أسعد الله أيامك
عندي مشكلة وهي حالة عمي (أخو والدي)، والذي يكون طوال السنة على حالتين:
الأولى: إنسان طيب القلب رحيم ولا يخرج من بيته لكسل أو عجز كما يعتقد، وكما يعتقد أنه سحر الذي فعل فيه هذا الشيء، حتى أنه لا يدخل نصفه بيته إلا عندما يريد أن ينام ولا يخرج من بيته البتة
الحالة الثانية: عندما ينقلب فإنه يكون إنسانا أقرب إلى البركان الثائر لا يهدأ ولا يكل ولا يتعب من كثرة الذهاب هنا وهناك ولا نقدر على التفاهم معه فهو إن لم تكن معه فأنت ضده، لا يعجبه أمر يريد أن يكون الناهي والمتدبر لكل أمر من يعارضه فقد يضربه أو يسبه أو يقاطعه إن لم يقدر، بيته عندما تكون الحالة معه أقرب إلى الجحيم.
أتمنى أن أسمع منك ردا يا دكتور
مع العلم أنه رجل متدين وعمره 50 وله 9 أبناء
6/7/2004
رد المستشار
الأخ العزيز أهلا وسهلا بك على مجانين، وشكرا جزيلا على ثقتك، الحقيقة أن ما تصفه في سطورك الإليكترونية من أعراضٍ نفسية يعاني منها عمك حيث يبدو وكأن مزاجه ونشاطه يتأرجح على مدار العام بين حالتين متضادتين، في أحدهما يكونُ كسولاً ومنعزلا عن الناس فلا يستقبلهم ولا يخرج لهم، وفي الحالة الأخرى يكونُ نشيطا نشاطا زائدا، ومتعسفا متطرفا في أرائه ومسببا لكثير من المشكلات.
لسنا ندري بالطبع منذ كم عام وهو يعاني بهذا الشكل ولا ندري أيضًا هل تتكرر هذه النوبات المتناقضة كل عام أم كل فترةٍ أطول، ولا ندري أيضًا إذا ما كانت هناك فترات يعود فيها طبيعته الأولى قبل المرض أم لا؟ بمعنى هل هو دائما إما في الحالة الأولى أو الحالة الثانية؟ أم أن هناك أوقاتا يكونُ فيها في حالته الطبيعية؟ أي يعيش بصورة عادية بين الناس؟
إلا أن ما يحدث له في الحالة الأولى هو على أغلب الظن نوبةٌ اكتئابية Depressive Episode، ولا ندري كثيرا من تفاصيلها إلا أنها شديدة الوطأة والتأثير غالبا، وقد نخمن من وصفك لها بقولك: (ولا يخرج من بيته لكسل أو عجز كما يعتقد، وكما يعتقد أنه سحر الذي فعل فيه هذا الشيء، حتى أنه لا يدخل نصفه بيته إلا عندما يريد أن ينام ولا يخرج من بيته البتة)، أن اعتقاده في أن السحر هو السبب قد يصل إلى حد الاعتقاد الراسخ الجازم الذي نسميه بالوهام Delusion.
وأما في الحالة الثانية فإن ما يحدث هو على أغلب الظن أيضًا نوبةٌ هوسية Manic Episode، ويبدو أن اعتداده بنفسه أثناءها يكونُ زائدا عن الحد، إلى درجة أننا نستطيع تخمين وجود أعراض ذهانية مع الأعراض الوجدانية، كما يظهر من قولك : (أقرب إلى البركان الثائر لا يهدأ ولا يكل ولا يتعب من كثرة الذهاب هنا وهناك ولا نقدر على التفاهم معه فهو إن لم تكن معه فأنت ضده، لا يعجبه أمر يريد أن يكون الناهي والمتدبر لكل أمر من يعارضه فقد يضربه أو يسبه أو يقاطعه إن لم يقدر، بيته عندما تكون الحالة معه أقرب إلى الجحيم.)
وهناك نوبة هوس غير مترافق بأعراض ذهانية Maina without psychotic symptoms ، حيث يكون المزاج مرتفعا بدرجة غير متناسبة مع ظروف المريض، ويتراوح بين جذل خالي من الهم Carefree Joviality ويكاد يصل لثوران غير قابل للسيطرة عليه، ويكون هذا الجذل مصحوبا بزيادة في الطاقة تؤدي إلى زيادة النشاط وانخفاض الحاجة إلى النوم، كما تختفي المحاذير الاجتماعية الطبيعية ويصبح من الصعب تركيز الانتباه، أما تقدير الذات فيتضخم، ويعبر المريض بحرية عن أفكار العظمة، التي قد تكون مفرطة في التفاؤل.
