هل قلة ثقة أو عدم نضج أم أعمق ؟
أولا بشكر كل القائمين على الموقع الرائع والمجهود الجبار المبذول فيه وأسأل الله أن يجازيكم بكل الخير لما تقدموا لنا من علم ومعرفة .
ثانيا وكلي خجل أطلب من أ.حسن خالدي الرد على رسالتي إن أمكن، وكلي احترام وتقدير لجميع الدكاترة .
ثالثا أعتذر عن اللي عايزة أستفسر عنه بس أنا لازم أحط لنفسي حد عشان تعبت من الدائرة اللي بلف فيها ولا تنتهي، أنا عندي ٢٧ سنة حاليا، مع بداية سن البلوغ ابتدأ جسمي يتغير وأنا كنت بتكسف جدا من جسمي ومن نظرات أمي وقتها اللي كانت بتدل على فرحة أن بنتها بتكبر زي كل البنات واستمر الكسوف ده لحد دلوقتي بس بدرجة أقل، أنا متقبلة شكل جسمي لكن مش متقبلة نظرة أني" أنثى" اللي ممكن حد ينظرها لي. لما حد يكلمني أني أنثى، أو يتصرف معايا على أساس أني أنثى .
حتى كنت أتكسف أغير هدومي قدام أمي أو أختي ولو اضطررت فكنت بديلهم ظهري واستمر ده لحد فترة قريبة جدا وحاليا لسه موجود بس قل شوية صغيرة أوي.
أتكسف أتفرج على واحدة ترقص وماكنتش بحب أتفرج وبلف وشي في اتجاه ثاني، مرتين أو ثلاثة بس في حياتي كلها جربت أقفل علي باب الأوضة وأرقص ضميري أنبني كأني عملت ذنب، ولغاية دلوقتي ماعرفش إيه السبب.
من حوالي ٥ سنين قلبي مال تجاه شخص زميلي من طرفي بس لكن هو لا، وكانت الدنيا مش سيعاني لأني أول مرة أحس أني بنت وقلبي يدق، بعد كدة عرفت أنه كان فاهم إحساسي بس كان بيستهبل فسبته أو بمعنى أصح هو اللي خلع لما حس أني فهمت شوية الحركات اللي كان يعملها علي عشان يعلقني بيه، وقعدت بالضبط ٤ سنين وشهرين عشان أنهي الموضوع ده من جوايا
وفي خلال الأربع سنين دول وصلت لمرحلة أني كرهت كوني أنثى، عشان هي اللي عذبتني وخلت المدة تطول أوي كده، وعشان عشت بسببها حالة من الضعف وقلة الإرادة وقلة الحيلة، وكنت بقول لنفسي أحسن تستأهلي عشان أنتي من الأول عارفة الآية (ولا متخذات أخدان ) وأنتي سمحتي أن يبقى فيه كلام بينكم من البداية ماصدتيش، وبالمناسبة هو كان مسافر وكان كلامنا كله عالنت مش مقابلات، يعني تعلقت بشوية زراير كي بورد 😕، وأنا كنت مدركة وقتها ده فكنت بقاوح الإحساس اللي جوايا وأقول دي مجرد أوهام مش حقيقة.
وبالفعل نسيت أني أنثى لحد ما جاء لي شوية وجع عضوي فيَّ روحت لدكتور أمراض نساء وكان يعملي سونار كان من ضمن كلامه قالي أن الرحم كويس مفهوش حاجة، فكانت صدمة بالنسبة لي أني افتكرت أني بنت وعندي "رحم "زي باقي البنات عادي.
مابحبش أتعامل مع البنات الرقيقة بتخنق، إنما لو بنت مسترجلة كده وناشفة بحب أتعامل معها جدا.
من وأنا طفلة كنت هادية جدا وبريئة لدرجة الهبل وأهلي كانوا يقولوا علي حساسة جدا ولغاية لما كبرت التعليق ده قيل لي كذا مرة حتى من دكتور نفسي رحت له قبل كده، وماروحتلوش تاني لعدة أسباب كان من ضمنهم أنه قال لي أني حساسة.
وأنا رافضة الحساسية دي ورافضة أن حد يقول لي كده، ويمكن عايشة في دور البنت الناشفة اللي بسبع رجالة اعتراضا على الحساسية دي، لان تفسيري للحساسية ضعف وقلة حيلة وعجز.
