ضياع الإيمان
بسم الله الرحمن الرحيم، الأخوة المشرفين على موقع مجانين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نشكركم للجهود المتميزة في حل المشاكل النفسية وتصحيح الكثير من المفاهيم المتعلقة بها فلم أكن يوما أعلم أن الصعق بالكهرباء علاج ناجع بل كنت أعتقد أنه من تصرفات العاجزين عن السيطرة على المريض ولا يهم أحد إن كان المريض ستسوء حالته مستقبلا المهم أن يهدأ، أما المواضيع عن الريجيم والعلاج الشعبي في إخراج الجن فهي أكثر من رائعة، جزاكم الله خير الجزاء وأدامكم ذخرا لنا
مشكلتي لا أستطيع أن أحدد هل هي نفسية أم إيمانية، فأنا رجل قد بلغت الثانية والأربعين من العمر وقد نشأت على طاعة الله وكنت منذ بداية شبابي ملتزما بمعظم تكاليف الإسلام، طبعا أنا إنسان أخطئ وأصيب، أعصي وأستغفر، ولكن كل ذلك في إطار الإيمان
بدأت مشكلتي بمحاولاتي لحفظ القرآن الكريم وكنت أواجه صعوبات في منعه من التفلت فأرشدني أحد الأصدقاء إلى طريقة وردت في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم للحفاظ على القرآن، والحديث من صحيح الترمذي حسب نقل صديقي ونص الحديث يرشد إلى قراءة سور معينة لا أذكرها لأربعة أسابيع متتالية في صلاة الليل من ليلة الجمعة وبعدها لن أنسى شيئا ،نفذت ما ورد في الحديث ولكن النتيجة كانت كما هي ، ولم تكن هذه مشكلتي ولكن ما ترتب على ذلك فقد كنت موقنا بتحقق أي وعد ورد في القرآن الكريم أو الحديث الشريف وعدم تحققه يعود لعدم تحقيق شروط تنفيذ الوعد أو لعدم تمكني من رؤية التحقق لتعلقه بالغيب أو لعيب في رؤيتي للأمور تمنعني من إدراك هذا التحقق
بعد تطبيق ما ورد في هذا الحديث كان جليا أنه لا يؤدي إلى النتيجة الموعودة فدفعني ذلك للوقوف عند كل وعد والنظر في حقيقته،
وما زاد الطين بلة أنني ابتليت بسلسلة من المشاكل أغلبها مادية وضاقت عليّ الأرض بما رحبت فتوجهت إلى الله طالبا للعون وألححت في ذلك ثم رزقت بطفل له مشاكل في العظام وكان حملا ثقيلا أتعبنا وأثقلنا ماديا ومعنويا فلجأت إلى الله مرة أخرى راجيا تثبيته وعونه ولكن دون إجابة، فتكونت لدي قناعة أن الدعاء وعدمه واحد وأن الله لن يستجيب دعاء أحد، وبدأت أدعو الله وأنا موقن بعدم الإجابة
وفي خضم ذلك كله تيسر لي أمر الحج إلى بيت الله الحرام فوجدت أن تلك فرصة ذهبية للصلح مع الله وكنت دائما أعتقد أن الدعاء في بيت الله الحرام نافذ قطعا فدعوت ودعوت ودعوت وقضيت الأيام أمام الكعبة أرجو رحمة الله لا أطلب الدنيا ولا المادة وإنما أطلب إعادة إيماني المفقود وثقتي بالله التي اهتزت فلم تزد تلك العقيدة إلا اهتزازا، ثم كان احتلال بغداد وكانت فرصة ثانية لأجود بنفسي في سبيل الله دفاعا عن ديني وعقيدتي عسى أن يكون ذلك سببا لرضا الله عني وغفرانه لسماحي لنفسي أن أشك بوعوده، ودعوته مخلصا ألا يدعني أرى أمريكيا على أرض العراق وأن يتوفاني قبل ذلك وتهيأت نفسيا للموت واعتقدت أن هذه الأيام هي آخر أيامي وأنا سعيد بذلك.... ولكن ؟ مازلت حيا وتحت ذل الأمريكان....؟
هذا الشرح هو ما حدث لي خلال ثمان سنوات ولم أعد أصبر أكثر فبدأت بالتهاون في أمور ديني وبدأت يدي تمتد للحرام وكان حلا جيدا لمشاكلي المادية وبدأت أعصي وأنا مستهين ولا أفكر بالتوبة ولا أريدها فأنا أعتقد أن الحياة بدون تكاليف الإسلام ممكنة بعكس الالتزام فهو لم يوصلني إلا لسلاسل طويلة من الفشل وبدأت أعتقد أن الدعاء سلاح العاجز كما أنني أسخر في نفسي من كل من ينصحني بالدعاء لتجاوز مشاكلي، وأمتد الشك لكل شيء، لأني بدأت أسأل نفسي هل يوجد حقا جنة ونار وآخرة وملائكة و... و.. و.. أم أنها كالوعد بالإجابة ونصرة المؤمنين ولكني ما توقفت يوما عن الرجاء أن أعود لما كنت عليه من الإيمان، هل لديكم من يعينني على أمري!؟
23/07/2004
رد المستشار
قالوا للمسيح عليه السلام يا روح الله ألا تقول لنا أن ربك قادر علي كل شيء، فقال: بلي أقول، قالوا فلم لا تصعد إلي قمة الجبل، وتتردى من أعلي وتسأل ربك أن يحفظك فلا تصاب بسوء،؟!!
