السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أخاف من الاختناق عند البلع،
مشكلتي وبكل اختصار أني أخاف من البلع لأني أخاف أحيانا أن أختنق وأنا أبلع، علما بأن هذه المشكلة ابتدأت عندي منذ شهرين تقريبا وأنا متضايقة جدا من هذه المشكلة،
أرجوكم أفيدوني.
20/8/2003
رد المستشار
وصلتنا هذه الرسالة المقتضبة ولم نستطع الفصل في أمر صاحبتها فأرسلنا إليها الرسالة التالية:
(الأخت السائلة العزيزة من فضلك نريد معلومات أكثر عن حالتك، مثل:
0هل من حدثٍ أو أحداث معينة تزامنت مع بداية هذا العرض؟
0كيف أثر ذلك على حياتك وتفاعلك مع العائلة؟
0كيف تأكلين الآن وخلال هذه المدة أي ما أنواع الأطعمة التي تستطيعين أكلها دون خوف؟
0هل هناك أعراضٌ أخرى؟
0وهل هناك تاريخ أسري أو عائلي للمرض النفسي في أسرتك؟
0هل أنت شخصية قلقة بطبعك؟
0كيف تصفين نفسك أسريا واجتماعيا ودراسيا؟
0كل هذه المعلومات مهمة جدا لنا، ونحب أن نطمئنك إلى أننا معك وسوف نرشدك إلى الطريق السليم إن شاء الله).
وكان ردها علينا كما يلي: (لا أحس أن هذا بالشيء الخطير لأن لا مشكلة عندي مع أكل الطعام والحمد لله المشكلة بدأت معي في المدرسة فقد كنت أبلع لعابي وإذا بي في خوف مفاجئ، ومع هذا الخوف أحسست أن لدي صعوبة في التنفس وكنت أتنفس بسرعة،
وعندما أرجع للبيت أتمكن من بلع اللعاب دون خوف ولكن إذا جاء وقت المدرسة ارتبك، وإذا وصلت إلى هناك وخصوصا الفصل تبدأ عندي صعوبة البلع وأحاول أن آكل قطعة من الحلويات وذلك لتساعدني على البلع ولكن إذا أحسست أنها ستنتهي أضع قطعة حلويات أخرى في فمي
وخلال الامتحانات الشهرية في نهاية العام أثر ذلك على درجاتي قليلا إذ أنني أكمل حل الأسئلة في وقت قياسي وذلك لتسليم الورقة دون مراجعة والخروج من الفصل للذهاب إلى المنزل، أما في الامتحان النهائي فهذا لم يؤثر علي كثيرا وذلك لأن الفصل كان آخر وكنت سعيدة لأنه آخر امتحان ولم أحتج لتلك الحلويات كثيرا.
أما بالنسبة لعلاقتي بأسرتي فهي وطيدة وشخصيتي قوية في المنزل وخارج المنزل أي في المدرسة ومع صديقاتي رغم أنني لست اجتماعية ولا انطوائية أحب الجلوس مع الجماعات وأحيانا أخرى لا أطيق أن أكلم أحدا أما بالنسبة إلى وجود الأمراض النفسية في عائلتي فلم يصب أحد في عائلتي بأي مرض نفسي يذكر).
وقد كان في ردها هذا ما جعل الأمر يبدو لنا بصورةٍ أوضح، فبعد أن كدنا نفكرُ في أشكال عسر البلع Dysphagia نفسية المنشأ المختلفة، ومن بينها اللقمة الهستيرية Globus Hystericus (إحساس بوجود كتلةٍ في الحلق تسببُ صعوبةً في البلع أو تعوقُ البلع) وهي ما تندرج تحت الفئة التشخيصية اضطرابات جسدية الشكل Somatoform Disorders والتي تحتاج في علاجها إلى جلسات علاج نفسي ومعرفي طويل الأمد، وأيضًا في احتمال وجود أحد الرهابات النوعية Specific Phobias، الذي تشتكي فيه المريضة من خوفها من أن تختنق وهيَ تبتلع الطعام الصلب فتتجنبُ كل طعامٍ صلبٍ ولا تتناول إلا السوائل أو ما تمكن إسالته من الأطعمة،
حيث تكونُ الحالةُ على علمٍ واقتناعٍ بأن خوفها غير مبررٍ وغير منطقي ومبالغ فيه أيضًا لكنها رغم ذلك لا تستطيع التخلص لا من فكرتها ولا من خوفها بحيث تنطبق عليها معايير تشخيص الرهاب النوعي، وتحتاج في علاجها إلى جلسات العلاج السلوكي، لكن الخوف هنا يكونُ من ابتلاع الأشياء الصلبة وليس الماء ولا اللعاب أي عكس شكوى السائلة.