أنا دلوقتي مش كارهة كوني أنثى لكن برده مش قادرة أتقبل ١٠٠ ٪، من وأنا صغيرة بكره جدا لما أتكسف ووجي يحمر وحد يكون جنبي ويلاحظ ويعلق وأفضل ألوم نفسي .
وفيه حاجه غريبة بتحصل لي أغلب الوقت مش دائما لما ألبس جزمة بكعب أو لبس أنثوي شوية أو أي حاجة من اهتمامات البنات بعملها بتكسف أكيد لكن باُستثار وبيجيلي انقباضات في الرحم، وعلى أد ما بيكون إحساس حلو على أد ضميري بيأنبني عشان الانقباضات دي وعشان تخليت عن مبدئي وميلت لطبيعتي الـ "أنثى" .
أنا أحب القوة وبكره الضعف عموما، ومش متخيلة نفسي في يوم من الأيام أنفع أبقى زوجة أو أم عشان بيجلي هاجس أن الزوج أو الابن هيخلوني ضعيفة وتحت رحمتهم بسبب حبي ليهم. بص حضرتك أنا عارفة ومتيقنة أن كل ده شوية أفكار غلط، ويمكن تكون تفكير طفولي، مع أن أنا في العادي يقولوا لي عقلي أكبر من سني، بس يمكن في النقطة دي بالذات اللي محدش يعرفها عيلة.
السؤال هنا : هل دي قلة ثقة بالنفس ولا عدم نضوج ولا ماعنديش ذكاء عاطفي؟
وآسفة على الإطالة جدا، وشكرا لحضرتك
16/9/2017
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله أختي "فيمل" ومرحبا بك على موقع مجانين للصحة النفسية
ونرجو من الله ما رجَوتِ لنا. ويُشرّفني طلبُك ودائما في الخدمة. مع أن الكلام بالعامية المصرية وأخوكِ مغربي. لكن الفضل لموائد الطعام الممزوجة بالدراما المصرية في بيوتنا! ربّما تصل دعوات الرحمة والأجر للوالدة التي كانت شكلتْ جزء من الكفاءة لفهم الاستشارة.
لا شكّ أنّ هناك غياب ثقة بالنفس. لكنّها ثقة متعلّقة بشكل كبير جدا بنظرتك للأنوثة. وأفضّل أن أصفها "بالأنوثة المكبوتة" عندك. فلديك كبت Repression للجانب الأنثوي الذي تعتبرينه نقصا وضَعفا. وأحببتُ لو وضّحت علاقتك بأسرتك وطبيعة تربيتكم بأمثلة، وكيف كان يتصّرف والداك وخصوصا الأب وأيضا إخوانك الذكور إن كانوا، إزاء موقعك كفتاة وسط هذا العالم. فهذا مهم جدا في وضعك. أغلب الظنّ أن للأسرة وطبيعة التنشئة يدا في تصوراتك ودفاعاتك الحالية.
لكني سأحاول تحديد معالم المشكلة حسب ما توفر لي من هذه السطور وما بينها. مع وعيي بأنّك تدركين عدم معقولية تصوّراتك هذه. وهذا شيء جميل ومشجّع وعسى أن يكون تغييرُها يسيرا مع بعض العمل على الذات.
فرحُ أمّك كان طبيعيا جدا، فالأم تعرف (بما أنها أنثى عرفت كيف تسير الأمور)، أهمية جمال البنت ونعمة تناسق جسدها ونموّه، وتعاسة من حُرمن من ذلك، خصوصا في مجتمعات تعبد الصورة والمعاييرالنموذجية. فكان فرَحُها أمرا طبيعيا. في المقابل لا يمكننا تخمين سبب خجلك من أمك وأخواتك لدرجة كبيرة، دون رجوع لأحداث الطفولة. لكن على الأقل استبعدنا عقدة الأيزو ISO واضطراب التشوّه الجسدي Dysmorphic disorder body ما دُمت قلتِ أنّك راضية عن شكل جسدك وأيضا سلوكاتك التجنّبية بعيدة عن تأكيد ذلك. فأنت تتجنّبين ما له علاقة بالأنوثة عموما: كالرّقة والرقص والفتيات الأنثويات وأظن أنك تتجنّبين سماع قصص الحبّ أو مشاهدة الأفلام الرومانسية أيضا.
