ندم، وتفكير، وقلة حيلة: يوميات حائرة ... م
زوجي المهمل أفقدني أعصابي
السلام عليكم..
نعم لعلها مشكلة لا تشبه مراسلتي السابقة. ولكنها مشاكل الحياة متنوعة ومختلفة دائما.
منذ زواجي وأنا أعاني إهمال زوجي وتسويفه الذي ليس له مثيل. فرغم تدينه فهو تارك للصلاة كسلا منذ وقت طويل. مهمل في جميع واجباته المنزلية التي أقوم بأكثرها باستثناء ما أعجز عنه بسبب قوتي البدنية المحدودة مثل تبديل الغاز ونقل الأجهزة للتصليح. والنتيجة نحن نبقى بلا طعام أياما بسبب كسله عن تبديل الغاز (نحتاج إلى تبديل عبوة الغاز مرة في السنة فقط). والنتيجة أيضا لدينا ما يزيد على خمسة أجهزة أساسية عاطلة منذ وقت طويل جدا. حين يتناول طعامه يرمي المخلفات على الأرض أو يبقيها على الطاولة. لا يتعاون معي في أي شيء يخص رعاية طفلتنا. هو صيدلاني وموظف ويستلم راتبا شهريا. أنا بطبعي صبورة وهادئة بشهادة من يعرفني ولكن نقطة ضعفي كسله. يجعلني أفقد أعصابي وأصرخ وأخبره بمدى فشله وندمي على الارتباط به. وأحيانا ألوم نفسي أنني أقوم بكل شيء بنفسي ولا أجعله يشعر بالمسؤولية. تعبت جدا وبدأت أشعر بالمرض النفسي وفقدان الحيلة
23/8/2017
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله أختي "ضحى". وأهلا بك على مجانين وشكرا على استعمال الموقع، ونعتذر عن التأخير الحاصل بسبب ورود جواب الدكتور أحمد عبد الله قبل إرسال رسالتك هذه. وكنت قد قرأت استشاراتك وردّ الدكتور عليها الذي كان مستفيضا دقيقا كالعادة (ولن يفهم ما "ضُغط" فيه إلا من كابد تلك الإشكاليات) قبل أن تُحالَ لي. وقلت ربما أشارك فيها. لكني انشغلت.
إن مرحلة تديّنك في المراهقة المتأخرة أو بداية الرّشد هو نوع من الشغف في اكتشاف ما جهلناه وانتسبنا إليه دهرا. وطبعا لن نتحرر من أنماط التديّن الجاهزة والتي حتى ونحن ملاحدة نخضع لها في التصوّر ونتحدث عن الدين على أساسها. بمعنى أنّ القوالب الجاهزة هناك تنتظر كل من أناب إلى الله. لتقول له "هذا هو التديّن" فخذ به وإلا فأنت غير ذلك. ويختلط الإحساس باللذة وتسامي الروح في الأخذ بكل عزيمة وتشدد، والميل للأكثر ورعا وتضييقا، حتى تشعر النفس بأنها أكثر تديّنا، حتّى أننا نعتبر الحديث بالفصحى شكلا من أشكال التدين، وهو يُعمق الهوة بين المتدين والمجتمع، ويزيده غرابة على غرابته، وكأنه مفتقر لها ! وعجيب كيف نظنّها تديّنا وهي مجرّد لغة، وتصوري لو نحن ماليزيون مثلا ونتحدث بالفصحى تعبّدا ! أو أن الرسالة جاءت بلغة رومانية ونحن نتحدثها الآن ! ستظهر المفارقة واضحة آنذاك، لكنها النفس التي إن طبقت بالحذافير شعرت أنها أكثر اقتداء. حتى إن زاغت عن المقصد الذي يبدو باهتا خافتا أمام الالتزام الحرفي !
المهم.. هذه خواطر نتشاطرها.
