اعترافات مجنون (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ تحية طيبة وبعد..... أشكركم على هذا الموقع الطيب.
أنا فتاة عمري 26سنة ،ذاكرتي ممتلئة بالأحلام والآمال العريضة كعادة معظم الشباب. مشكلتي النفسية بدأت مذ كنت في 12 سنة من عمري، حيث كنت أسمع الأصوات وأسهر الليل في الاستماع المضني والخوف المتواصل، من ماذا؟، من لا أدري عنهم شيئاً.
هي أصوات لوحوش وبشر بكل أحوالهم السعيدة والتعيسة. ماذا يقولون؟ لا شيء محدد، فتارة يغنون وتارة يتآمرون علي. أخاف الظلام بشكل لا يصدق، حتى الآن. بشكل متقطع كنت أعاني من الأصوات، وأوقظ أهلي وأقاربي ليستمعوا دون فائدة، فهم لا يسمعونهم.
أصاب في بعض الأحيان بحماس أشبه بالهوس، فكلامي سريع جداً، وغير مفهوم في معظمه، لا أشعر حينها بجوع أو تعب، آرائي تكون (بعد أن تغيب حماستي أراجعها) غير منطقية أو بعيدة الرؤى. انعزالية ولا أحب الاختلاط، وهذا لا يشير إلى بلاهة أو تخلف، لكن إلى رغبة عارمة في الابتعاد عن الناس، فهم حسب اعتقادي متآمرون ومحبطون للإنسان هذا كله في ما بين 12-24سنة.
مابين 24-27 سنة: كل الأعراض السابقة، إضافة إلى الشك العاصف الذي اجتاحني بقوة، أشك في كل الناس وأولهم أهلي, خدم البيت.
لقد صمت ليومين لأتأكد من نظافة طعام الخادم.
أحس بأن كل زميلاتي يدبرنّ لي مؤامرة من نوع ما!!، لماذا؟؛ لأني مميزة جداً.كيف مميزة؟
عندي ثقافة عالية ودرجات علمية جيدة جداً. كنت متيقنة من حديث الكل عني، رغم مخالطتي لهم أحياناً، حتى الخدم أجعلهم يكررون العمل لمرات، حتى لا أشعر أني مستغلة ومتآمر علي!! صفات غريبة!! أسب الناس فجأة دون إنذار، مما يجعلني أٌسأل لماذا فعلت ذلك؟.
تنتابني حالات خجل مستمرة من كل الناس كباراً وصغاراً، فالكل قادر على الضحك والاضطهاد والقهر. أفكر بالأمور الصغيرة العابرة آلاف المرات، فهي لا تتوقف إلا مع مرور زمن طويل عليها (من ثلاثة أيام-أسبوع). أتردد بشكل مضحك ومخجل في اتخاذ القرار، حتى وإن كان عن شيء بسيط وسهل.مثالية لحد ممل جداً.أخاف الفشل كثيراً، لدرجة إصابتي بشلل فكري عن إنجاز التكليف العلمي.
ذكائي (والذي قل بسبب معاناتي) هو الذي ينقذني من السقوط في هاوية الفاشلين علمياً أو دراسياً. عمق تفكيري وقوة أفكاري لم يشفعا لي يوماً، بل اهتزا من شدة الدوران بلا هدف أو منطق. أراقب الأبواب والجدران طوال جلوسي لوحدي، فقد يظهر وحش مفترس من الجدار أو حرامي مسلح من خلف الباب.
أعشق القراءة بصورة مرهقة. الشعور بالتقصير الدائم والطموح لبلوغ الكمال، بغض النظر عن احتفاء الآخرين بعملي.
طفولتي كنت حالمة الطباع، وحادة الغيرة وكثيرة التأمل والانعزال. ولأني البكر فإن مسئولية كل شيء تقع علي. أستمع للحكايات المتنوعة، ولشجار أبي وأمي الدائم.