إنّ الرحى المركزية التي تدور حولها مشكلتك، هو نفورك من الضّعف وتأنيب الضمير، ذاك الذي شعرت به لمّا أردت إخراج القليل من أنوثتك المكبوتة. ثلاثُ مرات (وهذا ما ذكَرت لنا فقط) مرة لمّا رقصت وأردت أن تدلّلي نفسك، ومرّة لما شعرت بلذّة بعد ارتداء الحذاء ذو الكعب العالي والملابس الأنثوية وشعرت بانقباضات مهبلية (وليس الرحم على ما أظنّ) ثم لما خفق قلبك لشاب وتعلّقت به. بعد كلّ مرّة شعرت بتأنيب ضمير فظيع..
فعيب عليك أن تشعري بنعمة الأنوثة !! تلك النعمة التي افتقدتها الكثير من النساء في هذا العصر. ودائما تختارين الطريق الخطأ بعد كل تجربة "لذيذة" بأنّ تجلدي ذاتك, وقد انتقمت شرّ انتقام من نفسك بعد تلك العلاقة العابرة.
أما عن النفور من كلّ أشكال الضعف، طبعا بتعريفك أنت. فهو واضح عبر قولك (عشان هي اللي عذبتني وخلت المدة تطول أوي كده وعشان عشت بسببها حالة من الضعف وقلة الإرادة وقلة الحيلة) و(وماروحتلوش ثاني لعدة أسباب كان من ضمنهم أنه قال لي أني حساسة.) وأيضا (وأنا رافضة الحساسية دي ورافضة أن حد يقول لي ...لأن تفسيري للحساسية ضعف وقلة حيلة وعجز .) وأيضا (من وأنا صغيرة بكره جدا لما أتكسف ووجي يحمر وحد يكون جنبي ويلاحظ ويعلق وأفضل ألوم نفسي .)
كل هذا يعبّر عن مشكل في تقبّل الذات ومفاهيم خاطئة كنت فيها ضحيّة للتنشئة والوسط، ولاقت أرضا خصبة بسبب حساسيتك للانتقاد وحسّك المُرهف. فحتى كونك فتاة صغيرة تخجل وتحمرّ وجنتاها لم يعجبك وتلومين نفسك عليه. ولاحظي أنّ كل ما ذكرت من عذاب وضُعف ليس له علاقة بكونك أنثى البتّة ! بل بكونك إنسانا فقط. فحتى لو كنتِ رجلا، ربما تتعذبين بقصة حبّ مثل التي مررتِ بها. وحولك الناس وأمامك الموقع لتعرفي قصصهم. وحتى إن كنتِ ولدا قد يحمرّ وجهك، وحتى إن كنت ذكرا فقد تجدين مشكلة مع رغبتك الجنسية.. وحتى الرجال قد يُرى فيهم حساسية أكثر من بعض النساء... وهكذا..
وبدل أن تتعلمي شيئا مُهما إزاء نفسك وطبيعة البشر عموما في قصة الحب تلك، رجعت للخطأ نفسه قبلها ! ألا وهو "كبت" مشاعر الأنوثة فيك. لأن لعبك دور "المرأة الحديدية" هو ما جعلك أضعف لمّا اكتشفت أحاسيس الحبّ، لدرجة أنّك تعرفين أن العلاقة وهم لكنك عاجزة عن تركها (وهذا لم يقع لك وحدك فكل الناس تشتكي من هذا، في ازدواجية مؤلمة بين العقل والقلب). بكلمات أخرى من فرط تصديقك أنّك لست أنثى ولن تضعفي ولن تحتاجي حبّا، لم تتخيّلي حتى قوّة تلك المشاعر وعُمقها فيك متى اقتحمت عليك كيانَك، ففاجأتك تلك المشاعر وأنت بدون دفاعات. وهذا شبيه بمن يظن نفسه لا يعطش في الصحراء فلما سافر فيها رأى الماء فوجد نفسه ضعيفا أمامه عكس ما كان يعتقد فوقع فيه وقوع الأعمى في المطبّ ! ولو كُنتِ أكثر تقبلا لأنوثتك ربما لوجدت نفسك متوقّعة لحدوث ذلك، مما يترك لك الوقت في التفكير العقلاني في فائدة تلك العلاقة أو غيرها.
وقد كان أسهل عليك قطع الشجرة من جذورها بدل مداواتها، ففضّلتِ أن تقتلعي الأنوثة مجدّدا بدل أن تقتلعي بعض الأغصان. لكنّه كان حلاّ متطرّفا مجدّدا.