وهكذا بعد أن حيرتنا السائلة العزيزة بقولها (مشكلتي وبكل اختصار أني أخاف من البلع لأني أخاف أحيانا أن أختنق وأنا أبلع)، إذا بالأمر أهونُ كثيرًا مما توقعناه، وإذا به يرتبط أصلاً بالفصل الدراسي (بمعناه المكاني) وبفصلها هيَ وليس بأي فصل آخر،
وليس بالمدرسة كلها، وإذا بالحكاية التي بدأت أصلا منذ شهرين بدأت فجأةً بينما هيَ في الفصل ويبدو أنها كانت قلقةً لسببٍ أو لآخر لم توضحه لنا فكل ما قالته (بدأت معي في المدرسة فقد كنت أبلع لعابي وإذا بي في خوف مفاجئ، ومع هذا الخوف أحسست أن لدي صعوبة في التنفس وكنت أتنفس بسرعة)، فهل ما تتحدث عنه السائلة هنا هو نوبةُ قلقٍ عابرٍ (لا تصل بالطبع إلى مستوى نوبة الهلع) أحست خلالها بالخوف على نفسها من الاختناق، فإذا بها تحس بأن تنفسها أصبح أصعب، وأسرع بالتالي وهو ما نسميه بفرط التهوئة أو فرط التنفس Hyperventilation ونراه في مرضى القلق بوجه عام وفي مرضى الاضطرابات الانشقاقية التحولية Dissociative Conversion Disorders أو ما كان يسمى قديما بالهستريا.
وبعيدًا عن الجدل التصنيفي والتوصيفي فإن ما حدثَ هو أن السائلة العزيزة ربطت بشكل أو بآخر بين هذه الحادثة وبين وجودها في فصلها الدراسي، فكانت في البيت على ما يرام ولكنها عندما يحين وقت المدرسة ترتبك بسبب خوفها من تكرار ما حدث، ولكن الأمر أيضًا يبدو مرتبطًا بتوترٍ زائدٍ لديها وشعور بعدم الراحة في المدرسة لم تذكر لنا أسبابه أو لعلها لا تدري بها، وأما الطريقة التي كانت تتغلبُ بها على خوفها فكانت أن تضع قطعةً من الحلوى في فمها حتى إذا انتهت استبدلتها بأخرى، وهيَ رغم ذلك لا تحبُّ البقاء كثيرًا في المدرسة حتى أنها كانت تجيبُ على أسئلة الامتحان بسرعة لتقصر من وقت بقائها في المدرسة،
والحقيقة أننا نحمد الله أن تلك الحالة لم تتكرر وإن شاء الله لن تتكرر، وإن كنا نخاف على السائلة من كثرة تناول الحلوى التي قد تؤدي إلى زيادةٍ غير مرغوبٍ فيها في وزنها إن كان جسدها من الأجساد القابلة للزيادة، ولكننا في نفس الوقت نشعر بشيء من عدم الفهم حيال ما يمكنُ أن يقوم به أكل قطعة من الحلوى في المساعدة على البلع؟ إلا إن كانت السائلة تتحدثُ عن جفاف في الحلق قد يكونَ أحد أعراض القلق Anxiety، حيث يكونُ مفعول الحلوى هنا هو زيادة جريان اللعاب(الذي تخاف أصلا من ابتلاعه!!)،
المهم أننا نقترح عليك إن كان جسدك قابلاً للزيادة أن تستبدلي قطع الحلوى بقطعة العلك (اللبان) فهي أفضل في هذه الحالة، ولكننا عندما نتذكر إشارتك في إفادتيك الأولى والثانية إلى أن الأمر يحدثُ أحيانا، وعندما نقرأ ما جاء في إفادتك الثانية (أما في الامتحان النهائي فهذا لم يؤثر علي كثيرا وذلك لأن الفصل كان آخر وكنت سعيدة لأنه آخر امتحان ولم أحتج لتلك الحلويات كثيرا)
فإننا نستطيع طمأنتك إلى أن الأمر أبسط بكثيرٍ من أن يستدعي القلق، وعليك في حالة تكرار مثل هذا الخوف أو الشعور بضيق الصدر أو الاختناق ألا تربطي بينه وبين المكان الذي تكونين فيه لأن لا علاقة أصلاً، وأن تفعلي ما قد يبدو عكس المتوقع وهو أن توقفي تنفسك إراديا لمدة تتراوح بين ثلاثين ثانية ودقيقة كاملة، فهذا سيحل المشكلة على عكس ما تتوقعين لأنه يؤدي إلى زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الدم والذي يستثير المراكز العصبية الموجودة في جذع الدماغ Brain Stem والمسئولة عن التنفس وعمل القلب، وفي النهاية نتمنى أن نكونَ قد أجبنا على تساؤلك وقللنا من مخاوفك وتابعينا بأخبارك،