فقال لهم عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام: للرب أن يختبر عبده، وليس للعبد أن يختبر ربه.
ألا تعلم من فقه الدعاء أن الله سبحانه وتعالي إما يستجيب، أو أن يؤجل الاستجابة، أو أن يرفع الله بالدعاء سخطا أو يرد مصيبة، عن العبد؟!!
وبالتالي كان الدعاء مخُّ العبادة، وهو خير كله ومبحث القدر والقضاء والمشيئة والعلم الإلهي مبحث واسع إن شئت أن تتبحر فيه، وقد أمرنا ألا نستعجل الإجابة علي كل حال، وأمور الحياة تسري علي وعليك وعلي الناس أجمعين، رضوا أو سخطوا، فمن رضا فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط.
ومما ورد أن الله سبحانه قد يكتب للعبد درجة فلا يبلغها بعمله، فما زال البلاء ينزل به، ويصبر العبد عليه، حتى يبلغ بصبره ما لم يبلغه بعمله.
وفي الحديث أن مناد ينادي يوم القيامة علي أهل البلاء فيكرمهم الله، وينعم عليهم حتى يتمني أهل العافية أن لو كانت أجسادهم قرضت بالمقاريض لما يرون ما حل بأهل البلاء من النعيم.
هذا كلام في الإيمان، ولكل إنسان الحرية في أن يؤمن أو أن يكفر، فاختر لنفسك.
الحظ مثلا نعمة تذهب بالمعصية، وفي نفس الوقت فإن هناك تدريبات كثيرة للذاكرة، وتفيد من يداوم عليها، ومن تثبيت القرآن أن يتفقه الإنسان في المعاني، ويربط بين الألفاظ والأفكار، ويعيش القرآن في صحوه ومنامه، فكيف سينسي بعد ذلك أو تنفلت فيه المعاني والألفاظ؟!!!
الوعد الحق يا أخي الكريم هو يوم يأت الذين كذبوا علي الله وجوههم مسودة، يوم تشخص فيه الأبصار، وتطير الصحف، ولا يفوز إلا من أتي الله بقلب سليم، فلا تسمح للحوادث العارضة أن تنال من سلامة قلبك، وحسن صلتك بالحبيب سبحانه وتعالي، فقد يصف الطبيب لمرضه الدواء المر ولا يشفي غيره!!!
أنا وأنت وكثيرون محتاجون إلي مراجعة إيماننا، وأذكر نفسي وإياك بأن إيمان العجائز والبسطاء قد يكفيهم، ولكنه لا يكفي من يعيشون في عصر المادة والضغوط، ونحتاج إلي تجديد في الإيمان كما نحتاج إلي تجديد في الفقه، والحياة بدون تكاليف الإسلام ممكنة طبعا، فهكذا تعيش مليارات من البشر، ولكنك إن عشت حياتهم بكاملها لعرفت نعمة الإيمان، علي الطريقة التي علمها لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهو الذي جاهد وتعب، ولم يركن إلي الدعاء وحده، ولو أقسم علي الله لأبره، ولكنه بني وأرشد فانتصر في "بدر"، وانهزم في "أحد"، ولكنه أبدا لم يدع التخطيط، ولم يتراجع عن الشورى، ولم يتردد في الأخذ بأرقي أساليب العصر في التدبير والمناورة، بل وفي التفاوض والمهادنة حتى حقق نشر دعوته من الصفر إلي ما تعلم في زمن قياسي، ووضع في أقل من ربع قرن ما نعيش عليه حتى الآن من أسس روحية وتربوية، ولم يكن هذا بمجرد الدعاء، وفي الوقت نفسه لم يري الدعاء أبدا علامة ضعف أو عجز، إنما قال لمن ترك ناقته بباب المسجد ولم يعقلها – يربطها – زاعما أنه بذلك يتوكل علي الله، فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم اعقلها وتوكل.
ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الأخ العزيز أهلا وسهلا بك على موقعنا مجانين، وشكرا جزيلا على ثقتك وعلى إطرائك، ليس لدي ما أضيف بعد ما تفضل به أخي وحبيبي في الله الدكتور أحمد عبد الله غير إضافة بيتي الشعر المنسوبين إلى الإمام الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي * * * فأرشـــدني إلى ترك المعاصي
وقال: اعلم بأن العلم نـــور * * * ونــور الله لا يهـدى لعـاصي!!!
كما أحيلك إلى عددٍ من المقالات من باب مقالات متنوعة على مجانين، فقم بنقر ما يلي من عناوين:
موقف الإسلام من التداوي بالعقاقير نفسية التأثير (1)
وصمة المرض النفسي : ليست من عندنا!
الجهاد المدني.. الطريق إلى فعل مختلف
أوهام القوة الأمريكية
هكذا صنع الله ....مثقف خارج الحظيرة
في الجنس وغيره أخطر مما يسمي
حوار مع السيد العلامة : محمد حسين فضل الله
نحو مجتمع يدعم المعرفة في زمن الضغوط
البركة أم اللعنة ؟! الدين ومجتمع المعرفة
التفكير العلمي في مقابل التفكير الخرافي والأسطوري
وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين، فتابعنا بأخبارك وشاركنا بآرائك.