وليس المشكل أنك اتخذت خدنا. فالقرآن ذكر أن ذلك حرام فقط، ولم يذكر له عقابا من قبيل ما ذكرتِ. ومن الناس من يفعل ذلك كل مرة ولا يمر بما تمرّين !! فلا تُعطي الأمر بُعدا إلهيا مقدّسا، حتى إن أردتّ طردَه يوما ما أحسست أنّه لصيق بالتحريم في الآية، وأنك إن رفضته ستكونين ضمنيا رافضة للتحريم! فتقعين في صراع وخُدعة نفسية.
كبتُك كلّ مرة وذبحُك للأنثى داخلك، هو ما سبّب لك أوجاعا جسدية، فهي أعراض نفسجدسية psychosomatic وهي نوع من الهيستيريا التحولية Hysterical conversion الذي تعجز فيه النفسية عن تدبير الصراع فتصرِفه لأعراض جسدية. وتختفي الأعراض عند الحديث عن السبب أو معالجته.
فالمهمّ هنا هو قبولك لمسألة أنك وقعت في الحب وهذا طبيعي بغض النظر عن تصرفاتك معه، حتى إن وصلت معه لمستويات مخزية بالنسبة لك. وتقبلين بنفسك كإنسان يحتاج عاطفيا لشريك. وتقبلي بأنّ الحب مثله مثل أي عاطفة أو عَرَض يخصّ الإنسان يتعايش معه ويُحسن تصريف طاقته واختيار أحسن المسالك له. كحاجة الجوع عندنا، نختار لها أحسن تصريف فلا نأكل إلا طيبا ولا نأكل إلا ما يخصنا ولا نتصارع مع أصل الحاجة للطعام !!
تأملي في تربيتك وقيمكم الأسرية وهل فضّل أبويك الذكور على الإناث وافتخروا بهم أكثر منهنّ، فأحببت أن تكوني لا شعوريا ذكرا قويا غير حسّاس ؟ فلا بد هناك أسباب أو أحداث حملتك على كرْه الضعف والحساسية وحب القوة. فالحساسية ليست قلة حيلة ولا عجز. لكن المفارقة هنا يا أختي أنّك في سعيك لرفع شبهة الحساسية عنك، كنت أكثر حساسية مع نفسك وانتقادات الناس لك حتى صرت تتحسّسين من أنوثتك نفسها التي تحظى من قبل البنات بالدلال والرعاية والإنماء ! فانقلب السحر على الساحر !
فأنت في الحقيقة تعطين انطباعا واضحا جدا لحساسيتك وتؤكدين انتقادات غيرك بالسلوك الفعليّ. عكس لو تقبّلت حساسيّتك وأنوثتك ورقّتك (وهذا هو الأصل) وقلت بثقة ورضى: أنا حساسة ورقيقة ثم ماذا بعد ؟ !
الحساسية يا أختي شيء رائع في الإنسان، وإن زاد عن حدّه يُقلّم قليلا ويُزيّن بشيء من النضج والتصبّر على الانفعالات السلبية الناتجة عنه. فأن تكون الشجرة غزيرة الأوراق متوحشة ثم نقلّمها ونزيّنها. أفضل من أن تكون منضودة موحشة فنُحاول عبثا أن ننبت فيها أوراقا! هذا معنى أن تكون لك مادة خام من الحساسية والرقة التي يفتقدها الناس كثيرا. عكس أن تنعدم نهائيا ولن تجديها حتى إن حفرتِ عميقا في نفسك فتحرمين نفسك وغيرك من ثمارها الطيبة.
إن تقبلت نفسك، سيتقبّلك أهلك وأصدقاؤك ويمدحونك بحساسيتك، إن أحسنت استخدامها. لأن هناك من عنده حساسية مفرطة وثقة مهتزة وقلة نضج فيصير صبيانيا لا يُطاق. أما من يُحسن استخدام تلك المادة الخام ويبرع في استخراج أجود المواد منها. فلا شك سيسهل عليه أن يكون راقيا إنسانيا محبوبا من قبل الناس. لأنه يشعر بهم، ليّن الكَنَف وطيب العشرة، يراقب أقواله وأفعاله من أجل الناس حتى لا يجرحهم، ولا يضر نفسه أيضا بتلك الرقابة لدرجة يخنُقه الناس ويدوسون على حقوقه !