والأهم هو التصور الديني الجديد ووضعك مع زوجك. فمعاناتك الفكرية وتقلباتك الفلسفية الآن تترافق مع صراع متعلق بذلك القلق، وهو زوجك من جهة، الذي يخدُمه توجهّك القديم ونمط تدينك الذي تخليّت عنه.
لماذا قلتُ يخدُم زوجَك ولم أقل "يُعجب"؟ لأن ما يظهر منه هو لا علاقة له بالتديّن رغم وصفك إياه بذلك ! مما يُثير عجبي. فكيف يوصف من يترك الصلاة بالتدين؟ ! ربما يوصف محافظٌ عليها حتى إن كان مسوّفا كسولا. لكن في شعيرة مثل هذه ويكون متديّنا ! مما يحذو بي لاستنتاج أنّها مجرد سمات شخصية ظهرت على أنّها تدين ! فالمحافظة ناتجة عن انطوائية وسلبية (وسلبيته تظهر بشكل كبير في ترككم دون قنينة وطعام لمدة ايام !) وتخوّفه وقلقه قد يكون على شكل غيرة على لباسك. فأن تكوني ضُحى القديمة أكثر راحة له من أن تكوني ضُحى الجديدة !
ولعلّ لتصوّرك عن التدين قديما، ذاك التديّن الشعائري الذي يقبل الكثير من السلبية (إنسان طيوب !)، وأيضا تقييمُك لزوجك على أساسه في أغلب الظنّ، علاقة بهذا الانقلاب العنيف وتغير المفاهيم إذ تقولين (قناعاتي الدينية كلها في تغير. مفاهيم الدين عندي تغيرت. أصبحت أؤمن أن الدين هو الحياة الصالحة التي لا يشوبها الغش والكذب والكسل والشكوى والأنانية. وليس عبادة ومظاهر وأحكام فقهية...) وكأنها ردة فعل نفسية وليس نقدا قد تقلّب على نار هادئة حتى ينضج. وأعتقد أنّك لو نوقشت في نسق التدين بأحكامه وعباداته لن تجدي ردا علميا رصينا، سوى موقف فكري يعبّر عن توتر وعدم ارتياح نحو "فقهاء الدين" وحتى قولك (وأصبحت أقتنع أن الله لا ينظر إلى التفاصيل) هي ردة فعلٍ رزأتِ قبلها تحت "التفاصيل الفقهية".
والدليل أنّك لا زلتِ تعتقدين أنّ الله سبحانه يهتم بتفاصيل البشر في كرة لا تساوي شيئا في الفضاء، غشوا أو تكاسلوا أو كذبوا ! على أن تكون التفاصيل مما نحب أن يُهتمّ به من أجلنا !. فبنيتِ تصوّرا اختزاليّا للدين متجاوزة العلماء لتُصادري على "نوع التدين" الذي تحبين أن يكون لك، دون أن تضطري لمقارعة الحجة بالحجة. لكنّك معذورة، فزوجك كان له نصيب من هذه القفزة. فهو المتدين الذي خذل ظنّك، وكرهته بسبب تسويفه وكسله المفرط وسلبيته في تحمل مسؤولياته حتى مع فلذات أكباده. فصرت تميلين لنسخة من الدين "براغماتية" أو "إنسانية" إن لاحظت. فكل ما ذكرت عن الحياة الصالحة ما هو في الحقيقة إلا حقوق بشرية بالدرجة الأولى (غش وكذب وكسل وشكوى وأنانية) وما صارت حقوقا ربّانية إلا لمؤاخذة الله تعالى عليها لأنه من حقوق الناس. ولاحظي جيدا الثلاثية "الكسل الشكوى والأنانية" وكلها إن لم أرجم بالغيب تعيشينها مع زوجك. فأين حقوق الله في هذا الدين الذي هو شيء ننسبه لله تعالى ؟ ودعك من الأحكام الخاصة بالمرأة (التي لن تسلم من الشّبهات أو نظرة المساواة المطلقة)، أين محبوبات الله التي تتجلى في أحكام فقهية لا تعنينا كثيرا ! الكل يا أختي يحرص على حقه ويضع لها حدودا كما فعلتِ، وهذا ليس تديّنا بالضرورة، خصوصا إن اختزلناه فيها فقط.
