لعنة الطين
السلام عليكم .. بدايةً أود أن أشكركم على هذا الموقع الرائع، أسأل الله أن ينفع بكم العباد .. أنا شاب في الـ 18 من العمر ، أعاني من مشكلة عظمى إن لم أدركها وأعمل على حلها ستودي بي للهلاك،
مشكلتي ببساطة هي أنني لا أرغب بفعل أي شيء في هذه الحياة، لا يمكنني فعل شيء، لا يمكنني قراءة كتاب، لا يمكنني تعلم شيء جديد، لا يمكنني الدراسة، لا يمكنني الذهاب لنادي كمال الأجسام، لا يمكنني فعل أي شيء أحبه أو أرغب بفعله، باستثناء بعض الأمور طبعا كالصلاة لا أواجه فيها مشكلة، شخص ملول ومزاجي لأبعد الحدود، في الاختبارات النهائية السنة المنصرمة، كنت أقوم بدراسة كل مادة في ليلة تقديم الاختبار لأنه ليس عندي رغبة بالدراسة، الغريب أني أتيت بشبه مجموع كامل وهذا ما زاد حبي لوضعي الحالي وكرهي له بنفس الوقت،
في وقت متأخر من بداية العام الدراسي الماضي عدت للدراسة بعد انقطاع دام 5 سنوات بسبب الحرب في بلدي سورية، توقفت في الصف السابع أو الأول المتوسط، حاولت تشخيص مصيبتي الحالية ووجدت أن هذه الـ 5 سنوات هي الطامة الكبرى، في هذه الـ 5 سنوات اضطررنا لترك مدينتي واتجهنا للعاصمة التي كانت أكثر أمناً، ثم بعد بعدها سافرنا لـ لبنان، وفي لبنان بيت القصيد، حاولت الرجوع للدراسة في لبنان لكن بسبب القتال بين أمويي وعباسيي العصر في مدينة طرابلس الذي أدى إلى تردي الوضع الأمني في المدينة، وبسبب أن دراستي ليس لها طعم، إذ إنني سوف لن أحصل على شهادة تخرج لأن دراستي كانت (رفع عتب) كما يقال، اتجهت للعمل، عملت في محل لتجارة الألبسة في سوق طرابلس الشعبي، ومن هنا بدأت معاناتي، عملت رغماً عني، وكان العمل سيء، أنا لا أود العمل، لم أكن جيداً فيه، جلست لسنتين وأنا لا أجيد البيع ولا أعرف أماكن البضائع، كنت أتلقى التهديدات والإكراه من زوجة صاحب العمل ومنه هو شخصياً كل يوم بسبب عدم كفاءتي، صارت حياتي جحيم، صرت أكره المواسم التي يكثر فيها العمل كالأعياد، صار عندي (فوبيا) من كل شيء يتعلق بالعمل، وصار عندي حب وعشق لكل شيء يضاد العمل،
في عملي لم يكن هناك عطلة أسبوعية نهائياً بل كنا نعمل في كل يوم، صاحب العمل وزوجته كانا يريدان مني أن لا يدخل عميل علينا ويخرج دون أن يشتري، وأنا لا أحب عملي ولا أحب العميل ولا أحب حياتي وأصلاً ما كنت أعلم لماذا أنا هنا، هذه الفترة استمرت تقريباً منذ أن كنت في الـ 12 حتى صرت في الـ 15، وعلى هذا الحال، الغريب أنهم لم يطردوني من العمل !
بعد تعرضي للذل والإهانة والتهديد ومع كرهي للعمل تركته ومضيت مرتين أو ثلاث، كنت أعود صاغراً !
بعدها تخلصت من هذه الأغلال وسافرنا أخيراً للجزيرة العربية، في البداية لم أستطع الدراسة وعملت في مكتبة، كان عملي حينئذ يعجبني، طباعة وكومبيوتر وأنا أحب الكومبيوتر بشكل عام، ورغم حبي لعملي إلا أن الفوبيا ما زالت ترافقني، ومن هنا بدأت أكتشف العلة، تأكدت أن هناك مشكلة، عرفت أن ثمة جارحة نفسية تولدت عندي ألا وهي أني أريد أن أكافئ نفسي -لا إرادياً- على سنين المعاناة هذه بعدم فعل أي شيء، بالراحة الدائمة !