ولن تهربي من "عار الحساسية" كما ترينَها بمجرد هروبك من الدكتور. لأنها صفتُك وأنت تكرّسين لها كل يوم بهذا الكبت والتجاهل. ولا بمجرد هروبك من الفتيات الرقيقات اللاتي يذكّرنك بذاك القتيل المدفون في صدرك (أنوثتك) ويُشعرنَك بخطأ قرارك لمّا تشعرين بجمال رقة الأنثى أمامَك وكم هو لائق بها، وأنّك مثلهنّ وأقرب إليهن مما تتصوّرين! وتتذكرين بذلك مشاعر التأنيب وتتذكرين بأنّك جندي على حدود "مبادئك" المُعادية للأنوثة. جنديّ سيخون وطنَه ويسمح للأعداء بالتسلل(مشاعرك المكبوتة) ولن تُسامحي نفسك بعد تلك الخيانة (لمهمة لم يأخذ عليك فيها أحد عهدا). كما شعرت بالخيانة لما تصالحتَ مع أنوثتك وارتديت وتنعّمت بحيوّية مشاعرك وثورانِها. في حين تئنّ الكثيرات تحت وطأة البرود !
إن الحلّ سهل وبين يديْك، تتقبلين حساسيتك وتعيدين صياغة مفاهيمك عن الضعف والعجز وأن بعض العجز هو من الإنسان وبه يكون إنسانا. فأن نعجز عن "عدم الحبّ" هو ما يجعل منا بشرا. كما أن عجزنا عن قتل الناس يجعلنا بشرا ! وأن نعجز عن التجبر والاستبداد، وتجاهل معاناة الآخرين، يُعدّ فضيلة تتلاشى في مجتمعاتنا. وأن نعجز عن إيذاء من نحبّ رفعة، وأن نعجز على التحوّل لوحوش نعمة. وأنّ المجتمع في حاجة "للحساسين" فما كان اللين في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. ولا أظنّ اللين إلا يد الحساسية الممتدّة !
حاولي قلب مفاهيم الأسرة وتجاهلي انتقاداتهم القديمة بجروحها والجديدة منها، حاولي بعثرة القيم بالتأمل فيها على ضوء قبولك لحساسيتك وأنوثتك وأنّه شيء ثمين وكريم وليس عارا ندفنه. حاولي قبول أنوثتك مع نفسك وتكريمها عن كل عبث مع من لا يستحقّها. فلا تكتشفيها أو تطلقي عنانها وأنت تشترطين لها وجود رجل قد يؤلِمُك بها. وحتى إن تألمت من تجربة ما، فلا تلومي أنوثتك بل قفي عند حدّ التصرف الخاطئ وتعلّمي منه. (عالجي الغصن بدل اقتلاع الشجرة)
ويبقى احتمال وارد جدا، هو أنّ الأنوثة عندك مُجملا، لا تعني إلا شيئا واحدا وليس لها إلا تجسّد واحد، وهو "الجنس" الذي ترفضينه داخل نفسك، وتعارضينه حسب تربيتك وما لقّنوك عنه. فأن تكوني ناعمة في تصرفاتك، أنثوية مع نفسك يعني بشكل مباشر أنّ غول الجنس سيُطلّ الآن ويُحطّم كلّ شيء ويدمّر كل فضيلة ! وأنّ أولّ الأنوثةِ هو آخر الجنس ليس عندك في ذهنك مسافة فارقة بينهما. وما دام الجنس هو الأنوثة اللعينة وأن الأنوثة هي الجنس اللعين، فالتدابير التي تتخذينها لكبت هذا هي نفسها لكبت تلك. كمن قيل له لا تخرج فالأخطار محدقة، فقطع رجليه !
لا يا أختاه.. أنت تحتاجينهما، وأنوثتك منك، وستكونين ممتنة يوم تحتاجينها كما سيكون ممتنّا ذاك الذي قطع رجليه لمّا سيدخل عليه المعتدون فيضطرّ لطلب الأمان ركضا خارج البيت وليس داخله كما العادة ! أو ببساطة لكي يعيش حياتَه بشكل طبيعي كإنسان يمشي على قدميه! وأنت أيضا ستحتاجين أن تمارسي أنوثتك خارج أسوار بيتك، أي مع زوجك، وقد كان قبلها مصدر خوف ونفور.
