإحراق، لكن لا يوجد في العقل ما يمنع تخلف الاحتراق عن وجود النار، كما حصل في النار التي رُمي فيها سيدنا إبراهيم عليه السلام. اعتدنا أن نرى السكين تذبح وتنهر الدم، وتتسبب بالموت، فقلنا إن السكين سبب للذبح والقتل، ولكن لا يوجد ما يمنع تخلف الذبح عن الحزّ بالسكين، كما حصل مع سيدنا إبراهيم عندما حاول ذبح ابنه فلم تقطع السكين رغم حدتها!! لم يرد الله تعالى أن يوجد المسبَّب بعد وجود سببه في كلا الأمرين. وهكذا في كل شيء...
ربما يدرس الإنسان، ويقوم بجميع أسباب النجاح، لكنه ينسى كل شيء أثناء الامتحان ويرسب! ربما يتناول الإنسان المسكن الذي يستخدمه دائمًا، لكنه في أحد المرات لا يؤثر فيه البتة... والأمثلة على هذا كثيرة...
إذن لا معنى لقولك: (نتاج أسباب ومسببات)، ولا لقولك: (الإجابة كانت في أمور بسيطة لا تتعدى قدراتي). فلا للأسباب قدرة، ولا لقدراتك قوة، ولو لم يستجب الله لك لما تحركت من مكانك.
أسأل الله لك التوفيق، والهداية إلى الصراط المستقيم، والثبات عليه، والشفاء من كل داء من الأدواء الظاهرة والباطنة، الجسدية والنفسية؛ بأمان الله.
ويتبع >>>>>>>>: وسواس الاغتسال 50% تكفي للموسوس ! م1