المصيبة كما قلت أعلاه أن هذا الأمر لا إرادي ، أٍسميته بـ الجارحة النفسية ، لأنه صار كـ يدي، وكـ عيني، لا يمكنني التخلي عنه، وإن فعلت فستكون خطوة جنونية وستكون العاقبة وخيمة، أعلم أنه ليس كذلك، حاولت علاج نفسي بشتى الطرق، نظمت وقتي، عرفت كم من الساعات يجب أن أنام يومياً حسب عمري، تركت 8 ساعات نوم، بقيت عندي 16 ساعة، تركت كل ما يأخذ جزء كبير من وقتي يومياً، الانترنت بشكل عام لمدة 6 شهور أو يزيد،
16 ساعة فراغ متسع كبير جداً، بدأت بشراء الكتب التي تحمل ميولي، السياسية والتاريخية، بدأت أرتاد نادي لياقة، بدأت بتقوية لغتي الانجليزية، بدأت بتعلم البرمجة التي أحبها، لكن لم أستطع فعل أي شيء، عرفت حينها أني لا أبحث عما أحب بل أبحث عما يرفهني ويكافئني، ألا وهي الراحة، الراحة التي تكمن في عدم فعل أي شيء .
أنا عندي قوة نفسية كبيرة لحل مشاكل غيري، قمت بمساعدة الكثير من الناس، عرباً وعجماً، إناثاً وذكوراً، وعلى الانترنت، منهم العراقية التي أيضا تعاني في بلدها من صراع أمويي وعباسيي العصر، والتي دخلت تخصصاً لا تحبه، والتي عانت من قصة حب سابقة فاشلة كانت نهايتها أن روميو العرب كان يضيع وقت لا أكثر، التي جعلتها تحب اختصاصها وتحب حياتها وترضى بما هي عليه الآن، حتى صرت مقدساً في حياتها لأني استطعت حل مشكلة كان والداها لا يأبهان لها، والسورية بنت بلدي التي تعرضت للاغتصاب أيضا بسبب أمويي وعباسيي العصر، هذه الفتاة التي جعلتها تتحدى عذريتها وهي الآن في أحسن حال والتي قالت لـ بلال في يومٍ من الأيام ( أنت راحة نفسية )،
والشاب الروسي الذي كانت علاقتي به عابرة جداً، كان يبحث فقط على موقع الكتروني للدردشة السريعة عن شخصٍ كي يبوح له بما في قلبه، ووجد بلال، كان الشاب الروسي يعانِ من مشكلة الإحباط في حياته، والذي هو أيضا قال لـ بلال (أنت شاب حكيم)، كلهم يتخيلون بلال على أنه رجل صيني عمره زهاء الـ 100 عام..
أنا شخصياً لا أعلم كيف تحليت بهذه الصفة، أفكر أحيانا بدراسة الطب النفسي لأني متيقن بأني سأكون بارعاً فيه ..
لكن لا بد أولا من حل مشكلتي هذه ..
ربما هذه أطول رسالة كُتبت في الموقع ..
اعذروني على الإطالة، كتبت ذلك كي أبوح، ولعل الحل يكون عندكم ..