أقرأ يومياً تقريباً، وأكتب كذلك بعض الخواطر والقصص. ألتقط النباتات والحشرات وأجري عليها بعض التجارب البسيطة.
((عائلتي)) أبي ذو شخصية قسرية، وأمي ذكية ومبدعة ولكن محبطة. أخوتي لا أعرف الكثير عنهم رغم أننا ببيت واحد، ربما لأني مركزة على ذاتي أكثر من اللزوم. في تاريخ العائلة هناك أقارب ذوي اضطرابات عقلية وذهانية وتخلف واضح، وهي قرابة من جهة الأب. تتأرجح أفكاري بين الإبداع والتصلب، فحين أكون منشغلة بإبداع ما، فإن مشاكلي تخف كثيراً، كأنها سراب ووهم لم يكن.
وصفي الإجمالي لنفسي، هو أني أحس كأنني في شرنقة لا نهائية الأغلفة.
06/07/2004
اعترافات مجنون2
السلام عليكم؛
عدت لأسرد أمور هامة (من وجهة نظري) نسيت أن أذكرها.
تنتابني عادة الضحك المفاجئ بلا سبب محدد، وفي مكان يسوده الألم لا الفرح. كما أني أنفعل فجأة وأصرخ ثم أعود بكل هدوء،مما يثير استغراب من حولي.
أعامل أخوتي بشيء من القسوة في بعض الأحيان، لكن ما هي إلا دقائق حتى أعتذر وأجلب الحلوى والهدايا وأضغط على آلامي وألعب معهم. وهذا يجعلني نقطة استغلال من قبلهم. أعتقد أني أستطيع دراسة الكثير من المواد العلمية والتفوق فيها بكل بساطة. كذلك أتحدث مع نفسي بطريقة استعراضية. وأكثر من أحلام اليقظة منذ كنت في الإعدادية للآن. أيضاً أجمع أكياس وحاجات قديمة خوفاً من الحاجة إليها يوما ما.
بكائي سببه أني أعي جنوني هذا، ولا أستطيع له شيئا، غير انتزاع نفسي بشدة وبألم من قعر الحقيقة إلى سطح الصبر اليومي عليه والتصنع من أجل اعتبارات حياتية عامة.
في شخصيتي ذلك الميل الفطري الطيب لإسعاد الآخرين، رغم معاناتي. فقط لأني أدرك ما أنا فيه. ذكائي وذاكرتي ومستواي المهني في تراجع كبير؛ لأني لم أتعالج.
نعم، ذهبت إلى أطباء نفسيين، لكني هربت، لماذا؟ حقيقة لا أدري، لكني أظنه الخوف من تأثير الأدوية على إدراكي وذكائي، ومخافة إعاقة مهنتي، إن علموا بمرضي. هذا كلام غير علمي أو منطقي، أعلم ذلك، وهو أيضاً ينم عن أسلوب رجعي وتخلفي، لا يمت للحضارة والتكنولوجيا والأبستمولوجية الإنسانية في الوقت الحاضر. الآن، أنا مستعدة للاستماع والذهاب وأخذ النصح لأني أعاني كثيراً. هذا الجزء المدرك فيّ، يجعلني أنتظر الأمل.
كان أساتذتي ينبهرون بأبحاثي العلمية وأفكاري الجديدة وكذلك زملائي، لكني عكس ذلك، أراه شيئاً ضئيلاً مما أستطيع.
كم سطراً مما كتبت يرفض يائي؟ ياء الذات.
ما أكثر ما نطلب التفسير والتعليل والتحليل لكل ما حولنا، ونحن أعصى ما نكون على البساطة والتحليل.
شكراً لاهتمامكم.
