الغربة والاكتئاب وتكرر نكسات أمي الصحية التي تزيد من الضغط
أنا وأمي فقط انتقلنا من سوريا إلى تركيا بسبب ظروف الحرب وأقمنا بتركيا ل3 سنوات والآن انتقلنا إلى كندا منذ سنة أنا 27 سنة أمي 67 سنة، لدي اكتئاب مزمن نتيجة الغربة عن الوطن وتكرر مشاكل أمي الصحية.
كنت بتركيا أعاني الاكتئاب بنسبة قليلة نوعا ما كون المجتمع التركي قريب إلى العرب والحدود قريبة من سوريا وما إلى ذلك. وعندما انتقلنا إلى هنا شعرنا بضغط نفسي كبير بسبب فرق الثقافة والتقاليد وقلة العرب ونظام الحياة المختلف كليا واكتئاب أمي وتكرر مشاكلها الصحية الصدرية المتعلقة بالربو والالتهاب الصدري المزمن copd
أرى بوجودنا هنا مستقبل بالجنسية والصحة مع العلم نظام الصحي هنا سيئ بالخدمة والجودة للأسف وتفاجئنا بهذه النقطة عند وصولنا غير ذلك البلد جيدة جدا ..
أنا وأمي نشعر بالوحدة والغربة وكأننا وحيدين حتى مع وجود بعض الأصدقاء من أبناء البلد !
ايجابيات التي تمنعي من العودة لتركيا أو سوريا أو مصر أو أي بلد عربي نشعر فيه بالراحة النفسية الاجتماعية وما يمنعني في داخلي للرجوع
أولا الجنسية التي لم يتبقى لنا سوى سنتين للحصول عليها كون الجنسية هنا 3 سنوات فقط
ثانيا نظرة الأقارب والآخرين إلينا إذا عدنا فهنالك الكثير بالطبع يحلم بفرصتنا بالذهاب لكندا للحصول على الجنسية كحد أدنى أو غير ذلك
ثالثا فرصتي لتحصيل بعض العلم هنا
رابعا أمي تريد أن أدرس هنا لكي أحقق شيئا مع العلم بوجود نفس الضغط النفسي المتعلق بالغربة عليها
أريد التوجيه والنصح كيف نصبر على ما ابتليتنا وما هو أنسب حل
وشكرا لكم وجزاكم خيرا
3/10/2017
رد المستشار
الابن السائل..
معك في مهجرك الاضطراري نحاول التأمل والتعلم!!
سأضع لك رابط استشارة سابقة فيها تشابهات مع قصتك، وفي إجابتي عليها ما يفيدك، بحيث أضيف، ولا أكرر!!
(صدمات متتالية: شذرات من الوجع السوري) ثم دعني أذكرك بأن ما نعيشه من أحوال يؤثر على نفوسنا كما ندركه، ونتعامل معه!!
بمعنى أن وجودك خارج البلد الذي ولدت ونشأت فيه قد تراه أنت محنة، ومشكلة، وغربة...إلخ
لكن غيرك يمكن أن يراه فرصة يتعرف فيها على مجتمع مختلف، ونظام مختلف، وثقافة مختلفة، وبالتالي خبرة وتجربة تثري وتنضج، ومن ثم يتعامل بإيجابية، ويبحث عما يمكن أن تضيفه له هذه الخبرة من تكامل بين مميزات الشمال والجنوب، أو الشرق والغرب.
أتحدث أنا عن التعارف والتواصل والتكامل بين البشر من خلفيات مختلفة حين يبحثون عن المشتركات الإنسانية، وعن نقاط التميز في كل إنسان، ونقاط القوة في كل ثقافة.
