قلق وأرق وفقدان الإحساس بالواقع وأحيانا إيذاء الذات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا عمري 27 سنة أخ لأربع إخوة حالاتنا الاجتماعية متوسطة ولله الحمد وأنا أصغر أخواني دائماً ما كنت أعاني من مشاكل في الاختلاط بالناس وأكره التجمعات بالإضافة للخجل الزائد وفي سن 12 سنة بدأت في استخدام الآلات الحادة في إيذاء نفسي كنوع من التنفيس ومحاولة لتخفيف الكبت بداخلي وكنت أحب العزلة جداً لدرجة أني كنت أذهب إلى المدرسة قبل الميعاد بساعتين وأبدأ في السير وحدي داخل حوش المدرسة.
وفي مرة من المرات انتابتني حالة غريبة وهي أني أحسست بأني معزول عن العالم وكل الأصوات حولي ما هي إلا طنين وكنت أحس بخفة في جسدي وكأني أستطيع الطيران وكانت هذه الحالة تأتيني باستمرار إلى أن بدأت في إدخال نفسي فيها طواعية وكنت أفعلها كثيراً حينما أكون بمفردي فأبدأ بالتركيز علي شيء واحد كذكرى جميلة أو موقف جميل إلى أن يتم إدخالي فيها طواعية.
وفي إحدى المرات أرسلني والدي لشراء شيء من البقال وكان المحل مزدحم فانتظرت دوري فلما تأخرت جاء والدي وصفعني على رقبتي أمام العامة فغضبت كثيراً وتركته وذهبت واشتريت آلة حادة وجرحت نفسي مكان الصفعة لألقي باللوم عليه وقد كان، وهذه العادة كانت مستمرة معي لوقت قريب فقد تعرضت لمشاكل في عملي ووقع عليَّ ظلم من صاحب العمل وتم حرماني من مستحقاتي المالية وجلست في المنزل أكثر من شهر وأصبت بحالة شديدة من الاكتئاب وفي الوقت نفسه أخي كان يعمل معي في نفس الشركة ولم يصدقني حينما أخبرته أني مظلوم وأنهم على خطأ فما كان مني إلا أن جرحت نفسي في أربع أماكن متفرقة في رجلي وكانت جروح قطعية عميقة لدرجة أن أصابتني فيها عدوة.
ودائماً والدي كان يتعارك معي على أتفه الأسباب وكنت دائماً في مشاكل معه ولم أذكر يوماً أنه ربت على كتفي ولو مرة واحدة أو حضنني وهذا الشيء كان يضايقني كثيراً وكنت أحس أني أحتاج إلى الاهتمام والحب وكل ذلك لم يؤثر على مشاعري نحوه فهو والدي وله مني الطاعة والمحبة. وبعد إنهاء مرحلة الجامعية استدعيت لأداء الخدمة العسكرية وكانت هذه بداية الأرق فكنت لا أنام سوى ساعتين باليوم الواحد وكانت متقطعة فبدأت في أخذ منومات مثل(كالميبام_فالينيل-وأشياء أخرى لا أتذكرها حالياً)
والغريب أن هذه الأدوية لم تُجْدِ نفعاً فقررت الذهاب إلى طبيب نفسي وشخص حالتي بالقلق والاكتئاب وأعطاني ريميرون 30م استمريت عليه فترة ولم أتحسن فقررت أن أتعايش مع الأمر وأرجعت السبب لكوني في مرحلة جديدة لا أكثر وأن الأمر سينتهي بانتهائها خصوصاً وأني كنت أنام جيداً حينما آخذ إجازة. وبعد الانتهاء من الخدمة العسكرية سافرت للعمل بإحدى الدول العربية نظراً لسوء الوضع الاقتصادي في بلدي.
وبعد السفر عانيت مجدداً من الأرق وأنا الآن أعاني من السلبية والأفكار التشاؤمية وأحس أن كل شيء مُظْلم ودائماً أتوقع الأسوأ وللأسف يحدث ما كنت أتوقعه وفي بعض الأحيان إذا سمعت جملة في المذياع وبيت شعر أو آية قرآنية تظل تتردد في ذهني فترة طويلة أكاد فيها أن أفقد عقلي وأحياناً أشعر بالدوار إذا مررت في مكان به أشخاص كثيرون فمجرد المشي في الشارع ورؤية الناس هذا الأمر يرهقني وأُحسُّ أن الكل ينظر إليَّ وفي العمل أعاني من بعض المشاكل فحقي المادي مهضوم على الرغم من كوني أقدم شخص في الشركة ومن أكفئ العاملين ولكن هذه الأمور لها اعتبارات أخرى كالأحزاب والجماعات وهذا الأمر يضايقني كثيراً.
فأنا الآن مشتت ولا أعلم ماذا أفعل. أوقات كثيرة أتمنى الموت كي أرتاح من كل هذه الضغوط ولكن أتذكر أن ذلك لا يجوز فأستغفر ربي وأطلب منه العفو.
فهلَّا أفدتموني أحسن الله إليكم.
26/3/2017
رد المستشار
شكراً على استعمالك الموقع وتمنياتي لك بالشفاء.
أمامك رحلة طويلة وطريقاً لابدَّ من أن تسلكه لتبدأ رحلة الشفاء٫ وتنتقل من عالمٍ انفصلت فيه عن الواقع منذ بداية أعوام المراهقة وإلى اليوم. لا أتحدث هنا عن شخصيتك التي ربما تميل إلى العزلة والقلق٫ ولكن ترسيخ طريقة دفاع نفسية استعملتها بصورة غير شعورية للتأقلم مع أعراضك النفسية ومع ظروفك البيئية. هذه العملية هي التفارق Dissociation والتي تفسر وصفك الدقيق لها في الفقرة الأولى من الرسالة.
عملية التفارق التي تساعد الإنسان في الانفصال عن واقعه٫ لا تخلو من الألم أحياناً بل ومع الوقت تزيد الألم النفسي الذي كان في داخلك. من جراء ذلك يبدأ الإنسان بالبحث عن قطع جسده أملاً بأن الدم حين يسيل يفتح صماماً تخرج عبره الضغوط والجروح حيت تلتئم يلتئم معها جرحه النفسي ولكن ذلك لم يحدث ولن يحدث بدون رحلة شفاء.
حالتك النفسية الآن خليط من:
١- أعرض وجدانية اكتئابية.
2- قلق.
3- تفسخ تواصلك الاجتماعي.
4- عدم ثقتك نفسك وبالآخرين.
وصلت درجة عدم توازنك الوجداني إلى مرحلة شبه ذهانية كما تصفه في الفقرة الأخيرة من رسالتك.
ماذا تفعل؟
لا تخلو مقولة من راجعته من الصحة بأن هناك قلق واكتئاب٫ ولكن هناك أكثر من ذلك. لا أحب صياغة حالتك مع استعمال نموذج طبي لوحده. هناك ظروف اجتماعية وتحديات لا بد من الانتباه إليها وسلوكيات لا بد من أن تواجهها٫ والأهم من ذلك هناك أكثر من أزمة نفسية تلعب بحرية داخل الذات ولا تقوى على التعامل معها والتخلص منها.
تتكلم بكل صراحة مع طبيبك المعالج عن تاريخك الطبي ولا مفر من علاج نفسي متنظم كل أسبوع ولفترة قد تطول لأكثر من عدة أشهر. هناك دور للعقاقير أيضاً٫ ولكن بدون علاج نفسي لا يوجد أمل في الشفاء.
توجه نحو طريق الشفاء.
رعاك الله