وسواس القهري بالموت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أود أولا أن أشكركم على هذا العمل وأسال الله أن يجعله في ميزان حسناتكم
مشكلتي تكمن في تفكيري الدائم في الموت ليل نهار دون القدرة على التوقف، أحاول قدر المستطاع التغلب على هذا الأمر لكن لا أتمكن، أخاف على نفسي من السكتة الدماغية بسبب التفكير المستمر، أتخيل الموت في كل جزء من الثانية، أعلم بأن الموت حق ولا مفر منه لكن عندما يصبح التفكير فيه بهذا الشكل فإنه يكدر علينا العيش، لا أقدر على فعل أي شيء، أصبحت أعيش في توتر دائم وأنا أنتظر لحظة موتي، أخاف من عذاب القبر، أخاف أن لا أجتاز الصراط ، أخاف أن لا يكون ربي راضٍ عني خوفاً شديداً،
أريد حلا لمشكلتي لأن فكرة الموت أصبحت عالقة في عقلي لا تفارقني طول اليوم حتى أنام، لا يأتيني وسواس بأنني سأموت الآن أو بعد غد، لكن ما أمر به هو التفكير الدائم بالموت وأتخيل موتي في كل، لحظة وأبقى طول اليوم متوترة أنتظر موتي.
إن الله أخفى موعد الموت رحمة بعباده فما بالكم بشخص يتخيلها في كل جزء من الثانية لا تفارقه،
والله تعبت !!
20/6/2017
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله أختي "حسنة" وأهلا بأهل المغرب في موقع مجانين. والشكر موصول لك أختاه، واللهم آمين.
أولاً لا خوف عليك من السكتة الدماغية من كثرة التفكير، هناك تعب لا شك، ولكن لا تخافي أبداً من سكتة دماغية. وصحيح ما قلتِ (أعلم بأن الموت حق ولا مفر منه لكن عندما يصبح التفكير فيه بهذا الشكل فإنه يكدر علينا العيش) والحمد لله أنّه لم يتّخذ عندك شكل تديّن وتورّع وإقبال على الآخرة ! إذاً لستعصى عليك أنك مضطربة وتحتاجين علاجا. والخوف من عذاب القبر والصراط ونظرة الله تعالى لك، ما هو إلا تداعيات وتجليّات لهذا القلق والوسواس. وإلاّ فمعلوم أنّ الخوف يبعث على الحركة والعبادة وليس على الإعياء والخمول والضعف والهروبية، أليس كذلك "حسنة"؟
ومن هنا يُعلم أنّ خوفك مرضيّ ولا يمتّ لخوف يرضاه الله تعالى أو يحبّه، فالله يذكر الخوف منه على أنّه نعمة تبعث على تجنب المعاصي والموبقات والمظالم. فتأمّلي قول الله تعالى في سورة الأحزاب: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39)} فهم يبلّغون رسالة الله، وما من شيء أثقل من التبليغ لكل أطياف الناس وشخصياتهم، العدوّ منهم والصدّيق. ولن يرضى الله بمرض يُتعبّد به له، حتى إن خرج زائفا على شكل خوف منه سبحانه. فأوّلاً حاولي تحييد (من الحياد) فكرة العذاب وسوء الخاتمة والحساب، لأنّ الله تعالى من عدله ورحمتِه يضع مُهلة لخلقه وسعَى ليختبرهم ولا يمكن بأي حال أن يرزقك خشيته تُحطّمك ثمّ ينزع منْك القدرة على تفعيلها عبادة وسلوكا وعزما واستقامة على أمره ! ولا يُمكن أن تكون إرادتُه أن تعيي بالموت وما بعده في كل ثانية، فتُنزع منْك فرْصَة العمَل والتّجْهيز له ! بهذا يُعرف أنّه مرض واضطراب أوّل خطوات إرضاء الله فيه هو "التداوي" تداووا عباد الله.. الحديث.. فالتداوي ضرورة واقعية وطاعة ربانيّة. ثم بعد ذلك يصْفو ذهنك وتقوى نفسُك وتختارين بمحض إرادتِك إرضاء الله غير مقهورة ولا مجبورة ولا فزعة، فإنّما الطاعة عن طيب خاطر ووعي وأريحيّة ومسؤولية لا تكتمل إلا بحريّة !