وقد تحدث اضطرابات إدراكية كرؤية الألوان براقة (ودائما جميلة) والاستغراق في تأمل التفاصيل الدقيقة على الأسطح أو المنسوجات، والاستماع إلى أصوات بنبرات عالية وقد يقدم المريض على مشاريع مشهورة وغير عملية ويصرف المال بدون حساب، أو يصبح عدوانيا، أو عاشقا، أو فكها في ظروف غير مناسبة تماما، وفي بعض نوبات الهوس يكون المزاج نزقا ومتشككا أكثر منه مبتهجا.
وحتى يكون تشخيص نوبة الهوس مقبولاً من الناحية الطبنفسية يجب أن تستديم النوبة مدة أسبوع على الأقل وأن تكون شديدة بحيث تؤدي إلى اختلال العمل المعتاد والأنشطة الاجتماعية تماما أو إلى حد ما، كما يجب أن يكون تغيير المزاج مصحوبا بزيادة في الطاقة. مثلما يظهر في خليط الأعراض، (خاصة ضغط أو فرط الكلام، وقلة الحاجة إلى النوم، والشعور بالعظمة، والتفاؤل المفرط).
وتحدث النوبة الأولى غالبا ما بين الخامسة عشر والثلاثين من العمر، ولكنها قد تحدث في أية سن بداية من الطفولة المتأخرة وحتى العقد السابع أو الثامن من العمر، ونحن بالطبع لا ندرس منذ متى بدأت حالة عمك؟
وهناك نوبة الهوس المترافق بأعراض ذهانية Mania with psychotic symptoms وهي صورة شديدة من الهوس التي ذكرناها، فتقدير الذات المفرط وأفكار العظمة قد تطور إلى وهامات (ضلالات) Delusions العظمة، كما أن الهيوجية Irritability والتشكك Suspiciousness قد يتحولان إلى وهام الاضطهاد، وفي الحالات الشديدة قد تبرز وهامات العظمة أو الأفكار الوهامية (الضلالية) الدينية المرتبطة بالهوية أو بالدور الاجتماعي وقد يؤدي تسابق الأفكار وضغط الكلام إلى أن يصبح الحديث غير مفهوم، كما أن النشاط البدني الشديد والمستمر والاهتياج قد يؤديان إلى عدوانية أو عنف، ثم أن من الممكن أن تصل الحالة إلى إهمال الأكل والشرب والنظافة الشخصية وربما الإهمال الكلي للذات.
إذن فما يعاني منه عمك هو أحد الاضطرابات المزاجية الثناقطبية Bipolar Mood Disorders، أو ربما شكلا من أشكال الاضطراب الوجداني الفصامي Schizoaffective Disorder، وأنصحك هنا بقراءة الردود السابقة على صفحتنا استشارات مجانين، مبتدئين مما هو نوع من أنواع الشخصيات مرورا بأعراض الاكتئاب الجسيم وحتى أعراض الفصام الوجداني، وذلك تحت العناوين التالية :
الشخصية النوابية (الفرح انقباضية)
الشخصية الفَـرَح انْقباضية والشُّوَاق والإنترنت !
الانهيار الدوري واليويو : شخصية فرح-انقباضية
اكتئاب أم فصام وهل هناك احتمالات بارانويا؟
الاكتئاب الجسيم ، وماذا بعد ؟؟
غضب الله أم اكتئاب ؟
وسواس واكتئاب شديد وعلاج الشيخ لا يفيد !
الفصام الوجداني لا الاكتئاب !
الفصام الوجداني : والمآل ما بين بين
وعلاج هذه الحالات كلها ممكنٌ بفضل الله عز وجل، بعد أن تتم الاستعانة بأحد الأطباء النفسيين المتخصصين فيتم تشخيص الحالة ووصف العقار العلاجي والوقائي في نفس الوقت فأما العقار العلاجي فيعني العقار الذي يعالج الأعراض الحالية وأما الوقائي فهو الذي يجعل احتمالية ارتداد الحالة أو النوبة أقل بكثير مما لو اكتفينا بالعقار العلاجي، وأنبهك إلى أن التقاعس عن العلاج في مثل هذه الحالات يعني مخالفة الشرع، ويحمل مآلات سيئة سواء لصاحب الحالة أو لأهل بيته، وفقك الله في إقناع أهله بضرورة علاجه، وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين فتابعنا بالتطورات.