كان بوسعي أن أتجاوز نقطة التدين والتحول إلى زوجك مباشرة، لكني رأيتها جزء من معاناتك مع نفسك ومع زوجك أيضا.
وأنا أفهم بعمق ما قلته عن اللباس وحمولته الاجتماعية والثقافية ونظرة الناس إليه ولأصحابه وتنميطهم السريع له. وأقول لك أيضا أن استيقاظ الحس النقدي في ذهنك اتجاه نمط التدين هو شيء صحي، مبارك عليك ! لكن إيجاد التوازن كما أشار الدكتور عبد الله هي البطولة، فالنقد غير الانتقاد، فالأول علمي والثاني نفسي. أما نسف كل شيء أو اعتناق كل شيء فالكل يحسنه، فالناس لا تحبّ عزل الرّكام وإتعاب العقول في اختيار هذا من ذاك بجهد جهيد. وحاولي أن تتعلمي عن دينك بصدق. فإن تعكّرت المياه، فالصادقون في البحث عن الصفاء يصعدون للمنابع ويبحثون ولن يسمحوا أبدا بأن يكون الوسطاء من علماء أو ناس، مانعا بينهم وبين ربّ يدعون حبّه ويريدون رضوانه ويطمعون في جناته، سواء باتباعهم فيما أخطأوا أو (كما فعلت) بالنفور منهم لدرجة نتجاوز فيها الحد الموضوعي والكافي لممارسة النفور المشروع إلى الانتقال للمعاداة الخفية !
أما عن زوجك فأرى أنه تجاوز الكسل بمراحل. فزوجك يحتاج لتدخل مختص نفسي لمعرفة ما به، فأن يكسل عن قارورة غاز ويترككم دون طعام يُطهى أياما، وأن يرمي الطعام في الأرض.. هذه سلوكات غير طبيعية وليست مجرد كسل.
أما عن طريقة تعاملك مع الأمر. صحيح ما قلتِ، يجب أن تشعريه بقليل من المسؤولية وألا تفعلي كل شيء مكانه، حتى إن أزعجك الأمر. أما الانتقاد والشتم والمنّ فلن يزيد وضعه إلا سوء، لأن سلوكه هذا نابع من سلبية، وعندما ستزيد سلبيته وتنخفض ثقته سيكون أكثر فعلا لها. حاولي وضع برنامج بسيط معه بتصغير المهمة في عينه بإعطائه وقتا محددا لها وأنها سريعة وغير متبعة. وتقفين عليه حتى يفعلها ولا تتضجري، تخيلي أنك تتعاملين مع طفل صغير ! لا أمزح. تخيلي فقط ولا تقوليها له، فهذا سيُساعدك على برودة الأعصاب قليلا حتى تتفادي العصبية والسب والتحقير. ولعل شخصيتك "الصبورة الهادئة" التي لا أشك فيها، هي ما حملتك على تجنّب مشاكل نابعة من أمرك له أو طلبك منه أو إلحاحك عليه في أول العلاقة، حتى اعتقد أنه غير مخطئ وأن زوجته تتحمل عنه كل شيء بطيب خاطر.
ولا تحسبي ما قلتُ جراء غضب وازدراء لك، كلاّ. وأتمنى من الله أن تتحسن أوضاعك أختي "ضُحى"، وأن يتحسن زوجك بطلبه للعلاج، وأن تهتدي لأحسن القرارات.
ودائما في الخدمة. وتابعينا بأخبارك بعد تطبيق النصائح المتواضعة مع زوجك.