ونعود للوسواس، فقد قلت إفادة جيّدة (لا يأتيني وسواس بأنني سأموت الآن أو بعد غد , لكن ما أمر به هو التفكير الدائم بالموت وأتخيل موتي في كل, لحظة وأبقى طول اليوم متوترة أنتظر موتي) فأنت نفيت أن يكون احتمال موتك مجرد "فكرة منطقيّة" بأنّك ربما تموتين في أي لحظة عاجلا أو ربما آجلا. بل الفكرة تأتيك بشكل قسريّ واقتحاميّ irrépressible et intrusif بأن الموت وشيك. وهذا دليل على أنّه وسواس قهريّ. ففكرة الموت عندك غير فكرة الموت عند السليمين، الذين يعترفون بالمنطق العقلي أنّ الموت ممكن في كل لحظة.
لكنّ المنطق النفسي عنده يعيش بمبدأ "سأعيش للأبد" ! وهذا صحي من الجهة النفسية، لأن ذلك يُعطي أمَلا وطاقة للحياة. أما فكرتُك أنت فهي فكرة غير منطقية وتشعرين بأنها غير منطقيّة، لكنّها تشكّل ضيقا كبيرا وهذا الضيق والقلق دليل على الوسواس أيضا. ولكنّي ألاحظ أنّك تفاعلتَ مع الفكرة الوسواسية بشكل كبير اعتقادا منْك بأنها تعكس حقيقة بشكل أو آخر، فأثّرت فيك بشدّة. فأوّل علاج الوسواس تكذيبُه. لكنّي أعي أن الضيق والقلق والخوف يبلغ مبلغا قد يعجز فيه الإنسان عن مواجهة الفكرة الوسواسية بشكل عقلانيّ. بمناسبة حالتك، وددت تفاصيل أكثر عن بدايتها ومدّتها، وهل شكّلَ موت قريب أو صديقة الشرارة، وهل لديك وساوس أخرى غير وسواس الموت. وهل تُرافقك أعراض مثل الدوخة وبرودة الأطراف وخفقان القلب، وإحساس مزعج وجاثم أعلى البطن boule(فمّ القلب)
وغرابة الواقع أو غرابة إدراكك لذاتك... لأنّها قد تفيد نوبة قلق وهلع. وفي كلّ الأحوال أنصحُك فورا أنْ تزوري طبيبا نفسيا psychiatre تخبرينه بكل شيء عن الحالة، وتتابعي معه العلاج الدوائي الذي سيختارُه طبيبك، وإن استطعت علاجا بالجلساتpsychothérapie فلا تتردّدي فيه، فنجاعَتُه على المدى الطويل أكبر. ولا تنسي أنّ العمل والانشغال قد يؤثر على حالتك بالإيجاب، على الأقل أنشطة وعمل تطوعي. أو هوايات فحاولي أن تخلقي نوعا من النشاطات حتى لا تكوني فريسة للفراغ. ولا يُغرنّك ما قد تسمعين حول أدوية الطب النفسي أو الأفكار النمطيّة عن الطب النفسي. فأنت بحاجة إلى دواء يخفف عنك، واتركي له الوقت الكافي ليكون ناجعا ولا تتعجّلي قطع الدواء بعد شعورك بالتحسّن. وتابعينا بأخبارك.
وإليك بعض الروابط:
هلع واكتئاب وسواس الموت
رهاب الموت و.. وسواس الموت
الشعور بالموت أو الجنون : الهلع الملعون !
الموت في ثوب الحياة