فكما توهّم صاحبنا أن ذنبَه هو امتلاكُه رجلين يمشي بهما وليس المعتدون (الرجال في حقّك) أو الذين بالغوا في تخويفه (أسرتك). توهّمت أنت أيضا أنك مذنبة بمجرد أنك أنثى يطمع فيها الغير، وقنبلة موقوتة للعرض وفضائحه. فكانت أنوثَتك ووجودك هي ضحيّة هذا الصراع والتخوّف فشَمْلتِ الكلّ بمنجل واحد. واتّخذ الصراع بشكل خفيّ قضية "الضعف وقلة الحيلة" كشماعة لا شعوريّة لنبذ عقدة أعمق متعلقّة بالجنس والفضيلة والطّهر. يكون فيها الضّعفُ هنا عبارة عن عِرضك وعرض عائلتك، وأنّك بؤرة الزلزال الحسّاسة، ما إن تتململ حتى تقع الكارثة، أو عقِب أشيل Achilles' heel في جسم الأسرة الشامخ الطاهر المحترم. وأنك جوهرة لكنها "سهلة الخدش والتدنيس" أو ورقة محارم تُرمى بعد الاستعمال عكس الذكور الذين تُشكل لهم القوة ذلك التحرر من عار الفضيحة بل والرخصة في التمتع الجنسي دون رمي المسؤولية عليهم حتى إن كانوا مغتصبين ! فهم منشفة تُغسل ويُعاد استعمالها عكس البنات في مجتمعاتنا !
ولعلّي أرى العلاقة بين حساسيتك وبين لعبك دور "صمام الأمان" مضحيّة بأنوثتك، فلأنّك أكثر حساسية وحرصا على أسرتك وسُمعتها وثقة أبويك بك، كنت الأكثر تأثّرا لدرجة كبيرة حتى تمنعي أي شيء من التسرّب. فأرحتِ بالهم وأتعبت بالك يا فيميل !
فحاولي وضع هدف لا تسحقين فيه نفسك، ومبادئ عفّة بين هذا وذاك، بنضج واعتراف وأيضا تمنّع وكبرياء. فلا تعارض أبدا بين أن تكوني رقيقة حسّاسة وممتنعة في الوقت ذاته عمّا يشوبك ومتعالية عن كل عابث.
أما بالنسبة لقولك (ومش متخيلة نفسي في يوم من الأيام أنفع أبقى زوجة أو أم عشان بيجلي هاجس أن الزوج أو الابن هيخلوني ضعيفة وتحت رحمتهم بسبب حبي ليهم .) بالعكس ! ستكونين زوجة رائعة متفجرة بالطاقة، تملئين حياة زوجتك رقة وحرصا، وأُمّا حنونة يتمناها كل طفل. شرط أن تعتبري ضعفك قوة وأن تتخليّ عن الكبت المضرّ (وبعضه الآخر صحيّ).
وأيضا أن تختاري إنسانا نبيلا راقيا لا يستغلّك بسبب حبّك له، بل يكون ممتنّا مقدّرا لحساسيتك وتفانيك وحاجتك، وإن كان عكس ذلك، ألاّ تتوانيْ عن الفراق مهما أحببتِه لأنها ستكون علاقة مؤذية لك. وأيضا لا تنسي أن تقرئي كثيرا حول العلاقة الزوجية وأساليب التربية السليمة وعن المفاهيم الجنسية أيضا (علميا ودينيّا من المعتدلين الصادقين)،
حتى تنفضي عنك ذلك الغبار الخفي المتبقي الذي تراكم من عملية الكبت. وحتى لا تخطئي فتفتحي صمّام الحب والحنان والعناية لدرجة تُفسدين فيها أطفالك، فيلعبون على وترك الحسّاس ويتحكّموا فيك، ثم تعودين للوم أنوثتك وحساسيتك وهي من ذلك بريئة، والخطأ خطأ تربية وجهل بطبيعتها.
وأتمنى لك التحسّن، وربما تحتاجين مختصا من النساء يعمل معك على هذا الجانب إن عجزْتِ. وتابعينا بأخبارك:
وإليك بعض الروابط،
عقدة الجنس: هل أنا طبيعية؟ نعم ونصف!
شرف المرأة وشرف الرجل وقضايا حساسة
ويتبع >>>>>>: الأنوثة المحاربة ..تصالحي معها م