06/07/2004
رد المستشار
الأخت العزيزة؛ هلا ومرحبا بك على موقعنا مجانين، ونشكرك على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين، صدمني في الحقيقة أنك بدأت معاناتك وأنت في الثانية عشرة من عمرك وبأعراض خطيرة جدا (منها الهلاوس السمعية)، فلماذا لم يتحرك أحد؟ ولا أعرف هل كان ينبع تقصيرك هذا من عدم معرفة أهلك بالأعراض التي تمرين بها أم أن وصمة المرض النفسي والخوف من الذهاب إلى عيادة الطبيب النفسي هما السبب في إهمال أهلك لمثل هذه الأعراض؟
الأعراض التي ذكرتها في بداية رسالتك وهي أنك كنت تسمعين الأصوات وتسهرين الليل في (الاستماع المضني والخوف المتواصل، من ماذا؟، من لا تدرين عنهم شيئاً. هي أصوات لوحوش وبشر بكل أحوالهم السعيدة والتعيسة. ماذا يقولون؟ لا شيء محدد، فتارة يغنون وتارة يتآمرون علي. أخاف الظلام بشكل لا يصدق، حتى الآن) هذه الأعراض اسمها هلاوس سمعية Auditory Hallucinations ، وهي أعراضٌ ذهانية Psychotic Symptoms في منتهى الخطورة،وقد تشير نفسيا إلى مشاعر الاضطهاد والخوف من شيء غامض وعدم الشعور بالأمان، ولكن المهم هو أننا كلما أهملنا تلك الأعراض أدى ذلك إلى تراكمها، وصعوبة علاجها بالتالي، وإن كنت أرى بنيتك النفسية والمعرفية قوية بوضوح ثاقبٍ ما تزال برغم عدم العلاج ناهيك عن الإهمال، إلا أنني لابد أن أشيد بأسلوبك الرائع ولغتك السليمة والتي صارت عملة نادرة هذه الأيام، وهذا إن دلَّ فإنما يدل على صدق تقييمك لنفسك من أنك ذات ثقافة وذكاء وفيرين،
وينفي ما تتوهمين من انخفاض ذكائك خاصة وأن الانطباع الذي وصلني عن اضطرابك النفسي إنما يشير إلى اضطراب في مكان ما بين اضطرابات الوجدان واضطراب الفصام من النوع الزوراني، وفي كل هذه الأحوال لا يتأثر الذكاء وإنما تتأثر ربما قدرة المريض على استخدامه، وأما ما أنت مخطأة في تقييمك له بالتأكيد، فهو نوايا الآخرين تجاهك، فهذه أفكارٌ ذهانية من النوع الزوراني، وأنصحك بتتبع ما تقودك إليه الروابط التالية:
الـزَّوَرُ (البارانويا) أنواع ، فأيّ الأنواع أنت ؟
اكتئاب أم فصام وهل هناك احتمالات بارانويا؟
اضطراب الشخصية الزوراني (البارانوي)
الصوفية والفصام : محاولة للفهم م
الفصام الوجداني : والمآل ما بين بين
الفصام الوجداني لا الاكتئاب
الفصام المزمن وأعراضه السالبة م
أختي وأعمال الشعوذة والفُصَام
مرض الفصام
ونحن بالطبع لا نستطيع استبعاد دور التفاعل بين تركيبة الوالدين النفسية على معاناتك، فما نتج عن تفاعل سمات الشخصية في كل منهما, قد يكون له دورٌ ما, فلقد أشرت إلى وصف مهم عن شخصية الأب القسرية وفي المضاد الأم الشخصية المبدعة الذكية، وهذا ما كنت أريد أن أوضحه لك وللصراع الحادث بداخلك والذي يلعب دور (كيف أختار) بين شخصية الأب وشخصية الأم،وفي محور (الإجابة هذا أم هذا) إلى أن يظل الصراع حبيس الدائرة المغلقة التي لا منفذ منها إلا الأحلام التي تظهر بهذه الصورة والتي ما طبعت بعقلك الواعي بكامل واقعيتها إلى أن برمجت على صفحات عقلك الباطن لتظهر في النهاية بهذه الصورة التي ذكرتها لنا من أعراض، ورغم ذلك فإنني أظن العوامل الوراثية أقوى في حالتك.
