هل يحاسبنا الله على وساوسنا ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد أن قرأت كتابك الرائع يا دكتور وائل (الوسواس القهري بين الدين والطب النفسي) قد شعرت بالفعل بتحسن شديد للغاية وملاحظ من مرض الوسواس القهري.
وهذا لعدة أسباب منها إدراكي أني لست وحيدا في هذه المعاناة وعدة أسباب لا يتسع الوقت لشرحها ولكني صادق في كلامي فوالله لا أرى ما يستدعي التداوي بعد فهم وإيقان والاقتناع بكل كلمة في هذا الكتاب وخاصة طريقة العلاج السلوكي المعرفي لأبي زيد البلخي والتي أدرجتها فى كتابك.
فجزاك الله كل خير على هذا المجهود.
ولكن كان لي سؤال واحد في هذا الموضوع وهو إذا كان الله سبحانه وتعالى يحاسب الإنسان على ما أتاه من وساوس أم لا... خاصة وإن كانت من نوع الوساوس القهرية بصيغة أفكار اجترارية.
ويمكن أن تسأل نفسك يا دكتور وائل عن سبب طلب هذا السؤال منك في هذا المكان، فهذا المكان ليس لشيوخ ولا لمجمع فتاوى لأحد الشيوخ.
والجواب أن حضرتك عارف رد الشيوخ في هذا الموضوع بسبب الخلط القديم المعروف بين الوسواس القهري ووسواس النفس والشيطان... وأنا أعذرهم في هذا
ولكني توسمت وأحسست فيك الطبيب النفسي المسلم الحق الفطن.
فأريد منك الجواب إن شاء الله.
وجزاك الله كل خير وأعانك يا دكتور.
15/1/2018
رد المستشار
الأخ العزيز: أهلا وسهلا بك على موقع مجانين وشكرا على ثقتك وإطرائك الطيب.
أذكر أني أجبت في الكتاب الذي تشير إليه الوسواس القهري بين الدين والطب النفسي على هذا السؤال، ولكنني سأجيبك هذه المرة إجابة أوفى بإذن الله تعالى.
سؤالك هذا يعتبر سؤالا فنيا فقهيا إلى حد كبير، وما أقوله أنا في الرد عليك ليس فتوى لأنني لست أهلا للفتوى، ولكنه اجتهادٌ مبني على فهم للموضوع. وأبدأ من قاعدة فقهية تقول بأن أحكام الشرع تتعلق بأفعال المكلفين الإرادية، وبالتالي فإن الحلال والحرام والحساب والثواب والعقاب كلها أمور تتعلق بما نفعله بإرادتنا ونملك فيه أن نفعل أو لا نفعل، وبالتالي فإن الأفكار المقتحمة أو الاقتحامية حتى وإن كانت من نوع أفكار السبِّ أو التطاول الكفرية - والعياذ بالله - وهي أحداثٌ عقلية لا يملك صاحبها لها منعا ولا دفعا- هي خارج ما نحاسب عليه _والله أعلم_، وذلك بالطبع ما دام صاحبها لا يعرف أنها مرضٌ أو عرض مرضي، ولكنه إن عرف وجب عليه طلب العلاج واقرأ ما قلناه لصاحب مشكلة : مسلم يعاني من الوسواس: ماذا عن العلاج م
وينطبق نفس الكلام فيما أحسب على النزعات القهرية وغيرها من أعراض اضطراب الوسواس القهري، وأما الأفكار الاجترارية Obsessive Ruminations ذات المحتوى الديني أو المتعلق بالعقيدة وهي موضوع سؤالك، فأحيانا ينزلق المريض فيها مدفوعا برعبه وخوفه من التوقف عن التفكير وهي في هذه الحالة اجترار قهري، ولكن كثيرا ما يتبعها المريض دونما قهر وإنما رغبة منه في الوصول إلى ما يسميه اليقين أو أحيانا إدمانا أو تسلية أو إعجابا بوسوسته وتماشيا أحيانا مع سمات شخصية فيه.
وأرى مثلما أظن أنك وغيرك تتفقون معي أن الحالة الأولى لا إرادة للمريض فيها إطلاقا، بينما الحالة الثانية التي لا قهر فيها فإنها مما يدخل في نطاق الحلال والحرام لأنها أفعال عقلية إرادية ولو جزئيا، ولا أحسب أن قولا فصلا في هذه القضية يمكن أن ينطبق على جميع الحالات لأن الشخص الوحيد المسؤول عن تقييم مقدار غياب إرادته في هذا هو الشخص نفسه وهو مسؤول أمام الله، وأظن أن الهدي النبوي في هذا الموضوع معروف ودليله.
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم:"يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته" صدق رسول صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري ومسلم.
2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله، فإذا جاءه شيء من ذلك فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم وليقل آمنت بالله" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواهُ البخاري في صحيحه.
وأنصحك بأن تقرأ هذين الرابطين:
الوسواس له علاج لماذا الرعب؟
الوسواس القهري والصلاة.
وساوس الشرك : كفرية وكفرجنسية متى نحاسب ؟
المسؤولية الدينية لمريض الوسواس القهري
وأهلا وسهلا بك دائما فتابعنا بأخبارك.