لست من هواة تمجيد ثقافة على حساب أخرى، ولست من أنصار التعارض، والتنافر بين المختلفين، ولكن أنا أستمتع بالتعرف على الألوان كلها، وأستكشف تفاصيل الاختلاف بشغف ودهشة مثل طفل يتعرف على العالم حديثا، وفي مشاعره طزاجة الملاحظة، وإبداع المقارنات للوصول إلى المتشابهات، والتنويعات، والانفتاح لبناء جديد نحتاجه لذواتنا، وأوطاننا!!
الله أخرجنا من أوطان كانت مثل الرحم الذي اعتدنا العيش فيه، ولكنها كانت بنفس الوقت مثل شرانق (جمع شرنقة) وأكفان تحنطت فيها (من التحنيط) عقولنا، ونفوسنا، وتكلست أرواحنا حتى صرنا أقرب إلى الموت الإنساني، مع استمرار شكل من البقاء، أو بقاء أشكال من الحياة الآدمية شبه منزوعة الإنسانية!!
هل أذكرك كيف كانت سورية قبل الأحداث؟!
هل تخدع نفسك حين ترى بعض أجزاء الصورة القديمة للوطن، وتتعارض عن أجزاء أخرى؟! هل أوطاننا فعلا سعيدة أو مستقرة؟!
على كل حال شاءت الأقدار أن تتحطم الصورة القديمة، وصار متاحا بل مسؤولية وواجبا أن نفكر في بناء جديد، وصورة جديدة!!
الطريقة التي تربينا بها وعليها أوصلتنا إلى أن نكون مثل حيوانات القوقع: ضعف شديد في البنية الشخصية والنفسية محبوسة في كهف صلب لا تستطيع العيش خارجه بل تجره فوق ظهرها حيثما ذهبت لأنها لا تستطيع مواجهة الرياح، ولا البقاء في الشمس، ولا الحركة دون عزلة بداخل مفاهيم وممارسات معينة يختلط فيها الخير بالشر، والقهر بالتكاتف، وتلاوة القرآن بسطوة السلطان!!
منذ عقود طويلة تحولت بلدان العرب إلى مساحات طاردة للعقول المبدعة، ولكل باحث عن الحرية الفكرية والشخصية، وعن النظام، والنظافة، وعن فساد إداري وسياسي أقل بكثير، وعن إيجابيات كثيرة ملموسة صرت تراها أنت حاليا، وتعيش في إطارها خلال حياتك اليومية.
وما يدهشني أن من هاجروا طواعية من قبلك ظلوا يرددون تخاريف "إما" – "أو"!!
إما "نحن" أو "هم"، بمعنى أنك من السهل أن تجد عربا قد خلعوا كل ما يربطهم بثقافتهم الأصلية، وكـأنها صارت عارا يريدون التبرؤ منه، وهم غارقون في الإشادة والتمجيد بالمعجزة الغربية!! خلعوا القوقعة وذابوا في المحيط.
وفي المقابل ستجد المحتفظين بالقوقعة، المدافعين عن أوطان دمرتها المطامع والمفاسد، وخربتها الذمم الساقطة، وجهود الشر الطويل!!
وهؤلاء يهاجمون سلبيات الحياة الغربية، ويحاولون الانعزال عنها في جيتوهات، أو محميات اجتماعية، وهي ممارسة خائبة، وفاشلة بامتياز.
ونحن نعيش هذا البؤس منذ عقود، ولعله قد حان وقت الخروج منه!! الخروج من الرؤى الطفولية المرضية لأنفسنا وللعالم!!
أنت لم تغادر الجنة يا ولدي، ولا تعيش حاليا فيها، ولا توجد جنة على الأرض، وأوطاننا خربة مدمرة تحتاج إلى إعادة بناء، وإعادة البناء لن يقوم بها من خربوها، ولن يستطيعها من ذابوا حتى انطمست ملامحهم، ولا من يلوذون بالقوقع، والمعازل!!
بناء الإنسان خطوة أولى لازمة، والمهمة تحتاج إلى مرونة، وإلى تواصل، وإلى مراجعات لجوانب الإخفاق، وتعميق للحوار، والتفاهم، والتعارف والتكامل، بمعرفة الذات، والتواصل مع الآخرين.
