اضطراب الهوية الجنسية : التحول الجنسي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أختي العزيزة أردت أن أشارك في مشكلتك: التحول الجنسي، وأنا أعلم حجم معاناتك لأنني عشت جزءا منها, والفرق تكمن في أنني عشت بين ذكور وليس إناث حيث لي 4 أخوة وليس لي أخت واحدة.., كنت في الصغر أتوسل لإخواني لكي يسمحوا لي بلعب كرة القدم معهم، وكنت أحب اللُّعَبَ من النوع الذي يمارسه الأولاد وأشترك معهم في بعض الأحيان، وأنا أعلم أنني في نهاية اليوم سوف أعاقب عليه، لأنه ممنوع للبنت أن تلعب مع الأولاد حسب توجيهات أمي...
وبعد البلوغ أصبحت أسخط على حالي لأنني أنثى ولا أستطيع أن أمارس حريتي مثل الذكور.. وكنت أكره الحيض أيضا لأنه يأتي بألم كل شهر.. بل تماديت أكثر من ذلك إلى التخطيط لإجراء عملية جراحية وكنت أحاول جمع المال لذلك
حتى أن المعلمة قالت لنا نكتب أحلامنا في الحياة, أتدرين ماذا كتبت..؟
وهذه كانت في 16 من عمري, كتبت 3 أشياء على الورقة أول شئ أن يموت صدام وثاني شئ أن أموت في بلدي وثالث شئ أن يكون هناك دولة للنساء لا يوجد فيه ذكر واحد.. ثم قالت المعلمة اكتبي أكثر اشرحي كيف يكون تلك الدولة وكيف يعيشون فيه.. ولكني لم أكتب أكثر من ذلك.. ولكن فكرت فيه لعدة شهور.. وجدت أنها تكون خالية من الأطفال, بدون رجال لا يكون التناسل البشري أيضا.. إذن ستكون كئيبة العيش دون بهجة الأطفال..
نأتي بعد ذلك إلى خطة إجراء عملية جراحية لتغير جنسي, كنت قد بدأت الاعتماد علي نفسي في كل شئ بدأت أفكر في العمل كي أجمع المال اللازم لذلك.. ولكن أتى السؤال ماذا أعمل دون شهادة, وكيف لي بجمع المبلغ الكبير الذي تحتاجه العملية.. ثم أخذت أبحث في الموضوع فوجدت أن إجراء العملية ليس سهلا ولا يفعله أكثرية الجراحين, رغم أنني أعيش في أوربا, وبعد العملية يكون العيش بالأدوية والهرمونات مدى الحياة, ولا يعترف المجتمع بهذا التغير ولا الأهل ولا الدين حتى..
ثم نظرة إلى حالي الآن وحالي بعد العملية فوجدت أنني في نعمة كبيرة جدا لأنني أنثى أتعلمين ما هي.. "الحمل" أن يتكون الجنين في بطنك وبين أحشائك ويتحرك ويكبر.. ويكون معك 24 ساعة في اليوم في خلال 9 شهور ثم يخرج إنسانا إلى الحياة.. ومرتبطا بك.. وهو جنين يموت بدونك وهو طفل يتعذب من غيرك لأن طعامه معك لعدة شهور ثم يكون كالعجين في يدك تشكلينه كيف تشائين.. أختي العزيزة هذه نعمة من الله للإناث لو فكر فيها الذكور لحسدونا عليه.
وبعد ذلك بدأت أنظر إلى ظروفي وأسخرها حسب ميولي.. أصررت على الدراسة لأن فيها استقلالي بشخصيتي وخروجي من البيت, لأنني مثلك لا أحب المكوث في البيت ولا الأعمال المنزلية.. وبعد ذلك الإصرار على العمل حيث فيها اعتمادي على نفسي والتعامل مع الناس والتواصل الإنساني مع أشخاص آخرين غير أهلي ووجدت إناث كثيرات مثلي لا يحببن الذهب ويصرفن المال في أشياء أكثر أهمية وفائدة..حتى أن أخي أتى بهدية لي قبل عدة شهور كانت خاتم الماس غالي الثمن أجبرته أن يرجعه لأنني لن ألبسه..
تقولين أنك لا تحبين الذهب والتزين والأشياء التي تحبها معظم النساء، وأنا أيضا لم أحب تلك الأشياء يوما.. لأنني لا أجد متعة في حبس المال في إصبعي بينما يمكن أن يستفاد من ذلك المال في شئ عملي يستفاد منه أكثر .. وأنا مثلك أيضًا، لا أحب الجلوس مع الإناث من الأهل لأن اهتماماتنا ليست واحدة ولكنني وجدت أيضا إناث أخريات غيرهن في الدراسة والعمل ونتحدث كثيرا في أشياء علمية وسياسية وفلسفات حياتية وأشياء أخرى كثيرة بعيدا عن الذهب والتزين والطبخ وأعمال البيت....
أردت أن أقول لك يا حبيبتي أنت لست شاذة ويوجد هناك إناث كثيرات يفكرن مثلك وإن لم توجد في محيطك الأسري.. وأظن أن المسألة تضخمت معك بسبب استغراب من حولك من هذه الأشياء..ولكن تستطيعين أن تقلبيها لصالحك بأن تنظري إليها مثلما فعلت أنا..