وأما انطوائيتك وعدم اختلاطك بالآخرين وعدم تفاؤلك ورغبتك العارمة في الابتعاد عن الناس إنما هو انعكاسٌ لما تشعرين به أنت، من أن هناك أشخاصا متآمرين عليك, وأما الشك العاصف الذي ينتابك والذي توجهينه إلى أهل بيتك وخدمه إنما ما هو إلا دليل على تراكمات الماضي وما تولد لديك شكوك زورانية (بارانويدية)والأكثر من ذلك أنك ذكرت معلومة لعلها تكون مهمة جدا في إيجاد الحلول وهي أنه يوجد في عائلتك من يعاني من اضطرابات عقلية وذهانية وتخلف واضح، فدور العوامل الوراثية واضحٌ هنا، وكذلك تأثيرها في محاولة أهلك الابتعاد عن الطب النفسي والأطباء النفسيين ربما بسبب خبرات سيئة في الماضي.
أتمنى أن تكونَ الحالات السابقة قد أضافت معلومات مهمة لك تفيدك في فهم حالتك، والحقيقة أن ما ذكرته من أعراضٍ في إفادتك الأولى وما أضفته في إفادتك الثانية كلها تقع ضمن دائرة اضطراب الفُصام الممزوج بأعراض وجدانية أحيانا، وإن كنت أصر على رأيي في أن ذكاءك وقوة شخصيتك،إضافة إلى كونك أنثى (والإناث أقوى من الرجال في مواجهة الذهان لأسباب تتعلق بهرمون الأنوثة الذي يعمل عمل مضادات الذهان وإن كان بدرجة خفيفة) كل هذه العوامل جعلتك أقوى من الفُصام فمازلت قويةً لبقةَ الأسلوب حلوة البيان، بفضل الله تعالى رغم أربعة عشر عاما من المعاناة مع أعراض الفصام، ولهذا جاء اختيارنا للعنوان أقوى من الفصام!
وأخيراً أتمنى أن تفيدك الإحالات التالية في تغيير فكرتك عن العقاقير النفسية، وذلك من خلال باب الطب النفسي شبهاتٌ وردود من على موقعنا مجانين، فقط أنصحك بنقر العناوين التالية، والتي يمثل كل منها ردا على مفهوم مغلوط لكنه شائع في مجتمعاتنا مع الأسف، إذن صححي بالفأرة ثم بعينيك وإدراكك ما يلي:
الأدوية النفسية هي مجرد مسكنات ومنومات
كيف لعقار مادي محسوس أنْ يعالج معاناة نفسية غير محسوسة؟
العلاج بالصدمات الكهربية إنما يدمر المخ
الطبيب النفسي سيدخلك في الدوامة فاحذرْ منه
الطبيب النفسي غير مستقر نفسياً
أرجو بعد ذلك أن نكون قد طرقنا الحديد الساخن، الذي نبهتنا إلى وجوده الآن فيك حين قلت في إفادتك الثانية: (الآن، أنا مستعدة للاستماع والذهاب وأخذ النصح لأني أعاني كثيراً، هذا الجزء المدرك فيّ، يجعلني أنتظر الأمل.)، ونحن مثلك ننتظر الأمل ونراه بفضل الله قريبا، إذن توجهي إلى أقرب طبيب نفسي واعلمي أن عقاقير جديدة قد ظهرت ولها فوائد أكثر، وأضرار أقل، وأن من كانت أقوى من الفصام لمدة تناهز العقد ونصف ستحتاج إن شاء الله إلى قدرٍ يسيرٍ من العقاقير، وأهلا بك دائما على موقعنا مجانين فتابعينا بالتطورات الطيبة.
ويتبع>>>>>>>> : اعترافات مجنون: فصام وجداني م