هذه مقدمة طالت، ولكنها جزء هام من إجابتي على سؤالك لأن تصوراتك عن الوطن، وعن الغربة، وعن المهارات المطلوب منك اكتسابها تبدو مشوشة، وهذا التشوش مؤثر عليك، ووالدتك ليست بعيدة عن نفس المأزق!!
بالإضافة إلى نصائحي للشاب صاحب الاستشارة سالفة الذكر أوصيك أن تتوقف عن الشكوى والنحيب والقلق، وأن تتدرب على تأمل الفرص والمميزات التي تلوح أمامك وحولك!!
يوميا ابدأ نهارك بتأمل ما تعيشه، ويحيط بك، أو يحدث لك، أو على مرمى إدراكك من نعم، ولو كانت بسيطة، فإن الامتنان وحده هو الذي سيفتح لك الطريق إلى مستقبل مختلف حين ترى الفرص الصغيرة، وتدرك أبعاد التحديات.
لا تغادر إلى أي بلد آخر، ودعك من التخاريف عن بلدان يمكن يمكن أن تشعرك براحة نفسية، أو اجتماعية:
لا أوطان العرب كذلك، ولا غيرها... إنما تعب كلها الحياة، والأفضل أن تتأمل الفرص حيث أنت، وتبدأ في معرفة مصادر القوة والدعم بداخلك، أو من حولك، والتفاعل مع التحديات واحدا واحدا.
أذكرك بأن اللغة الإنجليزية مفتاح أساسي ومهم فلا تتأخر في تعلمها، بل وإجادتها.
تعرف على حقوقك جيدا فيما يخص علاج والدتك، وأحسب أن حالتها وحالتك النفسية تلعبان دورا كبيرا في أي اعتلال تشكوان منه!!
ابتعد عن تجمعات الشكوى، والنحيب المتواصل والذي تمارسه وتجيده دوائر كثيرة من المصريين، والسوريين أيضا... بعضهم يمارسه!!
وابتعد أيضا عن المنسلخين من جلودهم أولئك الذين يحاولون التقليد، والادعاء، أو يرددون تخاريف التمرد الطفولي على كل ما كانوا، هؤلاء لا يقلون خطرا عن جماعة القواقع، وكلاهما خطر!!
أنا عبر الفيسبوك وقع معي عدة إعلانات عن أنشطة متنوعة موجهة للمهاجرين، وبعضها عنهم، وستجد تجمعات كثيرة من سكان كندا"وأغلبهم مهاجرون" يبحثون عن التواصل، وحريصون عليه.. ليس على قاعدة الإدماج والإلحاق أي أن تكونوا مثلهم!! ولكن على قاعدة التعارف والتواصل والتكامل في تبادل المعارف والخبرات، وخدمة المصالح، ودعم العيش المشترك، وسد الاحتياجات، وقضاء الأوقات معا بشكل نافع، وممتع. كما ستجد أنشطة متنوعة للتجمعات الإسلامية من أقطار مختلفة، وهذه أيضا مساحة للدهشة والاستكشاف والتواصل.
ابحث عن هذه التجمعات، وعن تلك الأنشطة، واللغة كما قلت هي مفتاح الكنز، كنز التواصل الإنساني الذي ألمح إليه القرآن في قوله تعالى: "لتعارفوا".
حان الوقت للتركيز على ما ينفعك وأمك، والحياة أمامكما فيها نظرة الأقارب، وكلام الناس، ونحيب العرب على أوطان سكتوا على تخريبها، ولن يبنيها غيرهم – إن فقهوا.
وفي الحياة أيضا منافع ومتع أخرى – لمن يفتح عينيه وعقله، والواقع إنما يتشكل بإدراكك أنت، واختيارك، وتابعنا بأخبارك.. دمت بخير.