أشكركم
15/7/2017
رد المستشار
أهلا وسهلا بك يا ولدي-"بلال الصيني"-، أنت فعلا شخص متميز، وشخص يتمكن من"فهم"، و"استيعاب" المشكلات، ووضع حلول لها، ولكن هذا نفسه هو سبب معاناتك!!؛ فأنت لا تتحدث عن المشاعر هل لاحظت ذلك؟؟ فرغم دخولك في عمق مشكلات نفسية سببت أزمات لغيرك، لكنك كنت تخوضها بعقلك دون مشاعرك، وهو ذاته ما تفعله مع نفسك؛ فأنت تحلل مشكلاتك، وتدرسها، وتضع لها احتمالات حلولها وتحاول تطبيقها، ولكن لا تحقق تغييرا! فلو ظللت هكذا سنوات، وسنوات وأنت تحكم غلق بوابة مشاعرك بصدق؛ ستظل في حلقة مفرغة، فأنت تحتاج أن تتواصل مع مشاعرك بكل أنواعها، وتسمح لها بالحضور بصدق، وتعبر عنها، وتقبلها، وتتواصل معها؛ فأنت غضبان، متألم، خائف، قلق، وغيرها، وكل تلك المشاعر مشروعة جدا، وكلها تحتاج للقبول دون الغرق فيها حتى لا تتعطل بطريقة أخرى؛ فالألم حقك حين تنزع من بلدك، ومكانك، وحضنك الأول،
ولكن.... الألم العظيم الذي يصل للمعاناة التي تشل كل الحياة تكون معطلة غير صحية معطلة، والغضب حقك حين تترك دراستك غصبا، وقهرا لسنوات، وتضطر للعمل الذي تكرهه، مع أشخاص تؤذيك نفسيا، ولكن حين تكتمه، وتوجهه لنفسك، ويتحول لعقاب لنفسك يكون معطل مؤذي، وهكذا كل مشاعرك التي تدفنها تحت سطح سميك لا تراه؛ لدرجة تجعلك لا تصدق وجودها! وهناك أيضا ما يعرف في المساحة النفسية باضطراب ما بعد الصدمة، وفيها يتعرض الشخص لصدمة نفسية ضخمة على جهازه النفسي-تختلف باختلاف التكوين النفسي للشخص، ومناخ نشأته، وتفاعل من حوله معه، إلخ- يكون لها أثرا طبيعيا جدا لفترة ثم تنتهي، ولكن عند بعض الأشخاص تظل تلك الصدمة قابعة في العمق لا يتخلص الشخص منها إلا بعلاج متخصص تتوقف مدته على نوعها، وأثرها عليه، ورغبة الشخص في مواجهتها والتخلص منها،
وما حدث معك هو بكل المقاييس صدمة نفسية لا أستطيع الآن أن أجزم بمدى أثرها عليك، ولكن أرى ظلالها في موقف "التجمد" الذي تأخذه؛ فحين نتعرض لصدمة نفسية-قد تكون عند بعض الأشخاص وفاة قطة، وآخر حرب أهلية- يكون من الطبيعي أن يواجه ما يحدث، أو يهرب منه، ولكن في الحالات الأكثر يأخذ الشخص وضع الـ"Freezing" وهو قريب مما تفعله، وقريب من توجيه العقاب لذاتك بدلا من توجيهه لمن تسبب في ذلك، وهناك أمر آخر أود أن تراجعه، وهو نوع من أنواع ما نسميه"بأخطاء التفكير"، وهو ما يعرف بتضخيم، أو/وتصغير الأحداث، والذي ينسحب على المشاعر بالتبعية؛ فهناك أشخاص يضخمون المواقف عما هي عليه وبالتالي المشاعر؛ كحديثك عن دورك في حياة من ساعدتهم؛ فأنت ساعدتهم فعلا، وساعدتهم؛ لأنك تتمتع بمهارات، ولكن هم كذلك كانوا في حالة احتياج شديد لمن يهتم بهم، ويسمعهم حتى لو كان من سيقوم بذلك شخص آخر غيرك، ولكنك ترى دورك وكأنك لديهم البطل العظيم، وكذلك هم في منتهى الشقاء- فهم بالفعل يمرون بمعاناة ليست سهلة، ولكن هم يتمكنون ببعض المساعدة من المساهمة في حل مشكلاتهم المؤلمة خصوصا حين تكون خارج إرادتهم-، وحتى حين قلت أن رسالتك من أطول رسالات بعثت لموقعنا؛ فهذا غير صحيح؛ فهي ليست قصيرة، وكذلك هي ليست طويلة؛ فهناك من أرسل لنا بالخمس صفحات لنقرئها، ونرد عليه.
إذاً أنت رجل رائع، ولديك ملكات جيدة جدا، وأتمنى أن تنضم للمساحة النفسية، ولكن لديك ثلاث مفاتيح أوضحتهم لك لتراجعهم، وأتمنى أن تراجعهم مع متخصص نفسي ماهر ليتمكن من وضع خطة علاجية متكاملة تشمل علاج الأفكار، وعلاجا سلوكيا بشكل متخصص وقد تحتاج لبعض الأدوية المعينة لتجتاز تلك العقبة؛ لتنطلق في الحياة فتضيف لنفسك، ولغيرك وهذا هو "النجاح الحقيقي" الذي تستحقه.
ويتبع >>>>>>: بلال الصيني م