فأنا أعتبر هذه الصفات تميزا في كأنثى.. لا أحب المجوهرات لأنني إنسانة عملية أستفيد من المال وأفيد الأمة الإسلامية أكثر إذا تبرعت به إلى مشروع خيري.. وأستغل حبي للرياضة في ممارستها حتى لو كانت داخل البيت بدل النظر إلى البرامج التلفزيونية، وأستغل الأوقات التي يجب أن أمكث فيها في البيت في عمل أشياء مفيدة مثل الدخول إلى المواقع في النت والقراءة في أشياء مفيدة، وكذلك استغليت حبي للسيارات في أخذ رخصة القيادة من 5 أعوام وأخيرا اشتريت السيارة نعم إنها ليست آخر موديل ولكنه يقضي حاجتي بالذهاب به إلى العمل وأشياء أخرى كثيرة.
إذن أنا أستطيع أن ألبي رغباتي وأنا أنثى ولا حاجة لي بأن أتحول إلى ذكر من أجلها.. وأنت أيضا تستطيعين.
أما لبس البنطال فأنا معك بأنه عملي أكثر من الفساتين ولكن يا عزيزتي يجب دائما أن نوازن بين رغباتنا وبين ما يحكم به الشرع والدين، وصدقيني يا حبيبتي سوف تصلين إلى راحة البال والسعادة إذا رضيت بقضاء الله وقدره وتَقَبَّلي نفسك وجسدك كما هي وسَخِّري ظروفك لصالحك.
وفقك الله لما يحبه ويرضاه
8/8/2004
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك وشكرا على مشاركتك،الحقيقة أن ما وصفته من تجربة شخصية قويةٍ ومثمرةٍ مضيت بها ومضت بك في طريق النضج وتحمل المسئولية وجعل جراح النفس دوافع لا مقعدات عن الكفاح البشري المستمر نحو النضوج، رائعةٌ رحلتك بالفعل، بارك الله فيك، وجعلك نموذجا يحتذى.
مرةً أخرى تفتحين جروحك القديمة، إذن ولكن لا لتشتكي وإنما لتوضحي لنا كيف تفاعلَ ذكاؤك وحكمتك مع الإحباط الأسري والمجتمعي الذي تجدهُ كل فتاةٍ عربيةٍ بمثابة المكتوب على الجبين منذ نعومة أظافرها، وكلما كانت من صاحبات الطموح كلما كان الإحباط أكثر إلا أن تتصرف الفتاة بحكمة وذكاء ومثابرة وتفهم مستمرٍّ للأمور.
لست أدري هل يمكنُ أن تستفيد صاحبة المشكلة الأصلية: اضطراب الهوية الجنسية: التحول الجنسي، فبينما تمثل خبرتك أنت مثلا حيا نابضا على بعض ردود الفعل الشائعة من الفتاة في بلداننا على التفريق الظالم بين الذكور والإناث، فكم فتاة تمنت أن تصبح ولدا بسبب ذلك وكم فتاة كرهت كونها فتاة، ولكن تذكري أن ليس كل واحدة من هؤلاء تفوقت على من حولها من الذكور وصارت لهم فخرا للجهر به، بعدما كانوا ظلما يعاملونها وكأنها مشروع عارٍ يبحثون عن الستر له، تبقين إذن نموذجا يحتذى.
أقول بينما تمثلين أنت تفاعلاً أنثويا حكيما مع الظلم والقهر الذي عشته لأنك بنت، فإن صاحبة المشكلة، تمثلُ ما هو أعمق وأقل علاقة بالمجتمع الخارجي من ذلك على أغلب الظن، فهناك لدى من يعلنَّ رغبتهنَّ في التحول من أنثى لذكر أبعاد نفسية شعورية ومعرفية مختلفة، أفضل تسميتها باضطراب خلل التناغم الجنسي الروح/جسدي والذي غالبا ما يبدأ من الطفولة، ويستمرُّ بعد ذلك حتى المراهقة وقد يمضي مع العمر، ومع اختلاف المسارات والمآلات المرضية لتلك الحالة، والتي بيناها في إجابتنا عليها وفيما أحلناها إليه من مشكلات، فأغلبهن كما سمعت من مريضات عديدات تشعرن بأن لدى كلِّ منهن: (روح رجلٍ في جسد امرأة)، والعكس بالطبع نسمعه من الذكور راغبي التحول إلى إناث أي (روح امرأة في جسد رجل)، فهل ترين في الحالة الأخيرة أن وضع الإناث المميز في المجتمع هو دافع الذكور لطلب التحول إلى إناث؟ .....
وأبتسم هنا وأنا أتخيل دولة النساء التي حلمت بها أنت (وقد صارت دولة متقدمة جدا يحول الذكور أنفسهم إناثا ليحصلوا على فرصة عمل بها!)... ليس هذا أكثر من خيال بالطبع.
أتمنى على أي حالٍ أن تلهمَ مشاركتك هذه صاحبة المشكلة، بعضا من الحكمة في التعامل مع ما تجد نفسها فيه من ابتلاء، وأن تبدأ في إجراء الفحوص الطبية والمعملية اللازمة للوصول إلى تشخيص صحيح ثم علاج صحيح لا يخالف الشرع القويم، لأن مسألة التحول الجنسي أو تحويل الجنس عدا في حالة التخنث العضوي، ما تزال مرفوضةً في كل الأديان السماوية وأعراف المجتمع البشري، وأرجو أن تحفزها مشاركتك على متابعتنا في مجانين.
وأختتم تعليقي على مشاركتك الرائعة تلك بقوله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) صدق الله العظيم(الحجرات:13).